الطاهي توم إيكنز: أعترف بأنني لم أحسن التعامل مع الشهرة والنجاح المبكر

الطاهي توم إيكنز اصغر طاه يحصل على نجوم مشلين ويروي قصة نجاحه وإخفاقاته وفي الصورة مطعم «توم ايكنز» في منطقة تشيلسي في جنوب غربي لندن
الطاهي توم إيكنز اصغر طاه يحصل على نجوم مشلين ويروي قصة نجاحه وإخفاقاته وفي الصورة مطعم «توم ايكنز» في منطقة تشيلسي في جنوب غربي لندن

قبل إجراء أي مقابلة صحافية مع أي شخصية كانت، من الضروري الاطلاع على تاريخ وحاضر تلك الشخصية لمعرفة كيفية التعامل مع الشخص والحصول على أكبر قدر من المعلومات الجديدة التي تهم القارئ.


وهذه المرة كانت القراءة المركزة تخص الطاهي البريطاني توم إيكنز، الذي يعتبر من أصغر الطهاة المحترفين الذين حصلوا على نجمتي ميشلين للتميز في سن مبكرة جدا، وتصفه الصحافة في بريطانيا بالطاهي «المثير للجدل» على الرغم من نجاحاته وإثبات نفسه على ساحة الطهي الفرنسي في فرنسا وبريطانيا، فهذا الطاهي من مواليد عام 1970 من مدينة نوريتش في إنجلترا، احترف مهنة الطهي في سن الـ16 وبدأ تجربة الوقوف في المطبخ وهو في سن الـ12، ولد وترعرع في عائلة تحب الأكل وتتقن فنونه، تعرف إلى المطبخ الفرنسي من خلال مرافقة أبيه وجده في أسفارهما الكثيرة إلى مختلف أقطار فرنسا بحكم عملهما، انبهر بعالم الطهي وعشق المطبخ الفرنسي الذي يصفه بالبساطة الجذابة، تتلمذ على يد ألمع نجوم الطهي أمثال الطاهي الفرنسي جويل روبوشون والطاهي بيار كوفمان، وحصل على أول نجمة لميشلين وهو في سن الـ22، وكانت تلك الفترة التي عمل فيها «شيف دو بارتي» في مطعم «لاتانت كلير» لصاحبه بيار كوفمان.

ذاع صيت إيكنز في كل من فرنسا وبريطانيا، وتميز بتحضير الأطباق المفعمة بالنكهة، وفي معظمها تركز على الأسماك وثمار البحر، لكن وفي نفس الوقت ذاع صيت إيكنز كونه «المتمرد الصغير»، ووصف أيضا بالطاهي «المتهور» بعدما تصدرت أخباره عناوين الصحف في عام 1999، ليس بسبب أسلوبه في الطهي، بل بسبب ما ادعت به إحدى مساعداته في مطبخ مطعم «بييه أ. تير» الفرنسي في لندن، وفي ذلك الوقت كان إيكنز رئيس الطهاة في المطعم، حيث ادعت المساعدة أنه فقد أعصابه في المطبخ وحرق يدها بواسطة آلة حادة ساخنة، مما أدى إلى فصله من عمله، ومنذ ذلك الحين وعلى الرغم من نجاحات إيكنز الكثيرة وحصوله على العديد من النجوم والجوائز، لا يزال شبح هذه الحادثة المزعومة يرافقه، لكنها لم تقف في وجه تقدمه وتقديمه الأفضل على صعيد طهي ألذ الأطباق وأكثرها تعقيدا.

عند سماعك مثل تلك الحادثة تشعر بالرهبة، وهذا كان شعوري قبل مقابلته، وتكونت صورة له في ذهني جعلتني أشعر وكأنني أعرفه من قبل بسبب اجتماع كل العناصر السلبية المذكورة، وفي مقابلة نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية تروي الصحافية ديبرا روس كيف كان يتثاءب خلال المقابلة، وعلقت على موضوع الحادثة المشؤومة، وذكرت كيف وصل متأخرا وكيف لم يتخل عن استعمال هاتفه الجوال، لكن والحق يقال، عندما قابلت توم إيكنز، كان ملتزما في وقت المقابلة، وكان ممتنا جدا لإجراء الحوار مع صحيفة «الشرق الأوسط»، وبدا هادئا جدا، بلباس العمل الأبيض، وحذاء من البلاستيك «كروكس» يغطيه الدقيق .. نحيل القامة، شعره مائل إلى الأحمر، يتكلم بصوت منخفض، بشوش، عندما يتكلم عن الأكل ترى عينيه البنيتين تلمعان، فعشقه للطهي واضح.

