أيهما أفضل لعلاج ارتفاع ضغط الدم .. الأعتماد على دواء واحد أم أكثر من دواء؟

توليفة من أدوية بجرعات منخفضة أكثر فاعلية وسلامة
توليفة من أدوية بجرعات منخفضة أكثر فاعلية وسلامة

 توصف في الولايات المتحدة عشرات الأدوية الموجهة لعلاج ارتفاع ضغط الدم. وليس ذلك مدهشا، لأن 74 مليون أميركي تقريبا، أي نحو واحد من كل ثلاثة من البالغين، يعانون من ارتفاع ضغط الدم hypertension.
 
كما يوجد 54 مليونا من الأميركيين الآخرين الذين توجد لديهم حالة «ما قبل الإصابة بارتفاع ضغط الدم» prehypertension. ولكن وبما أن ارتفاع ضغط الدم يؤدي إلى حدوث 395 ألف وفاة سنويا، أي وفاة واحدة من كل 6 وفيات، فإنه لا يبدو أن كل هذا العدد من الأدوية يؤدي مفعوله.
 
أسباب الإخفاق 
إن أحد أسباب هذا الإخفاق يتمثل في أن ارتفاع ضغط الدم لا يؤدي إلى ظهور أعراضه إلا بعد أن يقود إلى إلحاق ضرر دائم بالقلب، أو المخ، أو الكلى، أو العينين. والوسيلة الوحيدة لمعرفة ما إن كان الشخص مصابا بارتفاع ضغط الدم الذي يطلق عليه اسم «القاتل الصامت»، هو قياس قراءات ضغط الدم لديه (انظر الجدول 1). ولكن التشخيص أمر والعلاج أمر آخر.
 
والسبب الثاني في أن ارتفاع ضغط الدم لا يزال يدمر صحة سكان الولايات المتحدة، هو أن نحو نصف كل المصابين به من الذين يعالجون من المرض.. لم يتوصلوا بعدُ إلى التحكم بمستواه! ويؤدي التحكم الجيد بمستوى ضغط الدم إلى درء كل المضاعفات التي تصاحب هذا المرض الشائع، تقريبا.
 
وعلى المرضى هنا القيام بواجباتهم فيما يخص اتباع نظام غذائي ونمط حياة جيدين وتناول أدويتهم، فيما يتوجب على الأطباء وصف الأدوية اللازمة لعلاج ارتفاع ضغط الدم، بعد تعرفهم على نتائج أهم الأبحاث الجديدة في هذا المجال.
 
دواء واحد
إن العلاج باتباع نمط حياة مناسب، هو الخطوة الأولى لعلاج ارتفاع ضغط الدم (انظر الإطار). أما الخطوة التالية فهي تناول الدواء. وتستند المنطلقات التقليدية إلى انتقاء الطبيب لدواء منفرد واحد يفصل تفصيلا مناسبا للاحتياجات الخاصة بمريضه، ثم زيادة جرعة الدواء تدريجيا حتى يتوصل المريض إلى الهدف الموضوع لقراءات ضغط الدم لديه.
 
وتتطلب وسيلة «العناية المتدرجة» هذه من الطبيب إضافة دواء آخر، في حالة لم تتمكن الزيادة المتدرجة في جرعة الدواء الأول، من تحقيق أهدافها.
 
وقد أثبت الزمن أن هذه المنطلقات ممتازة، إضافة إلى كونها استندت إلى قواعد منطقية. ومن الناحية النظرية على الأقل، فإن تناول دواء واحد يقلل من تعرض المريض إلى آثار جانبية كثيرة مقارنة بتناول دواءين في آن واحد.
 
كما أن من السهل تذكر دواء واحد، ومن السهل تناوله. وأخيرا وفي أكثر الأحوال، فإن الكلفة المالية لدواء واحد تكون أقل من كلفة جرعتين صغيرتين من دواءين.
 
ولا يوجد أي جانب سيئ في هذه المنطلقات.. إن أدت مفعولها حقا. ولكن وفي الغالب، فإن الدواء الواحد يخفق في تأدية مهمته. وأحد أسباب الإخفاق هو أن هذه الطريقة تم تطويرها عندما كان التوجه هو خفض قراءات ضغط الدم للمصابين بارتفاع ضغط الدم إلى قراءات 150/90 (150 ملم زئبق للضغط الانقباضي، و90 ملم زئبق للضغط الانبساطي) التي اعتبرت طبيعية. إلا أن القراءات الطبيعية المطلوبة حاليا هي أقل من تلك.
 
