مصممو الأزياء .. بين هندسية الـ «آرت ديكو» ورومانسية الـ «باروك»
04:31 م - الأربعاء 5 سبتمبر 2012
العلاقة الحميمية التي تربط الموضة والفن ليست وليدة الساعة، فقد بدأت منذ العشرينات، منذ أيام المصمم بول بواريه ثم إلسا سكابيريلي والسيد كريستيان ديور وغيرهم ممن صادقوا أمثال سلفادور دالي وكوكتو وتعاونوا معهم. هذه العلاقة لم تتوقف واستمرت منذ أيام إيف سان لوران في السبعينات، إلا أنها في المواسم الأخيرة أصبحت أكثر ديمقراطية بعد أن انتقلت من عروض الأزياء إلى شوارع الموضة.
هذه المرة لم تقتصر على فنان واحد، بل على مدارس بكاملها، كما لم تتبنَّ مدرسة معاصرة بقدر ما عادت إلى سحر الماضي لإعادة رسمه وتشكيله. فقد رأينا مثلا عودتهم إلى عدة مدارس، من «الفن الجديد» (نوفو آرت) الذي استقت منه المصممة نيكول فارحي تشكيلتها الأخيرة، إلى فن الـ«آرت ديكو» والـ«باروك».
وكلها مدارس أو حركات فنية كانت نتاج بيئة معينة أو حالة اجتماعية واقتصادية. فالفن الجديد «نوفو آرت» مثلا، بأشكاله العملية والبسيطة، كان نتاج الثورة الصناعية التي انطلقت شرارتها في بداية القرن التاسع عشر، وظل جزءا منها إلى أن اندلعت الحرب العالمية الأولى.
والمثير أن هذه الحركة الفنية عانقت الثورة الصناعية ولم تحاول التمرد عليها إلى حد أنها كرست نفسها لترجمة كل جزئية منها في مجال فني، سواء كان رسما أو معمارا، مما يفسر غلبة الأشكال الهندسية مثل الأقواس ونصف الدوائر والأبراج، فضلا عن الخطوط البسيطة التي تتوخى العملية.
تعاملت هذه الحركة الفنية أيضا مع كائنات وأشكال لم تكن تخطر على البال مثل الحشرات والأعشاب وغيرها من الأشياء التي وجدت طريقها إلى شركة «لاليك» المتخصصة في الديكورات الزجاجية على سبيل المثال.
بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، تراجعت هذه الحركة لصالح الـ«آرت ديكو» بعد أن سئم الناس البساطة والخطوط المحددة. كانت هذه الفترة متعطشة إلى الزخارف والألوان المتوهجة والحياة المترفة، الأمر الذي تجسد في المباني وشتى الفنون، بما في ذلك الأزياء والإكسسوارات.
ثم دخلت هذه الحركة عالم الموضة في عام 2008، ولم تتزحزح عن مكانتها حتى الآن وإن شهدت أوجها هذا الصيف. ما يثير في الأمر أن هذه الحركة التي ولدت في العشرينات من القرن الماضي، وعاشت في بداية الثلاثينات واحدة من كبرى الأزمات المالية العالمية، مما يجعل تزامن ظهورها مرة أخرى في عام 2008، ومع اندلاع أزمة اقتصادية عالمية أخرى، مثيرا للتساؤل.
هل أعادها المصممون كوسيلة هروب من الواقع الكئيب؟ أم هي مجرد هروب من التصاميم المحددة التي تعقد الحياة أكثر مما هي معقدة؟ أم هي فقط رغبة في السفر إلى حضارات بعيدة مثل مصر القديمة أو الأزتيك لإضفاء البهجة على النفس من خلال الألوان والزخرفات؟
سواء كان هذا أو ذاك أو مجرد صدفة، فإن الواضح أن جماليات هذه الحقبة شكلت منجما للكثير من المصممين، الذين استلهموا منها خطوطا هندسية وألوانا متوهجة براقة ترجموها في تصاميم تتراقص حينا على إيقاعات الجاز وتستند حينا آخر إلى المكعبات وفن العمارة والزخرفات التي لا دور لها سوى الزينة والبريق وذلك الإحساس بالترف والتميز.
