لماذافازت الممثلة الهندية شيلبا شيتي ببرنامج الأخ الأكبر

بابتسامة ساطعة تظهر مايزيد على اثنتي عشرة لؤلؤة في التاج البريطاني لعصر مابعد الامبراطورية، خطت الممثلة الهندية شيلبا شيتي، بعد غروب الشمس، بدلال ورشاقة تحسدهما عليها ملكات جمال انطفأ بريق جاذبيتهن امام قامتها الفارهة، وسحرها الذي تتدفق منه الأنوثة بسرعة مياه نهري الجانج والتيمس، خطت الى بريق " فلاشات" عدسات التصوير، ومظلة من نجوم شلالات نور الألعاب النارية، وزئير الاف من المعجبين والمعجبات ازدحموا لاستقبالها ساعة خروجها فائزة من مسابقة دار ألاخ الأكبر " Big Brother " التي نظمتها القناة الرابعة التلفزيونية.
الممثلة الهندية شيلبا شيتي تفوز بجائزة 
وحتى بضعة اسابيع، لم تكن المدموزيل شيتي معروفة في بريطانيا خارج نطاق المنحدرين من اصول هندية، والمهتمين بافلام بوليوود Bollywood، على وزن هوليوود، الاسم الذي ابتدعته الصحافة للسينما الهندية، أكبرصناعة سينما في العالم من حيث كم الانتاج. فهي من ممثلات الصف الثاني، وان كان هذا يجعلها، أكثر شهرة، بالنسبة للكثافة السكانية من اكبر ممثلات بريطانيا ونجومها. لكن التطورات التي حدثت في دورة "الاخ الاكبر" التي انتهت بفوز شيتي في عطلة نهاية لاسبوع، جعلتها لاشهر في تاريخ الفائزين، العاديين او المشاهير، منذ بدأ في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، بسبب ماتعرضت له من مضايقات ثلاث من الانجليزيات المستركات، وكاد ان يتسبب في ازمة ديبلوماسية بين بريطانيا، والهند، اقرب بلدان العالم والكمنولث الى لندن، والتي عرفت يوما بلؤلؤة التاج البريطاني.
النجمة الهندية سليفيا شاتي
وبلغت حدة الأزمة، والتي ادت الى تلقي القناة الرابعة أكثر من0 4 الف شكوى من المشاهدين، وهو العدد الأكبر من اي شكاوي ضد برنامج واحد في تاريخ التلفزيون البريطاني الذي يزيد على سبعة عقود، بلغت حدتها ان ثاني اقوى رجل في بريطانيا، وزير المالية غوردون براون والمرشح لخلافة توني بلير في رئاسة الوزارة هذه الصيف، اعتذر رسميا لشعب الهند، وادان الاهانات – واتهامات العنصرية – التي تلقتهته نجمة بوليوود، اثناء زيارته للهند قبل ثلاثة اسابيع.
كما طرحت اسئلة في مجلس العموم اثناء الاستجواب الاسبوعي لرئيس الوزراء، حيث ضغط زعماء المعارضة من الأحزاب المحافظين، والأحرار، والقوميين الاسكتلنديين، كي يدين العنصرية في برلمان وستمنستر.
وكانت المدموزيل شيتي، تعرضت، مباشرة ووجها لوجه، لتعليقات بذيئة واهانات حول لون بشرتها الداكن، وطريقة اعدادها الهندية للطعام، من ثلاثة من المشاهير الانجليزيات، منهن ملكة الجمال السابقة، دانييل للويد، وفائزة سابقة بمسابقات الاخ الأكبر – العادية وليست مسابقة المشاهير- قبل ثلاثة اعوام هي جيد غوودي، مما ادخلها نادي المشاهير؛ وفتح عليها ابواب الخير والنجاح الاقتصاديى.
مشاعر الإنتصار
وكانت غوودي، نتيجة فوزها، تمكنت من العبور من بيئتها الغاية في التواضع والفقر، الة الثراء والنجومية عبر تقديم برامج تلفزيونية عن التجميل والرشاقة، وانقاص الوزن، مما جعلها تجمع ثروة تقدر باكثر من اربعة ملايين جنيه ( سبعة ونصف مليون دولار) في فترة عامين، كما بدأت محلات العطور ومستحضرات التجميل تبيع عطرا يحمل اسمهه Jade وصورتها.
اما ملكة الجمال السابقة المدموزيل للويد، فقد حققت هي الأخرى ثروة من استخدام اسمها في الدعاية للملابس الحريمي، ومستحضرات التجميل وعقود الظهور في اعلانات تلفزيونية بمئالت الآف الجنيهات.
وقد مكنت طبيعة البرنامج المتفرجين، الذيي يشاهدونه ببث مباشر على الهواء، والمعدين، من التجسس على مايقوله المشتركون من وراء ظهر زملائهم المتنافسين. فتعبير الاخ الاكبر هو مفهوم انطباعي Impressionistic Conceptual Expression عن تسلط الدولة عن طريق التجسس، وجد طريقه الى الثقافة الاعلامية البريطانية في خمسينات القرن الماضي، بعد رواية 1984 الشهيرة لجورج ارويل ( 1903 – 1950) حي صور عالم لاينجو فيه احد من تجسس ألخ ألاكبربكامكيرات وميكروفونات مخبأة، ويتعرض للعقاب والتحول الى " شخص بلا اسم او وجود" اذا مارتكب مخالفة ما.
