الأستراليون .. يأكلون من كل مطابخ العالم ويتناولون أكثر من ثلاثة أرباع طعامهم من اللحوم

أستراليا بلاد شاسعة شهيتهم مفتوحة على الدوام بصور مزخرفة وأنيقة وتكفيها مجلة واحدة عن الطهي
أستراليا بلاد شاسعة شهيتهم مفتوحة على الدوام بصور مزخرفة وأنيقة وتكفيها مجلة واحدة عن الطهي

حب الأكل، ليس في كل حال ميزة أسترالية خاصة، بل ميزة بشرية عامة، تدور حروب طاحنة من أجلها. منذ زمن ليس بقليل خرج أحد أصدقائي من كثرة النبش في كتب التاريخ بخلاصة مفادها أن الذين قضوا عبر التاريخ لم يموتوا من الجوع بل من التخمة.


والحق أن هذه الخلاصة، النكتة، ليس لها مكان في عالم اليوم، حيث يقضي ناس من قلة الأكل، وكذلك يقضي آخرون من كثرته. لكنه كان يضيف إلى التاريخ، مجده ووفرته وبطولاته على عادة عربية أصيلة، لا يريد العرب تركها ولو كانت متخاصمة مع حاضرهم، إلا في مسألة حب الأكل، ويكفي لمعرفة حب العرب للأكل التعرف على مطبخهم الذي يعتمد على الوفرة في كل شيء إلى حد التبذير.

مع ذلك، رغم هذا الحب الجارف من طرف واحد بين العرب والأكل، فإن المراجع، حتى اليومية حول الموضوع في أحسن الأحوال قليلة وفي أردئها نادرة.

وباستثناء الكتب التي تحتوي على وصفات، باتت معروفة من كثرة نسخها واستخدامها، لا يوجد مراجع يومية، تبقي العلاقة قائمة بين المطبخ العربي بتنوعاته الكثيرة ومستهلكيه، كما أنه لا يوجد جديد.

الأستراليون، ربما، لأنه لا تاريخ لديهم يعتدون به. فإنهم والحال هذه يصنعونه من خلال حاضرهم. البلد الذي ينطق الإنجليزية في الظاهر ينطق لغات كثيرة في الظاهر أيضا.

فاللغة الصينية على سبيل المثال، موجودة في الشارع بكثرة إلى جانبها اليابانية والفيتنامية وغيرها من لغات الشرق الأقصى. طبعا العربية موجودة، لكنها ليست فعالة كما غيرها من هذه اللغات.

مع ذلك فجميع هؤلاء يأكلون بالإنجليزية حتى وإن كانوا يتناولون طعاما صينيا أو يابانيا أو حتى شرق أوسطيا. واللافت في هذا البلد، دون غيره، من البلدان التي تفتخر وتعتد بمطبخها كفرنسا، أن فيه أكثر من خمسين مجلة، تصدر بين أسبوعية أو شهرية تختص بالمطبخ.

وهي بالطبع لا تختص بالمطبخ الأسترالي، الذي تكفيه مجلة واحدة حتى لو صدرت مرة كل سنة، بل بكافة مطابخ العالم ومحتوياتها وعلى أنواعها وأشكالها.

يعتد الأستراليون كثيرا بهذا النوع من المجلات، لا لأنها تصور لهم المأكولات بشكل يفتح الشهية، فشهيتهم مفتوحة على الدوام بصور مزخرفة وأنيقة ومن دونها.

ومن أكثر الأمور اللافتة في هذا الجانب أن المجلة الوحيدة التي تختص بالأكل الصحي (Health Food)، هي المجلة الأقل مبيعا بين مثيلاتها. وهذا، إن ينم، فعن أن أستراليا، ليست بعيدة عن كل العالم فقط. بل بعيدة عن العالم المعاصر من المأكولات غير الصحية أو ما يسمى كذلك.

والحق أن أصل المطبخ الأسترالي يعود إلى الحقبة الاستعمارية الإنجليزية، ومن غير المعروف، جديا، ما الذي تغير بين تلك الفترة واليوم. فالملكة البريطانية هي ملكة البلاد لغاية اليوم.

والأستراليون، رغم أنهم يمتعضون من تشبيههم بالإنجليز، إن لناحية النطق أو العادات والتقاليد اليومية، فإنهم لا يتركون مناسبة، إلا ويعبرون من خلالها عن ارتباطهم ببريطانيا.

وقد كانت خطوبة الأمير ويليام وكاثرين ميدلتون حدثا فعليا في الأيام الماضية، كما لو أن العريس وعروسه من أبناء البلد ووجهائها. وكان الفرح في بريطانيا والاحتفال في مدن أستراليا كافة.

