موسم الـ «هوت كوتير» لربيع وصيف 2011 .. يستعيد شبابه في باريس

يخاطب موسم الـ «هوت كوتير» لربيع وصيف 2011 شريحة شابة ويركز على حرفيته العالية لتبرير أسعاره النارية
يخاطب موسم الـ «هوت كوتير» لربيع وصيف 2011 شريحة شابة ويركز على حرفيته العالية لتبرير أسعاره النارية

منذ ما يقارب العشرون عاما كشف المصمم الفرنسي جون لوي شيرير الستار عن اسرار صناعة الموضة الراقية، أو ما يعرف بال«هوت كوتير»، كان الامر بمثابة الصدمة لعشاق الموضة، والخيانة للمصممين من زملائه ولمهنة كانت إلى ذلك الحين تعتمد على الاسرار والإبهار.


شيرير كشف بالأرقام والتفاصيل حجم الخسارة التي كان يتكبدها هو وأمثاله، مستدلا بفستان وصفه بأنه صنع من امتار وأمتار من الأقمشة المترفة التي تدخل فيها مئات الامتار من خيوط الذهب، وطرز بما لا يقل عن 18.000 من أحجار الترتر. الفستان ايضا استغرق مئات الساعات من العمل والتفاني قبل ان يرى النور. كان من المفترض ان تباع هذه التحفة بسعر لا يقل عن 50.000 جنيه استرليني حينها، حسب قوله، لكنه للأسف لم يتمكن من الحصول سوى على 35.000 جنيها استرلينيا.

وهذا يعني ان هذا الجانب المسكون بالحلم والغموض، ليس دائما ساحرا كما يخطر ببال أي واحد يرى هذه التحف الفنية تتحرك على اجسام عارضات ممشوقات على منصات عروض الازياء، ولا تدر الملايين بالضرورة على اصحابها، خصوصا إذا لم يكونوا منضوين تحت جناحي مجموعة كبيرة.

فجون لوي شيرير، مثلا، عوض ان يعيش عيش الأثرياء، كان يعيش حياة متواضعة مثله مثل أي عامل عنده تقريبا. وغني عن القول انه حتى الوقت الذي نشر فيه شيرير غسيل ال«هوت كوتير« على الملأ، كان هذا العالم المغلف بالغموض يعتبر ناديا نخبويا خاصا جدا لا تدخله إلا حفنة منتقاة تتوخى السرية.

لهذا، فإن فعلته أثارت عليه حنق صناع الموضة الباريسية من جهة، والزبونات من جهة ثانية، وإن كان قد اثار ايضا امتنان البعض الآخر لتسليطه الضوء على الوجه الخفي لهذه الصناعة.

الجانب الإيجابي فيما قام به شيرير أنه، وبشكل غير مباشر، سلط الضوء على الحرفية العالية وما تتكلفه صناعة فستان واحد من وقت وصبر ومهارة حتى يرى النور، ويدخل خزانة امرأة محظوظة تقدر هذه الصناعة.

هذه التفاصيل هي ما تبرر الأسعار النارية. وهذا بالضبط ما ركز عليه معظم المصممون هذا الاسبوع، بدءا من جون غاليانو، الذي رسم لوحات فنية محددة عند الخصر في تحية لرسومات الفنان رينيه غريو في الخمسينات والستينات، إلى إيلي صعب الذي حول الاقمشة إلى فساتين أيضا محددة عند الخصر لكن بأسلوب رومانسي، مرورا ب«شانيل« التي اقترحت مجموعة تسلب الالباب باناقتها وحرفيتها وستيفان رولان، الذي قال انه فنان ومهندس ونحات وهلم جرا.

أما الجانب السلبي لتصريحات شيرير، فهو فقدان هذا الجانب بعضها من غموضه مما جعله مادة دسمة لكل من له علاقة بصناعة الموضة. وطبعا تزيد هذه المادة دسامة كلما اقترب موعد عروضها، بين موالين يؤكدون بأنه ليس من المفترض ان تكون هذه الازياء واقعية كونها تحفا فنية لا تقدر بثمن، وبين مشككين في أن عهدها الذهبي ولى مع انقراض زبوناتها المخمليات، الأميركيات بالذات.

