لأنه السبب وراء كل الشرور .. كيف تسيطر علي مشاعر الغضب؟

الغضب من الأشياء التي قد تحول حياة الناس في لحظة وقد يكون وراء كل الشرور والآثام، فكم من أسر تحطمت وأطفال تشردت وتيتمت ونساء ترملت وأناس زج بهم إلي غياهب السجون لسنوات بسبب لحظة غضب واحدة، ولو أنهم راودوا أنفسهم أو ترووا لكانت الأمورمختلفة.


وصرنا نسمع عن أشياء في غاية الغرابة، فها هو رجل يسكب الكيروسين علي زوجته ويشعل بها النار لأنها تلكأت في إعداد الطعام، وآخر يقتل والده لأنه وبخه أمام الناس، وآخر يفصل رأس صديقه بسبب 5جنيهات.

إنها لحظة تغير تاريخا بأسره، وتلك اللحظات يعقبها الندم حيث لا ينفع، والكل يجمعون علي أن التاريخ لو عاد بهم إلي الوراء ما أقدموا علي ما فعلوا.

وقد أوصت كل الرسالات السماوية بكظم الغيظ ودرء السيئة بالقول اللين والعفو عن الناس.

فالتحكم في انفعال الغضب والسيطرة على النفس من الأمور بالغة الأهمية لكي ينجح الإنسان في حياته ويستطيع أن يتوافق مع نماذج البشر على اختلاف طباعهم وأخلاقهم، وأيضاً لكي يتجنب ما يسببه الغضب من اضطرابات نفسية وعضوية متعددة، وتفادى كثرة التصادم والاحتكاك الذي يحصل بسببه خصومات وعداوات كثيرة.

وجدير بالذكر أن معدل الغضب يرتفع طرديا كلما ازدادت مصاعب الحياة ومشاكلها، ففي الدول النامية والفقيرة والمزدحمة علي سبيل المثال، نجد ردود الفعل الأكثر عنفا تتولد في لحظات قليلة ولأتفه الأسباب، بينما تتسم ردود الفعل في الدول الأقل كثافة سكانية والأكثر رفاهية بالهدوء النسبي.

فنري أن للضوائق المالية، الازدحام، التكدس في المواصلات، عدم توفر الخدمات كالتعليم والرعاية الصحية ومياه الشرب والغذاء وارتفاع الأسعار الجنوني، نري أنها من العوامل التي تأجج نيران الغضب.

المشكلة في الغضب قد لا تكون الموضوع الذي سببه بحد ذاته ولكنه في رد الفعل الغير مدروس الذي قد يحدثه الشخص عند غضبه، إضافة الى أن انتهاج الطابع أو الأسلوب العصبي طوال الوقت يسبب النفور من جانب الأشخاص المحيطين بالإنسان ويدمر العلاقات الشخصية وعلاقات العمل.

وليس هذا فقط بل ينتج عنه مشاكل صحية مثل اضطرابات في المعدة, القولون, القلب (ارتفاع الضغط مثلا  والصداع المستمر) .

ما هي السلوكيات والأقوال التي تفيد الإنسان كثيراً في مثل تلك الحالات ويفضل تسجيلها وترديدها وغرسها في الذهن باستمرار أثناء جلسات الخلوة العلاجية وبعدها؟

أولا: ما هو الغضب؟

"يتم تعريف الغضب كرد فعل على الإحباط"، كردود الفعل القاسية من جانب صديق، نسيان سلسلة المفاتيح في المطعم، طفلك يكسر الزهرية المفضلة لديك...

فجميعنا يواجه مواقفا يومية صعبة يمكنها أن تسبب لنا مشاعر سلبية غير سارة والغضب على وجه الخصوص، ونحن جميعا نعيش الغضب أكثر أو أقل بشكل منتظم وبدرجات متفاوتة من الشدة. والغضب في المقام الأول انفعال لحظي وثانوي.

