جدل في الهند حول استغلال جمال المرأة في الإعلانات
12:00 ص - الأحد 8 أبريل 2012
لا جدال في أن الإعلانات التجارية لها أثرها في كل واحد منا من حيث نشعر أو لا نشعر، ولو لم يكن الأمر كذلك لما أنفقت شركات الإعلان مئات الملايين من الدولارات على ترويج سلع استهلاكية، سواء كان ذلك في الصحف أو المجلات أو الإذاعة أو التلفزيون.
وأشد ما يكون الإعلان تأثيرا على المراهقين، لأن هذه الفئة لم تحصل بعد على الخبرات التي تساعدها في تبين الخطأ من الصواب، ولم تشكل مواقفها ومفاهيمها وقيمها، ولا تستطيع مقاومة ما تمطرها به وسائل الاتصال المختلفة من أفكار وإغراءات إلى درجة أن بعض المربين يعتقدون أن وسائل الإعلام هي التي تتولى تربية أطفالنا وليس نحن الآباء والأمهات.
والمعلنون مدركون لنقاط الضعف في المراهقين، ولا يترددون في استغلالها بكل ما لديهم من طاقات مالية ونفسية وفنية فالسيجارة تغدو رمزا لاستقلال الفرد، وبنطال الجينز يغدو رمزا للجاذبية والفتوة، وعطر معين يغدو رمزا للتحقق والفتنة.
لم يقتصر استخدام شركات الدعاية الهندية النساء على الترويج للأجهزة التقنية بدءا من آي باد إلى الحاسبات المحمولة، ومساحيق الغسيل وصولا إلى البضائع المنزلية والسيارات والدراجات النارية وكريم الحلاقة ومعطرات الجسم وشفرات الحلاقة، بل إن هذه الشركات بنت حملاتها الدعائية على النساء كمستهلكين جدد.
آخر هذه الأفكار محاولة معلن هندي الترويج لرواية «المرأة الهندية الجديدة»، بزعم أن كلمة «جديدة» ترمز لتحرير المرأة من أدوارها التقليدية التي لعبتها، وهندية كونها منتقاة لتمثيل النساء لا أن ترسم صورة غربية كاملة للحفاظ على الجاذبية.
يدرك المعلنون أن النساء يلعبن أدوار كبيرة في عمليات اتخاذ قرار الشراء، حتى من خارج المنتجات الجيدة التقليدية للأسر، فسيارة هيرو هوندا التي طرحت مؤخرا استهدفت النساء وكان شعار حملتها «لماذا يجب أن يحصل الأولاد على كل المتعة؟» أيدوا «هوندا بليجر». لم تقلل السيارة من شأن النساء وجعلتهم يحسون بشعور جيد.
أيضا قد تبدو السمات الأنثوية على الدراجة غير ضرورية لكنها تجعلها أكثر خصوصية، وهو ما جعل منتجات صانصيلك «جانج أوف غيرلز» تحقق نجاحا ساحقا. وقد كان تصوير مصرف الاستثمار والائتمان الهندي زوجة تأخذ الدور القيادي فيما يتعلق بالمنتجات المالية تحولا بارزا في عملية الإعلام الهندي.
وخلال تنفيذ الحملة الإعلانية، تشكل النساء ذات القوة الشرائية العالية الهدف الأساسي للمعلنين. ولذا بدأت صناعة الإعلان، التي يبلغ قوامها 3.5 مليار دولار، والتي شهدت نموا بلغ 20 في المائة، في تقديم النساء في مواقف قيادية جديدة.
وحتى وقت قريب للغاية كان المعلنون الهنود لا يزالون يستخدمون الصورة النمطية للسيدات في عملية الإعلان. فكانت السيدة إما أن تظهر في المطبخ خلال طهي الطعام أو غسل كومة من الملابس أو تضميد الجراح أو إطعام زوجها وأطفالها.
ومن ثم كانت النساء تصور في صورة لا علاقة لها بالمعرفة، أو الثروة، ومستهلكة على الدوام ومعتمدة بشكل أساسي على أسرتها. بيد أن استغلال النساء في الإعلان عن مستحضرات التجميل والأقمشة أو الحلي والأجهزة المنزلية والحقائب والدراجات النارية، أو الأدوات المكتبية كان يأتي للدلالة على الفتنة والجاذبية.