ما أدركه المصممون في العشرينات من القرن الماضي أن الناس يتوقون للانعتاق من حالة البؤس والمآسي التي عاشوها خلال الحرب العالمية الأولى، وهذا ما عملوا عليه.
قرأوا أيضا أن العالم يعيش ما يشبه النهضة الفنية والثقافية والاجتماعية شملت بداية تحرر المرأة من قيود العصر الفيكتوري إلى جانب رغبة محمومة في معانقة الحياة بكل متعها من دون تفكير في ما يخبئه المستقبل، فأسهبوا في البريق من خلال أقمشة اللاميه وإضافة خامات حديثة مثل المعادن والأخشاب.
هذا لا يعني أن الموضة حينذاك كانت ديمقراطية، بل العكس تماما، لكن ما يحسب لها أنها كانت تشجع على مظهر مستقل وخاص وعلى حرية الاختيار. وهذا ما تشجع عليه الموضة الحالية إضافة إلى كونها أكثر ديمقراطية بفضل شوارع الموضة التي تتلقف كل الاتجاهات وتطرحها بأسعار معقولة تراعي كل الميزانيات.
في روايته الشهيرة «ذي غرايت غاتسبي» التي جسدها روبرت ريدفورد وميا فارو في فيلم أصبح من الكلاسيكيات، نجح الكاتب سكوت فيزتجرالد في رصد هذه الحقبة اجتماعيا واقتصاديا. ولأن رالف لوران كان هو مصمم أزياء الفيلم، فإنه عاد إلى هذه الحقبة في تشكيلته لهذا الصيف من خلال فساتين تقطر ذهبا وبخصور منخفضة وتايورات مفصلة.
في عرض دار «غوتشي» أيضا ظهرت العارضات بالريش والشراشيب وأشكال تجريدية أحيانا وألوان متوهجة مثل الأخضر الزمردي والذهبي طبعت الكثير من التايورات على وجه الخصوص.
تشكيلة مارك جايكوبس أيضا لا تترك أدنى شك في أنه صوب أنظاره إلى العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي رغم أن خطوطها كانت من الأربعينات. نفس الشيء قامت به ماركات أخرى مثل «بي سي بي جي» للمصمم ماكس ازريا و«إيترو» الإيطالية، التي قالت مصممتها فيرونيكا إيترو استوحت أشكالها وألوانها من بناية «غرايزلر» بنيويورك.
وفي أسبوع لندن الأخير، عانقت ماريا غراشفوغل هي الأخرى هذه الموجة، وقدمت تشكيلة مطبوعة بالـ«آرت ديكو» حينا وفترة الجاز حينا آخر. وصرحت المصممة قبل العرض بأنها تعشق هذه الحقبة لأسباب كثيرة، منها أنها: «كانت الفترة التي شهدت فيها المرأة بداية تحررها وعلاقة غير مسبوقة مع الأزياء.
فقد تخلصت من الكورسيهات الضيقة، وبدأت تلبس أقمشة ناعمة ومثيرة وتصاميم منسابة ومريحة .. كان هناك نوع من التناغم بين المتناقضات»، حسب قولها. هذه التناقضات ظهرت في عرضها من خلال مزج أقمشة اللاميه المنسابة بالتويد والتصاميم المفصلة بأخرى منسابة بخصور منخفضة، إلى جانب بنطلونات التشارلستون العريضة والطويلة.
وإذا كان الـ«آرت ديكو» قد تسلطن في الموسم الحالي فإن المؤكد أنه تطور وزاد زخرفة ليأخذ شكل الفن الباروكي. وهذا ما يقترحه علينا المصممون لموسمي الخريف والشتاء المقبلين، سواء من حيث الأقمشة الدافئة مثل البروكار والمخمل، أو التطريزات الغنية التي تمنح الزخرفات بُعدا أغنى مما تعودنا عليه في الـ«آرت ديكو» لأنه أكثر سخاء وزينة.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الحركة التي بدأت جذورها في روما وعرفت أوجها على يد مايكل أنغلو ودافنشي لم تختفِ في أي فترة من الفترات، وإن أجريت عليها عمليات كبيرة للتخفيف من توهجها.
