أعالج لدى الطبيب من الاكتئاب منذ نحو ستة أشهر، ولم ألحظ أي تغيير. وقد غير لي الطبيب في زيارتي الأخيرة له نوع الدواء إلى دواء آخر.. فلماذا.. وهل هناك فائدة ممكنة؟

من الممكن جدا ألا يكون الدواء الذي وصفه الطبيب لك في المرة الأولى مناسبا لحالتك، والدواء الثاني قد يكون مناسبا.


كما أنه من الممكن أن تكون ثمة أمور نصح بها الطبيب لتخفيف تعريضك للظروف التي تسهم في زيادة الاكتئاب وأنت لم تتمكني من التعامل معها بالطريقة المخففة لك منها. ولاحظي معي أن هناك عددا من أنواع الأدوية التي تفيد في معالجة الاكتئاب أو تخفيف حدته، ويختلف كل إنسان في مقدار ونوعية تجاوبه مع الأنواع المختلفة لأدوية معالجة الاكتئاب أو الأدوية المضادة للاكتئاب.

وعلى الرغم من الخبرة والمهارة التي يتحلى بها أطباء النفسية المتخصصون والحاصلون على شهادات التخصص في هذا المجال الطبي المهم والذين قاموا بنجاح بمعالجة آلاف المرضى خلال مسيرتهم الطبية، فإنه من المستحيل على الطبيب أن يعرف مسبقا ما هو نوع الدواء المفيد جدا لك أو لشخص آخر. وهنا يأتي دور اختبار مدى الاستجابة للدواء بعد تناوله لفترة معينة يحددها الطبيب المعالج ويطلب متابعة حالتك لمعرفة مقدار الاستجابة بسؤالك.

ودعيني أضف لك نقطة مهمة، وهي أنه لو أن كل أدوية معالجة الاكتئاب تُصنف بأنها متقاربة في مقدار التأثير العلاجي، فكيف يكون ذلك على المرضى أنفسهم؟ وللتوضيح لو قلنا إن دواء «أ» مفيد لـ70 شخصا من بين كل 100 شخص لهم اكتئاب، ودواء «ب» مفيد لـ70 شخصا من بين كل 100 شخص مُصاب بالاكتئاب، فهذا لا يعني أن كليهما مفيد لنفس الـ70 شخصا، بل ربما هناك شخص من بين الـ70 الأول يُفيده دواء «أ» ولا يُفيده دواء «ب». وربما هناك أشخاص يُفيدهم دواء «أ» ودواء «ب» كلاهما أو لا يُفيدهم أي منهما.

والمشكلة أكثر تعقيدا حينما نعرف أن أدوية علاج الاكتئاب ليست نوعين اثنين، بل أنواع متعددة. وهذا الأمر شبيه بالأدوية المسكنة لآلام المفاصل، إذ ربما يستفيد مريض بتناول عقار «فولتارين»، وآخر لا يستفيد منه بل يستفيد من عقار «بروفين»، وثالث قد يستفيد من عقار «موبيك» و«بروفين» ولا يستفيد من عقار «فولتارين»، وهكذا تتعدد الاحتمالات. والفيصل هو التجربة بالاستخدام ما دام الطبيب متأكدا من التشخيص ولا تُوجد لدى المريض موانع من تناول الدواء وتمت عملية المتابعة لأي آثار جانبية ولمدى الاستجابة لتأثير المعالجة.

وأحيانا قد لا يستفيد المريض من دواء معين ليس نتيجة لعدم فاعلية تأثيره العلاجي، بل ربما لظهور أحد آثاره الجانبية. وهذه الاختلافات، خاصة لدى مرضى الاكتئاب، تجعلهم ربما يتوقفون عن تناول دواء علاج الاكتئاب وربما لا يستجيبون لنصيحة الطبيب في محاولة لتناول بديل مناسب له. وأحيانا يُفرط البعض من المرضى في توقع النتائج، وعلى أي هيئة يجب أن تكون، أي في انتظام النوم أو شهية الأكل أو التعامل مع أفراد الأسرة أو الزملاء في محيط العمل وغيرها. ومن الضروري سؤال الطبيب مباشرة عن مظاهر التحسن التي يُرجى أن تتحقق من تناول الدواء، ومن ثم تقييمها بإنصاف.

ولذا من الضروري إدراك أن عملية اختيار وانتقاء دواء علاج الاكتئاب مبنية على عملية التجربة والخطأ، بمعنى أنها عملية يتم فيها تجريب دواء معين ينتقيه الطبيب بناء على عدة معطيات تجعل الطبيب، بخبرته وعلمه ودقة تشخيصه وعمق فحصه لحالة المريض، يغلب على ظنه أن هذا النوع من الأدوية من الأفضل. وثم تتم متابعة مدى حصول الآثار الجانبية، وهي أمور لا يمكن للطبيب معرفتها إلا بتجربة الاستخدام، ومتابعة مدى الاستفادة.

وقد حرصت على هذا التوضيح لأنه كثيرا ما تترد أسئلة مشابهة لهذا الموضوع في شأن الاكتئاب وأمراض أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكري أو غيرهما. كما أنه لا يجدر إهمال جانب العلاج النفسي والسلوكي وكيفية التعامل مع الظروف المحيطة والشؤون المتعلقة بنوعية التفاعل من المريض نفسه وغيرها من الأمور المساهمة إما إيجابا أو سلبا في الاستجابة للعلاج الدوائي في حالات الاكتئاب التي هي من الأمور الشائعة في كثير من المجتمعات.