ازدياد فرص النجاة من النوبة القلبية .. بفضل عقود من النجاحات الطبية
12:00 م - الخميس 2 فبراير 2012
عندما تخرجت للتو باختصاص طبيب في أمراض القلب، كانت النوبات القلبية مخيفة أكثر بكثير من يومنا هذا، فقد كانت تصيب بالذعر الناس المصابين بها وأسرهم، لأنها كانت قاتلة، كما كانت النوبة القلبية تثير أعصاب الطبيب المعالج أيضا لأنه لم يكن يعرف جيدا كيفية معالجتها، إضافة إلى عدم توفر وسائل العلاج الفعالة المتاحة.
أرقام النجاح:-
وعلينا أن نقر فورا بأن «الاحتشاء القلبي» (myocardial infarction) (النوبة القلبية) يهدد الإنسان بالموت، إلا أن معالجته تتحول أكثر فأكثر إلى عملية روتينية بفضل الأبحاث الإكلينيكية والمختبرية التي علمتنا الأعمال التي ينبغي تنفيذها وكيفية تنفيذها، بهدف حماية أرواح المصابين.
وتشير الأرقام إلى جانب من جوانب التاريخ؛ ففي عام 1970 توفي نحو 40 في المائة من المصابين بالنوبة القلبية الذين تمكنوا من الوصول إلى المستشفيات، بسبب النوبة أو مضاعفاتها. ولكن هذه النسبة تصل اليوم إلى أقل من 10 في المائة، وهي تقل أكثر بين المصابين من الضحايا الأصغر سنا.
وإضافة إلى هذا، وبدلا من البقاء لمدة أسبوع في المستشفى، فإن بعض المصابين يخرجون إلى بيوتهم في اليوم التالي للعلاج، وإلى أعمالهم بعد 48 ساعة (إن رغبوا في ذلك).
تقدم التوعية والعلاج:-
ما هي العوامل التي لعبت دورا في هذا التحسن الملحوظ في النجاة من النوبة القلبية؟ لا يزال الخبراء، وعلى مدى عقد أو أكثر من السنين، يتناقشون حول هذا الأمر على صفحات المجلات الطبية وفي المؤتمرات.
وإليكم العوامل الكبرى المساهمة في هذا النجاح:-
- التوعية والتثقيف: أدت عمليات توعية الجمهور منذ ثمانينات القرن الماضي إلى ازدياد الوعي بعلامات وأعراض النوبة القلبية، وأهمية الإسراع في الذهاب إلى المستشفى، إذ إن الحصول على مساعدة عند بداية حدوث النوبة القلبية يمكنه تقليل حجم تأثيرها وحدتها. ويمكن للأطباء وقف النوبة لدى المصابين الذين يصلون المستشفى فور ظهور أعراضها، مما يجنبهم حدوث أي أضرار على عضلة القلب.
- إزالة ضيق الشرايين مبكرا: إن فتح الشرايين المسدودة بعملية إزالة ضيق الشرايين (angioplasty) ووضع دعامة لتوسيعها يؤمن عودة تدفق الدم إلى عضلة القلب، وكلما أمكن عمل ذلك مبكرا بعد ظهور الأعراض، قل الضرر على عضلة القلب.
واليوم، فإن الهدف يتمثل في إجراء عملية إزالة ضيق الشرايين في غضون الساعة الأولى من ظهور الأعراض.
وفي تسعينات القرن الماضي كان القليل من الأميركيين يعيشون قرب مستشفيات مجهزة بمعدات ووسائل لتنفيذ عمليات قسطرة القلب التي تنقذ الحياة. أما الآن، وبعد أن جهزت غالبية المستشفيات بمختبرات القسطرة فقد أتيح للأميركيين إجراء هذه العملية التي تحولت إلى عملية روتينية.
- تطور العلاج الدوائي: شكل تطوير «ستريبتوكيناز» (streptokinase) والأدوية الأخرى المذيبة لخثرات الدم، خطوة كبيرة للأمام في علاج النوبة القلبية، كما أن توظيف الأسبرين لتقليل احتمالات تشكيل خثرات الدم مثل تقدما كبيرا في إنقاذ حياة المرضى. وقد أظهرت التجارب الإكلينيكية أن أدوية «حاصرات بيتا» (beta blockers) وأدوية الستاتين (statins)، تحمي القلب بعد الإصابة بالنوبة القلبية، إذ أدى استخدام هذه الأدوية على نطاق واسع إلى خفض عدد النوبات القلبية المتكررة.
- تقليل فترة الاستراحة في السرير: إننا نفكر عادة أن الراحة في السرير بعد النوبة القلبية ضرورية لأنها تسمح للقلب بالشفاء، إلا أننا نعلم الآن أن من المهم للناجين من النوبة القلبية النهوض من سريرهم والتحرك في أقرب وقت ممكن، إذ إن هذا يساعد على درء تشكيل خثرات الدم في الساقين، وهي الخثرات التي يمكنها أن تؤدي إلى حدوث مرض الانسداد الوعائي الرئوي (pulmonary embolism) أو السكتة الدماغية (stroke).
