Anne Valerie Hash .. مصممة فرنسية فككت الأزياء الرجالية وأهدتها إلى المرأة

آن فاليري هاش تقول أن المرأة العربية تطلب أزياء راقية ولا تقبل بالصرعات
آن فاليري هاش تقول أن المرأة العربية تطلب أزياء راقية ولا تقبل بالصرعات

آن فاليري هاش، من الأسماء التي تثير الكثير من الفضول والإعجاب في باريس حاليا، فهذه المصممة الشابة نجحت في وقت قصير أن تفكك الموضة وتعطينا أزياء أنيقة وعملية في الوقت ذاته، وهو الأمر الذي يعتبر بإجماع الكل معادلة صعبة لا يحققها إلا الكبار.


ما يحسب لها أيضا أنها نجحت في غضون بضع سنوات فقط أن تشق لنفسها خطا خاصا ومميزا وأن تصمد في وجه الأزمة الاقتصادية التي عصفت بأسماء كبيرة من دون أن تنضوي تحت جناحي مجموعة كبيرة ودون دعم خارجي.

والدليل أن اسمها اليوم يوقع أربعة خطوط مختلفة، الأول خاص بالـ«هوت كوتير» والثاني بالأزياء الجاهزة، والثالث بخط تجاري أطلقت عليه «Avash by Anne Valerie Hash Madmoiselle» يخاطب الفتيات الصغيرات، والرابع خاص بالأطفال، والبقية لا شك ستأتي بالنظر إلى حيويتها ونظرتها إلى صناعة الموضة.

قبل أن تطلق ماركتها في عام 2002 عملت في الكثير من بيوت الأزياء العالمية، مثل «شانيل»، و«كريستيان لاكروا»، و«ديور»، و«نينا ريتشي»، وغيرها، لكنها لم تستمر مع كل من هؤلاء لأكثر من ثلاثة أشهر تقريبا وكأنها كانت تخاف من أن ترتاح وتستعذب الروتين فيسرق الزمن منها فرصة الاستقلال.

لكنها لا تنكر أنها استفادت كثيرا من هذه التجارب رغم قصرها، حيث تعلمت كيف تفصل القطعة وكيف تمنحها خطوطا واضحة مطبوعة بأسلوب أصبح لصيقا بها.

صحيح أنه أسلوب غير جديد مائة في المائة، ولا يمكن القول إنها من ابتكرته، لكن لا أحد ينكر أنه يحمل خلطتها الذكية في التلاعب على الذكوري والأنثوي من خلال تقنيات تفصيل وحياكة خاصة جدا، تجعل التبطين جزءا من الطبقة الظاهرة من القطعة لتكون النتيجة تأثيرا دراميا مثيرا.

من يعرف ولو القليل عن هذه المصممة يعرف أن أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر اسمها مهارتها في تفكيك الأزياء الرجالية وإعادة صياغتها بأسلوب جديد يناسب المرأة.

فعلى يدها تحولت الأقمشة الرجالية الخشنة إلى فساتين ناعمة، والمعاطف ذات الياقات الضخمة إلى قمصان، وهكذا. والنتيجة دائما تكون أسلوبا فنيا لا جدال فيه، لكن بطريقة عملية تخاطب ثقافة الشارع وتناسب أرض الواقع.

في مقر عملها الواقع في منطقة شعبية بالجادة 10 بالقرب من محطة القطار الرئيسية «Gard des Nords» كان اللقاء مع هذه المصممة الشابة التي لا يتعدى عمرها الـ39. المبنى من الخارج لا يبدو مثيرا، لكن ما إن تدخله حتى يصدمك سقفه العالي وجدرانه المزخرفة بأسلوب «الآرت ديكو» ونوافذه العالية.

آن فاليري تبرعت بالتعليق أنها شعرت بنفس الانبهار عندما عاينته لأول مرة، مضيفة أن منظره الخارجي لم يحرك فيها ساكنا وشككها فيه، إلا أنها بمجرد أن ولجته شعرت بأنها لا يمكن إلا أن تحصل عليه وبأي شكل. وتضيف بحماسة طفل يحكي قصة «سنو وايت» أو «سيندريلا»، إنه كان ملكا لشخص مهمّ من الجالية الأفريقية، وشهدت جوانبه الكثير من الطقوس الأفريقية، من بينها السحر والشعوذة.

