الصم والبكم .. عالم صامت في مجتمع صخب
12:00 ص - الخميس 12 أبريل 2012

هذا الملاك المغلف في ثوب إنسان هو واحد منا يعيش بيننا ويعتبر جزءا لا يتجزأ من مجتمعنا هذا الإنسان هو أخي وأخوك الأصم المريض وليس المعاق
خاص الجمال - سماء هاني
عند الدخول إلى المكان تشعر بسكون وهدوء يسيطران على الأجواء من حولك، كل شيء يعتليه الصمت والهمهمة البسيطة والهمسات الحائرة.
وعند رؤية أحدهم تجده يستقبلك بابتسامة صريحة وصرخة خفية؛ يتبسم في وجهك تاركا لديك انطباعا أكيدا بأنه مسرور بمقابلتك، ويصرخ صرخة صامتة ليخبرك أنك قد تأخرت كثيرا وهو بحاجة ماسة إلى مساعدتك.
وعند التحدث إليه تجده إنسانا صافيا ذا قلب نقي وشفاف، لا يعرف الخبث أو المكر ولا يتمتع بدهاء البشر الموجودين في حياتنا، لولا أن خلقه الله إنسانا لوصف بالملاك، وكل حلمه في الحياة أن يصبح إنسانا غير معاق.
هذا الملاك المغلف في ثوب إنسان هو واحد منا يعيش بيننا ويعتبر جزءا لا يتجزأ من مجتمعنا، هذا الإنسان هو أخي وأخوك الأصم المريض وليس المعاق!
فبعد تفكير طويل في الإعداد لهذا الموضوع، اتجه قلم "الجمال" إلى هذا العالم الصامت الساكن كي يلتقي بمجموعة من أفراده من نزلاء الجمعية المصرية لرعاية وتأهيل الصم وضعاف السمع بمصر الجديدة.
التقينا بأحد مترجمي الإشارات هناك، الأستاذة "نجلاء محمد طلعت"، التي ذكرت:
"أن المعاقين هم أشخاص مثلنا يعيشون حياة عادية للغاية، ولكن من أكثر الصعوبات التي تواجههم مسألة العمل، فمجتمعنا لا يهتم كثيرا بشئون الصم، هذا بخلاف ما تقوم به الدول الأجنبية من رعاية الصم إعلاميا ومهنيا وفي شتى النواحي.
وبالرغم من قيام العديد من المنظمات والشركات بإخبارهم أنهم ليسوا معاقين بل لديهم جهاز معطل فقط، إلا أن هذا يشعرهم بالحزن العميق ويلجأون إلى عقد الكثير من المؤتمرات وحضور المقابلات والاجتماعات كي يثبتوا أنهم جديرون بالقيام بتلك المهمة أو هذا العمل.
وبالنسبة لأنشطتهم اليومية فهم يحبون كثيرا الرياضة ولا سيما كرة القدم، ونحن لدينا هنا فريق كرة القدم من الأشبال والأطفال والكبار، ويقومون باللعب في مراكز الشباب الكبيرة يومي الأحد والأربعاء بمنطقتي الوفاء والأمل ومركز شباب الجزيرة، تحت إشراف مدرب من الصم أيضا وآخر من المتكلمين لمساعدتهم في توجيهات الملعب والفريق بشكل عام.
فهم ينتمون إلى اتحاد اللجنة البرالمبية للمعاقين الحاصلة على المركز الأول في كرة القدم والعديد من الجوائز والميداليات.
أما عن تعليمهم فأبناء الجمعية يذهبون إلى مدرسة الأمل للصم حتى الدبلوم الثانوي، ومن ثم يلتحقون بالكثير من المعاهد والكليات ولا سيما كليات الحاسب الآلي لحبهم الشديد للكمبيوتر.
كما أن لديهم نادٍ مقره بوسط البلد وهو عبارة عن شقتين بهما كمبيوتر وتليفزيون وإنترنت وطاولة وشطرنج، ويجتمعون من أجل اللعب والتحدث أو إقامة الندوات الدينية.
والجمعية تستقبل الأطفال من سن سنة ونصف إلى سبع سنوات ثم إلحاقهم بمدرسة ضعاف السمع، حيث يتم تدريبهم على التخطاب وتعويدهم على النطق بالحروف.
فجلسات التخطاب تساعدهم على التحدث ويسمعون القليل بواسطة السماعات الطبية، أما تفسير الأمور كأي شخص طبيعي من غير المعاقين سمعيا فيكون أمرا صعبا بالنسبة لهم، ولكن هذا لا ينفي أن التخطاب يجعلهم أفضل بكثير من ذي قبل.
