كريستوف لومير في أول حديث له لمطبوعة عربية بعد أنضمامه لدار «هيرميس»

كريستوف لومير: شعرت مرارا بأنني لا أنتمي لعالم الموضة لأنني لم أقتنع يوما بثقافتها الاستعراضية، وفي الصورة بعض من تصميمات كريستوف لومير لخريف وشتاء 2011
كريستوف لومير: شعرت مرارا بأنني لا أنتمي لعالم الموضة لأنني لم أقتنع يوما بثقافتها الاستعراضية، وفي الصورة بعض من تصميمات كريستوف لومير لخريف وشتاء 2011

بعد 7 سنوات تربع فيها المصمم جون بول جوتييه متوجا على عرشها، سلم في شهر أكتوبر الماضي المشعل لخليفته كريستوف لومير، ليبدأ فصلا جديدا في أسطورة دار أزياء اسمها «هيرميس»، على الرغم من النجاحات التي حققها لومير لـ«لاكوست» التي عمل فيها لمدة 10 سنوات، لم يكن يوما من الشخصيات الاستعراضية؛ فهو يحب العمل في الخفاء مثل الجندي المجهول، تاركا عمله يتكلم عنه، ونجح إلى حد كبير في هذا، وإلا ما كان وصل إلى قمة «هيرميس».


في شهر مارس (آذار) الحالي، وخلال أسبوع باريس لخريف وشتاء 2011 - 2012 كان من الطبيعي أن تتوجه أنظار عالم الموضة إلى أول تشكيلة سيقدمها للدار الفرنسية العريقة.

وضع الكل قضية فصل جون غاليانو من دار «ديور» ودخول مصمم دار «بالمان» كريستوف ديكارنين إلى مستشفى نفسي وغيرهما من الأحداث الساخنة، جانبا، وجهزوا أقلامهم استعدادا لانتقاد مصمم ليس له أتباع في أوساط الموضة ووسائل الإعلام يهللون له، مقارنة بمصمم مخضرم ومحبوب، مثل جون بول غوتييه.

وخلال العرض تبين الفرق؛ فقد غاب الإبهار المسرحي، الذي عودنا عليه سلفه، بما في ذلك الموسيقى التي تخاطب الحواس وتجعل الأزياء تتراقص أمام العيون وغيرها من البهارات، ومع ذلك خرج الحضور وهم مطمئنون على مستقبل الترف والرفاهية.

فلومير لم يعتمد على الإخراج والإبهار، وأخذهم في المقابل في رحلة تتأرجح بين الحلم والحقيقة. رحلة تعبق بألوان متبلة بشذى القرفة والكمون أو النعناع، وتحركها روح المغامرة والغوص في تاريخ متجذر في صناعة الجلود .. ونجح.

بعد هذه التشكيلة وبعد لقائه، يشعر المرء بأنه قد يكون تأخر في الحصول على فرصته مقارنة بغيره، لكن هذا زمنه. فثقافة الموضة ستتغير بعد أن أصبحت معظم بيوت الأزياء تفضل المصمم المبدع والهادئ على المصمم النجم الذي يسرق الأضواء منها ومن الأزياء التي يقدمها، وكريستوف يقع في هذه الخانة.

بداية أهنئك على وظيفتك الجديدة في «هيرميس» وعلى أول تشكيلة قدمتها بعد طول انتظار.
- هل أعجبتك؟
تريد الصدق؟ كل ما فيها يقول «هيرميس» لكن مع ذلك شعرت أنك كنت مقيدا بعض الشيء، ولم تعط كل ما عندك فيها.
- ملاحظة مثيرة؛ لأن هناك من لفت انتباهي إلى النقطة نفسها. ربما تكونين على حق؛ إذ إنها أول تشكيلة لي للدار، كما قد يكون ما ولد لديك هذا الشعور الموسيقى وإيقاعها الذي لم يكن سريعا، وهو الأمر الذي كان مقصودا؛ لأنني كنت أريد أن يتوقف الزمن، وتقديم عرض غير تقليدي. كنت أريده حالما بعض الشيء ولكن ليس كئيبا.

لكن لأنها كانت أول تشكيلة لك لـ«هيرميس» وكل الأعين كانت مصوبة للانتقاد أو المديح، جاء اختيارك للموسيقى شجاعا؛ لأنه بالفعل لم يكن مألوفا بل أقرب إلى التحدي الفكري!
- لا أعتقد أن الأمر كان تحديا فكريا بقدر ما كان تعبيرا عن الصدق وعما كنت أريد التعبير عنه، وهو الهدوء، والسكينة ولحظة جمال يتوقف فيها الزمن قليلا.