للموسمين المقبلين قرر كل من مارك جايكوبس، مصمم دار «لوي فويتون»، «دولتشي آند غابانا»، «غوتشي»، «ألكسندر ماكوين»، وآخرين، أن يعيدوا إلى هذه الحركة بعضا من بريقها من خلال أزياء تتحدى الأزمة الاقتصادية وتعانق الترف بكل تفاصيله.
كل جزئية منها تضج بفخامة تنبعث من التطريزات وأقمشة البروكار والجلد المرصع بالأحجار والحرير والريش والمخمل.
وامتدت هذه الفخامة إلى الإكسسوارات من الحقائب إلى الأحذية التي تحول بعضها إلى ما يشبه اللوحات الفنية استوحيت تارة من أعمال فيرمير وتارة من أعمال روبنز أو رامبرانت أو من رسومات أسقف بيوت وكنائس إيطالية قديمة.
قد تبدو هذه الموضة غنية جدا، إلى حد يثير الشك بأنها قد تصيب بالتخمة، لكن المؤكد أنها ستدخل الكثير من الدفء في الأمسيات الشتوية تحديدا.
همسات:
- صحيح أن الأشكال الهندسية كانت جزءا من الـ«آرت ديكو» والـ«آرت نوفو»، إلا أنه من المهم أن تكون بجرعات محسوبة لتأثير قوي. من حسن الحظ أن الكثير من المصممين اعتمدوا هذه الأشكال بأسلوب يخدم المرأة بحيث يخلق انطباعا بالرشاقة في بعض الأجزاء من الجسم، كأن يكون الجزء الأمامي بالأبيض والجوانب بالأسود أو لون غامق.
- ليس بالضروري أن تكون هذه الأشكال بالأبيض والأسود، ولا بأس من زخات من الألوان.
- إذا كانت التصاميم الهندسية المحسوبة لا تناسبك وتميلين إلى الأسلوب المنساب، فعليك بفساتين بخصر منخفض أو مستقيم تزينه شراشيب من تحت أو أحجار ضخمة عند الصدر أو الياقة.
- يمكنك أيضا الاكتفاء بالإكسسوارات لخلق إطلالة تلقي بتحية إلى أي من هذه المدارس الفنية، سواء كانت حقيبة يد أو حذاء أو قلادة، وإن كان هذا الموسم يركز على الأزياء أكثر من الإكسسوارات عندما يتعلق الأمر بهذه الموضة.
- بالنسبة للبنطلونات، فإن التصاميم الواسعة مع جاكيت توكسيدو أجمل طريقة لإلقاء تحية إلى العشرينات على شرط أن تكوني سخية في استعمال إكسسوارات تقطر بالذهب أو الفضة، سواء كانت على شكل حزام أو حقيبة أو قلادة وأقراط أذن.
- عندما يتعلق الأمر بفن الـ«باروك»، فإن الحذر واجب والتخفيف من التطريزات الغنية أساسي. فتشكيلة «دولتشي آند غابانا» مثلا يمكن أن تقتصر على مناسبات المساء والسهرة إلا في حالة تفكيكها واستعمالها كقطع منفصلة يمكن تنسيقها مع قطع أخرى بسيطة.
من جهتها اختارت مصممة دار «غوتشي» فريدا جيانيني فن الـ«باروك» الخالي من التطريزات، إذ اعتمدت على المخمل وترفه لتحقيق تأثير قوي، مما جعل كل قطعة من عرضها عصرية تناسب امرأة تواكب الموضة واتجاهاتها كما تناسب امرأة كلاسيكية كل مناها أن تبدو أنيقة دون مبالغات.
- تبقى الإكسسوارات دائما أفضل طريقة للتعامل مع أي موجة جديدة. فقلادة ضخمة مثلا يمكن أن تضفي على فستان بسيط بعدا باروكيا، خصوصا إذا ترافقت مع تسريحة شعر مناسبة يزينها طوق أو دبوس، كما جاء في عرض «دولتشي آند غابانا» مثلا. يمكن الاكتفاء أيضا بحذاء أو حقيبة يد.