مخ الأطفال .. حقائق مدهشة

العلماء يستكشفون أسراره
العلماء يستكشفون أسراره

رغم أن الجميع تتملكهم الدهشة والإعجاب بحركات الأطفال وتعبيراتهم العفوية؛ فإن معظم الناس لا يعلمون الكثير من الحقائق العلمية عن مخ الأطفال، الذي يحيط به الغموض، ويحوي الكثير من الأسرار. وقد بدأ العلماء بالكاد محاولة معرفة الكثير من تلك الأسرار، وذلك من خلال دراسات متعددة وأبحاث. 
ومن أهم تلك الدراسات، مجموعة من الأبحاث القيمة قامت بها طبيبة من الولايات المتحدة هي الدكتورة «ليز إليوت Lise Eliot»، وهي أستاذة مساعدة في علم الأعصاب في جامعة شيكاغو وأصدرت عدة كتب عن مخ الأطفال.
خلايا المخ
الحقيقة أن الغموض يبدأ من الوجود في رحم الأم، وحتى قبل أن تدرك الأم أنها حامل، إذ بداية من الأسبوع الأول من الإخصاب، يبدأ تكوين ما يمكن اعتباره بداية لتكوين الخلايا العصبية.
ولكن الخلايا العصبية التي تعتبر المكون الأساسي للمخ لا يتم اكتمالها قبل بداية الأسبوع الرابع من عمر الطفل، وهذه الخلايا تسمى بـ«النيورون - neuron»، وتتكون بسرعة مذهلة نحو 250000 خلية عصبية في الدقيقة لتصبح مليارات من الخلايا العصبية التي تتجمع وتتصل بعضها البعض عن طريق حلقة وصل أو نقاط التقاطع العصبي «synapses».
ورغم أن معظم الخلايا العصبية يتم تكوينها أثناء الحمل فإن وجود هذه التقاطعات «synapses» لا يحدث إلا بعد الولادة من خلال الاحتكاك بالبيئة، واكتساب مهارات على كل المستويات سواء الاجتماعية أو المعرفية، ولا يكتمل نموها إلا بعد بلوغ الطفل عامه الثاني.
وبعد الولادة ومثل جميع أجهزة الجسم، يبدأ حدوث التطور الوظيفي في المخ من مجرد أداء عضوي، إذ يبدأ المخ في اكتساب المهارات والخبرات والنمو المعرفي التي تحتاج إلى وقت. وعلى سبيل المثال فإن أول ابتسامة للطفل تكون في الفترة من الأسبوع الـ 10 وحتى الأسبوع الـ 14 من العمر، ويكون للبيئة المحيطة بالطفل أثر كبير في ذلك، حيث إن الأطفال الذين يعيشون في بيئة غنية بالمؤثرات الحسية والبصرية والاجتماعية يكتسبون مهارات ونموا معرفيا أكثر من أقرانهم بالضرورة، بل إن الأطفال والمراهقين الذين يعيشون حياة خاملة ولا يوجد بها أي محفزات لعمل المخ والنمو المعرفي واكتساب خبرات حياتية - سواء من التعليم أو من البيئة - فإنهم يفقدون يوميا 20 مليون من التقاطعات العصبية «synapses».
اكتساب الخبرات
ومن المعروف أن الخبرات الحياتية التي يتعرض لها الطفل تغير من تركيب المخ، وتزيد قدراته الفسيولوجية، حيث إن تطور المخ يعتمد على النشاط «activity dependent» بمعنى أن التوصيلات العصبية في المخ تشبه الدوائر الكهربائية في جهاز الكومبيوتر من حيث إنها تكتسب المعلومات من تدفق التوصيلات العصبية أو الكهربائية، ولكن الفرق أن الدوائر الكهربائية في المخ - إذا جاز التعبير - ليست ثابتة، ولذلك كل خبرة مفيدة حتى ولو كانت مجرد سماع دعابة أو محاولة ركوب دراجة، وفي المقابل فإن الخلايا العصبية أو الدوائر الكهربائية التي لا تستخدم تتأثر بالسلب.
تأثير الآباء
يبدأ تأثير الآباء، وخاصة الأم، على مخ الطفل من مرحلة الحمل، حيث يتأثر مخ الجنين بتعرض الأم لمؤثرات معينة سواء كيميائية مثل الكحول أو السجائر أو الأدوية أو التعرض للإشعاع أو التعرض لبعض أنواع العدوى التي تؤثر سلبا على المخ وتسبب عيوبا خلقية بالجنين.