"وينطلق الغضب من قبل مشاعر أخري مثل الخوف والحزن"، كما تقول ستيفان روزيناك أستاذ علم النفس، ولكن الغضب يختلف اختلافا جوهريا عن الحزن، ويعرف كرد فعل على الإحباط. وهو العاطفة البسيطة التي تعبر عن عدم الرضا، ونحن قد نشعر بالغضب تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين.

واعتمادا على مدى الاستياء، يأتي الغضب في مجموعة من المشاعر التي تبدأ من الإحباط والسخط إلي الحنق مرورا بالغيظ والهيجان، وعلاوة على ذلك فإن درجة العدوانية هي التي تحدد قوة الغضب فيأتي الغيظ على سبيل المثال كسبب جزئي لعدم القدرة على الهروب من حالة غير مرغوب فيها، ويحدث التمرد محددا في مواجهة الحالات التي نري أنها ظلم.

ومن خلال  دراسة استقصائية أجريت وجها لوجه في 12-13 مارس 2003 من قبل Zitrocom علي عينة تصل إلي 1000 شخص من سكان ممثلين للشعب الفرنسي بأكمله تبلغ أعمارهم 18 عاما فأكبر.

وعلي طريقة الحصص النبسية (الجنس،العمر، مهنة رب الأسرة) والطبقية حسب المنطقة ونوع التجمع السكاني.. أجري معهد الدراسات TNS Sofres استفتاءا عن 7خطايا مميتة وطريقة تفكير الناس عن الغضب.

ووفقا لهذه الدراسة وجد أن 2 ٪ من الناس يقولون أنهم يغضبون كل يوم، 21 ٪ غالبا، 48 ٪ أحيانا، 20 ٪ نادرا، و 8 ٪ مطلقا.

وعلي النقيض، ما يقرب من 50 ٪ منهم يجدون أن هذه العاطفة خطيرة أو خطيرة جدا، وبالنسبة لـ15 ٪ من الذين شملهم الاستطلاع، الغضب هو الخطيئة الأكثر تمثيلا لمجتمعنا وراء الحسد والكسل.

وردا على السؤال: "تخيل أنك تخطط للعيش مع شخص آخر، فما الخطية من بين الخطايا السبع المميتة التي قد تثنيك عن العيش معه إذا كان الشخص من اختيارك يرتكبها في أحيان كثيرة ؟"، أجاب 17 ٪ أن الغضب يأتي وراء البخل والكسل.

هل النساء أكثرغضبا من الرجال؟ 

ترى أستاذة علم النفس السريري ستيفان روزيناك أنه لا يوجد فرق عاطفي بين الرجل والمرأة إلا في حالات التغيرات الهرمونية (انقطاع الطمث، الحمل، الغدة الدرقية..)

وللاستدلال علي ذلك، لا نستطيع ملاحظة الفرق لدي الرضع، إنها الثقافة والتعليم التي تؤدي بالرجال والنساء إلي مختلف ردود الفعل في التعامل أمام مشاعرهم.

ولإثبات ذلك، نحن نقول أنه بالنسبة للطفل الصغير الذي ينخرط في البكاء، فإن ما لديه هو مجرد نزوة، ثم نقول أنه بسبب أمر محزن بالنسبة لطفلة صغيرة.

 
ويختلف التفسير العاطفي حسب الجنس، ويبدو أيضا أن الغضب أكثر قبولا عند الرجال عنه لدي النساء، فعند الرجل يمكن أن يترجم هذا الغضب كرد فعل غريزي، بينما ينظر للنساء اللاتي يغضبن كالمشبوهات، وأنا مقتنعة بأن هناك تغيير طفيف لكنه لا يزال الفارق الكبير في الأداء الجنسي في العالم.

من أين يأتي الغضب؟ 

"مثل كل العواطف، الغضب هو قدرة الجسم على التكيف استجابة لمواقف طوارئ معينة، ويسمح للأفراد أن يظهروا للآخرين من نفس النوع استعداد أجسمانا للمكافحة، وكأننا نرسل رسالة، فعندما نرى شخصا غاضبا نعرف أنه ينبغي تجنب إجراءات معينة بل وحتى تجنب الشخص نفسه، وبالعكس لا يمكن القول أن طبيعة الناس الغاضبين وراءها سبب وراثي، لكن الدراسات حول هذا الموضوع ليست شافية بما فيه الكفاية".

