الدليل الكامل لعمليات إزالة تضيق الشرايين .. ونتائجها

تخفف عمليات إزالة تضيق الشرايين أعراض أمراض القلب لكنها لا تؤدي إلى شفائها
تخفف عمليات إزالة تضيق الشرايين أعراض أمراض القلب لكنها لا تؤدي إلى شفائها

 إن كانت عملية القلب المفتوح bypass surgery (فتح مجاز لتخطي الأوعية الدموية المسدودة في القلب) تمثل إحدى عجائب الطب المعاصر، فإن عملية إزالة تضيق الشرايين angioplasty هي من عجائبه المضاعفة! إذ إن هذه العملية تعيد مسار تدفق الدم الطبيعي نحو عضلة القلب المتلهفة إلى الأكسجين، من دون الحاجة إلى فتح الصدر، وقطع عظم القص، وإيقاف عمل القلب.
 
إلا أن المشكلة المرتبطة بالعجائب هي أننا نشرع في توقع الكثير منها. وقد حدث هذا الأمر بالنسبة لعملية إزالة تضيق الشرايين، إذ يعتبرها الكثير من الناس تؤدي إلى الشفاء من أمراض القلب، إلا أنها لا تقود إلى ذلك حقا.
 
وعندما تجرى هذه العملية معا مع وضع دعامات في الشرايين بهدف تخفيف آلام الصدر الناجمة عن الذبحة الصدرية angina، فإنها تكون متشابهة أكثر مع عملية تناول دواء «آيبوبروفين» لتخفيف الحمى. فهذه العملية تخفف الأعراض إلا أنها لا تتوجه إلى حل المشكلة الحقيقية - انسداد الشرايين المعروف باسم تصلب الشرايين atherosclerosis.
 
وقد أشارت مقالة نشرت في مجلة «حوليات الطب الباطني» بشكل واضح إلى الأمور التي تفصل ما بين ما تقدمه عملية إزالة تضيق الشرايين المختارة، وما بين ما يتوقعه المرضى من نتائجها.
 
فوائد سريعة ومحدودة 
تظهر الذبحة الصدرية المستقرة stable angina عندما يصبح واحد أو أكثر من الشرايين التاجية - الأوعية الدموية التي تغذي عضلة القلب - متضيقا نتيجة تراكم الترسبات الدهنية.
 
وتجهز الأوعية المتضيقة كميات من الأكسجين تكفي لسد احتياجات القلب أثناء الراحة. إلا أن تلك الأوعية لا يمكنها أن تتوسع لحمل دم أكثر عندما تطلب عضلة القلب كميات أكثر منه، مثلا عند إجراء التمارين الرياضية، التعرض للإجهاد، الغضب. ويؤدي انعدام الأكسجين إلى ظهور الذبحة الصدرية - آلام الصدر، الضغط على الصدر أو انعدام الراحة في المناطق المحيطة به.
 
وتعتبر عملية إزالة تضيق الشرايين مع وضع الدعامات فيها، وسيلة ممتازة لفتح الشرايين المتضيقة. ويقوم الطبيب بإدخال أنبوبة صغيرة تسمى «القسطرة» داخل الوعاء الدموي في منطقة أعلى الفخذ ثم يقوم بمناورة القسطرة لكي تصل إلى الشريان المسدود الموجود على السطح الخارجي للقلب.
 
وما إن تصل الأنبوبة إلى موضعها حتى يتم نفخ بالون صغير يوجد على رأس الأنبوبة، ثم فشّه (أي إفراغه). وتؤدي هذه العملية إلى تسوية ودكّ الترسبات المشبعة بالكولسترول التي تسد مجرى الدم. ثم توضع دعامة على شكل حصيرة من الأسلاك المشبّكة في الموضع لكي تدعم فتحه، وتدفق الدم بحرية.
 
وتستغرق هذه العملية ساعتين تقريبا في العادة وتتطلب إبقاء المريض ليلة في المستشفى. ويحدث الشفاء بسرعة. وتتحسن الذبحة الصدرية عادة بسرعة ويستمر تأثير العملية الجيد لعدة سنوات.
 
إلا أن الفوائد تتوقف عند هذا الحد. فعملية إزالة تضيق الشرايين للتخلص من أعراض الذبحة الصدرية المستقرة لا توقف عمليات تصلب الشرايين، ولا توقف انتشارها والأضرار التي تحدثها.
 