وبعد الولادة في السنوات الأولى من عمر الطفل يلعب عامل التغذية الجيدة والمتوازنة دورا شديد الأهمية في صحة المخ الوظيفية، والاهتمام العاطفي بالطفل أيضا يؤثر في صحة المخ، وهناك أشياء بسيطة جدا وعفوية تصدر عن الآباء يكون لها أثر كبير في نمو الطفل، فمثلا يقوم الأطفال بتقليد تعابير الوجوه المحيطة بهم، ولذلك فإن مداعبة الأطفال والمبالغة في الضحك أو حتى التظاهر بالبكاء تنمي الحس العاطفي والوجداني لديهم. 
في بداية الولادة يكون حجم المخ نحو ربع حجمه البالغ؛ ولكن بعد الولادة ينمو المخ البشري بسرعة كبيرة، ويصل إلى أكثر من ضعف حجمه وتقريبا يصل إلى 60% من حجمه الكامل بحلول العام الأول للطفل، وفي مرحلة الحضانة (نحو 5 سنوات) يكون قد وصل إلى حجمه الكامل؛ ولكن التطور في الوظائف يستمر حتى مرحلة المراهقة، خاصة أن المخ لا يتوقف عن التغير أبدا سواء للأحسن أو للأسوأ، ويمكن بتعبير أدق أن المخ لا يتوقف عن التطور الوظيفي مطلقا.
ويحتوي مخ الطفل على وصلات عصبية أكثر كثيرا من البالغين، فضلا عن أنه يحتوي على عدد أقل من مثبطات النقل العصبي «inhibitory neurotransmitters» ونتيجة لذلك، فالطفل معظم الوقت مشتت الانتباه، لأنه يدرك بشكل مشوش كل شيء تقريبا، ويبدو مندهشا من جميع الأشياء حوله، لأن جميعها تلفت انتباهه بكل تفصيلاتها الصغيرة بعكس الشخص البالغ، ويمكن تشبيه ذلك بأن وعي الطفل مثل الفانوس الذي تتناثر أشعته في غرفة، بينما وعي الشخص البالغ يمكن تشبيهه ببطارية يتم تركيزها بوعي شديد على أشياء معينة، بحيث تتجاهل الأشياء الأقل أهمية، ولكن بمرور الوقت وحينما ينمو الطفل تتغير التوصيلات العصبية داخل المخ، ويحدث ما يمكن اعتباره تنقيحا، ويتم ذلك عبر اكتساب الخبرات المختلفة مما يجعلهم يعيشون وفقا للنظم السائدة، ولكن هذا الأمر حتى وإن كان تطورا طبيعيا يجعل الأطفال يفقدون عفويتهم والدهشة التي تولد تواصل اجتماعي 
الابتكار والأفكار الجديدة
الابتكار والأفكار الجديدة، لذلك يعتبر العلماء أن معظم المبدعين لم يفقدوا بعد طريقة التفكير مثل الأطفال.
وقد أشارت دكتورة ليز إلى أنه رغم أن الطفل يكون معظم الوقت مشتت الانتباه، فإنه في أحيان نادرة يركز على شيء بحد ذاته، وتكون طريقته في التعبير عن الشيء الذي أثار انتباهه هي إصدار أصوات بالفم في محاولة بدائيه للكلام (لغة الطفل_babbling)، حيث إن هذه الأصوات تعتبر إشارة من الطفل لاهتمامه بشيء معين وعلى الوالدين التقاط هذا الخيط ومحاولة الحديث مع الطفل، حيث إن كثرة الكلام مع الطفل تجعلهم أكثر ذكاء وتجعلهم يبدأون في الكلام أسرع، ولأن تركيز الطفل لا يدوم طويلا، فإن مقاطعة هذا الانتباه أحيانا تجعله يهدأ وتساعده على الاسترخاء، وهو الأمر الذي يوضح خلود الأطفال إلى النوم عند أرجحتهم بشكل منتظم، خاصة في المساء.
وقد لفتت الدكتورة ليز الانتباه إلى أن التواصل الاجتماعي مع الطفل هو الوسيلة الأمثل لتعليمه، حيث إن الأطفال يقسمون العالم إلى أشياء تستجيب لهم وأشياء لا تستجيب، وهذا الأمر هو الذي يفسر فشل تعليم الأطفال عن طريق شرائط الفيديو أو دي في دي، والتي لا تعطي النتيجة المتوقعة منها مهما بلغت هذه البرامج من الحرفية، ونصحت إليوت الأمهات باللعب مع أطفالهن إذا أردن تنميه مهاراتهم في التعلم، ويحبذ لو كان الطفل محاطا بأشخاص آخرين مع الآباء مثل الأجداد أو المعلمين أو حتى جليسة الأطفال، وقد أشارت الدراسات الحديثة إلى أن وجود الطفل في بيئة بها على الأقل 3 أشخاص بالغين يجعله قادرا على فهم تعبيرات الوجه وتوسيع قدرته على التفاهم مع الآخرين، وما زالت الدراسات مستمرة لمحاولة اكتشاف كل غموض هذا العضو المدهش البالغ التعقيد.