تقول ستيفان روزيناك :"من وجهة النظر النفسية، يأتي الغضب من الإحباط كما أنه يمكن أن يتحقق أيضا من حالة فقدان حيث نعتقد أن الأداة التي فقدت لا يمكننا استردادها لمنع الخسارة أو لتغيير الوضع".

فالغضب في المقام الأول هو رد فعل أولي للتعامل مع الخطر، لكنه أيضا أسلوب من أساليب الاتصال الذي يتيح لنا أن نُشعر الآخرين بما نشعر به.

وفي كتابها " التأثير علي العواطف"، تعتبر "ستيفاني هاهوسو" بالتالي أن الغضب يعتبر كإشارة التنبيه التي" تحذرنا من أن آخرين قد غزوا أراضينا، وأنهم يسببون لنا الإحباط، وأنهم يسيئون استخدامنا، أوأنهم يعتدون علينا.. كل هذا يقول لنا أن الغضب، على الرغم من جميع هذه الجوانب السلبية، له وظيفة قد تكون مفيدة في بعض الحالات.

ومن هنا تأتي أهمية فهم الغضب، لذا يجب البحث عن جذوره وليس قمعه، "ولكن هذا ليس عذرا للدخول في حالة غضب "، كما تشير ستيفان روزيناك.

ما هي فائدة الغضب؟ 

مثل كل العواطف، يلعب الغضب على المستوى النفسي، دور المخبر لتلبية احتياجات الفرد، وعندما يتم استيفاء جميع احتياجاتنا، يمكن للفرحة أن تغزو كل الجسم والعقل، وفي المقابل عندما يرتبط الإحباط بالشخص، فإنه يشعر بالحزن أو الخوف بسرعة.

ويحدث الغضب عندما يحدث كسرا للتوازن في أحد جوانب الحياة، ونحن نحاول تغيير أو تطوير هذا الوضع، فهذه العاطفة تطلب من جسدنا حشد كمية كبيرة من الطاقة من أجل "الاستعداد للمعركة" والتغلب على العقبات التي تمنعنا من الوصول إلى حالة الارتياح، وبقدر ما تتطور العملية الحيوية للتكيف، فإن الغضب لا يسبب آثارا ضارة على التنمية الشخصية والاجتماعية.

وتضيف ستيفان روزيناك "يمكن أيضا أن يفيد الغضب في تصريف التوترات".

وتري ستيفاني هاهيسو مؤلفة كتاب "التأثير علي العواطف" أنه يجب ألا ينظر إلي الغضب باعتباره مشاعر سلبية أو ضارة، فتقول: "إنه متناسب تماما مع ما نشعر به من ضيق وما نريد التعبير عنه".

السخط وإلاحترام:

وتضيف المؤلفة: "يمثل الغضب استعدادنا للغيظ، إنه يعطينا الطاقة لمحاربة الظلم، ويزج بنا في الكفاح ضد شرور هذا العالم، فالغضب ضروري، وإذا كنا لا نريد إخراجه إلي الخارج، فإننا تضطر لأن نقوم بإعادته ضد أنفسنا ونشعر بالذنب.

الغضب يمكن أن يغيرالمفاهيم السلبية عن الذات، وفي بعض الحالات التعبير عن الغضب تجاه الآخرين وتجاهنا يمكن أن يساعدنا علي فرض الاحترام لأنه يعني أننا نحترم أنفسنا. "

هذه النظرة الإيجابية للغضب مرجحة من قبل "ديدييه بلو" الذي وصف من خلال كتابه  "عبرعن غضبك دون أن تفقد السيطرة"، الغضب باعتباره علامة على الضعف وعدم الكفاءة، مؤلم ومدمر ذاتيا، وأضاف حتى أنه في بعض الحالات، قد يعكس رغبة مجنونة للفرد في أن يحصل علي ما لايقدر عليه أو أن يكون ما ليس عليه.