ولذا يزود كل متسابق بميكروفون، ينقل كا ما يتفوه به طوال 24 ساعة، بينما تتجسس الكاميرات عليهم، وهنا يصبح المتفرج هو الاخ الأكبر؛ كما يتم استدعاء كل شخص بمفرده الى " غرفة الاخ الاكبر" للاستجواب المباشر، حيث لايسمع الاخرون اجابات الشخص محل الاستجواب، بينما يسمعها ملايين المشاهدين.
ومن هذه المعلومات، يكون المتفرجون، " بروفايل" لكل متسابق ومتسابقة، حيث يصوت المشاهدون كل اسبوع على " طرد" احد المتسابقين من " نعيم " دار الاخ الأكبر التي يستمتع فيها المتسابقون بكل ما يشتهون وما لذ وطاب من صنوف الطعام والشراب.
وكل متسابق يقابله رقم تلفون معين، وبطلب المشاهدون للرقم، تجمع اصوات طرد هذا المتسابق، وطبعا يبلغ سعر المكالمة اضعاف اضعاف سعر المكالمات العادية، ويتم اقتسام ثمنها بين شركة التلفونات والقناة الرابعة. وفي اوقات الذروة، اي يوم الطرد في نهاية الاسبوع، يصل عدد المشاهدين للملايين مما يحقق للقناة ارباحا هائلة.
وشروط المسابقة ان يعيش المتسابقون في عزلة عن العالم الخارجي، لامكالمات تليفونية، ولا انترنت، لاصحافة او ردايو او تلفزيون. وعندما اثيرت مسألة الاهانت والتعبيرات العنصرية، لم تكن المتسابقات الانجليزيات علمن بمدى الضجة التي حدثت والاحتجاجات، او هكذا فهم الناس.
واصبح هناك اشمئزاز عام من تصرفات الانجليزيات بعد الضجة، وتحول الموضوع الى قضية اثيرت في مجلس العموم، وناقشتها الندوات السياسية – فالاذاعات ومحطات التلفزيون البريطانية تقدم كل منها اسبوعيا العشرات من برامج الحوار السيايسي حيث يشترك الساسة والمعلقون مع الجمهور في مناقشة قضايا الساعة ألجتماعية والسياسية، فهذا ملمح اساسي قومي من ملامح الديموقراطية البريطانية.
وكانت شركة كارفون ويرهاوس، اكبر شركة للتلفونات المحمولة في بريطانيا، اول مؤسسة تجارية، تسحب تمويلها من البرنامج بعد الاتهامات العنصرية، وتبعها العديد من الشركات الاخر. وكما قالت ام المدموزيل غوودي للصحافة، فإن " فم ابنتها الكبير " – تعبير انجليزي عمن يتفوه بحمق بما لايليق - كلفها مستقبلها التجاري؛ بعد ان سحبت شركانت العطور العطر الذي يحمل اسم ابنتها من التداول. وبالمناسبة الترجمة الحرفية لاسم ابنتها Jade هو حجر كريم اخضر اللون يعرف ا " بالعقيق " كما يطلق الاسم ايضا،في ادبيات القرن 19،على الفتاة اللعوب التي تهوي اغواء الرجال، كما الغت عدة شركات العقود التي كانت غوودي وعدتها بتوقيعها.
ولم تكن ملكة الجمال السابقة المدموزيل للويد اسعد حظا، فقد قررت كل شركات الاعلانات التلفزيونية مقاطعتها بعد اتهامها بالعنصرية، مما سيكلفها الملايين، حاصة وان برنامج الاخ الاكبر للمشاهير Celebrity Big Brother يتهافت عليه نجوم نسيتهم العدسات، او ساسة، مثل النائب اليساري المثير للجدل جورج غالوي، للاشتراك لتحقيق شهرة واسعة، طمعا في مكاسب مادية او دعائية او الاثنين معا.

ورغم اشتراك غوودي قبل ذلك في الأخ الاكبر، مما يجعلها " محترفة فإنها كانت اول من يطرد، وقالت انها لم تكن تعي بمثل هذه الضجة، وهذا ايضا ماكررته للويد، لكن يشك الصحفيون في ان القائمين على البرنامج، خالفوا اللوائح التي وضعوها بانفسهم، واخبروا المتسابقات، بما حدث في عالم السياسة والديبوماسية نتيجة " افواههن الكبيرة" في محاولة لانقاذ برنامج اعتبرته القناة الرابعة البقرة الحلوب التي تمول برامج اخرى، والبرنامج الوحيد الذي تتفوق به في عدد المشاهدين على محطات عريقة كاي تي في، والبي بي سي.
