حوار مع طبيب في جامعة هارفارد .. يعكف على إعداد أفلام فيديو بهدف توعية المرضى

الدكتور أنجيلو فولانديز (Dr. Angelo Volandes)، الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة هارفارد، يعكف على إعداد عروض مصورة (أفلام الفيديو) بهدف توعية المرضى ومساعدتهم على اتخاذ قرارات يتوصلون إليها استنادا إلى معلومات طبيبة وثيقة. وقد أجرينا معه هذا الحوار حديثا في مكتبه في مستشفى ماساتشوستس العام..
ما الذي دفعك لاختيار أفلام الفيديو؟
- لقد كنت دوما من المهتمين بالأفلام، وكان بعض أفراد عائلتي منتجا هاويا للأفلام. وبعد اجتيازي السنة الثالثة في كلية الطب بجامعة ييل أمضيت سنة طالبا في برنامج دراسات الأفلام في الجامعة.
وقد جاءتني فكرة توظيف الأفلام المصورة للمساعدة في توعية المرضى بعد مقابلتي لاثنين منهم في بداية خدمتي الطبية. وقد اقتنعت أنه حتى المرضى المتعلمون، ليست لديهم فكرة واضحة حول ماهية ما يجري في ردهة الإنعاش في المستشفيات مثلا، أو عن ماهية مرض الخرف المتقدم.
ولذلك إذن فقد قمت بإنتاج فيلم واقعي عن ماهية الخرف المتقدم؟
- نعم. وهو عرض مصور يستغرق دقيقتين تقريبا. وتصور فيه امرأة كبيرة في السن، تبدو سليمة وبصحة جيدة في الواقع ومحاطة بالرعاية. ويظهر في الفيلم ابنتاها وهما يرعيانها ويتحادثان معها، إلا أنها لا تستجيب للمحادثة. وهناك مشهد قصير وهي تتغذى بطعام مهروس. ولم أوظف في هذا الفيلم أي إيماءات أو توجيهات عند الإخراج، لكي يكون واقعيا قدر الإمكان.
ما هي أهدافك من ذلك الفلم؟
- لم يكن هدفي إنتاج فيلم أو تجسيد فكرة، بل رغبت في أن أثبت أن العروض المصورة يمكن استخدامها ويمكن أن تكون فعالة في توعية المرضى. ولكننا نحتاج إلى اختبارها بتمحيص كاف في تجارب المراقبة العشوائية السريرية لكي نثبت ذلك.
وما هي النتائج؟
- النتائج هي في التقرير الذي يشار إليه غالبا، الذي نشر في المجلة الطبية البريطانية «BMJ» عام 2009. وقد كنا قد سجلنا 200 شخص من كبار السن من الأصحاء في 4 مستوصفات للرعاية الأولية. وقد وزع عدد من الأشخاص بشكل عشوائي على مجموعات لمشاهدة العروض المصورة، بينما استمع آخرون لتسجيلات تصف حالة الخرف المتقدم.
ثم بعد ذلك سألنا كل المشاركين عن رغباتهم بشأن نوع الرعاية التي يريدونها إن حدث وأصيبوا بحالة الخرف المتقدم، أي هل يريدون رعاية مدى الحياة life prolonging care - أو رعاية محدودة (limited care)، (الدخول إلى المستشفى، تناول المضادات الحيوية، ولكن عدم الخضوع إلى عملية إنعاش فلبي - تنفسي)، أو إلى «رعاية الراحة» (comfort care). وقد مال الأشخاص الذين شاهدوا الفيلم على الأغلب إلى اختيار «رعاية الراحة».
إلا أن أهم الأمور في الفيلم هي أنه أدى إلى زيادة وعي الأشخاص بالمعلومات. وقد سألنا المشاركين أسئلة لها أجوبة «صح - خطأ» حول الخرف المتقدم - مثل سؤال: «هل يستطيع المصابون بالخرف المتقدم التحادث مع أحبائهم؟»، ووجدنا أن الأشخاص الذين شاهدوا الفيلم كانوا أكثر إجابة بنعم، ولذا فإنهم أصبحوا أكثر وعيا، وسيختارون على الأغلب «رعاية الراحة».
