أسبوع لندن لخريف وشتاء 2012 ينطلق متفائلا بأسواق آسيا وأميركا

أزياء «ريترو» تنظر إلى المستقبل بألوان ساخنة
أزياء «ريترو» تنظر إلى المستقبل بألوان ساخنة

إنه ذلك الوقت من السنة عندما ترتدي لندن أجمل حلتها لتستقبل وسائل الإعلام والمشتربن في أسبوعها الخاص بالموضة. فبعد نيويورك مباشرة، وحتى قبل أن يلتقط البعض أنفاسه انطلقت بكامل قوتها صباح أمس، الجمعة، مؤملة البعض بسهرة خفيفة على القلب في 10 دوانينغ ستريت، أشهر عنوان في لندن بعد قصر باكينغهام في المساء. للمرة السادسة على التوالي يفتتح المصمم الأيرلندي بول كوستيلو اليوم الأول من الأسبوع في قاعة «سومرست هاوس» المقر الرئيسي للأسبوع، بزخات قوية من الأخضر الزمردي والأحمر قبل أن ينتقل إلى ألوان خريفية، أو بالأحرى درجات مطفية من الأحمر والأزرق الداكن والرمادي والأسود.


ولأن الموسم موجه لخريف وشتاء 2012، فإن قماش التارتان بدفئه كان طاغيا في مجموعته للنهار إلى جانب أنواع أخرى من الصوف، وتكرر في جاكيتات بياقات واسعة وتصاميم مريحة تعكس قدرته على تفصيل أزياء عملية وأنيقة في الوقت ذاته. للمساء والسهرة، أرسل عارضاته في فساتين بألوان معدنية واسعة أيضا تستحضر أجواء الستينات، التي كانت تنادي بتحرير المرأة من كل القيود. وهذا ما فعله المصمم المخضرم في هذه التشكيلة التي تتمتع بكل عناصر الراحة والعملية والأناقة مما يجعلها سهلة ومضمونة في الوقت ذاته.

لم ينس كوستيلو الرجل، فقدم له مجموعة لا تفتقد إلى العملية وتناسب شابا يتوخى الأناقة والعصرية في الوقت ذاته. بعده جاء عرض ماريا غراشغوفل، التي أطلقت مجموعة ساحرة من أزياء السهرة، وكأنه كان بينها وبين كوستيلو اتفاقا أن يكمل بعضهما بعضا. يقدم هو أزياء عملية تناسب أماكن العمل، وهي أزياء أنثوية للمناسبات الخاصة. ما يحسب لها أنها استغلت الأقمشة المنسابة أحسن استغلال في تصاميم بثنيات وطيات تبرز قدراتها وفهمها للمرأة وقطع لافتة تخاطب امرأة واثقة تريد إثارة الانتباه وليس الاختفاء.

الألوان بدورها تباينت بين برودة الأبيض الثلجي وسخونة البرتقالي والأخضر كما لم يغب الأسود والنقوشات. كانت اللوحة رومانسية وربما هادئة جدا لولا الماكياج الصارخ والجريء وتسريحات الشعر المبتكرة.

أما بالنسبة للمصممة كارولين تشارلز، التي تعتبر من الوجوه المألوفة في الأسبوع، فهي لم تعودنا أو تعدنا يوما بالابتكار المجنون أو الجرأة الصادمة، لهذا لم يكن أحد يتوقع غير ما قدمته: مجموعة أنيقة تحمل كل الجينات البريطانية الأرستقراطية في الكثير من ملامحها، لكن لا تشد أنفاس فتاة عادية أو تجعل جوارحها تصرخ راغبة فيها.

ومن الواضح أن كارولين استقتها من أجواء الفروسية والريف الإنجليزي، تصميما وألوانا وأقمشة، ولا شك أيضا أنها تغمز بها كايت ميدلتون وطبقتها. فالتصاميم جمعت كل ما يمكن أن تحتاجه المرأة من فساتين وقطع منفصلة، عبارة عن تايورات وجاكيتات وبنطلونات وتنورات بأطوال تتباين بين نصف الساق، وهو طول صعب لم يشجع عليه حتى منظر العارضات في بعض الحالات، وبين فوق الركبة وهو طول كان أنسب وأضمن.