وكان هناك اتجاه آخر في الإعلان عن ملابس الرجال بالاستخدام الدائم لإعجاب المرأة بالرجال مما خلق انطباعا بأن كل ما ترغبه فيه المرأة رجل يرتدي زيا عصريا.
صحيح أن صورة المرأة في الإعلانات التجارية قد طرأ عليها بعض التغيير في السنوات القليلة الماضية. لقد أصبحت المرأة خارقة، فهي تتمتع بطاقة فوق طاقة البشر. فبعد أن تنهي يوما مرهقا في العمل تعود إلى البيت لتعد الطعام وتقوم بالتنظيف والترتيب باستخدام منتوج معين وليس بمساعدة زوجها، فهي امرأة متحررة، وهي مدينة بتحررها إلى هذا المنتوج السحري الذي تستعمله.
ولكن هذا التعديل في صورة المرأة في الإعلانات التجارية لا يمثل أي تقدم حقيقي، ولا يقدم إلا حلولا وهمية لمشكلات سياسية واجتماعية معقدة في حياة كل أفراد المجتمع. فالإعلان يوحي بأن من السهل على المرأة أن تكون زوجة وعاملة في الوقت نفسه.
وإذا ما قارن شخص ما الإعلانات القديمة للعلامات التجارية التي كانت في السوق منذ فترة طويلة من الزمن بالإعلانات الجديدة. سيجد أن هناك تغيرا كاملا في الشكل والمضمون، والذي يشكل توجها جديدا في عالم الإعلان في الهند المعاصرة.
ففي واحد من إعلانات مطهرات المراحيض التي كانت تعرض قبل عقد، تظهر فيها أم الزوج في زيارة لمنزل ابنها وتقوم بفحص المرحاض في الوقت الذي يدوي فيه نبض ربة المنزل في آذاننا. ولذا تقوم الزوجة بشكر منقذها، منظف المراحيض.
وقد استفاد المعلنون في السابق من قلق الأمهات على أبنائهن وعائلاتهن، فكانت الإعلانات تبدو خلالها الزوجات قلقات على صحة أزواجهن وعدم انتظام أبنائهن في تناول الطعام. وكان من بين الحملات الدعائية التي كانت شهيرة آنذاك تلك الحملة التي استخدمت فيها سلسلة من الإعلانات التي صورت الزوجة قلقة إلى حد بعيد على عادات زوجها الغذائية. ولذا استخدمت كيلوغ للحبوب الغذائية النساء بشكل أساسي في الإعلان.
هذه الصورة للزوجة المحبة لا تزال قائمة، لكن مع إضافة بعض الصفات الأخرى إلى جانب الصفات الأساسية مثل نكران الذات الأساسي ولمحات من المرح والفكاهة وتأكيد الذات.
ويظهر أحد إعلانات المعكرونة أما سعيدة بإطعام أطفالها الجائعين المعكرونة الفورية عندما يعودون إلى المنزل جائعين بعد اللعب، ويظهر الإعلان النسائي الشهير للأغراض الصحية للنساء الأم في صورة السيدة المربية والحريصة على راحة أبنائها بدلا من الأم الغاضبة على موقف ابنتها.
وعلى الرغم من وجود عدد كبير من الإعلانات التجارية التي تصور الأم على أنها المسؤول الوحيد، فإن مسؤوليات الأمومة تحررت من القوالب النمطية التقليدية التي دائما ما كانت توضع فيها الأمهات.
كانت الممثلة في الإعلان عن مسحوق الغسيل «سيرف» حديث ربات البيوت وهي تتحداهن بالقول «لن تتمكنوا» من العثور على بقعة واحدة من الأوساخ على ملابس عائلتها.
