حالات ولادة الجنين ميتا .. تجربة مدمرة

كنت في حالة مخاض مستمر طوال 12 ساعة عندما قال الطبيب المشرف على الولادة إنه سيلجأ إلى إجراء عملية قيصرية لأن أحد التوأمين عالق ومن المتعذر خروج أي من التوأمين بطريقة طبيعية.


وخوفا من فقدان أي من الطفلين، أجبته: «لا آبه بأي شيء، عليك فقط إخراجهما حيين». ولحسن الحظ، فقد نجح الطبيب في ذلك، منذ قرابة 42 عاما.

إلا أنه للأسف الشديد لا تحظى كل النساء بهذا الحظ الوفير، فرغم التقنية شديدة التطور المتاحة حاليا لمراقبة الأجنة، يولد 27000 من الأجنة التي تتجاوز الأسبوع الـ20 من عمرها و13000 من التي تبلغ الأسبوع الـ28 أو ما وراءه، ميتة. وتلد واحدة من كل 200 سيدة حامل يبلغ عمر جنينها الأسبوع الـ22، طفلا ميتا.

تجربة مدمرة

غالبا ما تكون تلك تجربة مدمرة. وعن ذلك، قال الدكتور روبرت غولدنبرغ، طبيب النساء والتوليد: «بمجرد علمهن بنبأ حملهن، تتعامل غالبية النساء مع الجنين الذي لم يولد بعد باعتباره طفلهن. وتكافئ تجربة ولادة جنين مجهض بالنسبة للكثيرات، وفاة طفل».

رغم التراجع الحاد في حالات الأطفال المولودين ميتين منذ أربعينات القرن الماضي، فإنها لا تزال حاضر بقوة في حياتنا، ولا تقتصر على النساء الفقيرات أو اللاتي حصلن على قدر ضئيل من التعليم أو يفتقدن إلى الرعاية الطبية المناسبة. حتى في ظل أفضل الظروف، لا تستطيع بعض الأجنة إنجاز مشوارها إلى الدنيا بنجاح.

ومثلما كتبت الدكتورة زوي مولان والدكتور ريتشارد هورتون مؤخرا في دورية «لانسيت» الطبية، فإن: «الجزع على الطفل المولود ميتا لا يضاهيه أي جزع آخر، ذلك أن شهور الإثارة والانتظار والتخطيط والأسئلة المتحمسة ومعاناة المخاض.. تؤجج جميعها حالة عدم الفهم المدمرة التي تسيطر على المرأة لدى ولادتها طفلا يخلو من أي حياة».

بتمويل جاء بصورة أساسية من مؤسسة بيل وميليندا غيتس، نشرت الدورية عبر شبكة الإنترنت سلسلة من التقارير الكبرى حول المشكلة العالمية المتمثلة في الأطفال المولودين ميتين، الذين تفوق أعدادهم 2.6 مليون طفل سنويا.

ورغم أن جميع الحالات ما عدا 2 في المائة منها تقع في دول منخفضة ومتوسطة الدخل، فإن «مأساة الأطفال المولودين ميتين لا تزال تصيب الدول الغنية، مع وجود واحد من كل 320 طفلا مولودين ميتين في دولة مرتفعة الدخل».

إلا أن المجتمع لا يبذل مجهودا يذكر للاعتراف بهذه الخسائر، ويميل الأصدقاء والأقارب لتجنب الحديث عن هذه التجارب.

من جهتها، وصفت جانيت سكوت، من «منظمة مكافحة وفيات المجهضين والمواليد حديثا» (ستيل بيرث آند نيوناتال ديث تشاريتي) في لندن، حالات المجهضين بأنها تمثل «واحدا من آخر التابوهات.

وفاة طفل قبل مولده يبدو بصورة ما أمرا لا يحسب. داخل الدول مرتفعة الدخل، رغم تراجع معدلات وفيات الأطفال، لم تتغير معدلات المواليد المجهضين منذ أكثر من عقد».

غموض التفسير

ومما يزيد مأساة الأبوين حالة الغموض المعتادة التي تكتنف أسباب الإملاص. في واحدة فقط من بين قرابة 40 في المائة من المجهضين يمكن إيجاد تفسير لها، طبقا لما ذكره دكتور غولدنبرغ، مؤلف سلسلة تقارير «لانسيت».

إلا أنه أوضح خلال مقابلة أجريت معه أنه «عند إجراء تشريح دقيق لكل من الطفل والمشيمة وفحص الكروموسومات، يمكن العثور على تفسير لما يتراوح بين 80 في المائة و85 في المائة من الحالات».

وأضاف غولدنبرغ: «لا يجري الكثير من الاختبارات التي بإمكانها توضيح أسباب وفاة طفل لأن الطبيب وأفراد الأسرة يعانون في مثل هذه الأوقات بما يكفي ولا يرغبون في مزيد من الألم، أو لأن المستشفى لا يتلقى أجرا إضافيا مقابل إجراء تشريح».

أسباب معروفة

ومع ذلك، يبقى هناك عدد من الأسباب المعروفة التي تفاقم بعضها في السنوات الأخيرة. وفي تقرير «لانسيت»، أشار باحثون أستراليون وبريطانيون إلى أن زيادة وزن الأم والسمنة أكثر عاملين يزيدان من ولادة مجهضين، ومن الممكن الوقاية منهما في الدول مرتفعة الدخل، حيث يقفان وراء ما يصل إلى 18 في المائة من حالات المجهضين.