- العلاج المبني على الدلائل: في بدايات ثمانينات القرن الماضي كانت المستشفيات تتجه نحو تنفيذ طرقها الخاصة بها لعلاج المصابين بالنوبات القلبية، وكانت تلك الطرق تستند على نطاق واسع على آراء الأطباء فيها.
إلا أن التقبل المتزايد للعلاج المبني على الدلائل ووسائله في الطب الإكلينيكي، أدى إلى انحسار تلك الطرق السابقة، وتلتزم أغلب ردهات الطوارئ في الولايات المتحدة اليوم بقائمة من النقاط حول الجوانب المتعلقة بعلاج النوبة القلبية، تؤمن العلاج الصحيح لغالبية المصابين بالسرعة الممكنة.
نجاحات خارقة:-
ويمثل الوضع الصحي للسيد ديك تشيني وتجربته، قصة من أكبر قصص النجاح الطبي في علاج أمراض القلب، لأنها تعكس التطورات الطبية منذ أيام الثمانينات من القرن الماضي.
لقد تعرض نائب رئيس الولايات المتحدة السابق تشيني إلى أول نوبة قلبية له عام 1978 عندما كان عمره 37 سنة، وبعد إشارة الإنذار هذه تخلى تشيني عن تدخين نحو 60 سيجارة في اليوم، وعمل جهده لخفض مستوى الكولسترول الكلي العالي لديه (أكثر من 300 ملليغرام/ ديسيلتر)، ثم تعرض لنوبات قلبية أخرى في أعوام 1984، و1988، و2000.
وقد عولجت اثنتان من النوبات بعملية لإزالة ضيق الشرايين (angioplasty) مع وضع دعامات شريانية (stents)، بينما تطلبت النوبة الأخرى إخضاع تشيني لعملية لوضع 3 مجازات جديدة لتعويض الشرايين المسدودة في القلب (surgery triple bypass)، ثم زرع للسيد تشيني جهاز صناعي لتنظيم القلب (cardioverter-defibrillator) لحمايته من ظهور إيقاع مفاجئ قاتل، أي الحالة التي تعرف باسم «الخفقان البطيني السريع» (ventricular tachycardia).
وخلال هذه الفترة تم انتخاب تشيني 5 مرات إلى مجلس النواب، وأصبح وزيرا للدفاع في عهد الرئيس جورج بوش الأب، ثم رئيسا لشركة «هاليبرتون»، ثم أصبح نائبا لرئيس الجمهورية في عهد الرئيس جورج بوش الابن، ولم تكن أمور هذا المريض في القلب سيئة كما يظهر! وفي خطاب له في حفل خيري في المركز الطبي لجامعة بايلور قال تشيني إن «الكثير من الفرص التي تمتعت بها ما كانت لتوجد أصلا، لولا التطورات والخبرات في ميدان طب القلب، فلربما كنت قد أصبحت من العاجزين والمتقاعدين مبكرا لولا العناية الجيدة التي وفرها لي أطباء القلب».
وبعد تركه منصبه عام 2008 تعرض تشيني إلى نوبة قلبية أخرى عام 2010 وزرع لديه في صيف ذلك العام جهاز مساعد لعمل البطين الأيسر بعد عدة أشهر من إجازة إدارة الغذاء والدواء باستعماله، ويساعد هذا الجهاز على ضخ القلب للدم.
وبوصفي طبيبا اختصاصيا في مستشفى بريغهام والنساء، فإني أرى مثل هذه الأمور التي أجريت على ديك تشيني، ولكن في إطار أقل دراماتيكية. وفي تقديري فإن نصف الناجين من النوبات القلبية الذين يزورونني خلال اليوم في المتوسط، لم يكونوا لينجوا بأرواحهم لو كانوا فد تعرضوا لتلك النوبات قبل 25 سنة.
إن التطورات في ميدان العناية بالمصابين بالنوبة القلبية نعمة كبرى لهم ولأفراد أسرهم. إلا أن تأثير الإصابات والنجاة منها يلقي عبئا كبيرا على منظومة الرعاية الصحية، إذ إن الكثير من الناجين يتعرضون لاحقا إلى حالات عجز القلب التي يصعب علاجها.
ومع أن الطريق لا يزال طويلا أمامنا في ميدان تشخيص وعلاج «الاحتشاء القلبي»، وخصوصا علاج الأشخاص الذي يصابون بأضرار وتلف كبير في عضلة القلب رغم توفر أحدث العلاجات، فإن علينا أن نقنع الأطباء بتقبل الاستراتيجيات المبنية على الدلائل، كما أن علينا أن نوجه أيضا نفس الرسالة حول علاج السكتة الدماغية، وهي أن كل ثانية أو دقيقة مهمة جدا في سرعة توجه المصاب إلى المستشفى.