الغضب الجيد والغضب السيء:

الوالدان أيضا يغضبون من أطفالهم.. "لا تعود الأطفال علي الغضب"

والغضب أحيانا عندما يدار بشكل سيء وغير مفهوم، يمكن أن يصبح بالنسبة للبعض شكلا لاتصالات مزمنة مع الناس "ووفقا لمن حولنا من البشر، ليس للجميع نفس سجل الغضب، فهناك أناس يحطمون كل شيء، وهناك من يفضلون الاختباء والظور بمظهر جيد.

واعتمادا على المواقف، لن يكون الغضب هو نفسه مطلقا، فإذا كان الهدف المثير للغضب موجودا أمام عيني الشخص، سيتوجه ضده وإلا فإنه سوف سيتوجه ضد نفسه "، والأسوأ من ذلك أن توجيه الغضب ضد شخص بعيد عن إحباطه قد يؤدي إلى حالات من الاضطراب الشديد ويولد الكثير من سوء الفهم.

وتذكر ستيفان روزيناك موضحة أن هناك أيضا غضب حسن، فتقول: "إن الآباء والأمهات من خلال غضبهم تجاه أبنائهم من وقت لآخر، يستطيعون أن يفهموهم أن الوضع كان خطيرا وهاما.

وهنا سوف يتعلم الطفل عاطفيا وسوف يتذكر الخطر أو الخطأ من جانبه، ولكن حذار، فلا يجب جعل رد الفعل هذا معتادا من جانب الآباء والأمهات، لأن الأطفال إذا اعتادوا أيضا على الغضب، فلن يتعلموا ".

درجات مختلفة من الغضب: 

الغضب انفعال في المقام الأول، ولكن لكل غضب درجته من الحدة والقوة، كما أن الغضب يمكن أن ينتج لدى كل إنسان بمؤثر مختلف عن الآخر، وهذه مجموعة من أشكال ودرجات الغضب المختلفة:

1- التمرد: 

"التمرد هو استذهان الغضب (إعطاء الغضب طابعا عقلانيا)"، ووفقا لما قالته ستيفان روزيناك: فنحن في العموم نتمرد عندما نقع تحت ظلم بين، أو نرى غيرنا يتعرض لهذا الظلم، وهذا التمرد الناتج عن السخط والعجز في بعض الأحيان يتيح حدوث اتصال مع التمرد لتحديد احتياجات الفرد، وقيمه في بعض الحالات فالتمرد هو دعوة لإيجاد حل في الحالة التي تكون فيها المخاطر كبيرة.
 
2- الغيظ:
يرتبط الغضب بالعجز في حالات الغيظ، ونحن نشعر أننا تحت رحمة شخص أو وضع ما مثل الغضب، كما يخبرنا الغيظ أن هناك عقبة أمام شعورنا بالارتياح.

لكنه بالإضافة لذلك يؤكد عجزنا أمام هذا العائق، ونحن نعتقد أننا بدون وسائل نساعدنا أمام تلك العقبة، وهذا الشكل من عدم القدرة على التصرف بفعالية يحول طاقتنا العدوانية إلي غضب أكثر أو أقل تدميرا.

     
ويمكن أيضا أن يكون الغضب ناجما عن الفشل في القدرة علي التوصل إلي حلول مع شخص ما، وهذا يحدث في حالات محددة جدا، فعلى سبيل المثال عندما نحاول التأثير على شخص أو تغيير سلوكه، ولكننا نجد رغم الجهد المبذول أنه ليست هناك فائدة فلا شيء يتغير، ذلك النقص التام للسلطة على هذا الشخص أو الموقف يؤدي إلي الغيظ.

ويختلف الغيظ عن الغضب في أن درجة العنف به والتي تحدث نتيجة للسخط تشتمل على رغبة في التدمير تكون كبيرة جدا.

3- الإحباط ، والإنزعاج والسخط :

هذه الأشكال المختلفة من الغضب لا تحفز على درجة كبيرة من العدوانية، فهي تدل على الشعور بالإحباط ولكن ليست مرتبطة مع العنف.

