العلاج والرقابة الطبية للاضطراب الوجداني ثنائي القطبية

 نمر جميعا بأوقات من السعادة وأوقات من الحزن لذا فأحاسيس السعادة والحزن والغضب كلها تعتبر من الأحاسيس الطبيعية، وهى جزء هام من الحياة اليومية، وعلى عكس ذلك فإن الاضطراب الثنائي القطبية (ذهان الهوس والاكتئاب) يعتبر مرضا طبيا، حيث يعانى فيه المصابون من تقلبات بالمزاج لا تتناسب مطلقاً مع أحداث الحياة العادية التى تحدث لهم، وهذه التقلبات المزاجية تؤثر على أفكارهم وأحاسيسهم وصحتهم الجسمانية وتصرفاتهم وقدرتهم على العمل، ويطلق على هذا المرض الاضطراب ثنائي القطبية؛ لأن المزاج فيه يتأرجح ما بين نوبات المرح الحاد (الهوس) وبين الاكتئاب الشديد.
 
الرقابة الطبية

يتطلب الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية الرقابة الطبية، وهذا يعني تناول الجرعة الوقائية تحت الاسترشاد الطبي، والجرعة الوقائية الدوائية تعتبر مهمة جدًّا في كثير من الحالات.


 هذا لا يعني أن هذه الحالات صعبة ومعقدة، فقد تكون صعبة ومعقدة إذا أهمل صاحبها علاجها، أما إذا انتظم الإنسان في العلاج واتبع الإرشاد الطبي فنستطيع أن نقول إن سبعين إلى ثمانين بالمائة من هذه الحالات يمكن أن تعالج بصورة ممتازة جدًّا.

 إن ذهان الهوس والاكتئاب لا يحدث بسبب خطأ حدث منك أو بسبب ضعف فى شخصيتك.. بل على العكس من ذلك فهو مرض قابل للعلاج، ويوجد له علاج طبي يساعد أغلب الناس على الشفاء بإذن الله.

 متى يبدأ المرض فى الظهور ؟

 ذهان الهوس والاكتئاب يبدأ عادة فى فترة المراهقة وأحياناً يبدأ فى سنوات الطفولة المتأخرة أو فى سن40 - 50 عاماً، أما إذا بدأ المرض لأول مرة بعد سن 50عاماً فى صورة ذهان هوس فإن المرض غالباً ما يكون صورة مشابهة للوثة الهوس (مثلاً بسبب مرض عصبي أو بسبب تأثير نوع من أنواع الأدوية المخدرة)

 ما أهمية التشخيص والعلاج المبكر للمرض؟

من خلال الإحصائيات في هذا المجال وجد أن مرضى ذهان الهوس والاكتئاب يقضون حوالي 8 سنوات فى العلاج الغير متخصص لحالتهم، ويقابلون من 3 إلى 4 أطباء غير متخصصين فى العلاج النفسى قبل أن يتم تشخيص المرض على أنه ذهان هوس واكتئاب، والتشخيص المبكر للمرض والعلاج المناسب يساعد على تحاشى المشاكل الآتية:

المشاكل الزوجية ومشاكل العمل:

العلاج المناسب يحسن فرص استقرار الزواج واستمرار العمل المنتج للمريض .

مشاكل العلاج :

لوحظ أنه كلما ازدادت عدد النوبات التى انتكس فيها المريض ازدادت صعوبة علاج النوبات اللاحقة، وازداد معدل الانتكاس فى المستقبل (وهذا يطلق عليه أحيانا الاشتعال Kindling بمعنى أنه متى بدأ الحريق فى الانتشار فإنه من الصعوبة إيقافه) .

العلاج الخاطئ أو العلاج الجزئي:

المريض الذى تشخص حالته على أنها حالة اكتئاب فقط بدلاً من حالة ذهان هوس واكتئاب يتلقى العلاج المضاد للاكتئاب فقط بدون استخدام مضادات الهوس، وهذا قد يؤدى إلى ظهور نوبة هوس ويجعل المسار المرضى أكثر تدهوراً .

هل ذهان الهوس والاكتئاب ينتقل بالوراثة؟
ذهان الهوس والاكتئاب ينتقل أحياناً بالوراثة فى بعض الأسر، وقد تعرف الباحثون أخيراً على عدد من الجينات التى من المحتمل أن تكون مسئولة أو مرتبطة بالمرض، وتؤدى إلى ظهور اضطرابات كيميائية فى الجهاز العصبى فى المرضى .

 ومع ذلك فإذا كنت تعانى من المرض وتزوجت من زوجة سليمة فإن نسبة ظهور المرض فى الأولاد هى 1 : 7 وتزداد فرصة الإصابة إذا كان هناك عدة أفراد من الأسرة يعانون من نفس المرض، أو سبقت لهم الإصابة بمرض الاكتئاب.

الأسباب

ليس هناك سبب واحد للمرض، ولكن الباحثين يؤكدون على أن المرض يحدث بسبب وجود عوامل وراثية تؤدى إلى عدم استقرار انتقال التيارات العصبية فى المخ، وهذه التغيرات الكيميائية أكثر عرضة للتأثر بالضغوط العاطفية والجسمانية.