فالتنورات هنا كانت ملفوفة حول الخصر ليظهر تبطينها الملون عندما تتحرك العارضة بشكل مثير. كانت هناك أيضا معاطف على شكل جاكيتات طويلة شدت بعضها بأحزمة فيما تركت البعض الآخر منسابا ليظهر تفصيله المتقن. بالنسبة للإكسسوارات، فقد تألقت القبعات على وجه الخصوص، إذ أخذتنا في بعض الحالات إلى العشرينات من القرن الماضي وأحيانا أخرى إلى أجواء الفروسية أو فقط إلى أجواء النزهات الريفية في الأربعينات.

أما الألوان فجمعت كل درجات البني إلى جانب العاجي والأسود والأحمر الياقوتي والأخضر، سواء في أقمشة صوفية مثل التويد أو حرير الجورجيت المطرز، أحيانا بالكثير من الخرز والترتر، كما في الفستان الذي أنهت به العارضة بتنورة طويلة بذيل ومطرز بشكل سخي عند الصدر وباقي التنورة. المصممة داعبت به الحضور على أساس أنه يمكن أن يكون فستان عرس لعروس جريئة لا تخاف أن تخاصم الأبيض أو ألوان الباستيل في واحد من أهم أيام عمرها.

رغم كل هذه العروض وجمالياتها، فإن الحدث الأهم في هذا اليوم كان مساء في 10 دوانينغ ستريت. فالحدث يتمثل في حفل استقبال دعت له سيدة 10 داونينغ ستريت، سامنثا كاميريون، زوجة رئيس حزب المحافظين، محرري الأزياء وصناع الموضة من مصممين ورجال أعمال وسياسيين، لإظهار دعمها للأسبوع ولصناعة الموضة ككل، وللقيام بدورها كسفيرة للموضة البريطانية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوة بدأتها سارة براون، قبلها، زوجة رئيس وزراء بريطانيا السابق، حيث كانت أول من قربت الموضة والسياسة، لكن سامنثا كانت دائما مدللة الموضة، لهذا فإن الكل يتوقع أن تقوم بدور أكبر، بمن فيهم المصمم عثمان يوسف زاده، حيث ظهرت في فستان طويل من تصميمه في حفل توزيع جوائز الموضة البريطانية، وحصل على دعاية مجانية كبيرة لأنها فعلا تألقت فيه وأبرزت جمالياته.

ورغم أنها تخلفت عن هذا التقليد في الموسم الماضي بسبب حملها ووضعها، فإنها تدرك تماما أن صناعة الموضة التي تقدر بـ21 مليار دولار في السنة، توظف ما لا يقل عن 816 ألف شخص، وبالتالي لا يمكن أن تستهين بأهميتها، بغض النظر عن حبها لها كامرأة أو كمصممة.

فقد كانت هي من افتتح الأسبوع أمس، حيث ظهرت في زي أسود يتكون من فستان من «مالبوري» وجاكيت طويل من «ساكس» وحذاء من «إل كي بينيت»، لكي تؤكد أنها تشجع الأسماء البريطانية أولا وأخيرا. قالت في كلمتها: «أعشق الموضة وأنا جد متحمسة لها، لا لما تثيره من مشاعر بداخل النفس، بل لدورها في بلدنا، فهي من أهم الصناعات، ومن حسن حظنا أنه لا ينقصنا مصممون موهوبون ولا الخبرة للدفع بهذه الصناعة إلى الأمام أكثر وأكثر».

تجدر الإشارة إلى أنه، على مدى خمسة أيام ستحتضن لندن أعمال 170 مصمما في تخصصات مختلفة، و65 عرضا، و5000 زائر و100 مليون جنيه إسترليني من الطلبات. ورغم حالة التقشف وتخفيض ميزانية العديد من الصناعات ببريطانيا بسبب السياسة الجديدة التي تنهجها الحكومة الائتلافية الحالية، وعلى رأسها، ديفيد كاميرون، زوج سفيرة الموضة البريطانية، فإن هناك تفاؤلا بأن تنعشها الأسواق الخارجية، سواء الآسيوية أو الأميركية.

فالأسبوع يسجل هذا الموسم حضورا أكبر من قبل مشترين من كل من «بارنيز»، «ساكس فيفث أفينيو»، «بيرغدوف» و«نيمان أند ماركوس» فضلا عن محلات أخرى متخصصة مثل «سيريموني» و«أيتش لورانزو» من الذين سيحضرونه لأول مرة. سوق الصين لا تقل أهمية، لا سيما بعد افتتاح عدة محلات موضة في بيجين وشنغهاي وهونغ كونغ، كذلك السوق اليابانية، التي يزيد دعمها للندن موسما بعد موسم، بفضل ابتكارها وشطحاتها التي تروق لسوقها.