خلايا جذعية «دهنية» .. لعلاج مشكلات القلب

تشتق من دهون الجسم البشري ويمكنها تحفيز نمو أوعية جديدة
تشتق من دهون الجسم البشري ويمكنها تحفيز نمو أوعية جديدة

قد تظن أن الدهون تضر قلبك، لكن عددا متزايدا من العلماء يقولون إن هذا ليس صحيحا دائما، ويرون أن نفس الأمور التي يمكن أن تسبب لك السمنة وتسد شرايينك، ربما يكمن فيها العلاج لما أصاب قلبك أيضا. ففي داخل الدهون الموجودة في جسم الإنسان خلايا جذعية، يقولون إنها قادرة على الحد من تراجع وظائف القلب إثر الإصابة بأزمة قلبية، وتعالج الأضرار الناجمة عن عجز القلب على حد قول العلماء.


قد تصبح هذه الخلايا يوما ما سلاحا جديدا يستخدم في محاربة أمراض القلب التي تتسبب في موت أكثر من 400 ألف أميركي سنويا. ويقول ستيوارت وليامز، مدير معهد «إنوفيشين» للأوعية الدموية وهو نتاج شراكة بين جامعة لويسفيل و«المستشفى اليهودي وسانت ماري للرعاية الصحية»، الذي يعد أحد الباحثين الرائدين في هذا المجال: «اعتبرت الدهون لفترة طويلة شيئا ضارا، لكن هناك حكمة لوجود الدهون المتراكمة على الجانبين».

يقوم ما يزيد على 300 عالم من أنحاء العالم، بما في ذلك من ولاية فرجينيا، بدراسة الخلايا الجذعية المشتقة من الدهون لاستخدامها لأغراض عدة. وقد بدأ الباحثون منذ نحو ثماني سنوات تقاسم ما توصلوا إليه من معلومات من خلال تأسيس الجمعية الفيدرالية الدولية للدهون العلاجية والعلوم «آي إف إيه تي إس».

ويتم اختبار الخلايا الجذعية المشتقة من الدهون على مرضى القلب في أوروبا. وقد أظهرت نتائج ستة أشهر الاختبارات التي أجريت على 14 مريضا أصيبوا بنوبة قلبية في هولندا وإسبانيا، تحسنا في انخفاض حجم التلف الحادث في القلب، بل أظهرت أيضا تحسنا في كمية الدم الذي يصل إلى عضلة القلب وكذلك كمية الدم التي يضخها القلب.

وتشير بيانات تجربة ثانية من خلال دراسة أجريت على 27 شخصا يعانون من أمراض قلب مزمنة في إسبانيا إلى انخفاض كمية التلف في البطين الأيسر. وكذلك توضح الدراسة ارتفاع معدلات استهلاك أجسام المرضى، الذين تم علاجهم بالخلايا الجذعية، للأكسجين وتحسن قدرتهم على أداء النشاط البدني.

أثبت وليامز والباحثون الأميركيون الآخرون نجاح تجربتهم على الفئران، ويعتزمون اختبار العلاج على البشر خلال العامين المقبلين، لكنهم يقولون إنه حتى في حالة نجاح تلك التجارب على البشر، فلن تتوفر العلاجات القائمة على الخلايا الجذعية المشتقة من الدهون على نطاق واسع قبل سنوات.

وتقول إرين بييفر إنها متحمسة بشأن الاحتمالات، فقد تم تشخيص مرضها عام 2001 بأنه قصور (عجز) احتقاني في القلب بعد شعورها بحشرجة في صدرها أثناء قيامها بتدريبات رياضة الآيروبيك المائية.

وعرفت إرين أن شريانها الرئيسي الأيسر مسدود بنسبة 90 في المائة وكانت حينئذ في التاسعة والثلاثين من العمر ولم تكن هناك مؤشرات تشير إلى تعرضها للإصابة بأمراض القلب باستثناء ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم.