كما أنها لا تقلل من احتمالات الإصابة بنوبة قلبية لاحقا، ولا تحسن من فرص النجاة. ولكي تتحقق مثل هذه الفوائد البعيدة المدى على المرضى اتباع وسائل علاجية طبية قوية - تناول أدوية تحمي القلب وتغيير نمط حياتهم.
 
شعور زائف بالثقة 
ثم هناك مسألة أخرى: أن عملية إزالة تضيق الشرايين لوحدها لا تمنح أي فائدة للشريان التاجي المتضيق عندما لا يسبب هذا الشريان أي مشكلات للمريض. لماذا؟ لأنه، وما لم يكن المريض يعاني من أية أعراض فإن هذه العملية لن تقوم بتخفيفها لأنها غير موجودة أساسا. كما أنها لا تقي المريض من النوبة القلبية أو الوفاة المبكرة بسبب مرض في القلب.
 
كما أنها قد تمنح المريض شعورا زائفا بالثقة بأنه آمن، بعد أن اتخذ الاحتياطات اللازمة، بينما يتواصل لديه في الواقع تصلب الشرايين،، مدمرا الشرايين الأخرى في القلب وفي أجزاء الجسم الأخرى. وبمعنى آخر فإن المريض لن يجني الفوائد بل سيجابه بعض الأخطار.
 
إن عملية إزالة تضيق الشرايين آمنة عموما وفعالة، إلا أنها لا تخلو من المضاعفات، إذ يحدث لدى بعض الناس نزف مستمر من موضع إدخال القسطرة في أعلى الفخذ. كما أن الصبغة التي توضع فيها بهدف إضاءة الشرايين التاجية قد تسبب الضرر للكلى. وكذلك يمكن لعملية إزالة تضيق الشرايين أن تؤدي إلى خفقان القلب أو إلى تحفيز نوبة قلبية أو سكتة دماغية.
 
لكن علينا أن نتذكر أن هذه المضاعفات ليست شائعة. فالإحصاءات الأميركية تشير إلى أن هذه العملية تتسبب في مشكلات لـ5 من بين 100 شخص تقريبا - ويقل هذا المعدل في المراكز الصحية التي تجري عددا أكثر من هذه العمليات ويزيد في المراكز التي تجري عددا أقل منها. وفي ما عدا هذه المضاعفات فإن وضع دعامة جديدة مغطاة بالدواء يعني ضرورة تناول الأسبرين و«كلوبيدوغريل» (بلافيكس) لمدة سنة على الأقل.
 
عمليات غير ضرورية 
حين دقق باحثون في مركز بايستايت الطبي في سبرنغفيلد بولاية ماساتشوستس، في إجابات 153 رجلا وامرأة اختاروا إجراء عملية إزالة تضيق الشرايين، وجدوا أن 40 في المائة منهم كانوا يريدون تخفيف أعراض آلام الصدر التي تعيق نشاطاتهم.
 
أما البقية فكانت لديهم ذبحة صدرية خفيفة أو أعراض خفيفة لتضيق الشرايين تم رصدها أثناء تمارين الإجهاد. أي، وبمعنى آخر فإن 60 في المائة من الأشخاص الذين رغبوا في إجراء عملية إزالة تضيق الشرايين كانوا سيكونون أفضل حالا لو اتبعوا وسائل العلاج الطبي مع تغيير نمط الحياة («حوليات الطب الباطني» Annals of Internal Medicine، 7 سبتمبر «أيلول» 2010).
 
والأمر الأكثر إيلاما أن 88 في المائة من المشاركين أجابوا بأنهم يعتقدون أن هذه العملية سوف تساعد على حمايتهم من حدوث نوبة قلبية لاحقة. ورغم أن أغلب الأطباء الذين عالجوهم ليسوا مقتنعين بهذا القول فإن هناك فجوة في الفهم بين ما تقدمه العملية وبين توقعات المرضى منها. وهذا يعني أن الأطباء لا يملكون من الوقت ما يكفي لشرح العملية للمرضى.
 
