الدليل الكامل لأسباب وعلاج ورم نخاع العظم المتعدد

اختبارات التركيبة الجينية والكروموسومات تساعد على دقة تشخيصه
اختبارات التركيبة الجينية والكروموسومات تساعد على دقة تشخيصه

بفضل جملة من وسائل العلاج الجديدة، أضحى بمقدور المصابين بورم نخاع العظم التمتع بسنوات إضافية. فلو جرى الحديث عن مرض واحد فقط، بدت على المصابين به أكثر تأثيرات الوسائل العلاجية الحديثة للسرطان، فإن هذا المرض هو بالتأكيد ورم (سرطان) نخاع (نقيّ) العظم المتعدد، إذ منحت التطويرات في التقنيات البيولوجية العلماء القدرة على رصد عدد من الظواهر الشاذة في التركيبة الجينية والكروموسومات التي تقود إلى الإصابة به من جهة، كما أدت التطويرات في نفس الوقت إلى صنع عقاقير فعالة وأقل سميّة من جهة أخرى.


ورغم أنه لا توجد وسيلة شافية من ورم نخاع العظم فإن علاجات مختلفة أخذت تزيد من طول فترة انحسار المرض، فبينما كان المصابون يمنحون سنتين أو ثلاثا للعيش بعد إصابتهم فإنهم يتمكنون من إدارة أحوالهم اليوم إلى فترة تمتد بين 5 و7 سنوات، بل حتى إن بعضهم يعيش لعشر سنوات أو أكثر.

ورم نخاع العظم
يشتق اسم ورم نخاع العظم («مايلوما» بالإنجليزية) myeloma من الكلمة الإغريقية myelos (نخاع العظم) وoma (ورم). وهذا الورم متعدد multiple لأن الأورام تظهر في مناطق عديدة داخل نخاع العظم.

ينشأ هذا الورم في خلايا بلازما الدم - في خلايا الدم البيضاء في نخاع العظم المسماة «الخلايا اللمفاوية البائية» B lymphocytes، التي تتميز باستجابتها لدخول بعض الفيروسات أو البكتريا (الكائنات المُمرِضة، أي المسببة للمرض) إلى الجسم.

وفي المعتاد فإن خلايا البلازما تنتج جسما مضادا مختلفا لكل نوع من أنواع الكائنات الممرضة، بهدف مكافحته. ولذلك فكلما دخل كائن ممرض إلى الجسم تنشط خلايا البلازما، لتتكاثر بأعداد كبيرة مكونة كميات من الأجسام المضادة كافية لتخليص الجسم من الجرثومة الدخيلة.

أما خلايا ورم نخاع العظم فهي خلايا بلازما غير طبيعية تتكاثر من دون أي سبب ظاهر، منتجة مركبات تقضي على وظيفة نخاع العظم الاعتيادية بعد إزاحتها العناصر الطبيعية للدم الموجودة في نخاع العظم - خلايا الدم الحمراء الناقلة للدم، وخلايا الدم البيضاء المكافحة للعدوى، والصفائح الدموية التي تساعد على تخثر الدم.

ونتيجة لهذا فإن الأشخاص المصابين بورم نخاع العظم يصابون بفقر الدم، وتدني مقاومتهم للأمراض، ويتعرضون للخدوش، وإلى نزف غير معتاد. وبدلا من إنتاجها لأجسام مضادة فعالة فإن خلايا نخاع العظم السرطانية تولد كميات فائضة من بروتين شاذ يسمى «بروتين إم» M protein، الذي يمكنه أن يلحق الضرر بالكليتين إضافة إلى تثبيطه لوظائف جهاز المناعة.

وبعدما تتراكم خلايا ورم نخاع العظم داخل النخاع فإنها تفرز إنزيما يزيد من وتيرة هدم العظام (resorption)، وتبطئ من عملية بنائها. وبالنتيجة، فإن الكالسيوم المختزن داخل العظام يتحرر نحو الدم مما يؤدي إلى زيادة كمياته مسببا الضعف، والتشوش الذهني، وأضرارا أخرى للكليتين.

كما يمكن لهذا المرض الانتشار إلى أبعد من نخاع العظم، والعظم - أي إن بمقدوره الانتشار إلى الكبد، الطحال، والأنسجة الطرية. ولهذا فإن ورم نخاع العظم قد يتسبب في تدمير العظام والكليتين بل وفي بعض حالاته المتقدمة تدمير الكبد والطحال والرئتين، عندما يتراكم «بروتين إم» سوية مع خلايا البلازما داخل مختلف أعضاء الجسم.