وفي حال توابل الطهي التي ظهرت من قبل أظهرت زوجة شابة مذعورة من ارتكاب خطأ خلال الطهي، لكن الزوجة الجديدة تصور زوجة شابة تدعي الاستماع إلى وصايا أم زوجها التي تخبرها بشأن التوابل في الوقت الذي كانت تستمع فيه فعليا إلى الموسيقى من جهاز ووكمان.
واليوم نادرا ما تظهر النساء والتجهم على وجوههن. ما نراه اليوم في الإعلانات امرأة تتجاوز أدوارها. فهي المشجعة المرحة لعائلتها، وهي الشخص الذي يقول «نعم» أكثر مما يقول «لا»، وهي التي تحقق الأمنيات في الوقت الذي تلقي بالا أكبر لعائلتها.
وأطفالها هم المشروعات الرئيسية لها، أما زوجها فهو طفل إضافي يمكن قيادته أكثر من طاعته. ونادرا ما تكون والدة الزوج حاضرة، وعندما تظهر فهي وديعة ولطيفة، وبدا كأن المنزل لم يعد الساحة الرئيسة للمرأة. هذه الحدود الجديدة هي العالم الخارجي وساحة المعركة الجديدة لجسد المرأة.
ويقول سانجيف غوبتا، من وكالة MD & CEO العالمية للإعلان: «أعتقد أن تمييز المرأة في الإعلان يسير في طريقه ليصبح جزءا من الماضي. حتى في الأفلام الدعائية كان يتم استخدام النساء للترويج للماركات المختلفة لتؤكد على أن الجاذبية والرقة والكمال هي السمات الأساسية للمنتج. والآن أصبحت المرونة جوهر اليوم، خاصة بالنسبة للنساء لأن سماتهم تتسق مع هدف العلامة التجارية.
فالمعلنون يريدون المرونة في كل شيء - التوجهات المرنة، واختيار مرن والأهم من ذلك أفكار مرنة. استخدمت الكثير من النساء في الإعلان عن المنتجات والخدمات المختلفة. ومن ثم كان الميدان ميدان المرأة عندما يتعلق الأمر بعملية الإعلان. وأصبحت النساء واثقات بشأن مكانتهن في الاقتصاد الجديد. وأصبحت الفرص الآن أعظم مما كانت عليه من قبل».
وعلى الرغم من تنفيذ هذه الحملات الإعلانية في أعقاب بحث مكثف بشأن السوق، فإن الحقيقة المؤلمة هي أن الصورة النمطية والتقليدية لتصوير النساء في الإعلانات لا تزال كما هي.
ففي العام الماضي قام المنظمون الهنود بحظر الإعلانات الخاصة بمزيل لرائحة العرق يحمل صورا جنسية صريحة تستخدم العارضات النساء في أوضاع فجة. وقد حذرت وزارة الإعلام والبث القنوات التلفزيونية من إذاعة الإعلانات التلفزيونية في أعقاب سلسلة من الإعلانات التجارية التي تصور نساء نهمات ورجالا شهوانيين، وحذرت الإعلانات أن يتم تعديلها أو سحبها في الحال من البث.
وقد اكتسبت الفكرة التي تبناها مزيل رائحة العرق الشباب خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما شكل تحديا للثقافة الهندية التقليدية التي تعلي من شعار العفة.
من بين هذه الإعلانات، مزيل «وايلد ستون»، للعرق، والذي اندفع بالأحاسيس الهندية إلى حدود متطرفة. فيعرض الإعلان شابة جميلة ترتدي ساري، وتحمل الطعام إلى التجمع العائلي، وتتعثر في مشيتها بسبب الرائحة الجذابة لمعطر الجسم.
وتهدف الإعلانات المماثلة لمزيلي العرق «آكس»، و«أدكشن» وغيرهما من مزيلات رائحة العرق الأخرى إلى دغدغة مشاعر غرائز الرجال وتصوير النساء على أنهن يتقن بشهوة إلى الرجال تحت تأثير مزيلات العرق هذه بحسب بيان الوزارة.
لكن رغم ذلك، تبدو عملية الإعلان الهندية غير قادرة على الفكاك من فكرة «الجنس لكي تبيع».
