الأزرق .. اللون الذي اعتمدته الطبقات الأرستقراطية والفنانون

سواء تعلق الأمر باختيار الأزياء أو الديكور المنزلي، فإن المرأة إما أن تصيب في اختيار المناسب من الألوان أو تخيب، لأن هناك درجات منها يمكن أن تجعل المظهر يبدو دافئا وجذابا أو باردا وغير مريح.


لكن عندما يتعلق الأمر بالجواهر والأحجار الكريمة، فإن كل الألوان والدرجات جائزة ومقبولة، وكأن بريقها يشفع لها ويجعل كل ما تختاره المرأة موفقا.

فالزمرد الأخضر يجعل أي سمراء أو شقراء متألقة، كذلك الماس بشفافيته وبياضه والياقوت بحمرته وتوهجه والزفير بألوانه.

ومع ذلك يبقى للأزرق خصوصية بالنسبة للمرأة والمصممين على حد سواء، سواء كان ماسا أو زفيرا. ولا عجب في هذا، إذ ارتبط هذا اللون بالطبقات الارستقراطية والذوق الرفيع منذ عدة عصور، عدا أنه بالنسبة لخبراء علم النفس يعتبر مهدئا للأعصاب، مثل الأخضر.

ومع ذلك فإن أكبر دليل على أهميته أن الرسامين استعملوه عبر العصور، خصوصا في اللوحات التي تجسد الطبيعة وتحديدا صفاء السماء وشلالات المياه والأنهار والبحار لما يخلقه من انسيابية وراحة للعين.

وهذا ما التقطه مصممو الجواهر، الذين يبدون وكأنهم أجمعوا في الآونة الأخيرة على أن يكون الأزرق مادتهم والبحر والمحيطات موضوعهم لإبداع قطع ملتهبة الأسعار وملهبة للخيال في الوقت ذاته.

من «فان كليف آند آربلز - Van Cleef & Arpels» إلى «ديفيد موريس - David Morris» مرورا بـ«شوبار - Chopard»، و«كارتييه - Cartier» وغيرهم، لم تغفل أي دار جواهر تقريبا أن تطرح قطعا، إن لم نقل مجموعات كاملة بدرجة من درجات هذا اللون.

«فان كليف آند آربلز» مثلا أبدعت تاجا وقلادة لشارلين ويتستووك، أميرة موناكو الحالية، بمناسبة زواجها مؤخرا، غلبت عليها أحجار الفيروز الأزرق، وقالت إنها استوحتها من مياه البحر المتوسط، حيث تنام إمارة موناكو من جهة، ومن حب شارلين للبحر والعوم، بحكم أنها كانت بطلة سباحة قبل زواجها، من جهة ثانية.

ولم تكتفِ بهذه الهدية القيمة، فقد اتبعتها بنسخة جديدة من مجموعتها الـ«حمرا» بالماس والفيروز لترسخ في الذهن أن الأزرق بكل درجاته موضة في حقل الجواهر في كل المناسبات والمواسم، بل حتى أسماء هذه الجواهر أخذت صبغة شاعرية مستقاة من البحر أو المحيط. فديفيد موريس مثلا أطلق على عقد مرصع بالماس الأبيض والأزرق «أوشن بلو - The Ocean Blue»، و«فان كليف آند آربلز» «ذي أوشن - The Ocean».

الجدير بالذكر أن الأزرق مر بعدة مراحل في الغرب ولم يكن دائما لون الأناقة والرقي والصفاء، ففي عهد اليونانيين القدامى لم يكن مقبولا اجتماعيا وكان يُنظر إليه كلون قبيح ومتوحش.

وأخذت هذه النظرة بعض الوقت لكي تتغير تماما. في العصور الوسطى بدأ التغيير الإيجابي، إلى حد أن الكثير من اللوحات الفنية المهمة كانت تتعمد استعمال صبغات باللون الأزرق للدلالة على أهمية الشخصية المجسدة في اللوحة، مثل الصور التي جسدت مريم أم عيسى وغيرها من الشخصيات الدينية المهمة.

