الثقوب الخلقية في القلب تعتبر من أشهر العيوب الخلقية التي تصيب الأطفال وتبلغ نسبة الإصابة بها نحو 8 من كل 1000 حالة، وتحدث سواء في الحاجز الموجود بين البطينين وهو الأشهر والأكثر حدوثا Ventricular Septal Defects أو اختصارا (VSD)، أو تحدث في الحاجز بين الأذينين Atrial Septal Defects أو اختصارا (ASD). ولكي نتفهم مشكلة وجود ثقب في القلب من الضروري أن نعرف المعلومات الأساسية عن كيفيه عمل القلب.
عمل القلب السليم
من المعروف أن القلب يتكون من أربعة أجزاء أو غرف صغيرة، والغرفتان السفليتان (البطينان) تقومان بضخ الدم، بينما تقوم الغرفتان العلويتان (الأذينان) بتجميع الدم.
ويفصل الأذين الأيمن عن الأيسر بما يعرف بـ«الحاجز الأذيني» ويمر الدم من الأذينين إلى البطينين من خلال «صمامات» تسمح بمرور الدم في اتجاه واحد في حالة فتحها ثم لا تسمح برجوعه بعد غلقها.
الجانب الأيمن من القلب الذي يحتوي على دماء غير مؤكسدة (أي لا تحتوي على أكسجين) بعد عودتها من جميع أجزاء الجسم والتي تصب في الأذين الأيمن، ومنها إلى البطين الأيمن والذي يضخ الدماء في الشريان الرئوي الذي يحمل هذه الدماء غير المؤكسدة إلى الرئة لأكسدتها، حيث تصبح محملة بالأكسجين، وتعود إلى الأذين الأيسر ومنه إلى البطين الأيسر الذي يحتوي على دم مؤكسد لضخه في الشريان الأورطي الذي تخرج منه عدة شرايين صغيرة لتغذية جميع أجزاء الجسم بالدم المؤكسد، والبطين الأيمن مفصول عن البطين الأيسر من القلب بما يعرف بـ «الحاجز البطيني».
الثقوب في الحاجز البطيني
وبالنسبة للشخص المصاب، يوجد ثقب في الحاجز البطيني. وتختلف أعراض وعلاج المرض تبعا لمكان وجوده في الحاجز البطيني، وكذلك حجم الثقب.
ومن الممكن أن يكون المرض هو العيب الخلقي الوحيد في القلب، أي مجرد وجود الثقب أو أن يكون جزء من عيوب خلقية أخرى في القلب ويمثل نحو 20 في المائة من العيوب الخلقية في القلب.
والمعروف أن ضغط الدم في البطين الأيسر أعلى منه في البطين الأيمن ونتيجة لزيادة الضغط ولوجود الثقب، يمر الدم المؤكسد من البطين الأيسر إلى البطين الأيمن.
ولا يوجد سبب واضح للإصابة بهذه العيوب الخلقية؛ ولكن هناك ما يمكن أن يمثل خطورة للإصابة وخاصة العامل الجيني، حيث إن إصابة أحد أفراد الأسرة بعيوب خلقية في القلب أو عيوب خلقية بشكل عام، تزيد من فرص الإصابة بالمرض، وكذلك يمكن أن تزيد فرص الإصابة في حالة الأم المريضة بمرض السكري، وهناك أيضا دراسات قليلة وغير مؤكدة، أن تناول الكحوليات أثناء الحمل يزيد من فرص الإصابة.
أعراض الحالة
نتيجة للتقدم الطبي في العقود الأخيرة يتم تشخيص وعلاج ثقوب القلب مبكرا، ولذلك يندر أن يعاني من أعراض هذا المرض الآن، أطفال في سن الدراسة أو مراهقون.
لكن في أحيان نادرة يوجد مراهقون يعانون من ثقوب في القلب وتشمل الأعراض لديهم: «الإحساس بالتعب والضعف خاصة بعد ممارسة الرياضة، وفقدان الشهية، وعدم زيادة الوزن وصعوبة التنفس»، وبالنسبة للرضع وفي حالة وجود ثقب صغير الحجم، لا توجد أعراض، ويكون نمو الطفل ورضاعته طبيعية، وغالبا ما يتم اكتشافها صدفه عن طريق الفحص الروتيني للطفل، حيث يتم سماع أصوات غريبة على صوت القلب الطبيعي وهذه الأصوات تسمى لغط القلب heart murmur.