وتشير إلى أنها لم تغير الكثير من معالمه، واقتصرت التغييرات على بعض التفاصيل حتى يتناسب مع طبيعة عملها، مثل الطابق الأسفل من البناية الذي تحول إلى المعمل الذي ترى فيه الكثير من التشكيلات النور. وبابتسامة شقية وتلاعب على الكلمات تضيف: «أنا أجد المكان ساحرا بكل المقاييس».

اللقاء مع آن فاليري هاش وجها لوجه كان أيضا ساحرا، فهي إنسانة قبل أن تكون مصممة، جد متواضعة، تتمتع بدفء نساء بحر المتوسط رغم أنها فرنسية حتى النخاع.

بين كل دقيقة وأخرى تلح عليك بتناول قطعة حلوى أو فاكهة أو تناول مشروب، وكأن الجلسة دون أكل لا تكتمل بالنسبة لها، الأمر الذي فسرته بتلقائية: «أعشق الأكل، ولو لم أكن مصممة لأصبحت طاهية بلا شك، لأبدع أطباقا وأمنح المتعة للناس. فالطهي مثل الموضة قائم على الإبداع والمتعة».

لكن الغلبة كانت للموضة التي داعبتها وهي في عمر الـ10، حين كانت تفصل حقائب يد بكشاكش تطرزها بالأحجار وكل ما تقع عليه يداها. بعد أن كبرت واجهت الواقع بأن إطلاق ماركة خاصة بها ليست بالسهولة التي كانت تعتقد وهي طفلة، خصوصا أنها كانت كما تقول تريد «أن تكون البداية ناجحة ومبنية على أسس قوية تدعم الاستمرار، لهذا لم أسجل بدايتي الرسمية إلا عندما بلغت الـ29 من العمر».

بعد أن تخرجت من معهد غرفة الموضة الفرنسية للأزياء الراقية «Chambre Syndicale»، التحقت بدار «كارفن» للتدريب، وهي التجربة التي تقول عنها إنها كانت «جد ممتعة، ألهمتني الكثير من دون أن أدرك الأمر في البداية. فهي دار لها تاريخ وإحساس بالأنوثة، وأنا لا أنكر أني متحيزة لكل بيوت الأزياء التي أسستها نساء، لأنها تتمتع بحس خاص».

تفاصيل من اللقاء:
كيف تحددين أسلوبك وتصفينه؟

- أرفض رفضا قاطعا أي شيء له علاقة بالبريق، فأنا أجده مملا، واستسهالا للموضة. في المقابل أفضل الهدوء على أن يكون برؤية واضحة، فالتصميم بالنسبة لي ليس تقليدا لاتجاهات الموضة أو صرعات، بقدر ما هو تعبير عن رؤيتي الخاصة وأسلوب خاص.

منذ البداية تبنيت التناقضات، على أن تكون متوازنة ومتناغمة بعضها مع بعض. مثلا أحرص على أن أوازن أسلوبا رجاليا مع أسلوب أنثوي، لأني مقتنعة بأن الرجالي يدعم الأنثوي ويزيده سحرا. أحب أيضا أن أمزج قطعا مبتكرة بشكل حداثي مع أخرى تقليدية أو كلاسيكية.

هناك عنصر آخر لا يقل أهمية بالنسبة لي وهو الغموض وعدم كشف كل أوراقك مرة واحدة، فالجاذبية فن يجب أن يداعب خيالك وعقلك، وهذا يعنى أن الأسلوب الخاص يجب أن يتم اكتشافه بالتدريج لخلق نوع من المفاجآت السعيدة.

صحيح أن عمرك المهني ليس طويلا، لكن هل حصل تغيير في أسلوبك خلال السنوات العشر، من البداية إلى الآن؟
- عندما بدأت منذ عشر سنوات كنت أفتقد الثقة بالنفس، ولهذا لعبت كثيرا بخزانة الرجل. فمعطف رجالي أو قماش خشن كان يمنحني نوعا من الحماية، وهذا هو السبب الأساسي الذي جعلني ألعب بمفهوم الذكورة والأنوثة.

