هل تؤدي بدايات النسيان إلى الخرف؟
12:00 ص - الخميس 15 مارس 2012
الخلل المعرفي الطفيف (لدى الإنسان) يظل بسيطًا، لكنه قد يزداد سوءا ويتطور ليتحول إلى مرض ألزهايمر. والصعوبة في تذكر بعض الأشياء مثل الأسماء وأماكن وضع الأشياء مثل المفاتيح أمر طبيعي مع تقدم السن، مثله مثل تساقط الشعر وتيبس المفاصل وبطء عمليات معالجة المعلومات في المخ.
ومع ذلك يعاني البعض من الخلل المعرفي الطفيف وهو أسوأ من المشكلات الصحية التي تعد طبيعية بالنظر إلى العمر، لكنه لا يصل إلى درجة الخرف الذي يحدث في حالة الإصابة بمرض ألزهايمر Alzheimer أو الأمراض الأخرى التي تصيب المخ.
خلل معرفي طفيف
وأطلق الباحثون على هذه الحالة التي تقع بين الاثنين اسم «الخلل المعرفي الطفيف» mild cognitive impairment في الثمانينيات من القرن الماضي، واستمر الأمر منذ ذلك الحين.
يبقى الخلل المعرفي الطفيف عند هذا الحد في الكثير من الحالات. وفي الوقت ذاته، أوضحت الدراسات أن الناس الذين يعانون من هذه الحالة عرضة أكثر للإصابة بالخرف بمقدار ثلاثة أمثال.
والمشكلة هي أن الأطباء لم يتوصلوا بعد إلى طريقة موثوق بها لتوقع الحالات التي ستتطور إلى الخرف. فضلا عن ذلك، تعد مشكلات الذاكرة عرضا للعديد من الأمراض.
ويعد أي خلل في الذاكرة عرضا لكثير من الأمراض التي تصيب كبار السن والتي لا علاقة لها بمرض ألزهايمر. والاكتئاب واحد من الأمثلة الواضحة على ذلك. وقد وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أي علاج للخلل المعرفي الطفيف.
ويُنصح كثيرا بالتحكم في عوامل الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية مثل ارتفاع ضغط الدم والكولسترول. ولم يصبح من المؤكد ما إذا كان التصور وتكوين الصور الذهنية ووسائل تقوية الذاكرة الأخرى، مفيدة. على الجانب الآخر، لا ضير من تجربتها. ولا ضير كذلك من القيام بالمزيد من التدريبات التي من الممكن أن تساعد.
خلل غير طبيعي
من الصعب التمييز بين ضعف الذاكرة الطبيعي الذي يحدث مع تقدم العمر والخلل المعرفي الطفيف. وفي مقال نُشر في مجلة «نيو إنغلند» للطب عام 2011، قال الدكتور رونالد بيترسن، الباحث وأخصائي الأعصاب في «مايو كلينيك»، إن من طرق التمييز أن الذين يعانون من الخلل المعرفي الطفيف ينسون أحداثا أساسية والتزامات كانوا يتذكرونها في السابق بسهولة. إنهم ينسون المواعيد والأحاديث الهاتفية، وربما لا يتذكر أحد عشاق الرياضة منهم نتيجة مباراة هامة.
كثيرا ما يدرك الذين يعانون من الخلل المعرفي الطفيف أنهم يواجهون مشكلات تتعلق بالذاكرة، لكن حديثهم عن الحالة قد لا يكون موثوقا فيه. ربما يظن المحاربون أنهم مصابون بهذا الخلل عندما يصادفون حالة نسيان طبيعية، بينما يحاول آخرون ممن يعانون من مشكلات حقيقية التظاهر بغير الحقيقة.
إن النسيان الطبيعي الذي يحدث مع تقدم السن يكون أوضح للمقربين من الشخص، بينما قد لا يلاحظ غير المقربين التغيرات الطفيفة التي تطرأ عليهم.
من الجوانب المعقدة الأخرى أن الخبراء جعلوا تعريف الخلل المعرفي الطفيف أكثر شمولا بحيث يتضمن نوعين: الأول النسيان وهو الأكثر شيوعا، والثاني خلل «لا علاقة له بالنسيان» يؤثر على القدرات المعرفية الأخرى غير الذاكرة مثل استخدام اللغة ومدى الانتباه والشعور بالفضاء. ربما تكون المشكلات الخاصة بالنسيان من الأعراض المبكرة لأمراض المخ التنكسية غير مرض ألزهايمر.
نظريا يستطيع الذين يعانون من الخلل المعرفي الطفيف القيام بمهام الحياة اليومية بغض النظر عن هذه المجموعة المتنوعة من العجز، وإن كان ذلك بكفاءة أقل من السابق، والاعتماد على أنفسهم في العيش.
إذا كانت أشكال العجز خطيرة على نحو يمنع الشخص من القيام ببعض الأنشطة مثل التسوق وإعداد الطعام ودفع الفواتير، لا يصبح الخلل طفيفًا ويقترب من حد الخرف.