وفي حالة عدم الارتياح، سنكون أكثر استعدادا للتواصل والبحث عن حل، أما الإحباط والتهيج، أو الضيق، فإنه يزيد من حساسيتنا العصبية والعاطفية.

4- الهياج:

مع تكرار المواقف المحبطة وزيادة مصاعب الحياة يتحول الغضب لدي بعض الناس إلي حالة من الهياج حيث يرغب الشخص في تحطيم كل ما ومن أمامه، وقد يحدث هذا الأمر في ثوان معدودة أو أكثر وفقا لدرجة تحمل الشخص للاستفزازات وطبيعة هياجه، في هذه اللحظة يكون الشخص خارجا عن نطاق الوعي وتتلقفه الشياطين، وقد يرتكب أشنع الجرائم دون أن يدري للتنفيس عن غضبه، فإذا أفاق لا يكاد يصدق ما بدر منه.

العديد من الموارد المحركة للغضب:

جميع العواطف تحرك بداخلنا اضطرابات مادية، والغضب مثل الخوف، والفرح أو الخجل ينشأ عندما نكون تحت ضغط معين.

فتكون النتيجة أن أجسامنا تستخدم الكثير من الموارد، فتتسارع دقات القلب، ويزيد تدفق الدم والحساسية العصبية بشكل كبير، ويقف الشعر، ويحمر الوجهه ونواجه تصريف هرموني قوي.

ومع مرور الوقت، قد يكون لهذه النوبات من الغضب تأثيرا ضارا على الجسم ويسبب قرحات المعدة ومشاكل القلب، والضغط والشرايين.

أما على المستوى النفسي، فإن الغالبية العظمى من الناس لا يواجهون هذه العاطفة، وهم قادرون على إدارة الغضب وتخفيفه في حياتهم اليومية، وفي هذه الحالات ليس للغضب أي تأثير على العلاقات الاجتماعية والمهنية.

"وبمجرد انتهاء الغضب ننسي كل شيء، ولا نتذكر أي شكل لمزيد من المشاكل وراءه"، وفقا لرؤية ستيفان روزيناك.

وللأسف بالنسبة للبعض، قد يكون الغضب مصدرا حقيقيا للصراع والمعاناة فهؤلاء أشخاص يوصفوا بكونهم "غضوبين"، وبالنسبة لستيفان روزيناك "الشخص الغضوب يحد للغاية من علاقاته الاجتماعية، والاستخدام الكثير للغضب يعني أننا نستخدم مواردا كثيرة جدا وهو ما يؤدي بنا إلي الدخول في المزيد من التجارب العاطفية السلبية".

وفي كتابه يشرح "ديديه بلو" لماذا يتجاهل الغاضبون، باستمرار حقيقتهم، حيث يكون لديهم ميل واضح للمبالغة في مضايقات الحياة اليومية، وبالتالي تضخيم الإحباط البسيط إلي عاطفة غير متناسبة، مما ينتج عنه غالبا الصراع والعدوان داخل الأسرة، أو بين الزوجين، بل والشركات أيضا.

التعبير عن الغضب:

هل ينبغي علينا أن نحتفظ بالغضب داخلنا، مع العلم بأن عدم التعبيرعن التوتر يجعلنا أكثر عرضة للخطر؟

تقول ستيفان روزيناك: "إن كثيري الغضب معتادون على هذا النمط من الاتصالات عن طريق التعليم الذي بلا شك قد شجع عادة الغضب هذه، وعلي نقيض ذلك من المستحيل الآن إنشاء أي سبب وراثي للغضب".

وبرغم ذلك ففي وسط بيئتنا المحيطة، نحن جميعا نعرف شخصا أكثر تفاعلية من المعتاد، وكثيرا ما يقال عن هذا الشخص أنه "ساخن الدم" أو "حاد الطباع" ، كما أنه في بعض الأحيان يخفي انعدام الثقة بنفسه أو قلقه المتزايد.