خضعت إرين لعملية قسطرة في القلب وتتناول حاليا عقاقير مختلفة ويحمل ولداها المراهقان الجينات الوراثية الخاصة بالتعرض لخطر الإصابة بارتفاع نسبة الكولسترول في الدم ويتناولون عقاقير الستاتين منذ أن كانا في العاشرة من العمر، تشعر إرين بالقلق على مستقبل قلب ابنيها الصحي، فتقول: «لدي أمل كبير في الأبحاث الحالية والمستقبلية .. فأنا أعول عليها. أود أن أحظى بخيار الخلايا الجذعية المشتقة من الدهون فلدي الكثير من الدهون التي يمكن أن يأخذوها، فرجاء سجلوا اسمي».

خزين من الخلايا
يقول العلماء إن إدخال خلايا جذعية مشتقة من الدهون إلى جسد المريض أمر يسير، حيث يقوم الأطباء بسحب الدهون، يحجم يعادل تقريبا حجم كرة غولف، من البطن ثم يستخلصون الخلايا الجذعية ويحقنون بها الأنسجة المعتلة.

ومن أجل الوصول إلى القلب يتم توصيل الخلايا الجذعية من خلال جهاز يوضع داخل أحد الأوعية الدموية في الرجل. ونظرا لأن هذه الخلايا من جسد المريض، فلا يوجد أي احتمال برفض الجسد لها.

يقول كيث مارش، مدير مركز الأوعية القلبية للعلاج بالخلايا الجذعية للبالغين بجامعة أنديانا: «يوجد لدى كل شخص، حتى النحيلين، مخزون كاف من الدهون. يمكنك استثمار هذه الخلايا الجذعية».

يوضح العلماء أن الدهون مليئة بالأوعية الدموية الدقيقة ويقولون إنه يمكن للخلايا الجذعية بها أن تحفز نمو أوعية جديدة. ويقول وليامز: «إن هذه أكثر التقنيات الواعدة في إعادة بناء الأوعية الدموية بالقلب» ويضيف مارش: «لا يتوقع كثيرون أن تكون الدهون مفيدة».

يقول آدم كاتز، الأستاذ المشارك في جراحات التجميل والهندسة الطبية الحيوية بجامعة فرجينيا إن العلماء لم يكونوا يعتقدون، عند بداية البحث، أن الخلايا الجذعية المشتقة من الدهون يمكن أن تحل محل خلايا القلب الميتة، لكنه يشير إلى عدم وجود دليل قاطع يؤكد حدوث ذلك بشكل واضح.

ويوضح آدم أن تلك الخلايا تحفز عوامل النمو وتغلف الأوعية الدموية الجديدة وتجعلها مستقرة ومتوازنة. شبه كاتز هذه العملية بدعم طريق يبنيه الجيش ليستطيع الوصول إلى مكان بعيد.

ويقول إنه عندما يحدث جرح في القلب يستجيب الجسد من خلال تكوين أوعية دموية دقيقة ليتدفق الدم إلى ذلك الجرح، وإذا لم تكن هذه الخلايا مستقرة ومتوازنة، يتم التخلص منها.

ويضيف موضحا أن إضافة الخلايا الجذعية المشتقة من الدهون تمنع فقدان هذه الأوعية الدموية وتحافظ على بقاء «هذه المسارات» وقتا أطول، مما يساعد في إنقاذ النسيج الذي تبلغ نسبة موته 50 في المائة. ويرى أن «المزيد من الأوعية الدموية تعني المزيد من احتمالات الحياة».

يقول كاتز والعلماء الآخرون إن استخدام الخلايا الجذعية المشتقة من الدهون والمستخرجة من أجساد المرضى، وليس من أجنة ملقحة صناعيا، تم إتلافها أثناء عملية استخلاص الخلايا الجذعية منهم، مما يسهم في تجنب المعضلة الأخلاقية التي اختلف عليها كثير من الأميركيين بشدة.

ويضيف إن ذلك يؤدي إلى تحاشي الهفوات العلمية الخاصة بالخلايا الجذعية المشتقة من الأجنة التي يمكن أن تحفز نمو الأورام عند زراعتها، «فمن الواضح أن الخلايا الجذعية المشتقة من الأجنة تواجه العديد من العوائق».

حذر وتفاؤل
على الرغم من تفاؤل كثير من العلماء بشأن الخلايا الجذعية المشتقة من الدهون، يحث بعض الخبراء على توخي الحذر بقولهم إنه لا يزال من المبكر جدا التيقن من أن هذه الخلايا جيدة مثل الخلايا الجذعية القلبية والأنواع الأخرى من الخلايا الجذعية أو العلاجات الأخرى مثل العقاقير الجديدة.