تقييم الحالات
من خلال مناقشة موجزة للأحداث الجارية أو الأمور العائلية مع المريض، يمكن للطبيب تكوين فكرة عامة عن ذاكرة المريض ومواضع قصوره المعرفي. وتعد المعلومات التي يقدمها المقربون من المريض وأفراد أسرته هامة للغاية.
وربما يسأل الطبيب مجموعة موجزة من الأسئلة المعتادة في مثل هذا النوع من التقييمات الخاصة بتحديد أوجه عجز المريض. قد تتطلب الأسئلة من المريض تذكر قائمة تشتمل على كلمات لا يوجد رابط بينها والقيام ببعض الحسابات الرياضية البسيطة، وذكر اسم أول رئيس أميركي والرئيس الحالي وما إلى ذلك.
ومن المفيد استخدام نماذج تتضمن المزيد من الأسئلة والتي غالبًا ما يسألها أخصائي نفسي مدرب، لكن عادة ما يتم تخصيص نوع من الاختبارات النفسية العصبية لعدد من المرضى.
إذا كان الشخص يعاني من مشكلات خطيرة تتعلق بالذاكرة، من الضروري إجراء تقييم متأن لفحص كافة الأسباب المحتملة ومنها الاكتئاب والأعراض الجانبية للعقاقير ومشكلات الغدة الدرقية. قد يكون من المهم عمل أشعة مقطعية أو أشعة رنين مغناطيسي.
هل سيتطور المرض إلى ألزهايمر؟
النظرة المتفائلة للأرقام تتمثل في اعتبار أن عدد المصابين بالخلل المعرفي الطفيف والذي يزيد على 50 في المائة لا يتطور مرضهم إلى ألزهايمر. وفي بعض الحالات، تتحرك العوامل المسببة لمرض ألزهايمر ببطء أو يعمل مخهم بشكل جيد نسبيًا رغم هذه المشكلات.
هناك احتمال آخر هو أن الخلل يعكس مشكلة أخرى فضلا عن ألزهايمر مثل الاكتئاب. كذلك هناك نسبة محددة من الناس ستموت لأسباب أخرى قبل أن يتطور مرض ألزهايمر، لكن هناك طرق أكثر قتامة للنظر إلى الأرقام، فنحو 1 إلى 2 في المائة من السكان يصابون بالخرف سنويا، لكن نسبتهم بين المصابين بالخلل المعرفي الطفيف تتراوح بين 5 و10 في المائة. وحسب تقديرات عام 2009، يتطور الخلل المعرفي الطفيف في 7 في المائة من الحالات سنويًا إلى ألزهايمر.
العلاج
من الطرق المقترحة التي تمنع تحول الخلل المعرفي الطفيف إلى خرف كامل تناول جرعات زائدة من فيتامين «إي»، لكن تجربة عملية أوضحت أن هذه الطريقة ليست أفضل كثيرا من تناول العلاج الوهمي. وتم تجربة عقار «دونبيزيل» ومثبطات الكولينستراز في التجارب العملية.
لكن لا يوجد أي دليل بالتجربة على أن هذا يقلل من احتمال إصابة مرضى الخلل المعرفي الطفيف بالخرف. وهناك طرق لتقوية الذاكرة، يتضمن أغلبها إقامة روابط عن طريق الوعي بين ما نحاول تذكره ومعلومات أخرى.
عندما تم اختبار هذه الطرق و«التدخلات المعرفية» الأخرى على المرضى المصابين بالخلل المعرفي الطفيف، كانت النتائج مختلفة، لكن تقريرا نشر عام 2010 أوضح أنها ربما تكون مفيدة لتحسين الذاكرة والمزاج.
هل ستشعر بالاستياء إذا كنت موقنا من أن ذاكرتك المتأرجحة لن تتجه نحو الأسوأ؟ ربما لن تكون مستاء كثيرا. المخيف هو احتمال الإصابة بمرض ألزهايمر أو نوع آخر من الخرف.
ويبحث الباحثون والشركات الخاصة عن اختبارات تساعد على تحديد احتمال تطور المرض إلى ألزهايمر إن لم تنجح في تقديم توقع محدد. ويمكن رصد مستودعات بروتين «أميليود بيتا» في المخ بالتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني الذي يُعتقد أنه يلعب دورًا هامًا في الإصابة بالمرض والتي من المحتمل أن تتوافر قريبًا. يمكن إجراء تحليل للبروتينات في سائل النخاع الشوكي.
لكن أفضل التحاليل ستكون محدودة الاستخدام دون علاج. وربما يفضل الكثيرون عدم معرفة أن ألزهايمر هو قدرهم إذا لم يكن هناك أي فرصة لتغيير هذا القدر، لكن الأمل في أن يساعد معرفة الأشخاص الذين يواجهون احتمالات كبيرة للإصابة بالمرض في كشف المزيد من أسباب ألزهايمر، بحيث يصبح من الممكن التوصل إلى علاجات فاعلة للمرض.