وبعد مرور 10 دقائق من المقابلة، وبعد تلطيف الجو بقولي إنه يشبه الممثل الذي قام بدور «دانيال ميد» رئيس التحرير في مجلة «مود» في مسلسل «أغلي بيتي» الأميركي ورده بأنه لا يعرفه ولم يشاهد المسلسل، كان لا بد أن أسأله عن سبب صورة «الولد السيئ» التي تلازمه في معظم الصحف البريطانية، فابتسم قائلا «لا أدري، قد يكون السبب هو كبريائي وعدم تحملي مسؤولية النجاح في سن مبكرة»، وهذا ما دعاني إلى سؤاله عن الحادثة المشؤومة التي أدت إلى خسارته الفادحة ماديا ومعنويا ومهنيا، فرد قائلا «أنا أريد التكلم عن الموضوع، فالحادثة لم تكن تماما مثلما جاءت تفاصيلها في الصحافة، صحيح أنني فقدت صوابي وأعصابي، لكني لم أحرق يد مساعدتي، إنما وضعت الزيت الحامي في المقلاة بسرعة مما أدى إلى انشطار الزيت في كل مكان بما في ذلك يد مساعدتي»، وتابع إيكنز «أنا لست فخورا بما حدث، وأنا اليوم أعترف بأنني كنت متعجرفا ومتكبرا بسبب نجاحي، لكني اليوم تغيرت وأصبحت أعد للعشرة قبل التفوه أو القيام بأي شيء»، وتابع «أعترف بأن العلاقة الطيبة مع فريق العمل هي من أهم عناصر النجاح في أي مؤسسة».

وعندما فتح إيكنز قلبه وروى القصة قبل أن نسأله عنها، كان لا بد أن نسأله عن حادثة أخرى مفادها أنه تلاسن مع أحد الزبائن بسبب فقدان ملعقة فضية، فرد إيكنز بأن الحادثة جاءت مضخمة جدا، وخرجت عن إطار الصحة في الصحافة، وروى ما حدث في مطعمه في عام 2004 عندما أخبره أحد العاملين بأن هناك ملعقة فضية اختفت عن طاولة معينة، فخرج بنفسه وسأل الجالسين على الطاولة عن الملعقة، لكن رد الفعل كان حادا بعض الشيء، وكان جواب أحد الزبائن أنه لا يحق لإيكنز اتهامهم بالسرقة، وفسر إيكنز بأنه لم يذكر كلمة «سرقة» على الإطلاق، إنما أراد الاستفسار لا أكثر ولا أقل، وتفاجأ في صباح اليوم التالي بنشر الصحف البريطانية تفاصيل الحادثة بعنوان مفاده أن إيكنز يتهم أحد الزبائن بالسرقة.

وبعيدا عن مسلسل الحوادث السلبية، لا يمكن أن ننكر أن إيكنز طاه محترف، ويعترف بفضل الطاهي جويل روبوشون الذي تعلم منه «الاعتناء بالتفاصيل»، ومن بيار كوفمان تعلم «الفوضى المنظمة»، والتركيز على النكهة والمذاق. وقال إيكنز إنه كان محظوظا جدا لأنه سنحت له الفرص في الحياة للتتلمذ على يد أهم طهاة العالم.

وعن خياره بأن يصبح طاهيا محترفا قال إيكنز إن السبب هو حبه للطهي في المقام الأول، وبسبب معدله في المدرسة المتدني، وهذا ما شجعه على الالتحاق بمعهد نوريتش سيتي كوليدج لتعليم الطهي مع أخيه التوأم روب، لأن تعلم الطهي لم يتطلب حينها الخضوع لامتحان دخول وهذا هو المطلوب.

عمل في عام 1898 في مطعم ميرابيل في إيستبورن، وانتقل بعدها إلى لندن وعمل «كومي شيف» في مطعم كافالييه لصاحبه الحائز على نجمة ميشلين ديفيد كافالييه، وبعدها انتقل إلى للعمل في فندق كابيتال في نايتسبريدج إلى جانب الطاهي فيليب بريتن حائز نجمة ميشلين هو الآخر.

وفي سن الـ22 انتقل للعمل مع بيار كوفمان، وفي تلك الفترة أسهم في حصول المطعم على نجمته الثالثة. وعمل أيضا مع الطاهي ريتشارد نيت في مطعم «بييه أ. تير» في «شارلوت ستريت» في وسط لندن. وبعدها انتقل إلى فرنسا وقضى سنة كاملة للتعرف على أساليب الطهي في المطبخ الفرنسي، وعمل مع جويل روبوشون في باريس، ومع جيرار بواييه في مطعم «ليه كرايير».

