موضة صيد البحر .. بطعم اللؤلؤ والفيروز
12:00 ص - الخميس 19 أبريل 2012
علاقة الإنسان بالماء علاقة حياة وموت .. حقيقة يعرفها الكل وتتأكد يوما عن يوم، أما علاقته بالبحر وأجوائه فعلاقة حب مبنية على صيد خيراته والغرف من جمالياته قدر الإمكان، لهذا من النادر أن تجد شخصا لا تثيره فكرة البحر أو صورته، فإن لم يتعلق الأمر بأمواجه وصوت هديره، فحتما بألوانه المهدئة للأعصاب وما يوحيه من تخلص من القيود الرسمية التي تفرضها المدن.
من هذا المنطلق كان من البديهي ألا تغيب تأثيراته في الأدب أو السينما أو الموضة، وبالنسبة للموضة، فإن المصممين، في كل موسم ربيع وصيف، لا يفوتون على أنفسهم فرصة الإبحار فيه والغوص في أعماقه لينقلونا إلى عوالم ساحرة ألوانها لازوردية وسماؤها زرقاء صافية وشمسها ذهبية ساطعة وشعابها مرجانية .. عوالم تستحضر في الغالب جزر المالديف أو كابري أو الريفييرا وما شابهها من المنتجعات الصيفية.
وفي كل مرة تأتي هذه التصاميم بقوة البحر في مده وجزره، وأيضا في تأثيره على الحواس والمزاج، وكأنه يمنحهم طاقة وحيوية هم في أمس الحاجة إليها بعد خريف وشتاء باردين.
ولم يختلف الأمر هذين الموسمين، حيث نقلتنا حركة البحر القوية في رحلات إلى كل أنحاء العالم، من خلال الأزياء والإكسسوارات والمجوهرات على حد سواء.
في عرض «شانيل»، الذي أقيم في «لوجران باليه»، مثلا، تمت تغطية الأرضية بأعشاب ورمال ومرجان وقواقع بحرية كلها بالأبيض، وبينها زُرعت كتل عملاقة تمثل المحار واللؤلؤ أيضا بالأبيض، فيما نصب الباب الذي تخرج منه العارضات على شكل محارة ضخمة.
برودة الأبيض كانت الخلفية المناسبة لتشكيلة تراقصت فيها ألوان الأزرق والمرجاني والأخضر مع الشيفون والتويد والحرير، كما كانت منعشة في إكسسوارات غلب عليها اللؤلؤ، وزينت العارضات من الرأس إلى أخمص القدمين، بالمعنى الحرفي.
فقد ظهرت كمشابك ودبابيس للشعر، وكأحزمة وقلادات، كما رصعت الحقائب والصنادل والأحذية. إلى جانب ألوان المرجان والأزرق بدرجاته، كان الأبيض قويا أيضا في الأزياء، في رغبة من المصمم أن يجسد من خلاله صفاء الماء، أو ما يشبه رغوة الموج الهائج كما هو الحال في تنورة مستقيمة فوق الركبة وفي فساتين وتايورات من التويد الخفيف.
التصاميم التي تميزت ببليسيهات أو طيات صغيرة كانت أيضا محاولة منه لخلق شكل تكسر الأمواج، أو أشكال طحالب خصوصا في تلك التي جاء بثنيات ملتوية ومعقدة.
كارل لاغرفيلد، كعادته، لم يترك أي جانب لم يستغله أو يفكر فيه، وتأثير البحر وخيراته، وعلى رأسها اللؤلؤ، لم يكن الوحيد الذي زين بعض القطع، حيث رصع بعضها أيضا بقطع زجاج خفيفة وشفافة بدت وكأنها قشور أسماك.
لعبة المبالغة والاهتمام بأدق التفاصيل راقت على ما يبدو لمصمم «شانيل» المخضرم، ففي شهر يناير (كانون الثاني) الماضي وخلال أسبوع الأزياء الراقية، استعمل 150 درجة من اللون الأزرق في تشكيلته، بحيث كان اللون الوحيد فيها ولم يضاهيه مبالغة سوى التطريزات وبريقها.
وإذا كان كارل لاغرفيلد استلهم تشكيلته للربيع والصيف الحاليين من جلسة تصوير تحت الماء لمجلة «فوغ» النسخة اليابانية، كما اعترف في ما بعد، فإن ابن جيله جيورجيو أرماني لم يذهب بعيدا بل إلى جزيرة «بانتيليريا» الصقلية، حيث تقع فيلته الصيفية.
ومنها استوحى تشكيلة تتماوج بالأزرق والفضي على أقمشة هفهافة تميزت ببليسيهات هي الأخرى، وخصور منخفضة تستوحي خطوطها من حقبة العشرينات من القرن الماضي وترفها.
الإحساس الذي خلفه كل زي أنه كان ينسدل وكأنه شلال على الجسم حتى عندما يكون مفصلا عليه، بفضل الأقمشة الخفيفة التي غلب عليها الحرير والساتان والألوان المعدنية التي تجعل الناظر يشعر ببرودة منعشة تسري بين ضلوعه.