جاءت التشكيلة تحمل شخصية «هيرميس» بكل ترفها، الأمر الذي قد يكون جديدا عليك، بحكم أنك عملت في «لاكوست» المعروفة بأسلوبها الرياضي المختلف عن أسلوب «هيرميس» الراقي لسنوات طويلة.. كيف وجدت النقلة؟
- لا أنكر أنني كنت فخورا وسعيدا جدا عندما وقع اختيار «هيرميس» عليَّ. صحيح أنني لم أصدق في البداية، لكن لم يمر سوى وقت قصير حتى غمرني إحساس بالانتماء، بعد أن تأكدت أن تصوري للأناقة هو نفس تصور «هيرميس» لها.

فأنا مثلها، أحب العملي المترف والكلاسيكي الذي لا يعترف بزمن، كما أومن بقطع أساسية. لحسن الحظ أن انبهاري بأسلوب هذه الدار العريقة وثقافتها وإرثها الغني لم يعرقلني عن الإبداع، والفضل يعود إلى ذلك الشعور بالانتماء، الذي تحدثت عنه من قبل؛ فالجو العائلي هو الغالب هنا، كما أن الثقة الكاملة التي أولوني إياها، وهذا أمر نادر جدا في عالم الموضة، حفزتني على العطاء أكثر وأكثر.

بالفعل، فقد قرأت تصريحا للسيد ديماس، المدير الفني، يقول فيه عن اختيارك كمصمم فني للدار: إنه بعد 5 سنوات قد ينظر إلى القرار على أنه كان صائبا جدا أو أنه كان خطأ فادحا، وأنت تعلم أن 5 سنوات في عالم الموضة عمر طويل، الأمر الذي يحسب للسيد ديماس لأنه يشير إلى أنه لا يتسرع الأمور، وأنه يريد أن يمنحك فرصة أكبر للاستقرار ومن ثم الإبداع؟
- بالفعل، هذا هو ما كان يقصده، وهذه هي ثقافة «هيرميس» التي أثرت في نفسي؛ فهي لا تؤمن بالموضة السريعة، بل بالعكس، فالوقت بالنسبة لها مهم لإنتاج الجودة، وهذا يعني أن أي واحد منا يحتاج لوقت يتطور فيه، يحلم، يتعلم من الأخطاء ويبلور أسلوبه.

إذا كنت في حالة سباق دائم مع الوقت فستصاب بحالة من الجنون وتكون الجودة هي الضحية. أعتقد أن على المصمم أن يبتكر مفردات أسلوبه الخاص موسما بعد موسم، وهذا يحتاج إلى بعض الوقت.

من جهة أخرى، لا أعتقد أن الموضة يجب أن تكون وقتية، بمعنى أنه ليس على المرأة أن تغير خزانتها كل 6 أشهر، لتواكب توجهات الموضة الموسمية وإملاءاتها.

من هذا المنطلق، ركزت على أن أقدم خزانة تتكون من أساسيات قوية بأوجه متعددة حتى يمكنها استعمالها بأشكال مختلفة، تسمح لها باستغلالها أكثر وبخلق أسلوبها الخاص، من دون تدخل أحد.

أنا متأكد أنه في خزانتك قطعة أو قطعتان تعشقينهما لأنهما يتميزان بشيء معين، قد يكون القصة أو اللون أو التصميم، وكلما لبستِ إياهما تشعرين بالثقة، وهذا هو المطلوب.

الراحل إيف سان لوران تكلم كثيرا عن هذه الثقة، وأنا أتفق معه على أنها عنصر مهم جدا، سواء تعلق الأمر بالأسلوب الخاص أو بمفردات الموضة المختلفة. وكلها أمور تحتاج إلى وقت لتتبلور.

رمزية هذا الوقت الذي تتكلم عنه ظهرت أيضا في طريقة إخراج عرضك البطيئة، هل كان ذلك مقصودا؟
- نعم، فقد أردت فيه أن يتوقف الزمن ولو قليلا لكي نلتقط أنفاسنا؛ لهذا طلبت من العارضات المشي ببطء وبهدوء شديد؛ لأنني لا أعتقد أننا نحتاج إلى ذلك الأسلوب المتصنع والسريع الذي يطبع العروض عادة، التي يتحول فيها كل شيء إلى مسرح فرجة باسم الابتكار والإبداع، فهذا يخلق تشويشا.

ما يجعلني سعيدا في «هيرميس» أن أفكارنا وفلسفتنا واحدة. مثلا أنا أفضل الأناقة على الموضة، وأجتهد في تقديم أزياء مريحة تتيح حرية الحركة.

وهذا ما يفسر ميلي للعب على الحجم في الأكمام؛ لأنها بالنسبة لي تساعد على هذه الحركة وتتيح القيام بالإشارات للتعبير عن الذات؛ فالأناقة لها علاقة بحرية الإشارة والحركة.