ويبقي أن نشير إلي أن الشخص الغضوب يعاني أيضا من سلوكه.. في الواقع، فإذا كان الغضب يجري بشكل زائد دائما فهو لا يجلب أي خير، وغالبا ما ينطوي الشخص على نفسه باستمرار ويخفي غضبه في حالات الإحباط الشديد.

وتعلق ستيفان روزيناك على ذلك قائلة: "وهذا الأمر له أثار سلبية ويزيد من الشعور بالإحباط، ويسبب بالتالي نتائج سيئة للغاية، فعدم التعبير عن التوتر قد يؤدي بالشخص لأن يكون أكثر عرضة للخطر".

الكشف عن القوة والسلوك:

يذهب "ديديه بلو" أبعد من ذلك، فإذا كان يقر بأن حالات الغضب المبررة نادرة، لكنه يلحظ مع ذلك في بعض الحالات، أن الغضب يمكن أن يكون مؤشرا على القوة والشخصية.

ومن ناحية الطاقة، يطرح عالم النفس هذه المسألة ذات الصلة: "من أين يستمد شخص رياضي القوة ليتغلب على العدو ويهزمه ؟".

إن كل رياضي يحتاج في الواقع لأن يشعر بنوع من العدوانية للوصول إلى هدفه الذي  حدده، ومن هنا أيضا يأتي التعبير عن الغضب لتحقيق الفوز في المدرسة أو العمل حيث يطلق التوبيخ أو النقد نوعا من الغضب الذي يمكن أن يصبح بعد ذلك تحفيزا يدفعنا لأن نكون أفضل.

ومن الناحية النفسية، يمكن أن يؤدي الغضب إلى ردود فعل إيجابية جدا في سلوكنا، ولكن مع هذا لا ينبغي أن يطغي علينا، وبالتالي يكون الغضب دائما خاضعا للسيطرة.

عدم الصبر:

كثير من الناس يفقدون صبرهم أمام عجلة القيادة، وتقول "آم" أنها تقر مع ذلك بهذا النوع من الغضب الغير ضروري: "إنه غبي تماما، وغير عقلاني وغير متسامح، ولكن أعدك أن هذا هو السلوك الوحيد الذي لن أتبعه".

ومع ذلك بالنسبة للبعض، هناك ردود فعل يمكن أن تكون شديد الخطورة باتجاه سائق سيارة متقاعس، تقول سيلين: " أظل أصرخ وحدي في سيارتي، أزمر أو أومض ولكن الناس لا يهتمون".

عدم الكياسة: 

عدم وجود الكياسة يسبب الغضب أيضا مثل رؤيتنا لطفل سيء الخلق، أو ورقة ألقيت على الرصيف، أو شخص فظ.

وحول هذه النقطة، تقول فيفيان: "أنا أشعر بالاشمئزاز، أو أظل أغلي بداخلي، كما يفور الحليب، أشعر بالأدرينالين في ذروته بداخلي، وأشعر أنني يمكن أن أصبح عنيفة، أصرخ وأوجه السباب لمثيري الشغب الذين يدورون حولي وقاطعي الانسجام، والأشخاص الفظاظ، والأشخاص الأنانيين، وأمام الأخطار العامة".

وممن لا يسيطرون علي هذا الغضب، مارتين أيضا والتي لم تجد الوصفة الشافية من الغضب فتقول: "أنا لا أسيطر على نفسي وهذا النوع من السلوك يجعلني خارج شعوري بالإضافة إلي أنني غير صبورة بطبيعتي، ولكن يمكنني التحكم في نفاد صبري بالغمز واللمز وحدي، وعلي النقيض إذا كان الشخص المعني والذي يدفعني لعدم الصبر رجل قوي البنية، أعترف بأنني لا أجرؤ على مواجهته خوفا من رد فعل قوي من جانبه".