تجدر الإشارة إلى أن علاقة أرماني بالماء لا تقتصر على الموضة والإكسسوارات والعطور فحسب، بل تمتد إلى أعمال إنسانية مهمة.
فهو مثلا يتبنى مبادرة بهذا الخصوص بالتعاون مع الصليب الأخضر العالمي لجمع التبرعات من أجل توفير الماء الصالح للشرب في الصحراء الأفريقية الجنوبية.
كل قارورة تباع من عطره «أكوا دي جيو» تساعد على توفير 100 لتر من ماء الشرب في المنطقة، وفي عام 2011 وحده، تم توفير أكثر من 43 مليون لتر بفضل هذه المبادرة، وهو الأمر المهم إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه في غانا وحدها يفتقر 40 في المائة من السكان للماء الصالح للشرب.
البحر كان حاضرا أيضا في أسبوع لندن، وإن لم يقتصر الأمر هنا على ألوانه وأجوائه، بل طال النقوشات أيضا، وليس أدل على هذا من تشكيلتي الثنائي «بيتر بيلوتو»، والمصممة ماريا كاترانزاو.
ففيما رسمت هذه الأخيرة كائناته وقواقعه وشعابه على الكثير من القطع، فإن الثنائي المكون من المصممين بيتر بيلوتو وكريستوف دي فوز، قدما تشكيلة كانت ثمرة رحلة قاما بها إلى إندونيسيا.
وبعد عرضهما اعترفا بأن المنطقة سحرتهما بطبيعتها الخلابة وألوان شواطئها، وتجسدت ترجمة هذا الإعجاب في فساتين ناعمة وأخرى بتنورات مستديرة بألوان البحر وخيراته من مرجان وفيروز ولازورد ولؤلؤ.
وبدورها قامت دار «مالبوري» برحلة إلى شاطئ البحر، بيد أنها وبحكم هويتها وتوجهها البريطانيين، لم تذهب بعيدا، واحتفلت بشاطئ لا يبعد عن لندن سوى ببضع ساعات بالقطار، قد يكون في «برايتون» أو «بورنموث» أو «كورنوول».
مصممة الدار، إيما هيل، لعبت في هذه التشكيلة على كل ما تقدمه هذه الشواطئ من متع بدءا من الألعاب والملاهي والبوظة والحلويات. لهذا كان مهما بالنسبة لها ألا تركز على الأزرق وحده، بل على ألوان الصيف ككل، من أصفر وأخضر وبرتقالي ولسان حالها يقول إن الصيف حاضن كل الألوان.
الأزرق من الألوان التي تتناغم مع كل الألوان تقريبا، لكن هذا لا يعني أن كل درجاته مناسبة لجميع البشرات، فاختيار الدرجة الخطأ يمكن أن يضفي على البشرة إما شحوبا أو قسوة، خصوصا حول العينين، فيما تفتح الدرجة المناسبة منه العيون وتجعلها أكثر سحرا ولمعانا:
- إذا كنت شقراء ببشرة شاحبة، فعليك بالأزرق الذي يدخل فيه البنفسجي
- إذا كنت بيضاء وشعرك بنيا فاتحا، فعليك بالفيروزي
- إذا كان شعرك فاحما وعيناك سوداوين فأنت محظوظة، إذ بإمكانك استعمال كل الدرجات بما في ذلك الأزرق النيلي الذي لا يناسب الكل، علما بأن الأزرق النيلي بديل رائع للأسود، في حال شعرت بالملل منه أو أردت التغيير من دون التنازل عما يمنحه لك من رشاقة وأناقة
- الأزرق الداكن يتماشى مع كل الألوان تقريبا، شرط أن تكون هي الأخرى بدرجات داكنة، فيما يتناغم الأزرق المتوهج مع البنفسجي العميق أو الأحمر الداكن. المهم ألا تنسقيه مع الأبيض وحده، لأنك في هذه الحالة ستبدين وكأنك أخذت فكرة البحر بشكل مبالغ فيه يفتقد إلى الخيال
- لم يكتسب اللون الأزرق سمعته الإيجابية كلون أنيق ومهدئ للأعصاب إلا في العصور الوسطى، فقبل ذلك لم تكن له شعبية، بل كان يعتبره اليونانيون القدامى لون القبح والوحشية.
يعود الفضل في هذا إلى الفنانين الذين بدأوا يستعملون صبغات باللون الأزرق يتم استخراجها من حجر اللازورد الأفغاني النادر والغالي الثمن
- في عالم المجوهرات، يعتبر الماس الأزرق نادرا ومرغوبا فيه، ويقال إن الطبيعة تنتج ماسة واحدة بالأزرق مقابل 10.000 ماسة بيضاء
- أفخر أنواع الفيروز يأتي من جبل نيسابور (نيشابور) في شمال شرقي إيران، يليه جودة الفيروز المصري ثم الأميركي