عوامل الخطر
لا توجد أي دلائل على أن بمقدورنا فعل أي شيء لدرء حدوث ورم نخاع العظم، إذ إن أكثر عوامل الخطر خارجة عن إرادتنا .. وهي تشمل ما يلي:

- العمر: فورم نخاع العظم نادر الحدوث في أعمار تقل عن 35 سنة، ويشيع حدوثه لدى الأشخاص من عمر 65 سنة فأكثر.

- العرق البشري: هذا الورم ينتشر بمرتين أكثر تقريبا بين الأميركيين المنحدرين من العرق الأفريقي مقارنة بالعرق القوقازي. وهو أقل شيوعا لدى الآسيويين.

- الجنس: 55 في المائة أو أكثر بقليل من المصابين بهذا الورم هم من الذكور.

- التركيبة الجينية: إصابة شخص قريب بهذا الورم ربما تزيد من خطر الإصابة به. إلا أنه لا توجد حالات عائلية لورم نخاع العظم.

 - حالة الورم الحميد (أي ورم من دون أعراض) Monoclonal gammopathy of unknown significance (MGUS). وغالبا ما يتم رصد هذه الحالة التي تتأثر فيها خلايا البلازما، عن طريق الصدفة أثناء فحص الدم. وتزداد احتمالاتها مع تقدم العمر.

ولا تحتاج هذه الحالة إلى علاج إلا أن على الأشخاص المصابين بها مراقبتها دوما، لأن 25 في المائة منهم سيصابون لاحقا بسرطان نخاع العظم.

تشخيص مراحل المرض
لا تظهر الأعراض عند حدوث إصابة مبكرة بورم نخاع العظم، إلا أن الطبيب قد يبدأ في الشك عندما يرصد ظواهر غريبة لدى فحص الدم أو عند حدوث كسر غير متوقع في العظم. وتظهر علامات المرض في الأغلب على شكل إجهاد، ضعف، ألم في الظهر، تبول متكرر، إمساك، الوقوع بكثرة ضحية العدوى.

وفي أي من تلك الأحوال فإن الفحوص المختبرية والتصوير يمكنها أن تؤكد أو تنفي وجود أورام نخاع العظم، كما أنها تحدد المرحلة التي وصل إليها:

- فحص الدم: بمقدوره رصد عدد خلايا الدم الحمراء، والبيضاء، والصفائح الدموية، ووجود «بروتين إم»، ومستوى الأجسام المضادة، والبروتينين «بيتا - 2 ميكروغلوبولين» beta - 2 microglobulin، و«ألبومين» albumin، والكالسيوم، والكرياتينين (مؤشر الضرر على الكليتين).

- فحص البول: لقياس المستوى غير الاعتيادي لبروتين آخر يسمى «بروتين بينس جونز» Bence Jones protein.

- أشعة أكس: لرصد أي أضرار، أو رصد العظام المكسورة.

- خزعة نخاع العظم: تؤخذ بهدف رصد خلايا أورام نخاع العظم.

وقد أظهرت الدراسات أن هناك عددا مختلفا من أنواع خلايا ورم نخاع العظم تتسم بشذوذ جيني وكروموسومي، مما يتسبب في حدوث أنواع من المرض تتطلب علاجات مختلفة.

وتوظف عدة فحوص لأنواع الشذوذ هذه بهدف التعرف على ما بين 25 و30 في المائة من المصابين بورم نخاع العظم، الذين يكونون في مرحلة الخطر ويحتاجون إلى علاج قوي ومبكر.

وتوصف أورام نخاع العظم التي تكتشف مبكرا قبل ظهور أي أعراض - عندما تكون مستويات «بيتا - 2 ميكروغلوبولين» أعلى قليلا، ومستويات «ألبومين» أقل قليلا من المستويات الطبيعية لهما - في العادة، بأنها غير نشطة أو لا تزال في بدايتها في المرحلة الأولى من المرض.

ولم تظهر الدراسات أن العلاج بالعقاقير في هذه المرحلة يزيد من طول فترة النجاة، ولذا فإن العملية المعتادة هنا هي «المراقبة اليقظة» - أي مراقبة المريض عن كثب مع إجراء فحص بدني له وفحوص مختبرية لتحديد ما إذا كان المرض يتطور فعلا.

علاج الورم المتعدد
عندما تصل المايلوما أي ورم نخاع العظم المتعدد، إلى مرحلتها الثانية فإن العلاج يصبح ضروريا لتخفيف الأعراض وتقليل عدد خلايا الورم. ولا توجد طريقة قياسية (بروتوكول) للعلاج: إذ سيتناول أغلب المرضى عدة أنواع من العقاقير لمختلف مراحل المرض، وذلك وفقا لأعمارهم، وأعراضهم، وحالتهم الصحية العامة، ودرجة الخطر لديهم، وأفضليات العلاج.

وإن كان عمر المصاب يتراوح بين 65 و70 سنة ولا يعاني من أي أمراض خطيرة، مثل السكري أو لم يكن مصابا بأضرار في عضو ما بالجسم، فتكون التوصية - زرع الخلايا الجذعية.