في هذه الفترة ولدت دلالاته كلون يمثل الإجلال والاحترام، إلى حد أن الصبغة المستعملة فيها كانت تستخرج من حجر اللازورد الأفغاني النادر والغالي الثمن.

أما بالنسبة للفنانين الذين لم تكن لديهم الإمكانيات لاستعمال اللازورد، فكانوا يلجأون إلى حجر الأزورايت، وهو معدن أكثر توفرا ويستخرج من مناجم بمدينة ليون الفرنسية.

للأسف كان هذا الأزرق لا يحتفظ بلونه، حيث يتحول مع الوقت إلى درجة داكنة، تميل إلى الرمادي أو الكحلي، بحسب البيئة والأجواء التي حفظت فيها. لحسن الحظ أن الفنانين توصلوا في ما بعد إلى مواد اقل تكلفة من اللازورد وأكثر جودة من ابن عمه الأزورايت.

في القرن الثاني عشر اكتسب الأزرق نصرا من نوع آخر، عندما تبنته الطبقات المالكة كلون رسمي لها، قبل أن تستعمله طبقات سياسية أخرى ثم يدخل العسكرية من خلال الثورة الفرنسية في ما بعد.

وفي بداية القرن الماضي حصل تغير آخر نتج عن اكتشاف قماش الدينم الأزرق واكتساح بنطلونات الجينز الحياة العامة بعد أن اقتصر في ما قبل على ملابس الجنود وعمال المناجم.

وهكذا دخل الأزرق الحياة اليومية لكل فرد في العالم، بغض النظر عن الهوية والجنس والمناسبة، لكنه في الجواهر حافظ وفي كل الأوقات على إيحاءاته الراقية والهادئة في الوقت ذاته، فهو لا يزال يوحي بصفاء المياه أو السماء، وبالتالي يريح الأعصاب، كما يشي بالرقي والفخامة.

وهناك عدة درجات منه الآن يمكن أن تخلق مشاعر مختلفة، منها الزفير والأكوامارين والفيروزي وغيرها.

همسات- لم يعد الماس يقتصر على الأبيض الشفاف، بل أصبحت له ألوان عدة مثل الأسود والأصفر والبني، لكن يبقى الماس الوردي والأخضر والأزرق الأكثر ندرة.

ويقال إن الطبيعة تنتج ماسة واحدة بالأزرق مقابل 10.000 ماسة بيضاء. ومع ذلك فإن كل ماسة من 18 ماسة التي ترصع عقد «ذي أوشن بلو - The Ocean Blue» من «ديفيد موريس» تتمتع بالجودة العالية والصفاء

- دار «كارتييه - Cartier» فرنسية أخرى تعرف كيف تنظم قصائد حب من الذهب والأحجار الكريمة، فهي دار المحبين الذين يريدون قطعا تخلد حبهم للأبد.

كل قطعة جواهر من هذه الدار تتضمن الكثير من الرقي والجمال، وهي أيضا استوحت من الطبيعة الشيء الكثير، من ورود وكائنات حية ومياه وبحار.

هذه القلادة المبتكرة مصنوعة من البلاتين ومرصعة بالزفير بأحجام متنوعة أضفت عليها الكثير من التفرد (تصوير: Nils Herrmann)

- «فان كليف آند آربلز» مبينة على علاقات حب جمعت بين عائلتي فان كليف وآربلز، لهذا ليس غريبا أن تصبح الدار التي يتوجه إليها كل من يقصد قطعة تعبر عن الحب والرومانسية، وهذا ما فعله الأمير ألبرت أوف موناكو عندما أحب أن يهدي زوجة المستقبل قطعة قيمة. دار الجواهر الفرنسية ترجمتها في تاج وقلادة يتماوج فيها الماس الأبيض والزفير الأزرق بشكل يشد الأنفاس