وفي الوقت الراهن، فإن على الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة - عدا إصابتهم بارتفاع ضغط الدم - أن يقللوا من قراءات ضغط الدم لديهم حتى 140/90. أما المصابون بداء السكري، وأمراض الكلى المزمنة، أو أي مرض من أمراض تصلب الشرايين (ومنها أمراض الشرايين التاجية، وأمراض الدم في الشريان الأورطي) فعليهم تقليل ضغط الدم حتى قراءات أقل من 130/80. وهو هدف صعب. وإن ظلت الاتجاهات الحالية سائدة فإنه سيكون هدفا أكثر صعوبة.
 
وإن لم يتمكن دواء واحد من أداء مهمته فإن العلاج بتوليفة دوائية يضحى ضروريا، ولكن ما رأيكم بالحديث عن انتقاء دواءين للعلاج منذ البداية؟
 
جرعات منخفضة
وقد ساعدت دراسة أجريت عام 2003 في تمهيد الطريق لوضع علاج من توليفة من الأدوية. وفي البداية قام الباحثون في تلك الدراسة بتقييم فاعلية خمسة من أهم أصناف الأدوية المضادة لارتفاع ضغط الدم، وهي: مدرات البول «الثايازايد» thiazide diuretics، حاصرات بيتا beta blockers (BBs)، مثبطات الإنزيم المحول للأنغيوتينسين angiotensin - converting–enzyme inhibitors (ACEIs)، مضادات مستقبلات الأنغيوتينسين angiotensin - receptor blockers (ARBs)، وحاصرات قنوات الكالسيوم calcium - channel blockers (CCBs). 
 
وفي جرعاتها القياسية، فإن كل صنف من أصناف الأدوية الخمسة هذه، أدت إلى خفض متماثل في ضغط الدم، بتقليلها من قراءة ضغط الدم الانقباضي بنحو 9.1 ملم زئبق وقراءة ضغط الدم الانبساطي بنحو 5.5 ملم زئبق. إلا أن تقليل جرعة الدواء القياسية إلى النصف قللت فاعليته بنحو 20% فقط أي خفضت الضغط الانقباضي بمقدار 7.1 ملم زئبق والانبساطي بمقدار 4.4 ملم زئبق.
 
وفيما عدا السعال المصاحب لتناول صنف أدوية (ACEIs) فإن الآثار الجانبية لكل الأدوية كانت أقل شيوعا بشكل ملحوظ عند تناول الجرعات المنخفضة منها بدلا من جرعاتها الكاملة.
 
دواءان بدلا من واحد
 في عام 2009 راجع علماء بريطانيون 42 تجربة شملت 10968 مريضا بارتفاع ضغط الدم. وكانت كل تجربة من تلك التجارب قد قارنت بين العلاج بدواء واحد وبين العلاج بدواءين بالاعتماد على أصناف أدوية مدرات البول «الثيازايد»، حاصرات بيتا، مثبطات الإنزيم المحول للأنغيوتينسين، وحاصرات قنوات الكالسيوم. 
 
ورغم دراسة توليفات كثيرة من الأدوية المتنوعة فقد جاءت النتائج متشابهة بشكل لا يصدق: العلاج بجرعات منخفضة من الأدوية فعال. 
 
وفي الواقع فإن هذه التوليفة أدت مهمتها بشكل ممتاز، إذ قادت إضافة دواء ثان إلى ازدياد فاعلية العلاج 5 مرات مقارنة بتناول جرعة مضاعفة من الدواء الأول.
 
وهذا يعني أن العلاج بتوليفة دوائية يمكنها أن تدرأ أربعا من النوبات القلبية أو السكتات الدماغية مقابل واحدة من تلك النوبات أو السكتات التي يمكن درؤها عند تناول جرعة مضاعفة من دواء واحد منفرد.
 