أما إن لم يكن المصاب من ضمن المرشحين لزرع الخلايا الجذعية، فإنه يشرع في تناول الأدوية ويستمر في ذلك حتى اختفاء أعراض المايلوما، أو أن تكون في أقل مستوياتها. وبعد العلاج الأول، يخضع المريض للمراقبة لرصد عودة المرض أو تطوره.

وتوجد عدة خيارات للعلاج عند عودة المرض. فقد يكون زرع الخلايا الجذعية مرة ثانية فعالا لدى بعض المصابين. وقد تؤدي مهمتها في المرة الثانية، أدوية استعملت في المرة الأولى، أو قد توظف توليفة من الأدوية الجديدة. وتجرى حاليا تجارب عديدة على عقاقير لعلاج ورم نخاع العظم.

وقد تعطى علاجات إضافية لمجابهة تأثيرات المرض وتأثيرات الأدوية العلاجية في نفس الوقت. ويأخذ أغلب المصابين بالمايلوما البيفوسفونات bisphosphonate بهدف خفض عملية هدم العظام، كما قد يتناول الكثير منهم أدوية لتخفيف لزوجة الدم لمنع حدوث الخثرات الدموية. ويمكن علاج آلام العظام بالعلاج الإشعاعي، وعلاج فقر الدم بدواء «إيبوتين» epoetin («إيبوجين» Epogen، «بروكريت» Procrit)، الذي يحفز على إنتاج خلايا الدم الحمراء ويقلل من الحاجة إلى عملية نقل الدم.

نصائح عامة:
وفي ما يلي بعض النصائح للأشخاص الذين ترصد لديهم الإصابة بورم نخاع العظم المتعدد:

- ابحث عن فريق طبي له خبرة بالمرض. ومن الأفضل التوجه إلى مركز متخصص بعلاجه. أو التوجه لاستشارة طبيب متخصص في أمراض الدم.

- احصل على تشخيص ثان من طبيب متخصص آخر.

 احصل على معلومات حول المرض من الموقع الإلكتروني: www.myeloma.org

علاج ورم نخاع العظم .. بالخلايا الجذعية
رغم أنه علاج غير شاف، فإن العلاج بالخلايا الجذعية هو المعتمد لسرطان خلايا نخاع العظام خصوصا للأشخاص الأصحاء بين أعمار 65 و70 سنة.

تمتلك الخلايا الجذعية القدرة على توليد خلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية، الأمر الذي يساعد المرضى على مقاومة الإجهاد الذي يسببه العلاج بالعقاقير الكيميائية بجرعات قوية كافية لقتل خلايا ورم نخاع العظم - وهو علاج يقضي أيضا على غالبية العناصر السليمة في الدم.

وبعد خضوع المريض لعلاج يهدف إلى تخفيف شدة ورم نخاع العظم، فإنه يعالج بعقاقير تشجع على إنتاج الخلايا الجذعية داخل الدم. وتعيش هذه الخلايا الجذعية بإعداد قليلة في جسم كل إنسان، وهي تتحول إلى خلايا دم حمراء وبيضاء وإلى صفائح دموية سليمة.

ثم وبعد مرور عدة أيام يخضع المريض لما يسمى بعملية فرز للدم، حيث يوجه الدم عبر وريد إلى ماكينة تقوم بفرز الخلايا الجذعية ثم تعيد الدم إلى وريد آخر، وتسمى هذه العملية أحيانا «حصاد الخلايا الجذعية» وتستمر عدة ساعات، وربما يعاد تكرارها. ويتم عادة جمع عدد من الخلايا بحيث تكفي لزرعها مرتين، ثم تجمد.

ثم يخضع المريض للعلاج الكيميائي بجرعات كبيرة تقتل كل خلايا الدم البيضاء - الخلايا السرطانية والخلايا السليمة - إضافة إلى ظهور أعراضها المتعبة: سقوط الشعر، والغثيان، والإسهال، والإجهاد. ثم تزرع الخلايا الجذعية السليمة في مجرى الدم.

وإن أدى العلاج مهمته فإن الخلايا الجذعية تتوجه لتشكيل منظومة صحية للدم تكون خالية من الخلايا السرطانية.

وخلال هذه الفترة يكون المريض معرضا للإصابة بفقر الدم وبالعدوى، بسبب قلة عدد خلايا الدم البيضاء التي تكافح العدوى. ولهذا وبينما تأخذ خلايا الدم في النمو لدى المريض - وهو ما يستغرق أسبوعين عادة - فإنه سيستلم حقنا من الدم، ومن عوامل النمو، والمضادات الحيوية لدرء فقر الدم وحدوث العدوى.