ويشير جوليو بانزا، مدير قسم طب أمراض القلب بمركز مستشفى واشنطن إلى أنه من بواعث القلق الخوف من أن تزيد هذه الخلايا الجذعية المشتقة من الدهون، نسبة الدهون في القلب. ومما يثير القلق أيضا عدم وجود دليل يؤكد أن استجابة هذه الخلايا ستكون مماثلة لخلايا القلب.

ويقول بانزا إنه يسمع عن البحث الخاص بالخلايا الجذعية المشتقة من الدهون على مدار الخمس سنوات الماضية ورغم أنه يبدو واعدا، فهو غير مقتنع بأنه سيغير مجال الرعاية بالقلب تغييرا جذريا في وقت قريب، حيث يقول: «لا يبدو أن الأمر سيحدث قريبا، ولا يبدو أنه سيكون أمرا واردا عما قريب».

يقول وليامز وآخرون إنهم يدركون القلق الذي يثيره البحث ويختبرون العلاج على الحيوانات بحرص وحذر قبل اختباره على البشر، لكنهم أوضحوا أن الخلايا تبدو آمنة ومفيدة للمرضى الذين أصيبوا بأزمات قلبية بناء على النتائج الأولية للاختبارات التي أجريت في أوروبا.

تقول شركة «كايتوري ثيرابويتيكس» ومقرها في سان دييغو، التي كانت راعية للاختبارين اللذين أجريا في أوروبا، إنها تعتزم السعي للحصول على موافقات بشكل منظم في أوروبا خلال بداية العام المقبل للعلاج الذي تم اختباره على 27 مريضا.

وقد عرضت الشركة مقابلتين مصورتين مع مريضين من المشاركين في تجربة أمراض القلب المزمنة اللذين أشير إلى كل منهما باسمه الأول فقط.

حكى أحدهما ويدعى فيستوريانو إصابته في السابق بعدة أزمات قلبية وخضوعه لخمس عمليات جراحية اضطرته للتقاعد وجعلته واهنا وشاحبا وغير قادر على صعود السلالم.

ويؤكد أنه بعد عملية الخلايا الجذعية أصبح يمشي أكثر ويستطيع صعود الدرج ويشعر «بالقوة والسعادة وبالتحسن». لقد تحدث بالإسبانية لكن الشريط المصور كان مصحوبا بترجمة إنجليزية.

ويقول المريض الآخر، الذي يدعى كيلفريدو، إنه يشعر بتعب وإرهاق أقل مما كان يشعر به قبل العملية وإنه لم يعد بحاجة إلى شخص يسنده عند المشي.

ويضيف قائلا: «لقد أصبحت حياتي أفضل لأنني أشعر بالمزيد من الحيوية والقوة والرغبة في الحياة». يحدو الأمل من أصيبوا بأمراض القلب، فتقول جيل ميتس من «هيي ماركت» التي يعاني والداها وجداها من مشكلات في القلب وكانت قلقة من التعرض إلى أزمة قلبية هي الأخرى قبل قيامها بالمزيد من التدريبات البدنية وتناول طعام صحي: «يكون البحث في غاية الأهمية عندما يكون هناك تاريخ للمرض في العائلة.

إنني متحمسة لإمكانية أن يكون أمر كهذا مفيدا». كذلك الحال بالنسبة إلى آني لولير من مدينة لوثرفيل بولاية ميريلاند، فهي معلمة تبلغ من العمر 53 عاما. شعرت لولير العام الماضي بألم حاد في الصدر وضغط أثناء السباحة في حمام السباحة نتيجة أزمة قلبية، وهي تعيش حاليا بست دعامات وضعت لها في الشريان التاجي الأيسر، الفرع الهابط.

وتتناول خمسة عقاقير يوميا. وتقول لولير إنه سيكون من «الرائع» رؤية الوعد الخاص بالخلايا الجذعية المشتقة من الدهون يتحقق. وتتساءل قائلة: «إن كنا نستطيع استخدام أنسجتنا لعلاج أنفسنا، فلم لا»؟