وإضافة إلى ذلك فإن مخاطر الآثار الجانبية من تناول دواءين بجرعتين تبلغان نصف جرعتهما الكاملة هو أقل من مخاطر الآثار الجانبية لجرعة كاملة من دواء واحد.
 
ولكونها صنفا جديدا من الأدوية فلم تدخل أدوية مضادات مستقبلات الأنغيوتينسين ARBs)) ضمن الأدوية المدروسة في تلك الدراسة البريطانية. ومع هذا فإن أربع دراسات إضافية أظهرت أن هذا الصنف الجديد يؤدي مهمته بشكل جيد مع أدوية مدرات البول «الثيازايد».
 
ورغم أن الدراسة البريطانية لم تقيّم تأثير تناول ثلاثة أدوية للعلاج فإن الباحثين البريطانيين تكهنوا بأن العلاج بجرعات منخفضة من ثلاثة أدوية سيكون أكثر فاعلية وأكثر سلامة من العلاج بجرعة كاملة من دواءين.
 
خيارات متعددة
وهناك كثير من الوسائل لعلاج ارتفاع ضغط الدم. والعلاج بتغيير نمط الحياة مهم دوما، ولكن إذا تطلب الأمر مساعدة إضافية فإن الطبيب المعالج سيختار بين العلاج المتدرج بدواء منفرد والعلاج بتوليفة من دواءين بجرعات منخفضة. ومهما كانت الوسيلة المتبعة فإن اختيار الدواء سيعتمد على احتياجات المصاب الشخصية.
 
وفي كثير من الحالات تكون مدرات البول «الثيازايد» هي الحجر الأساسي للعلاج الدوائي. ويقدم الجدول 2 قائمة بالعوامل الخاصة المرتبطة بتحبيذ صنف من الأدوية على صنف آخر، إما لدواء واحد وإما لتوليفة من الأدوية.
 
ومهما كان وصف الطبيب المعالج: سواء لدواء واحد أو لتوليفة من الأدوية، فعليك تناول الأدوية، وعليك أن تحيا كما ينبغي، واستشارة الطبيب، ومراقبة قراءات ضغط الدم، وملاحظة انعدام الآثار الجانبية. وهذه هي العلاقة المثالية بين المريض والطبيب. وتفترض دراسة المراجعة البريطانية أن دواءين أفضل من دواء واحد على غرار ما يقوله الناس: «رأسان أفضل من رأس واحد».
 
نمط حياة مناسب للتحكم بارتفاع ضغط الدم 
يمكن لتغيير نمط الحياة أن يقلل من ضغط الدم. وهو جزء حيوي من العلاج لأي شخص يعاني من ارتفاع ضغط الدم. وبما أن ضغط الدم الأقل يكون أفضل للقلب، فإن تغيير نمط الحياة هو خطة ممتازة لأي شخص تكون قراءات ضغط الدم لديه أكثر من 150/70 ملم زئبق. 
 
وإليكم ستة خطوات للمساعدة:
1. قلل من تناول الصوديوم إلى أقل من 2300 ملغ يوميا، أو أقل من 1500 ملغ يوميا في إطار الأهداف الجديدة الموضوعة للمصابين بارتفاع ضغط الدم، وللأشخاص في أواسط أعمارهم أو أكبر، وللأميركيين من العرق الأفريقي. 
 
2. قلل تناول الدهون الحيوانية والأطعمة المعالجة صناعيا، ولكن تناول كميات أكثر من الفواكه والخضراوات، والحبوب الكاملة، ومنتجات الألبان المنزوعة أو قليلة الدسم.
 
3. مارس الرياضة المعتدلة، فهي تكون أحيانا أفضل حتى من التمارين الشديدة وفق بعض الدراسات. ويعتبر المشي لفترة 30 دقيقة يوميا مثلا ممتازا للتمارين المعتدلة.
 
4. سيطر على وزنك. النظام الغذائي والتمارين الرياضية سيؤديان مفعولهما بشأن الوزن. إلا أن فقدان أي قسم ضئيل من الوزن سيكون مفيدا، حتى ولو أصبحت ضعيفا! 
 
5. تجنب المشروبات الكحولية.
 
6. الحد من التوتر. وهو أمر يسهل قوله ويصعب تنفيذه في عالم اليوم المتسارع. إلا أن الاسترخاء يساعد على خفض ضغط الدم.