غضب غير عادي:

البعض منا يغضب لأسباب محددة للغاية، الأمر الذي قد يبدو في بعض الأحيان تافها للآخرين، فـ"كريستيان" على سبيل المثال ، لا يمكنها أن تتحمل رؤية الناس الذين يبصقون فتقول: "عندما أري  شخصا يبصق على الأرض أجد هذا مثيرا للاشمئزاز"، وبرغم هذا، فجميع الرياضيين يبصقون علي الأرض وهم على الهواء مباشرة دون خجل من شاشات التلفزيون.

"أما بالنسبة لنيكول، فتخبرنا أنها لا تفهم لماذا يسيء البعض في استخدام الكلمات الإنجليزية فتقول: "إن أسوأ شيء هو استخدام كلمات في غير معناها كما تفعل هذ المجلة، إنهم يستخدمون كلمة (people) عندما يريدون أن يشيروا إلي العكس تماما وهم (المشاهير)، فالشعب هو الناس وإذا كنت تريد حقا أن تستخدام الكلمة الإنجليزية، فالكلمة الصحيحة هي (المشاهير) أو (celebrities).

كيفية إدارة الغضب؟

- تعلم كيف تتخلص من أسباب الغضب:

في كثير من الأحيان حيال مواقف غير سارة، نميل  إلي أن تجرفنا عواطفنا، ولتجنب أن تكون لهذه الأخيرة الأسبقية في عقلنا وأخلاقنا، من المهم أن نخطو الى الوراء.

- ابتعد تماما عن:

1- القفز إلى استنتاجات متسرعة دون أدلة.   
2- التعميم. 
3- الحد من نجاحاتك. 
4- تعظيم الفشل. 
5- تخصيص جميع الحالات. 
6- الحكم دون تفرقة.
          
- أعط نفسك وقتا للتهدئة:
روض غضبك باليوجا أو بتدريبات التنفس البسيطة، فاليوجا وسيلة ممتازة للسيطرة على غضبك. 
بعض الناس الذين يستجيبون لمزاجهم للغاية، لديهم ميل واضح للرد على أدني حدث، وهذا الغضب المفرط في كثير من الأحيان يضر بالشخص الذي يتسم به وبمن حوله، فإذا كنت واحدا من هؤلاء الناس المندفعين قليلا، فلا تتردد في الاشتراك في اليوجا أو الاسترخاء، وأعط لنفسك أيضا لحظات من الهدوء والسكينة في بيئة مواتية للاسترخاء.
    
ويمكن للصمت المصاحب للتنفس البطيء أن يساعدك على إخراج عواطفك وهكذا تتفاعل بحيوية أقل في الحالات الغير سارة.

خذ علي سبيل المثال عارضة الأزياء ناعومي كامبل التي قالت أنها كانت تمارس اليوجا بشكل مكثف لأكثر من ثلاثة أشهر، حيث تقول: "لقد عشقت التدريب على الاسترخاء، والآن إذا صدر تصرف ما من أحد الأشخاص، يجب علي أن أسأل نفسي (هل هذا الأمر يستحق الرد؟) وهذا جزء من شفائي أحاول أن أكون هادئة".  

- اللجوء للكتابة:

كتابة الغضب على قطعة من الورق يمكن أيضا أن يكون وسيلة جيدة للحد من العدوانية.

- لا تتردد في البوح بما تشعر:

إن البوح بما نشعر يتيح لنا خفض عواطفنا ومجرد ذكر ما يغضبك، يساعدك علي التخلص منه في غضون ثواني، وبهذه الطريقة عند تعرضك لموقف ضاغط، لن يجعلك تفقد كل ما تبذله.
ومن الطرق الميزة أيضا إجلاء الإحباط والقلق، حيث يجب عليك أن تتعلم ألا تقمع عواطفك؛ لأن الإسرار بكل ما تشعره من الاستياء في نفسك خوفا من أن يحكم عليك بأنك غير سوي، أو انخفاض قدرك، هو أفضل وسيلة ليصبح "قنبلة موقوتة" يمكن أن تنفجر في الوقت الخطأ.