وإذا كانت هناك مشاكل فى حياة الشخص المهيأ للمرض إما بسبب عدم النوم المنتظم، أو بسبب تعاطى بعض المخدرات، أو زيادة الإجهاد فإن الجهاز العصبى حينئذ لا يستطيع أن يقوم بدوره الطبيعى فى التغلب على تلك المشاكل واستعادة الاستقرار والهدوء مرة أخرى.

وهذه النظرية عن تفاعل القابلية للإصابة بالمرض (بسبب عوامل وراثية) مع الظروف البيئية المحيطة والمظهرة للمرض تتشابه مع النظريات الطبية عن أسباب الأمراض الطبية الأخرى، ففي مرض القلب على سبيل المثال يرث الفرد القابلية لزيادة نسبة الكوليسترول وزيادة ضغط الدم التى تؤدى إلى نقص تدريجى بنسبة الأوكسجين المغذى للقلب، وأثناء الإجهاد (اما بسبب المجهودات البدائية أو التوترات العاطفية) قد يصاب الشخص فجأة بالألم فى الصدر، أو تحدث له أزمة قلبية إذا نقص الأوكسجين المغذى للقلب بدرجة كبيرة.

وكما فى مرض القلب، والأمراض الطبية الأخرى فإن علاج ذهان الهوس والاكتئاب يركز على تعاطى العلاج الدوائي المناسب وجعل الحياة سهلة مع تجنب التوتر والانفعال وذلك لتحاشى حدوث نوبات أخرى.  

يزداد بين المبدعين!!

هذا المرض والذي يمر كثيراً على بعض العاملين في مجال الصحة النفسية دون أن يستطيعوا تشخيصه نظراً لأن أعراضه في الكثير من الأحيان تختلط مع بعض الاضطرابات النفسية والعقلية، بل إن المرضى كثيراً ما يعيشون حياة صعبة ولا يُراجعون الأطباء النفسيين، وكذلك لا يطلبون المساعدة الطبية من أي جهة علاجية للأمراض النفسية والعقلية.

هذا الاضطراب والذي عانى منه كثير من المشهورين والعظماء مثل رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، الذي يُعد من أعظم رؤساء الوزارات، والذي قُدّر له أن يقود بريطانيا العظمى في أحلك وأصعب الأوقات، وهي فترة الحرب العالمية الثانية، وقاد بريطانيا إلى الانتصار وجنّبها الكثير من الويلات في هذه الحرب المُدمّرة.

كان ونستون تشرشل يعرف أنه مصاب بهذا المرض، وثقافته ووعيه جعلتاه يتناول الأدوية المتوفرة في تلك الفترة حتى يتجنب الانتكاسات التي تصيب الأشخاص الذين يُعانون من هذا الاضطراب المزعج، وكان ونستون تشرشل يُسمي نوبات الكآبة التي هي الطرف الآخر في هذا الاضطراب "الكلب الأسود" (
The Black Dog)، وبقي هذا الوصف البليغ مستخدماً من قبل الكثيرين الذين يُعانون من هذا الاضطراب.

الجدير بالذكر أن هذا المرض يَكثُر بين المبدعين من الشعراء والروائيين والرسامين والنحاتين والممثلين وغيرهم، فهناك مثلاً أرنست همنجواي الروائي والقاص الأمريكي الكبير الذي كان يُعالج من هذا المرض، ولكن للأسف في إحدى نوبات الاكتئاب أطلق النار على نفسه بعد أن مر بنوبة اكتئاب حادة شديدة، وقد تم علاجه منها بالجلسات الكهربائية، لكن ذلك لم يمنعه من قتل نفسه ببندقية صيد.

الأعراض

المرض يبدأ في سن مبكرة قد تصل إلى سن الطفولة.. كما ذكر بعض المرضى الذين تم تشخيصهم في سن متأخرة، حيث قال هؤلاء الأشخاص الذين عانوا من الاضطراب من سن الطفولة، بأنهم كانوا يعانون من نوبات من الكآبة تستمر لفترات قد تطول أو تقصر ولكن لا أحد ينتبه لهذه الكآبة عند الأطفال، وربما عانوا من نوبات من المرح ولكن الأهل والمحيطين بالطفل من أصدقاء ومدرسين يعتبرون هذا نوع أو حالة من نشاط زائد عند الأطفال حتى يصل الطفل إلى سن متقدم، خاصة بعد العشرين وأحياناً الثلاثين فيتم تشخيصه بالاضطراب الوجداني ثُنائي القطب، والبدء في علاجه بعد أن يكون قد أمضى سنوات من المعاناة، وأحيانا تكون قد أثّرت على تحصيله العلمي، وربما لم يستطع إكمال دراسته نتيجة نوبات الكآبة والهوس التي لم تُعالج عندما كان في مُقتبل العمر.

وهذا الاضطراب الذي قد يبدأ في الطفولة أو المراهقة ولا يتم تشخيصه إلا بعد سنوات من المعاناة والتي قد تدفع صاحبها لترك الدراسة أو تعرضه للطُرد من المدرسة نتيجة تأثير إحدى نوبات الاكتئاب أو سوء تصرف عندما كان هذا الفتى تحت تأثير نوبة هوس جعلته يتصرف بغير وعي وكما هو معروف لدى مرضى الهوس.