وأوضح الباحثان أن العوامل الأخرى تتمثل في تجاوز سن الأم الـ35 عاما والتدخين أثناء الحمل، ويعد العامل الأخير أكثر انتشارا بين الفقراء.

تواجه النساء فوق سن الـ35 زيادة بنسبة 65 في المائة في احتمالات التعرض للإملاص، مقارنة بالنساء الأصغر سنا. وأوضح الباحثون أن «عدد النساء اللائي يرجئن الحمل في تزايد، الأمر الذي يسهم في ارتفاع نسبة النساء فوق الـ35 اللائي يلدن للمرة الأولى. أما الأطفال المولودون أولا لهؤلاء السيدات، فأكثر احتمالا لأن يولدوا ميتين».

وتعد عمليات أطفال الأنابيب، التي تسهم في عدة عمليات حمل، عاملا آخر أصبح أكثر شيوعا في السنوات الأخيرة. عن ذلك، قال الدكتور غولدنبرغ إن «التوأمين والتوائم الـ3 ينطوي على معدلات مجهضين أعلى بكثير». وسعيا إلى تقليص المخاطرة، أوصى بقوة بأنه عند محاولة إجراء حمل عبر عملية طفل أنابيب، ينبغي زرع جنين واحد فقط.

وعلى الرغم من أن الوزن الزائد يشكل في حد ذاته عامل مخاطرة بالنسبة للإملاص، يرى الدكتور غولدنبرغ أنه يزيد أيضا مخاطرة سببين آخرين: سكري الحوامل، وارتفاع ضغط الدم الناجم عن الحمل.

كما تواجه النساء اللائي يعانين بالفعل من السكري أو ارتفاع ضغط الدم قبل الحمل من مخاطرة أكبر لأن يتعرضن للإملاص، خصوصا إذا كان مستوى الرعاية الصحية التي يتمتعن بها رديئة.

من بين الأسباب المحتملة الأخرى التي يمكن السيطرة عليها العدوى، خصوصا أمراض اللثة التي تترك من دون علاج، والتي ينبغي التعامل معها قبل حمل المرأة، حسب ما أوضح الدكتور غولدنبرغ.

ولم تكشف الدراسات التي أجريت حتى الآن وجود فائدة واضحة لعلاج اللثة أثناء الحمل. ومع ذلك، حال تشخيص أي مرض ينتقل عبر الدم لأي سبب، ربما يقلل العلاج عبر المضادات الحيوية من احتمالات الإملاص.

إذا استمر حمل متجاوزا الفترة المناسبة له المحددة بـ40 أسبوعا للجنين الواحد و38 أسبوعا للتوأمين، ترتفع مخاطرة ولادة جهيض. ويوصي القائمون على تقرير «لانسيت» بإخضاع النساء اللائي يستمر حملهن بعد 41 أسبوعا لتعجيل الولادة عبر «الطلق الصناعي».

بطبيعة الحال يعني ذلك ضرورة تحديد الموعد المناسب مراقبة الجنين

لولادة سيدة ما بدقة، الأمر الذي يجري عادة باستخدام فحص بموجات فوق صوتية في مرحلة مبكرة من الحمل. والملاحظ أن بعض أسباب الإملاص - مثل وجود عيوب في المشيمة وتأخر نمو الجنين - يتعذر الوقاية منها، لكن يمكن مراقبتها و«علاجها» إذا استدعى الأمر من خلال التعجيل بولادة الطفل لإنقاذ حياته. وبإمكان الجرعات القليلة من الأسبرين تقليل مخاطرة المشكلات المرتبطة بالمشيمة.

وشرح الدكتور غولدنبرغ أنه «داخل الولايات المتحدة، لا ينتهي مصير الأجنة التي تأخر نموها إلى الموت بالضرورة». ومن الممكن أن تكشف عوامل مراقبة، مثل حركة الجنين وتدفق الدم عبر المشيمة، ما إذا كانت الأجنة تعاني من مشكلات، وما إذا كان يتعين التبكير بالولادة. وقال: «علينا تحقيق توازن بين مخاطرة الولادة السابقة للأوان ومخاطرة الإملاص».

وجدير بالذكر أن أول حفيد له ولد مبكرا على هذا النحو. بعد 28 أسبوعا من الحمل، تعرضت الأم لارتفاع ضغط الدم وتأخر نمو الجنين. وجرت مراقبة الحمل بصورة وثيقة لـ4 أسابيع أخرى حتى تقرر التبكير بالولادة لتجنب مخاطرة الإملاص. الآن، يبلغ الحفيد من العمر 16 شهرا، ويقول عنه الدكتور غولدنبرغ إنه «رائع».

للأسف، يفتقر الكثير من النساء في البلاد إلى هذا المستوى من الرعاية الصحية أثناء الحمل. وعليه، تبلغ احتمالات الإملاص بين الأميركيات من أصول أفريقية ضعف ما هي عليه بين البيض واللاتينيات، حسب ما ذكر تقرير «لانسيت». كما تحظى الريفيات بمستوى رعاية أقل من تلك التي تحظى بها نساء الحضر.

وقال الدكتور غولدنبرغ إنه إذا نجحت قوانين الرعاية الصحية الجديدة في توفير رعاية لمزيد من النساء خلال فترات الحمل المبكرة، فإن هذا سيترك تأثيرا إيجابيا يقلص حالات الإملاص التي تقع حاليا بمعدل يفوق 10 مرات حالات متلازمة موت الرضيع المفاجئ داخل الولايات المتحدة.