الزواج الأبيض".. تأشيرة مرور نساء مغربيات إلى أوروبا
يثير ما يسمى "الزواج الأبيض" في المغرب جدلا واسعا في الأوساط القانونية والاجتماعية, بسبب إقبال عدد من الفتيات المغربيات على الارتباط بالأجانب بغض النظر عن هوياتهم الدينية أملا في الحصول على وثائق الإقامة بالدول الأوروبية. وتعتبر هذه الظاهرة حديثة العهد بالعائلات المغربية التي كانت ترفض رفضا قاطعا حتى الحديث عن الزواج بغير المسلم, إلا أن شظف العيش وضيق الحال فرض على الكثير من الأسر التفكير مع بناتهن بشأن قبول هذا النوع من الزواج. نرصد من خلال هذا التحقيق بعض الحالات المثيرة والمأساوية التي ركبت سفينة المغامرة.
حلم كل مطلقة كان حلم رجاء (34 سنة) أن تذهب إلى أوروبا للحصول على عمل يؤمن لأطفالها حياة آمنة، بعد طلاقها من زوج فاشل همه الوحيد الخمر والقمار. ولم تجد غير وسيلة "الزواج الأبيض" لتحقيق طموحها. تقول رجاء العمل في أوروبا حلم كل مطلقة تعيش ظروفي، فتربية طفلين وتدريسهما يتطلب تكاليف مادية مرتفعة، ومرتبي ككاتبة بإحدى المؤسسات لا يفي بمصاريف الإيجار، فلم أجد مخرجا لمشكلتي سوى وسيلة الزواج الأبيض". قررت رجاء الاقتران صوريا بشاب مغربي مقيم بفرنسا مقابل مبلغ 8 آلاف دولار. هذا المبلغ لم يكن من السهل الحصول عليه إلا بعد التوسل لعائلتها لتقوم باقتراضه. رغبة رجاء في الحصول على وثائق الإقامة بفرنسا دفعها إلى أن تمنح المبلغ المالي للزوج "الصفقة" دون أي ضمانات، لكن بعد عقد القران غادر الزوج المغرب بلا رجعة موهما إياها بترتيب إجراءات الطلاق بعد الالتحاق به. تحكي رجاء عن خاتمة صفقتها قائلة "منذ سنتين لم يظهر للزوج أي أثر، وما زاد الطين بلة هو أنني أصبحت أعيش ضائقة مادية كبيرة بفعل تراكم الديون ومصاريف الأبناء التي لا تنتهي، إضافة إلى أتعاب الدعوى القضائية التي رفعت ضده".
جنسيتي ورقة مربحة إكرام شابة ( 26 سنة) ذهبت إلى بلجيكا سياحة عند أخيها الأكبر، وقبل أن تنتهي مدة الإجازة قرر أخوها أن يزوجها بأجنبي زواجا أبيض قصد الحصول على وثائق الإقامة والجنسية مقابل مبلغ 10 الآف دولار. وبعد مرور المدة المتفق عليها حصلت إكرام على الجنسية البلجيكية، لكن الغريب في الأمر أن هذا الامتياز أصبح ورقة مربحة لرصيدها المالي لدرجة أن زيارتها للمغرب تفوق أربع مرات في السنة قصد البحث عن رجال تتزوجهم زواجا أبيض مقابل مبالغ مالية طائلة. تحكي إكرام عن تجربتها بقولها: "كنت من المحظوظات بحصولي على الجنسية البلجيكية التي كانت فاتحة خير علي، لأنها مكنتني من تأمين مستقبلي ماديا"، وهنا تجدر الإشارة إلى أن إكرام تعد نموذجا للعديد من الفتيات اللواتي لا يهمهن سوى الكسب المادي سهل المنال.
"أسود" وليس "أبيض" في بعض حالات الزواج الأبيض ترتبط فتاة بزوج أجنبي قصد الحصول على الإقامة فقط، لكنها تفاجئ أن الزوج المؤقت يتحول إلى زوج حقيقي ولا يريد تنفيذ الاتفاق المتمثل في طلاق الزوجة بعد حصولها على الوثائق وحصوله على المبلغ المالي المتفق عليه. حنان( 24سنة) تحكي، وقلبها يعتصر ندما على زواجها من رجل يكبرها بضعفي عمرها، قائلة : كنت أبحث عن نعمة العمل في أوروبا فلجأت إلى وسيلة الزواج الأبيض، غير أن هذه النعمة التي طالما حلمت بها تحولت إلى نقمة، بعدما أصر هذا المسن على أن أكون زوجته الحقيقية، وتشبث بقراره، فخيرني بين القتل أو الاستسلام للوضع، مما جعلني أعيش ممرضة وخادمة له دون حنان ولاحب ولا علاقة زوجية، وأشعر اليوم بالندم الشديد اتجاه ما وصلت إليه نتيجة طمعي، لقد ارتكبت جريمة في حق نفسي بهذا الزواج الأسود وليس الأبيض كما يسمونه".
زواج محرم وغير قانوني وتبقى هذه النماذج صورة تجسد واقع شريحة مهمة من فتيات المغرب اللواتي يتخبطن في إشكاليات الزواج الأبيض قانونيا، هذا ما اعتبره المحامي خالد الطرابلسي، في تصريح بقوله: ليس هناك زواج أبيض في القانون المغربي، هناك زواج شرعي رسمي قانوني فقط، ولكن هذا المصطلح رائج وسائد واقعيا وليس قانونيا، وله انعكاسات نفسية واجتماعية واقتصادية على الأطراف،لأنه زواج ليس سليما مائة في المائة ولا ينبع من رغبة حقيقية قصد بناء أسرة وتغيب لدى أطرافه نية الاستمرارية". في حين يرى "بنسالم باهشام"، عضو رابطة علماء المغرب، أن الزواج الأبيض من الأنكحة المحرمة عند جمهور السلف والخلف لأنه يفقد صفة الأبدية في الزواج وينعدم فيه معنى الميثاق الغليظ.