من ناحية أخرى تساهم الجمعية في زواج الصم، من خلال أخذ صورة للعريس وأخرى للعروس وبيانات كل منهما، وفي حالة القبول يلتقيان معا للتحدث ودراسة كل منهما لشخصية الآخر إلى أن يحدث الزواج من عدمه".
وعند سؤالها عما إذا صادفت حالة ولادة طفل أصم لدى أسرة متكلمة أو العكس، أضافت:
"أنا ولدت لدى أسرة صماء وتعلمت منهم الإشارة قبل الكلام لأن الطفل بشكل عام يتعلم تلك اللغة أولا، أما اللغة الناطقة فقد تعلمتها عندما ذهبت إلى الحضانة.
وفي حالة ولادة طفل أصم لدى أسرى متكلمة، فهم يأخذون وقتا طويلا كي يكتشفون صمم طفلهم، ولكن على الأهل اتخاذ الإجراءات السريعة لمساعدة ابنهم والمتمثلة في دروس التخطاب من أجل تخزين كمية أكبر من الكلمات ومن ثم النطق أسرع".
اتجهنا بعد ذلك لمقابلة "سامي أحمد فؤاد سليم" واحد من الصم ومدير نشاط فريق كرة القدم بالجمعية، الذي أفادنا بمساعدة أحد مترجمي الإشارة بالآتي:
"إن من أكثر الصعوبات التي أواجهها أثناء تدريب الصم هو كثرة نسيانهم للتوجيهات الرياضية، وأنا واحد من محبي كرة القدم منذ عام 1961 حيث تطورت من كوني لاعبا إلى مدرب ومن ثم مدير نشاط الكرة.
فأنا أهتم كثيرا بأمور كرة القدم وأذهب إلى الأندية، وأطمح يوما ما أن نصبح مثل النادي الأهلي وأن نجد من يهتم بنا ويرعانا، لكن ما يحزنني كثيرا هو عدم مشاركتنا في أي من البطولات، وقد حاولت كثيرا القيام بذلك ولكن يبدو أن الأمر يحتاج أيضا إلى ثورة لتحقيق هذا.
فلا يوجد من يلتفت إلينا بالرغم من أننا نمشي على أرجلنا ونفكر بعقولنا، وإعاقتنا تلك هي ابتلاء من الله ليس لنا تدخل فيها.
وتبقى الجمعية وحدها هي من تدعمنا ماديا ومعنويا بما يتوافق وإمكانياتها المتاحة، ولكن نبذ المجتمع لنا يؤثر على مستوى الفريق الأدائي والرياضي ونضطر إلى اللعب بدون فرحة أو هدف نسعى إليه.
فما نطلبه هو أنه من حقنا اللعب مع فرق المحافظات الأخرى وغيرنا من المعاقين، وأعتقد أن تكلفة ذلك لن تكون باهظة للغاية، وكم طلبنا من فرق الأشخاص العاديين اللعب معنا، وكانوا يبدون الموافقة دون اتخاذ الإجراءات المنفذة لذلك، فهو مجرد كلام لا أكثر.
فما أريده حقا هو أن يحدث دمج مع الصم والمتكلمين وليس بين المعاقين وبعضهم البعض فقط، فلماذا يشعروننا دائما بأننا أشخاص منبوذين؟"
بهذه الكلمات وتلك التساؤلات أنهى الكابتن سامي كلامه، ونحن وإن كان من المفروض مهنيا وصحفيا أن نلتزم بالحيادية، إلا أننا في هذا الموقف لا نملك سوى أن نصدق على كلامه ونتساءل، لماذا يعتبر الصم أو المعاقين أشخاصا منبوذين؟ أهم من اختاروا إعاقتهم تلك؟ أم هم أشخاص مجرمون يلجأ المجمتع إلى طردهم من بوتقته؟ أليس لهم الحق في الحياة والعيشة الكريمة؟ أم كتب عليهم القدر البقاء مدى الحياة بين جدران الجمعيات الخيرية وأسوار الإعاقة؟!
أسئلة كثيرة تُطرح وتُثار، ولكن الإجابة تبقى لمن كان له قلب وأذنين، وأخيرا ما يمكننا قوله هو لك الله أيها الأصم، وكفاك أن بُشرت بالجنة في دار الخلد والمقامة.