فقد قالت شيتي، التي اصبحت الآن معبودة المشاهدين وحبيبة الملايين، " ودلوعة" الجماهير، في مقابلتها التلفزيونية عقب الفوز، انها لاتعتقد ان الاخريات كن " عنصريات" تجاهها، مما يطرح علامة استفهام حول ماذا كان معد البرنامج قد اعد نصا مكتوبا استخدمت موهبتها التميثلية في القائه باتقان.
اما ملكة الجمال السابقة للويد، فقد مارست جلد الذات في المقابلة التي اعقبت تصويت المشاهدين بطردها من المسابقة، عندما سألتها المذيعة عما اذا كانت تعلمت درسا؟ فقالت انها تعلمت الا تصبح " شرموطة طويلة اللسان" Bitch، في المستقبل مما يبدو محاولة لاستدرار عطف المشاهدين.
وحتى بعد انتهاء الدورة الاخيرة بأكثر من اربعين ساعة، لايزال المعلقون، وعلماء السيكولوجيا والاجتماع، وحتى الساسة، يناقشون تفاصيل تبادل الاهانات والشتائم، وهل كانت بالفعل عنصرية؟
لكن الغالية يرون انها لم تكن عنصرية، بقدر ماهي مزيج من الطبقية، والغيرة النسائية. فبريطانيا، رغم الثورة التي شهدتها ثقافتها الاجتماعية في السنوات الاخيرة، لاتزال أكثر مجتمعات العالم طبقية. وقد تجد جارين، احدهما بالغ الثراء، لكنه جاء اصلا من اسرة متواضعة او من طبقة عاملة، يعامل باحتقار شديد من جيرانه، وهم افقر منه بمراحل، الا انهم ينتمون للطبقة المتوسطة ابا عن جد، من مهنيين كمحامين او اطباء او مدرسين.

وقد تجد الشرطي يوقف سيارة قديمة اكلها الصدأ، وصاحبها لاتبدو عليه ملامح الثراء، ومجرد ان يتبادل معه كلمتين او ثلاث، يكتشف من لهجته انه مثقف من ابناء طبقة وسطى او اعلى الطبقة الوسطى، فيعامله باحترام ويقول له ياسيدي Sir، وقد يوقف الشرطي نفسه سيارة بي ام دبليو فارهة، وصاحبها يرتدي افخر الملابس ويمسك بسيجار كوبي ضخم، وبمجرد ان يتفوه بجملة واحدة، يدرك الشرطي انه حديث الثراء، ولايتمنى وليس من اولاد الأكابر فيوجه اليه الحديث بقوله يا أخ او يا زميل Mate. وفي هذا الاطار، وقع الصدام، او الصراع، الثقافي بين النجمة الهندية، وملكة الجمال والشهيرات البريطانيات البيض. وهو لم يكن بين ثقافتين هندية وبريطانية، وانما كان بين ثقافتين طبقيتين؛ بين المتحدثة اللبقة ابنة الطبقة المتوسطة الجامعية الهندية، وبنات الطبقة العاملة البريطانية ( كل من ملكة الجمال السابقة، وغوودي، شببن في مساكن شعبية في طبقة فقيرة) الجميلات، لكن فارغات الدماغ لم يحظين بنصيب وافر من التعليم و الثقافة الاجتماعية التي حظيت بها المثقفة ابنة الطبقة المتوسط الهدنية. لدرجة ان المذيعة الأنجليزية دافينا كول، التي التقت بالهندية شيتي عقب الفوز، لم تستطع نطق كلمات لاتينية صعبة، نطقتها الفائزة الهندية بسهولة.
ومن ناحية الغريزة النسائية، فإن شيلبا شيتي في تألقها، وطريقة حديثها، كانت أكثر انوثة وجاذبية وجمالا ( بشهادة استطلاع بين الرجال المشاهدين بنسبة 3:1) من الاخريات مما اثار غيرتهن الانسائية. وبينما تفوهت الانجليزيات بالفاظ نابية وكلمات سوقية – تستخدم الأعضاء التناسلية الانسائية كنوع من الشتائم- ترفعت النجمة الهندية قائلة انها لاتستخدم هذه النوع من الألفاظ مما زاد من غيرتهن.
وكانت الضربة القاضية للاخريات، وتتويج الفوز النهائي، التسامح الذي اظهرته شيتي، سواء عن نية خالصة او مصطنعة لكن النتيجة واحدة، بقولها انها تسامح الاخريات، ولاتريد ان تغادر انجلترا، بشكل يسبب لهن المتاعب، وشكرت بريطانيا العظمى وشعبها في توفير الفرصة التي جعلت بلادها الهند، تفخر بها كسفيرة في بلاط الأخ الأكبر.
وبالطبع حفرت هذه الأقوال الصادرة، سواء عن القلب، او عن موهبة الاستعراض البوليوودية، مكانا عميقا في قلوب البريطانيين للؤلؤة الهند التي ثبت انها أكثر تألقا من العقيق الذي لم يعد حجرا كريما عندما وضع في تاج مزيف على راس من لاتستحق اللقب.