على الرغم من قولك إنك تريد أن يقف الزمن في لحظة معينة، فإنني شعرت في التشكيلة بأن المكان تغير بسبب التأثير الإثني الواضح في بعض القطع!
- نعم، فقد أردت أيضا أن أظهر الجانب الآخر لـ«هيرميس» وهو فن الترحال، أو الرغبة في الاستكشاف والانفتاح على ثقافات الغير، والبحث عن الجديد؛ فامرأة «هيرميس» تحب الترحال، سواء حصل ذلك في الواقع أو في الحلم، وما قمت به أنني جعلت فكرة الترحال متماشية مع العصر في هذه الأزياء.

لقد رحلت في هذه التشكيلة إلى أفريقيا الشمالية، ومنغوليا وإرث «هيرميس» وألوان العشرينات من القرن الماضي وغيرها، وكل ما قمت به أنني وضعت هذه العناصر كلها فيما يشبه الزجاجة وخلطتها بشكل عصري جدا.

كم استغرقت من الوقت لتنفيذ هذه التشكيلة؟
- كان وقتا قصيرا؛ لأن جون بول غوتييه قدم آخر عرض له لـ«هيرميس» في شهر أكتوبر، وكنت بدوري أقدم آخر تشكيلة لي لـ«لاكوست» في سبتمبر (أيلول)، وهذا يعني أنني بدأت في أكتوبر، بكل ما تعنيه هذه البداية من تفاصيل، بما في ذلك التعرف على فريق العمل.

لا أنكر أن المهلة القصيرة كانت تحديا كبيرا، لكن التحدي الأكبر كان أن أمسك نفسي وألا أطلق العنان لخيالي؛ فقد كانت تدور في مخيلتي الكثير من الأفكار والصور.

عندما تم اختيارك كمصمم دار «هيرميس» العريقة، استغرب الجميع الأمر، هل جعلك استغرابهم تشعر بالانزعاج أو بأن كبرياءك جُرحت؟
- أبدا، فاستغرابهم كان له ما يبرره، فأنا لست شخصا أحب الظهور في الإعلام، وماركة «لاكوست» كانت مختلفة تماما عن «هيرميس»، كما أن خطي الخاص يخاطب شرائح محددة. كنت متصالحا مع الأمر؛ لهذا لم أنزعج، لا سيما أنهم في «هيرميس» لم يختاروني من فراغ أو نتيجة نزوة، بل راقبوا عملي جيدا، وقيموه قبل أن يقتنعوا بأنني المصمم المناسب لهم.

ما الشيء الذي رأوه فيك والذي ميزك عن غيرك؟ هل أخبروك به فيما بعد؟
- (مبتسما) لا أعرف حتى الآن، عليك أن تسألي السيد ديماس، فكل ما أعرفه هو أن القرار كان بالإجماع وتم بسرعة.

لا شك أن مجيئك بعد جون بول غوتييه، وهو مصمم محبوب ومبدع، لم يكن سهلا؟
- بالطبع وهو أمر وضعني تحت ضغط كبير؛ فهو مصمم من الوزن الثقيل، و«هيرميس» أيضا ماركة ترتبط بالجودة العالية والترف في أرقى حالاته. لكن على الرغم من القلق الذي ساورني، كنت واثقا بقدراتي وبرؤيتي الخاصة.

عندما التحقت بالدار، هل أعطيت لك تعليمات معينة من قبل المسؤولين عن المراد منك بالتحديد؟
- أبدا، فقد تركوا لي مطلق الحرية في الإبداع؛ لأن ثقتهم بي كانت عالية، وهو أمر نادر جدا في عالم الموضة. فالمسؤولون هنا لا يريدون التحكم في كل شيء، كما أن الجو السائد عائلي، كما قلت سابقا، وبالتالي يحفز على الإنتاج والإبداع الإيجابي وليس مجرد الاستعراض المسرحي.

أظن أنك تناسب هذه الصورة؛ لأنك إنسان هادئ ولست من النوع الاستعراضي، وبالنظر إلى الأحداث التي يمر بها عالم الموضة حاليا، فإن الإشارات تقول إن هناك تغييرات كثيرة ستحدث في ثقافتها، وتحديدا في اختيار الكثير من بيوت الأزياء لمصمميها، والملاحظة هنا لا تمس «هيرميس» لأنها كانت دائما «عائلية»، لكن على مستوى صناعة الموضة ككل!
- أعتقد أن التغيير اجتماعي ولا يخص الموضة وحدها؛ فالمجتمع أصبح يفضل الكيف على الكم، وبالتالي لم يعد لدينا أي خيار إلا أن نجيد الاستماع.