وعاد إلى لندن في عام 1996 وانضم للعمل مجددا في مطعم «بييه أ. تير»، وترك إيكنز عمله بسبب الحادثة المذكورة وعمل بعدها في القطاع الخاص وعمل لصالح أسماء كبرى مثل الموسيقار والمؤلف الموسيقي اللورد لويد ويبر. وفي عام 2003 افتتح إيكنز مطعمه «توم إيكنز» في منطقة تشيلسي الذي يتسع لـ60 مقعدا، ويتميز بديكور بسيط وراق في نفس الوقت، ويطغى عليه اللون الأسود.

ومنذ ذلك التاريخ كرت سبحة النجاحات المتكررة، وحصل إيكنز على نجمة ميشلين عام 2004، وعلى نجمتين في يناير (كانون الثاني) من عام 2008، وحصل على 5 جوائز «روزيت» في دليل «إي إي» للمطاعم، وحصل على معدل 8 من 10 في دليل «غود فود» لعام 2009، وحصل على 3 نجوم في دليل مطعم «إيغون روناي» في عام 2006.

وعن سر النكهة في الأطباق يقول إيكنز إن السر يكمن في المواد المستعملة، فهو يتعامل مع مزارع في بريطانيا يحصل منها على اللحوم والأسماك. ويقوم بتغيير لائحة الطعام بحسب الفصول. ويعمل إيكنز في المطعم يوميا، وعندما يسافر لا يغلق هاتفه الجوال، ولا يحبذ الاستسلام للاسترخاء فهو يعمل على تبني الأفكار الجديدة من المطابخ الأجنبية.

وعن علاقته بالمأكولات الشرق أوسطية يقول إيكنز إنه يحب النكهات العربية، ومن عشاق الأكل اللبناني، ويأمل في التعاون المهني مع أحد البلدان العربية ويترك الباب مفتوحا أمام أي عرض ممكن. وعن الزبون العربي يقول إيكنز إنه يتمتع بمذاق عال، ويعرف ما يريد وما لا يريد، لكنه ليس صعبا.

وردا على سؤال «الشرق الأوسط» عما إذا كان إيكنز يأخذ ذائقة الزبون في الحسبان عند ابتكاره أي طبق، بقوله إنه يبتكر ما يحبه هو نفسه، لكنه يأخذ برأي الذواقة لتعديل تفاصيل الطبق.

وباح إيكنز بسر لأول مرة، بأنه على الرغم من عشقه لتحضير المأكولات البحرية مثل الأسماك فإنه يكره «الكافيار»، لذا يرفض تقديمه في مطعمه، ولا يقدر على تحضير أي طبق يحويه.

وعن هواياته يقول إيكنز إنه يعشق الرياضة، ولو لم يكن طاهيا لكان رياضيا محترفا، فهو يقضي الوقت القصير الخاص به في الركض وركوب الدراجة الهوائية والسباحة. واعترف بأنه يعمل ساعات طويلة، وأن ذلك يضع ضغوطات على زواجه من الطاهية السابقة أمبر.

وعن علاقته بالتلفزيون يقول إيكنز إنه قدم برامج تلفزيونية خاصة بالطهي.. «فالتلفزيون مهم جدا للشهرة والانتشار، إنما لا يجب أن يركز الطاهي على الشهرة فقط وينسى أنه في نهاية المطاف طاه ومكانه المطبخ».

يملك إيكنز كتابين للطهي، الأول بعنوان «توم إيكنز كوكينغ»، والثاني بعنوان «فيش». ويملك إيكنز مطعما آخر تحت اسم «تومز كيتشن» افتتح في عام 2006، وهو يتميز بكونه أقل رسمية من مطعم «توم إيكنز»، لكن لا تختلف فيه نوعية المأكولات ومستوى الخدمة.

وفي كلمة أخيرة قال توم إيكنز إنه اليوم في سن الأربعين، ويشعر بأنه أسعد من أي وقت مضى لأنه أصبح أكثر نضجا من ذي قبل، فهو لا يستطيع تغيير الماضي، لكنه يستطيع رسم المستقبل بأفضل صورة.

ويعتبر اليوم أن الهدوء في المطبخ والعلاقة الطيبة مع فريق العمل من أهم عوامل النجاح في أي مطعم في العالم مهما كان مستواه، ولا يعتقد أن الصراخ والتوتر يجديان نفعا. وأنهى المقابلة بقوله «لم أندم، ولكني تعلمت من أخطائي».

للمزيد من المعلومات يمكنكم زيارة «www.tomaikens.co.uk».