ويدور الجدل في الغالب حول نقطة واحدة، هي ما إذا كان على هذا القطاع ان يغير من ثقافته وينزل من برجه العالي بعد ان تغيرت خريطته ومتطلبات المرأة العصرية، أم عليه ان يبقى كما هو لأن بقاءه هو الوسيلة الوحيدة لبيع حلم يتجسد في ارض الواقع من خلال زيادة مبيعات المنتجات الاخرى، مثل العطور والأكسسوارات ومستحضرات التجميل وغيرها؟.

فهذه المنتجات تكون في الغالب اقصى ما تقدر عليه المرأة العادية ذات الإمكانيات التي لا ترقى إلى تلك التي تتمتع بها زبونات هذا القطاع، لتغذي من خلالها الرغبة في دخول هذا النادي من الباب الخلفي، ولو بشراء احمر شفاه من «ديور»، أو عطر «من «غوتييه« أو حقيبة يد من «شانيل».

تجدر الإشارة إلى أن هذا الجدل حول جدوى أزياء راقية لكن تخاطب شريحة لا تتعدى ال400 زبونة على اكثر تقدير في العالم أجمع، ليس جديدا. ففي نهاية الخمسينات، ومع ظهور جانب الأزياء الجاهزة، بدأ الهمس يتزايد وراء الكواليس عن قرب «نهاية الهوت كوتير»، إلى حد ان النجمة الفرنسية بريجيت باردو وصفتها في الستينات بأنها «موضة خاصة بالجدات« ولم تعد تخاطب إيقاع العصر.

لكن لحسن الحظ، عمل المصممون كل ما في وسعهم لتفنيذ رأي باردو، ونجحت إلى حد كبير جهودهم. فنظرة خاطفة إلى الصفوف الامامية تشير إلى ان شريحة جديدة تتمثل في شابات تتراوح اعمارهن ما بين ال25 وال45 سنة باتت تحتلها.

وجوه شابة وعصرية ليست كلها شقراء الملامح، فإلى جانب الاوروبيات والآسيويات، هناك نسبة لا يستهان بها من العربيات، بعضهن مصحوبات بأمهاتهن. أما القاسم المشترك بينهن، فكونهن مثل زبونات الجيل القديم، يلبسن ازياء موقعة بأسماء عالمية، سواءا كانت جاكيتات من «شانيل« أو «دولتشي اند غابانا« أو احذية من لوبوتان، لكن من دون مبالغة في ماكياجهن وتسريحات شعرهن.

فاناقتهن تعكس ثقافة جيلهن، التي تتعامل مع الموضة كلعبة ومتعة أكثر منها فرضا وواجبا. الملاحظ أيضا ان الفرق بين الجيل القديم والجيل الجديد يتعدى السن والبيئة، بل يشمل ايضا الثقافة الشرائية.

ففي السابق كانت الزبونة تشتري فساتينها من مصممها المفضل كتحصيل حاصل، وليس فقط لكي تحافظ على مركزها، لكن زبونة اليوم الشابة، فتتنقل مثل النحلة من مصمم إلى آخر، وتبحث دائما عن الجديد.

قلما يكون لها ولاء لمصمم واحد إلا في حالة ما توصلت إلى القصة التي تلائم جسدها بشكل لا يقدر عليه سواه، أو فقط لصداقتها مع المصمم.

بالإضافة إلى هذا، فهي زبونة تغربل وتفكر عشر مرات قبل شراء أي قطعة، وهذا ما يفسر تواجد نفس الوجوه في عروض مختلفة. ومع ذلك فإنه بالرغم من ان العلاقة بين المصمم وهؤلاء الزبونات اصبحت اكثر حميمية، وقد تتم بالنسبة للبعض وجها لوجه، حسب أهمية الزبونة ومدى رغبتها وطلباتها، إلا ان هناك زبونات لا يزلن يفضلن غموض أيام زمان، ويطلبن ان يكون بينهن وبين بيت الازياء والمصمم وسيط، للإبقاء على هوياتهن مجهولة.