فالناس تريد أن تصرف أقل وبطريقة موزونة للحصول على أشياء أفضل، وهنا ينفي الاستعراض المسرحي ويأتي دور كل ما هو «إيكولوجي»، بحيث يراعي البيئة.

كوكو شانيل قالت مرة قولا مأثورا أتذكره جيدا هو: «إننا فقراء جدا لشراء أشياء رخيصة»، وهذا قول رائع يلخص ما تمر به الموضة حاليا، كما أن أحد أفراد العائلة المالكة لـ«هيرميس»، وهو روبرت ديماس، علق على ثقافة الاستهلاك مرة بقوله: «إن القطعة عالية الجودة يمكنك إصلاحها»، وهذا يعني أن الثقافة الاستهلاكية المجنونة لا بد أن تنتهي، وعلى هذا الأساس يجب أن نقدم منتجات يمكن أن تتحدى الزمن؛ لأنه بالإمكان إصلاحها من دون أن تفقد قيمتها أو جماليتها. أظن أن الناس تعبوا من اللهاث وراء موضة سريعة والشراء من دون توقف.

ربما هذا ما يجعل اسم «هيرميس» يثير الحلم والرغبة فيها أكثر!
- بالضبط؛ لأنها تطرح قطعا قليلة ونادرة عوضا عن أن تغرق الأسواق بمنتجاتها.

ما رؤيتك لـ«هيرميس» في المستقبل؟ بمعنى إلى أين تريد أن تأخذها؟
- أريد أن أركز وأتعمق أكثر في مفهوم الخزانة ذات الأوجه والاستعمالات المتعددة، بكل ما تعنيه من جودة وتصميم راق في الوقت ذاته.

لم تذكر حقائب اليد، على الرغم من أن «هيرميس» تبقى مشهورة بحقائب يدها أكثر من الأزياء، هل لك نظرة خاصة عن الإكسسوارات؟
- قدمت إكسسوارات في تشكيلتي، عبارة عن مجوهرات وحقائب، لكن بعدد قليل؛ لأن الأزياء كانت موجهة لامرأة تحب الترحال ولا تريد ما يقيدها، وعلى الرغم من تقديمي حقائب خاصة، معلقة على الصدر، من الفضة والجلد، إلا فإنني تحاشيت الكلاسيكيات؛ لأن الكل أصبح يعرفها. لن أقول إنني لن أقدمها في عروضي المستقبلية، لكن بالنسبة لعرضي الأول كنت أريد التركيز على الأزياء وأن أكتب بداية جديدة.

هل تفكر في التوجه إلى أسواق معينة، مثل سوق الشرق الأوسط، بأزياء خاصة؟
- بصراحة لا أفكر كثيرا في هذا الأمر؛ فالمرأة التي أتوجه إليها عالمية، والأزياء التي أقدمها كلاسيكية ويمكن لأي امرأة أينما كانت أن تجعلها خاصة بها حسب أسلوبها وطريقة تعاملها معها. فهذا ما أريده: أن تكون أزيائي مناسبة لكل نساء العالم.

هل بدأت التفكير في تشكيلتك المقبلة؟
- نعم، وهذا أمر رائع؛ لأنك ما إن تنتهي من تشكيلة حتى تتحمس لتقديم أخرى أفضل منها مستفيدا من أخطائك، وهكذا يبدأ الضغط مباشرة والعمل من اختيار الأقمشة والألوان وهلم جرا من تفاصيل أخرى.

عندما تنظر إلى الوراء، ما نقطة التحول في حياتك؟
- لا أدري، ربما تكون عملي مع «لاكوست»؛ لأنها أثارت الأنظار إليَّ ثم التحاقي بـ«هيرميس» بالطبع.

هل كنت دائما تريد أن تصبح مصمما؟
- في البداية لا؛ فقد درست الأدب والفنون الزخرفية، ولم أكن أفكر في دخول هذا المجال، لولا الصدفة. فقد كنت أبحث عن عمل، عندما اقترح عليَّ صديق كان يعمل في «ماري كلير» أن أساعدهم خلال فترة العروض. كان عمري 19 سنة آنذاك، ومع الوقت بدأت أستمتع وأشعر أنني أتمتع بميزات تخولني دخول هذا المجال ووضع بصمتي عليه.

الآن وأنت المصمم الفني لواحد من أهم بيوت الأزياء الفرنسية، كيف تشعر؟
- في غاية السعادة، خصوصا أنني مررت بظروف صعبة، وشعرت مرارا بأنني لا أنتمي إلى هذا العالم؛ لأنني لم أقتنع يوما بثقافة الموضة الاستعراضية.