كتلك المرأة الجميلة ذات الابتسامة السرية على وجهها، وهي تتحسس وتلمس ثمرة مانغو ناضجة بشكل كامل. وتركز الكاميرا على يديها وهي تعصر برفق قطرة صغيرة من العصير في شفتيها، ثم تلعق شفتيها بلسانها في كل مرة، كان ذلك الإعلان الذي قدمته الممثلة كاترينا كايف لبيع عصير المانغو.
لكن هذا يعتبر هينا نوعا ما إذا ما قورن بالإعلانات الأخرى التي تذاع على قنوات التلفزيون هذه الأيام، حيث تروج ممثلة بوليوود ديبيكا بادوكون القهوة عبر الرقص الشرقي ويقوم الممثل جون أبراهام بالمشاركة في كل إعلاناته غير مرتدٍ لقميص على الإطلاق. ولإظهار توازن الدراجة تؤدي راكبة دراجة حركات التجرد الكامل من الملابس أثناء ازدحام المرور.
وتظهر الجودة العالية للشوكولاته من خلال فتيات يلعقنها من على أجسادهن، الحقيقة أن أكثر المواد إثارة في عملية الإعلان الهندية هذه الأيام ربما تكون المنتجات التي تخاطب الرجال.
ولا أحد يعلم على وجه اليقين صاحب تلك العبقرية التسويقية التي قررت أنها السبيل لإنفاق الرجال أموالهم التي كدوا في تحصيلها في شراء منتجات شخصية، لكن الغريب أنها باتت استراتيجية جوهرية في كل شيء بدءا من معجون الأسنان إلى شفرات الحلاقة وحتى كريمات الشعر.
وربما لأنه في البلاد التي تفرض فيها القيود على الغرائز مثل الهند، حيث لا تزال فكرة أن تكون المرأة هي من يأخذ المبادرة بما يكفي كي تجعله مثيرا.
وعلى الرغم من أن الإعلانات الآن تصور المرأة الهندية الحديثة على أنها استهلاكية رائعة ومتحررة، فإن هناك انحرافا جديدا في هذا المعنى. ففي السابق كانت الإعلانات صارخة وكانت النساء شبه العاريات يجتمعن حول أي منتج يبدأ من السيارات إلى غسالات الملابس.
والآن تتهافت المرأة العصرية على الرجل. لذا فالعاري هو الرجل القوي الأشبه بأجسام آلهة اليونان، والنساء يسيل لعابهن ويطاردنه أو يهاجمنه. والرسالة واضحة وهي أن المرأة المتحررة الجديدة، التي خرجت إلى سوق العمل في المكتب، متعطشة للحياة.
ولعل أكثر هذه النوعية بغضا الإعلان عن الملابس الداخلية على شاشة التلفزيون والذي تقوم فيه النساء بالتكالب على الرجل بسبب ملابسه الداخلية التي لا تقاوم، ثم يظهر الرجل بعد ذلك وهو في دهشة وجسد مغطى بأحمر الشفاه نتيجة القبل.
وفي المناطق التي ضربها الفقر في الهند هناك جمهور من النساء لديهن استعداد (أو يطمحن) لشراء ثوب يمكن أن تصل تكلفته إلى 246,000 روبية (5,366) دولارا، أو حقيبة آيغنر التي تساوي 1,745 دولارا.
وقد شهدت المرأة الهندية تحولا وتشكلت من جديد. وقد وضع في أذهانها فكرة مفادها أنها كي تكون جميلة ينبغي عليها أن تعشق النموذج الإيطالي والاجتماعيات الباريسية. وكل الإعلانات في المجلات التي تعنى بالأوساط الراقية تصر على ذلك.
وفي اللغة المحلية ينبغي عليك التوقف عن أن تكون بيهنجي - نمط تقليدي من السالوار أو الساري، ريفي إلى حد كبير، يتم ارتداؤه في المناسبات التقليدية - كونك بيهنجي سيثير تعاطف سكان الحضر، والطبقات المتحضرة الذين يقرأون مجلات مثل إنديان كوزمو، وإيلي وماري كلير ويحاولون أن يبدوا أشبه بالغرب إلى حد بعيد.