الإقبال الكبير على الطعام يشبه الإدمان في تأثيره على المخ

المأكولات والمخدرات تتشابه في خصائص «مكافأة» الإنسان
المأكولات والمخدرات تتشابه في خصائص «مكافأة» الإنسان

أكد باحثون من جامعة يال في الدراسة التي نشرت في دورية «أركايفز أوف جنرال سايكاتري» (أرشيف الطب العقلي العام) أن بعض الأفراد قد يدمنون بصورة فعلية تناول الأطعمة، بصورة مشابهة لإدمان البعض تناول مواد معينة مثل تناول الأدوية المخدرة أو الكحوليات، وأن سلوكهم الأشبه بحالة الإدمان يحمل النشاط العصبي نفسه في مناطق محددة من المخ بالصورة نفسها التي يبدو عليها مدمنو المواد المخدرة أو الكحوليات.


ويمكن تشبيه ذلك بالقول: إنك في حال وضعك كوبا من الحليب المحلى بالشوكولاته أمام مدمن للطعام، فسيعتمل في مخه نفس ما يحدث إذا وضعت زجاجة من الخمر أمام مدمن كحوليات! وقال الباحثون: إن ثلث البالغين الأميركيين يعانون مرض السمنة، بينما تشكل الأمراض المصاحبة للسمنة السبب الثاني الرئيسي الذي يؤدي إلى الوفاة، والذي تمكن الوقاية منه، لكن لسوء الحظ فإن غالبية العلاجات الخاصة بالسمنة لا تفيد في التخلص من الوزن الزائد على المدى الطويل؛ لأن غالبية المرضى يستعيدون وزنهم السابق خلال 5 سنوات.

وانطلاقا من الكثير من أوجه التشابه في الوظائف العصبية المرتبطة بالإدمان والسمنة، افترض أصحاب النظرية أن عمليات الإدمان ربما تكون مرتبطة بمسببات السمنة.

يتسبب الغذاء وتعاطي المخدرات في إطلاق الدوبامين في مناطق mesolimbic regions من المخ، ودرجة إطلاقه هذه ترتبط بالمكافأة التي يحصل عليها الإنسان من كل من الطعام أو المخدرات.

ويعتقد مؤلفو البحث أن دراستهم هي الدراسة الوحيدة، حتى الوقت الراهن، التي تبحث في الاقتران بين العلاقات العصبية لسلوك تناول الطعام المشابه للإدمان.

ودللوا على ذلك بأن بعض الدراسات السابقة أوضحت أن صور الطعام الشهي يمكن أن تحفز نشاط بعض مراكز السعادة في المخ بالصورة نفسها التي يمكن أن يثيرها إدمان الكحوليات. بيد أن هذه الدراسة الأخيرة تعتبر الأولى التي تفرق بين إدمان الطعام والشره في تناول الطعام.

من ناحية أخرى، قام فريق الدراسة، المكون من آشلي جيرهارت وإم إس فيل، بدراسة العلاقة بين أعراض إدمان الطعام والنشاط العصبي. وتم تقييم إدمان الطعام حسب مقياس يال لإدمان الطعام Yale Food Addiction Scale، في الوقت الذي تم فيه قياس النشاط العصبي عبر التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي.

أجريت الدارسة على استجابة 48 سيدة للمنبهات التي تشير إلى قدوم طعام شهي، مثل مشروب الشوكولاته بالحليب مقارنة بمحلول لمجموعة المراقبة (شراب لا طعم له)، كما قارنوا أيضا بين ما يجري خلال استهلاكهم لمشروب الشوكولاته بالحليب والمشروب عديم الطعم.

حدد مقياس يال لإدمان الطعام 15 سيدة حققن نتائج عالية من سلوك تناول الطعام المشابه للإدمان. كانت المشاركات الـ48 من الشابات اللاتي تتراوح أوزانهن بين الرشاقة والنحافة.

وقد اكتشف العلماء العلاقة بين إدمان الطعام والنشاط الكبير في لوزة المخ amygdala، القشرة المخية الجبهية الحجابية medial orbitofrontal cortex والقشرة الحزامية الأمامية anterior cingulated cortex عند معرفة اقتراب وصول الطعام الشهي.

وقد أظهرت السيدات المصابات بإدمان الطعام نشاطا أكبر في قشرة الفص الجبهي مقارنة بالأخريات الأقل إدمانا للطعام، كما أن لديهن نشاطا منخفضا في القشرة المخية الجبهية الحجابية في الوقت الذي كن يتناولن فيه أطعمتهن المفضلة.

وشرح القائمون على الدراسة أن نتائج مدمني الطعام كانت مرتبطة بنشاط أكبر بالمناطق التي تلعب دورا في تشفير القيمة التحفيزية لمحفز في استجابة لمؤشرات الطعام. وكان للقشرة الحزامية الأمامية والقشرة المخية الجبهية الحجابية تأثير كبير في تغذية واستهلاك المخدرات بين الأفراد المدمنين.

وإجمالا، تدعم هذه النتائج النظرية التي تقول إن إدمان تناول الطعام ربما يكون نابعا جزئيا من تعزيز التوقعات بوجود سمات في الطعام تحمل مكافآت كبيرة للإنسان. وبالمثل فإن الأفراد المدمنين يتوقع أن يكونوا أكثر تفاعلا من النواحي الجسدية والنفسية والسلوكية لمحفزات المواد التي أدمنوها.

وخلصت الدراسة إلى أن «هذه ربما تكون المرة الأولى التي تقوم فيها دراسة بالربط بين مؤشرات سلوك تناول الطعام الإدماني مع نموذج خاص للتحفيز العصبي. وتقدم الدراسة الحالية دليلا على أن التباينات البيولوجية التي تم قياسها بموضوعية مرتبطة بالتنوعات على درجات مقياس يال لإدمان الطعام، ومن ثم تؤكد صحة المقياس.

وإذا كانت بعض الأطعمة تلقى إدمانا من جانب البعض، فربما يفسر ذلك بصورة جزئية الصعوبة التي يعانيها البعض في التخلص من بعض الوزن الزائد.

وإذا كانت المنبهات الغذائية تعمل على تحفيز الخصائص الدافعة بطريقة مماثلة لمنبهات المخدرات والمبذولة لتغيير البيئة الغذائية الحالية ربما تكون حاسمة في التخلص من الوزن الزائد وجهود الوقاية.

ويجعل الإعلان في كل مكان عن الأطعمة وتوافر الأطعمة السريعة بأسعار زهيدة من الصعب للغاية على المرء الالتزام بعادات غذائية سليمة؛ لأن المنبهات الغذائية المنتشرة في كل مكان تحفز نظام المكافأة.