ولكن، ألا يغير الناس آراءهم؟
- نعم .. إلا أن أبحاثنا أظهرت أن الأفلام «تثبت استقرار رأي» – إن جاز التعبير - الأشخاص في أفضليات اختياراتهم. كما أنها تظهر كذلك أن مشاهدة الأفلام لا ينبغي أن تكون الوسيلة الوحيدة فقط من المناقشات أو عند اتخاذ القرار.
هل هناك خطر من أن تقدم هذه الأفلام صورة أحادية عن المشكلة؟
- التحيز هو أحد الأمور التي تثير الاهتمام بالتأكيد، وينبغي تجنبه. ولهذا فإننا نستخدم عملية مراقبة بشكل جيد. فمثلا في ما يخص الفيلم عن السرطان الذي أنتجته بنفسي، فقد تم تدقيق محتواه من التعليقات 7 مرات عند عرضه على 50 من الاختصاصيين في السرطان، وعلى أطباء آخرين، وعلى أشخاص أصيب أحد أفراد عائلاتهم بالسرطان. ثم وبعد تقطيع ومونتاج الفيلم جرى تقييمه مجددا.
وقد تطلب إنتاج هذا الفيلم عن السرطان الذي يستغرق 7 دقائق، مني، سنتين لإنهائه، بينما ينتج ستيفن سبيلبيرغ 5 أفلام سينمائية خلال سنتين! 
ولكن، كم هي كمية المعلومات التي يمكنك وضعها فعلا في فيلم قصير؟
- إنني متحدث جيد. ولكن، ولكي تتمكن من التعبير عن الأفكار بالصور، فإنك حتى ولو كنت متحدثا جيدا فإنك لن تستطيع أن تتفوق على الصورة المجسدة.
وإن كانت الصورة تساوي ألف كلمة، فإن الفيلم المصور يعادل مئات الآلاف من الكلمات.
وهناك كثير من الأبحاث عن الإعلام المتعدد، التي تظهر أن الإنسان عندما يشاهد العروض المصورة ويستمع إلى التسجيلات الصوتية فإنه يعالج المعلومات أفضل بكثير من استماعه للتسجيلات فقط.
وتبدو نتائج بحثنا هذا مؤثرة على منظومة الرعاية الصحية. فما لم تصل مجهوداتنا الحالية إلى الناس بحيث يمكنهم أن يتخذوا قراراتهم المستندة إلى معلومات طبية، فإننا نكون حينذاك في معضلة حقيقية.
ما هي الأفلام التي أنتجتها؟
- لقد أنتجت سلسلة من العروض المصورة باسم «أهداف الرعاية» (goals of care) للأشخاص المصابين بحالات متقدمة من أمراض القلب، والسرطان، والأمراض الأخرى. كما أن لدينا عروضا مصورة خاصة للعائلات التي لديها مرضى في غرف الإنعاش.
إن كل شخص يواجه مصاعب صحية كبيرة يواجه نفس المشكلة، مهما كان نوع مرضه. ومن الأسئلة المطروحة هنا: ما هي الرعاية المطلوبة؟ وما حجمها؟ ما هي الأهداف؟ أين تريد أن تموت؟ وهذه الوسائل المساعدة مثل الأفلام تساعد المصابين على الإجابة عن تلك الأسئلة.
وقد أنشأت منظمة غير ربحية وأرسلت هذه الأفلام إلى 25 منظومة للرعاية الصحية، وكانت استجاباتها إيجابية بشكل فائق.
لماذا يحتاج المصابون إلى أفلام، أو غيرها، مثل «وسائل مساعدة لاتخاذ القرار»؟
- لأن مسألة اتخاذ القرار في ميدان الطب، تتغير. فهناك كثير من القرارات حاليا، في جو لا يوجد فيه خيار صحيح وحيد واحد. ولذا فإن الاختيار الصائب يتم عندما أحصل بنفسي، بوصفي طبيبا لك، على المعلومات حول قيمك، وأفضلياتك، بحيث يمكنني توجيهك.
وتساعد وسائل المساعدة في اتخاذ القرار هذه، الأطباء والمرضى في التعرف على تلك القيم والأفضليات. وباعتقادي فإن الأفلام - بوصفها وسائل مساعدة لاتخاذ القرار - ستصبح في السنوات الـ 5 المقبلة، وسيلة قياسية في ميدان الرعاية الطبية.