وهؤلاء الأطفال الذين لديهم عيوب خلقية في القلب يكونون عرضة أكثر من غيرهم للإصابة بالتهاب في السطح الداخلي للقلب infective endocarditis وهو التهاب تسببه البكتيريا التي تتسرب إلى الدم بكميات صغيرة عن طريق البكتيريا التي توجد بوفرة في الفم، ويمكن أن تدخل الدم وفي السابق كان هؤلاء الأطفال يتناولون مضادات حيوية للوقاية من الإصابة بهذا الالتهاب؛ ولكن الآن يمكن فقط عن طريق الاهتمام الجيد بصحة الفم والأسنان والمتابعة الروتينية المستمرة مع طبيب الأسنان تجنب هؤلاء الأطفال خطورة الالتهاب الداخلي لتشخيص القلب. أما بالنسبة للثقوب الأكبر حجما فيعاني الرضع من زيادة العرق والإجهاد بعد الرضاعة ويكون هناك تأخر في النمو.
يتم تشخيص ثقوب الحاجز البطيني في القلب عن طريق أخذ التاريخ المرضي من الآباء بجانب الكشف الإكلينيكي على الطفل، وأيضا يتم عمل أشعة إكس على الصدر التي توضح شكل القلب والرئتين، وأيضا يتم عمل تخطيط قلب لتوضيح الحالة المرضية للقلب، كما يتم أيضا إجراء أشعة تلفزيونية متقدمة على القلب Echocardiography وكذلك عمل أشعة رنين مغناطيسي MRI وهي تعطي تفصيلات دقيقة عن حالة القلب.
وهذه الفحوصات تكون كافية في الأغلب لتشخيص الحالة بدون الاضطرار لعمل قسطرة للقلب والتي تؤكد التشخيص وهو الأمر الذي كان يحدث في الماضي.
التشخيص والعلاج
يتم التشخيص عن طريق الكشف الإكلينيكي على الطفل وسماع اللغط المميز للثقب في الحاجز الأذيني، وكذلك عمل أشعة على الصدر وأشعة تلفزيونية على القلب، وأيضا يتم إجراء تخطيط قلب وعمل أشعة رنين مغناطيسي على القلب.
أما علاج الثقب فيتم حسب حجمه وعمر الطفل، وكذلك نوعية الثقب، حيث إن هناك نوعية من الثقوب لا تختفي من تلقاء نفسها، ولا بد لها من التصحيح الجراحي، وهناك ثقوب تختفي من تلقاء نفسها، وبالنسبة للثقوب الكبيرة والتي تسبب أعراضا، فإن إجراء الجراحة يكون شافيا وتعتبر الحل النهائي للمشكلة.
العلاج
يتم التعامل مع الثقب الموجود في الحاجز البطيني تبعا لحجم الثقب، وبالنسبة للثقوب صغيرة الحجم والتي لا تسبب أي أعراض، فإنها لا تحتاج لأي علاج سواء دوائي أو جراحي لأنها تتلاشى في الأغلب تدريجيا مع تقدم الطفل في العمر.
وبالنسبة للثقوب المتوسطة والكبيرة الحجم، يمكن البدء بعلاج دوائي إذا كانت الأعراض بسيطة خاصة أن هذه الثقوب يصغر حجمها كلما تقدم الطفل في العمر.
ويشمل العلاج الأدوية التي تعالج قصور (عجز) القلب الاحتقاني مثل: «الأدوية المدرة للبول Diuretics لتخليص الجسم من السوائل الزائدة أو مثبطات تحول أنزيم الانجيوتنسين ACE inhibitors، وغيرها من الأدوية»؛ ولكن في الحالات التي تكون فيها الأعراض أكثر حدة، فيحتاج الثقب إلى تصحيح عن طريق الجراحة والتي يمكن إجراؤها في أي وقت من عمر الطفل ومهما كان حجمه، وفي الأغلب يتم إجراؤها في العام الأول من عمر الطفل.
وبعد إجراء الجراحة يتم الشفاء تماما، والمفروض ألا يعاني الطفل من الأعراض مرة ثانية، ويستطيع الطفل أن يمارس جميع نشاطاته بحرية كاملة ويستحسن أن تتم متابعة الطفل باستمرار لمتابعة حالة القلب.
الثقوب في الحاجز الأذيني
الثقوب في الحاجز الأذيني مثلها مثل الثقوب في الحاجز البطيني، عيب خلقي يلازم الإنسان منذ الولادة، وتختلف الأعراض أيضا باختلاف حجم ومكان الثقوب، وإن كانت الأعراض عموما أخف حدة من الثقوب في الحاجز البطيني، وغالبا ما يتمتع هؤلاء الأطفال بالمظهر الصحي ولا يعانون من أعراض وينمون بشكل جيد، وغالبا ما يتم تشخيص الحالة في وقت متقدم من عمر الطفل، وقد يتم اكتشاف المرض في مرحلة المراهقة لندرة الأعراض؛ ولكن في حالات الثقوب كبيرة الحجم يمكن أن يشعر الأطفال ببعض الأعراض، مثل: «فقدان الشهية وتأخر النمو وسرعة التنفس، وغالبا ما يشعرون سريعا بالتعب والإجهاد».