المهم أن اسبوع موضة الازياء الراقية لربيع وصيف 2011، الذي شهدته باريس يوم الاثنين الماضي، فنذ كل الشكوك في هذا القطاع. نعم هو يتكلم لغة المال، ونعم يخاطب قلة قليلة من الزبونات متناثرات في كل انحاء العالم واصبحن مثل العملة النادرة، لكن نظرة خاطفة إلى الحضور في عروض كل من إيلي صعب، «شانيل»، «ديور»، «جون بول غوتييه»، ستيفان رولان، وغيرهم، بأزيائهن واكسسواراتهن التي تضج بالترف، تشير إلى ان هذا السوق لا يزال قويا.

بل يمكن القول إن الازمة الاخيرة انعشته، فمبيعاته زادت بنحو 30 في المائة قريبا في العام الماضي، بفضل زيادة الإقبال على المنتجات المترفة والفريدة ككل، كونها تمثل استثمارا بعيد المدى، سواءا كانت فستانا فريدا أو قطعة مجوهرات.

وحسب ما صرح به، سيدني توليدانو، الرئيس التنفيذي لدار «ديور»، لمجلة «ويمنز وير دايلي« فإن مبيعات التشكيلة التي قدمها جون غاليانو لخريف وشتاء 2010 كانت من افضل ما تم تقديمه تجاريا منذ التحاقه بها في عام 1996:« توصلنا بعدة طلبات، إلى حد أننا غير متأكدين من تمكننا من تلبيتها في الوقت المناسب»، وتوافقه فيرونيك غوتييه، من دار «جون بول غوتييه« نفس الرأي بقولها ان هذا القطاع يشهد انتعاشا كبيرا «وكل الطلبات تؤكد ان زبونات الهوت كوتير متحمسات لها ولن يتخلين عنها».

إيلي صعب ايضا أشار إلى ان مبيعاته زادت، وبالنظر إلى ما قدمه هذا الاسبوع، فإنها ستزيد اكثر واكثر، خصوصا مع اقتراب مواسم الاعراس والمناسبات المهمة. ونحن هنا لا نتكلم على عرسي حفيدة ملكة بريطانيا، الأمير ويليام، فحسب بل ايضا عرس أمير موناكو، بل ايضا على مهرجانات الاوسكار والحفلات الخاصة. المصمم ستيفان رولان، بدوره يشهد عصره الذهبي، ويفكر منذ فترة في طرح خط.

همسات جانبية
لكي تسمى القطعة «هوت كوتير« يجب ان تصنع يدويا بالكامل من قبل بيوت ازياء منتقاة ومجازة من قبل غرفة الموضة الفرنسية «شومبر سانديكال»، وعلى كل بيت ازياء ان يوظف ما لا يقل عن 20 شخصا ويقدم 75 قطعة في السنة. لكن بعد ان غابت العديد من الاسماء عن هذا المجال مثل إيمانويل أونغارو، كريستيان لاكروا، إيف سان لوران وغيرهم، فإن أهم بيوت الازياء الفرنسية حاليا هي «شانيل»، «ديور»، «جيفنشي»، «جون بول غوتييه»، ستيفان رولان، أصبح من الضروري استضافة مصممين مبدعين آخرين لإغناء اسبوع تقلص إلى ثلاثة ايام فقط.

خلال الحرب العالمية الثانية ودخول المانيا باريس، كانت هناك محاولة قوية لنقل صناعة ال «هوت كوتير» إلى برلين، لكن لوسيان لولونغ، رئيس الفيدرالية الباريسية للموضة المعروفة ب «شومبر سانديكال» آنذاك، رفض بشكل قاطع، واعتبر المسألة مسؤولية وطنية عليه ان يفوز بها لصالح بلده حتى وإن كلفته حياتك.

لحسن حظه سلم هو وسلم معه مصير الموضة الباريسية. والطريف ان العروض لم تتوقف تماما في تلك الفترة رغم شح الاقمشة والخيوط وغيرها من ادوات الخياطة، فعوض ان يقدم المصممون عروضهم في صالونات والاستعانة بعارضات، كانوا يقدمونها على دمى صغيرة مثل تلك التي تلعب بها الفتيات الصغيرات، بهدف خفض الميزانيات والمصاريف.