النوبة القلبية 
وإن كان الشخص يتعرض لنوبة قلبية أو أنه كان يعاني من الذبحة الصدرية غير المستقرة unstable angina فإن عملية إزالة تضيق الشرايين هي علاج رائع. وتحدث هاتان المشكلتان الطبيتان بسبب الانسداد الكامل لشريان تاجي. وتؤدي عملية إزالة تضيق الشرايين إلى إزالة الانسداد والسماح للدم بالتدفق للوصول إلى كل أنحاء القلب.
 
وإن نفذت عملية إزالة تضيق الشرايين في الوقت المناسب فإنها ستقلل من الضرر الذي يلحق بعضلة القلب وتمنع تحول النوبة القلبية إلى سكتة قلبية.
 
ولهاتين المشكلتين: النوبة القلبية والذبحة الصدرية غير المستقرة تمثل هذه العملية بالتأكيد أفضل علاج مقارنة بالعلاج الدوائي، في درء حدوث نوبة قلبية ثانية وتحسين فرص النجاة على المدى البعيد.
 
توقعات أوضح 
إن أحد الأسباب التي تقود إلى بناء الناس لتوقعات كبرى على عملية إزالة تضيق الشرايين يكمن في حالة الالتباس التي تحيط بقدراتها. فإن كنت تتعرض فعلا إلى نوبة قلبية فهذه العملية هي الأفضل لك، ولكن إن كنت تعاني من أعراض الذبحة الصدرية بين فترة وأخرى أو أن تضيق الشرايين لا يسبب لك أية أعراض فإن عملية إزالة تضيق الشرايين لا تقدم لك إلا القليل مقارنة بالعلاج الدوائي المكثف مع تغيير نمط الحياة.
 
علاج طبي بالأدوية .. أم عملية لإزالة تضيق الشرايين؟
صممت تجربة «النتائج السريرية الناتجة عن إعادة ترميم الأوعية وتقييم التناول المكثف للأدوية» The Clinical Outcomes Utilizing Revascularization and Aggressive Drug Evaluation المسماة اختصارا باسم (COURAGE)، بهدف الإجابة عن سؤال بسيط: أيهما أفضل لعلاج الشرايين التاجية المتضيقة التي تتسبب في ظهور الذبحة الصدرية المستقرة، أو التي لا تتسبب في أية مشكلات - العلاج الطبي (باستخدام الأدوية وتغيير نمط الحياة) لوحده، أم استخدام العلاج الطبي زائد عملية إزالة تضيق الشرايين ووضع الدعامات؟
 
وقد كان الفائز المدهش بهذه الإجابة هو العلاج الطبي وحده. وكان الدرس الرئيسي المستخلص من تجربة COURAGE هو ما يلي: لا تعتبر الذبحة الصدرية التي لا تتسبب في حدوث أية مشكلات - كما لا يعتبر الشريان التاجي المتضيق الذي لا يتسبب في حدوث أي مشكلات - قنبلة موقوتة تتطلب إيجاد حل فوري لها، خصوصا إن كان المرء يشعر بوضعه الجيد. ولذا فإن بالإمكان التفكير على مهل بأفضل وسيلة للعلاج.
 
أما العلاج الدوائي مع تغيير نمط الحياة فيبدو أنه أفضل دواء. إذ إنهما يحميان كل الشرايين، وليس تلك المسؤولة عن أكثر المشكلات المعروفة.
 
وتشمل عملية مكافحة تصلب الشرايين على مختلف الجبهات ما يلي:
- أدوية للسيطرة على الذبحة الصدرية، مثل النترات ذات التأثير الطويل زائدا أحد أدوية حاصرات بيتا beta blocker أو حاصرات قنوات الكالسيوم calcium - channel blocker.
 
- أدوية للسيطرة على مستوى الكولسترول، وارتفاع ضغط الدم، وسكر الدم.
 
- ممارسة أكثر للتمارين الرياضية.
 
- نظام غذائي أكثر صحية.
 
- التحكم في التوتر.
 
- الامتناع عن التدخين في حالة المدخنين.
 
وإن حدث وظلت الذبحة الصدرية تؤذيك خلال فترة من 6 أشهر إلى سنة، أو تمنعك من ممارسة مهماتك التي تتمتع بها، فإن إجراء عملية إزالة تضيق الشرايين أو عملية القلب المفتوح يعتبر خطوة معقولة.