- تقبل أو اترك:

هناك مواقف حيث يحب الجميع السيطرة على النفس وعلي الآخرين، وعلى الأشياء بمختلف أشكالها، وللأسف بعض الأشياء لا يمكن تغييرها، أو على الأقل لا نستطيع أن نمارس أي تأثير عليها.

وعند مواجهة هذه المواقف، يمكننا أن ندرك أيضا أن هذه الحالات غالبا ما تكون غير مؤذية، وأخيرا فإننا سوف نفقد طاقة أقل عند قبولها بدلا من محاربتها.

فمثلا لا معنى للغضب حيال عيوب خاصة بصديق، كما أنه لا جدوى من الخروج عن الشعور عند تعطل آلة الغسيل، فقبولمثل هذه الأمور يسمح لنا بالمضي قدما.

وعلي النقيض من ذلك، عندما يكون من الصعب جدا تحمل الموقف، فلا تغرق في الشكوى؛ لأنه في هذه الحالات يكون البديل الأخير هو ترك الوضع الغير مرغوب فيه، وفي بعض الأحيان من الأفضل عدم الإصرار علي محاولة تغيير الأمور بأي ثمن.

- زد من احتمال الإحباط:    

يري ديديه بلو أن وسائل الراحة الحديثة تجعلنا أكثر عرضة للإحباط، لذلك يرى أن تطوير مقاومتك أمام الإحباط ستكون من خلال استخدام وسائل الراحة الأساسية أو رحلة مرتجلة في بيئة طبيعية، خالية من وسائل الراحة الحديثة.

نصائح سريعة للتغلب علي الغضب:

هذه خطوات بسيطة تساعد في السيطرة على الغضب, وعند اعتيادها تصبح وسيلة سهلة تجنب الإنسان العديد من المشاكل التي لا تحمد عقباها:

- تمارين الاسترخاء، اليوجا، العلاج، الاسترخاء، الرياضة بصفة عامة، وكلها وسائل للسيطرة على نوبات الغضب العصبي.

- خذ نفسا عميقا لعدة دقائق.

- فكر قليلا فيما ستقوله وحاول انتقاء كلمات أو ألفاظ لطيفة نوعا ما، وفكر سريعا في ما يمكن أن تحدثه الكلمات السيئة من أثر على من يحاورك أو على الآخرين على المدى البعيد، فلا أحد ينسى الكلمة البذيئة كما أنها قد تحدث أثرا في النفس أكثر من الضرب المبرح.

- حاول طلب وقت للتفكير بالموضوع إن أمكن.

- إذ استطعت المشي في مكان عملك أو في الخارج فإن هذه الطريقة تساعد على تخفيف التوتر وعلى اتخاذ قرار أسلم نوعا ما.

- حاول أن تجد منفذا فيزيائيا ملموسا، مثل الضغط على كرة مطاطية أو الضرب على كنبة مثلا (أي شيء يستطيع امتصاص الغضب والتوتر).

- تجنب حك الوجه والشعر ونتفه, فهذه طرق مؤذية للنفس وغيرنافعة.

- تحدث الى شخص مقرب لك، فعلى الأغلب هذا الصديق سيحاول تهدئتك بطريقة مثالية.

- إذا استطعت مناقشة السبب الجذري وراء غضبك مع شخص تشعر معه بالراحة فهذا أمر مفيد جدا.

- حاول الاستماع إلى تلاوات أو ترانيم دينية، أو بعض الموسيقى الهادئة.

- فكر في أبعاد المشكلة وأثرها على المدى البعيد, فإذا استطعت الموازنة بين السلبيات والإيجابيات لغضبك فذلك سيساعد في تهدئة أعصابك واتخاذ قرار صائب أكثر.

- ضع حركتك في العقل والذكاء العاطفي.

- اكتب ما يثيرك على ورقة وحاول التفكير بتروي عن طريق الكتابة.

إذا لم تفد هذه الطرق جميعها أو ما ينصحك به الآخرون, فأنت على الأغلب بحاجة لمراجعة طبيب مختص أو طبيبك مبدئيا فهذا الأمر سيجنبك مشاكلا صحية, نفسية ومادية عديدة.