وعلى عادة إنجليزية تقليدية فإن الفطور الأسترالي التقليدي هو مثيله الإنجليزي المكون من البيض واللحم والفاصوليا البيضاء. كما أنهم، على مثال إنجليزي صارم، يتناولون أكثر من ثلاثة أرباع طعامهم من اللحوم التي غالبا يفضلونها مشوية.

لكن هذه العادة، وإن كانت موجودة كقاعدة في المطبخ الأسترالي، فإنها لا تلغي غيرها، فبعد الإنجليز دخل إلى هذه القارة عشرات الجنسيات من المهاجرين الذين يحملون أمل تغيير حياتهم. وهم إن غيروا فعلا في حياتهم، فقد غيروا كذلك في هوية الثقافة الأسترالية ككل.

والحق أن المطبخ الأسترالي متأثر وبشكل فعلي بالمطبخ الصيني والهندي والياباني والماليزي والتايلاندي واليوناني والإيطالي والتركي واللبناني والإسباني والفرنسي وكذلك بالمطبخ الأفريقي على أنواعه، هذا إلى جانب مطبخ الجزر الذي يتمتع بكثير من الشعبية على مثال الصيني والتايلاندي.

والجديد هو دخول المطبخ المغربي إلى هذا البلد رغم ندرة وجود المغاربة فيه. فالمطبخ الأسترالي بهذه الحالة، خليط من كل هذه الثقافات، التي، بالحقيقة تؤلف المجتمع الأسترالي.

ولهذا، ربما، هو بهذا الغنى، لكي تفرد له آلاف الصفحات أسبوعيا. ولعل أشهر أسبوعية على هذا المستوى (Good Food) التي تصدرها الـ«بي بي سي» البريطانية يليها شهرة المجلة التي يصدرها الطاهي البريطاني جيمي أوليفر ثم «Women Weekly» التي لا تختص فقط بفن الطهي، بل تتناول الكثير من المواضيع التي تهم المرأة.

قدر أستراليا أنها جزيرة، والأصح أنها أكبر جزيرة على وجه الأرض. ولذلك فإن المأكولات البحرية تتوفر فيها بكثرة ليست في أي بلد آخر. ولكثرة وجود الأسماك والمأكولات البحرية الأخرى، فإن الأستراليين يعتبرون أن طبق عيد الميلاد الرئيسي يجب أن يكون من ثمار وفواكه البحر لا من ديك الحبش، كما هي العادة في أوروبا وأميركا وبعض بقاع العالم.

وفي هذا فإن مجلة «Donna Hay» التي تختص بالمطبخ الأسترالي وتلقحه بالكثير من الوصفات من مطابخ عالمية، تصدر نشرة أسبوعية موازية لها تختص بالمأكولات البحرية.

كما أن الكثير من المجلات التي تصدر تفرد على صفحاتها الكثير من الوصفات البحرية بسبب حب الأستراليين لها. مع ذلك، ففي ولاية جنوب أستراليا، لا تقدم المتاجر الخاصة ببيع الأسماك، الكثير من الأنواع يتم اصطيادها محليا، على وفرتها وتعددها.

والسبب في ذلك، أنهم في الولاية يصطادون بحسب المواسم وليس بشكل عشوائي وفوضوي كما يحصل في بعض مناطق العالم، وذلك حفاظا على ثروتهم البحرية من الهلاك والاندثار.

لكن المجلات لا تلحظ هذا الأمر والسبب في ذلك مساحة البلد الكبيرة، بحيث تختلف مواسم الصيد بين ولاية وأخرى. فما يتم صيده في الجنوب ممنوع في الشمال ومصرح بصيده في ساوث ويلز التي تضم المدن الأكثر أهمية مثل سيدني وكانبيرا.

يعبر الأستراليون عن علاقتهم بالمطبخ بنشر الكثير من المجلات، وهم بالتالي يعترفون بأنهم مجموعة قوميات لا قومية واحدة. وأنهم حفنة مهاجرين بنوا بلدا كان منذ القدم مهجورا ولا يوجد فيه سوى سكانه الأصليين الذين ما زالوا لغاية اليوم في غالبيتهم غير مهجنين مع طرق الحياة المعاصرة، ولا متقبلين لها، ويعيشون في البرية مع عصيهم وحرابهم وأقواسهم وموسيقاهم وحتى فنونهم التقليدية.

لكن الأستراليون عامة ومن خلال هذه المجلات يقدمون نموذجا فريدا، عن المطبخ في شكله المعاصر والمعولم. المطبخ السهل الاندماج مع غيره دون أي عقدة أو مشكلة.

أما العلاقة الحميمة مع المجلات الكثيرة التي تنشر وتوزع بكميات هائلة، فليست سوى تعبير دقيق عن علاقة شعب بحب الحياة، الحياة التي تتسع للكثير في بلد لا يزال أكثر من نصفه مجهولا ولم يسكنه البشر.