ومع الوقت أكتسب الثقة، ومن هنا سجلت دخول الألوان الهادئة والأقمشة الناعمة، مثل الحرير والدانتيل والتول، إلى تشكيلاتي. يمكنني القول إن أسلوبي الآن أكثر أنوثة ونعومة، أضيفي إلى ذلك أن حياتي تغيرت، فقد رزقت بطفلتين في عامي 2006 و2007، الأمر الذي غير الكثير من المفاهيم في حياتي.

العالم الذي تعملين فيه تحركه المظاهر، هل تغيرت شخصيتك خلال سنوات عملك في هذا المجال؟
- أقول لك الصراحة: لا، على الإطلاق. فأنا نفس الشخص، وما زلت أحمل بداخلي آمالا وشكوكا. نعم، لقد نضجت لكني لم أتغير، لأن تعليمي وتجاربي وتربيتي تركزت دائما على الإيجابي والمبادئ القوية مثل الترابط العائلي واحترام العمل، والموضة لا يمكن أن تغير أيا من هذه المبادئ المترسخة بداخلي.

كون زوجي يعمل في مجال مختلف تماما عني ولا يهتم بالموضة على الإطلاق يساعدني أيضا على عدم الانجراف وراء المظاهر وأن أركز على الأمور المهمة في الحياة.

كيف تبدئين تصميم قطعة ما؟ هل تولد في خيالك تم تتجسد على الورق مثلا؟
- في الغالب لا تكون لدي فكرة مسبقة قبل أن أبدأ العمل الفعلي، حينها فقط تبدأ الأمور تتضح، خصوصا إذا كنت أعمل على جسم عارضة، لأني أفهم تضاريسه وهندسته وأسراره أكثر.

كيف تصفين تشكيلتك الأخيرة لربيع وصيف 2011؟
- ركزت فيها على الأنوثة لكن بشكل خفيف وراق. المجموعة بعنوان «الحب من كل الجوانب» (لاف أول وايز)، لأن ألوانها تشبه التورد الذي يصطبغ به الوجه عندما نعيش حالة حب. يمكنك القول إنها زواج يجمع نعومة التول والحرير والجلد بألوان خفيفة مثل البيج ودرجات الوردي الهادئ والزعفران أو الأزرق.

ذكرت أنك معجبة ببيوت الأزياء التي أسستها نساء، هل لأنهن يفهمن المرأة أكثر وينطلقن مما يرغبن فيه؟
- بالعكس، فإن الرغبة في التعبير عن نفسي، مثلا، كانت دائما متركزة على تعلم الجانب التقني، وعلى الجانب الفني من التفصيل والبحث الدائم عن أجود أنواع الأقمشة.

أعشق أن أجرب طرقا جديدا في التفصيل، وخطوطا غير مسبوقة، أتابع فيه كيف تنسدل الأقمشة على الجسم أو تلفه. فهذا يشكل بالنسبة لي تحديا لذيذا أتعلم منه.

هل من الصعب على المرأة أن تنافس الرجل في مجال احتكره لعقود طويلة؟
- إذا أردت الصراحة، فرغم أن الرجال يسيطرون على الساحة حاليا، فإن المرأة في الماضي كانت الأقوى، وما علينا إلا أن نتذكر نينا ريتشي، ومدام كارفن، وكوكو شانيل، وفيونيه، وإلزا شياباريلي، وغيرهن. في الوقت الحاضر هناك جيل جديد من النساء القويات، أذكر منهن فيفيان ويستوود، وراي كاواكوبو، وفيبي فيلو، وستيلا ماكارتني، وسارة بيرتون، وأخريات.

من هو مصممك المفضل؟
- يثيرني عز الدين علايا بتقنياته، وكوكو شانيل بعصريتها، وألبير إلبيز بسحره.

أسلوبك يعتمد كثيرا على لف الأقمشة، ما هو القماش الذي تشعرين أنك تبدعين فيه أكثر؟
- أستعمل كل الأنواع من دانتيل، أورغنزا، قطن، تول، كشمير جيرسيه، صوف. لكني أفضل الحرير وأستعمله في كل تشكيلاتي؛ فهو أنثوي وأنيق في الوقت ذاته، رغم أن قَصه صعب، كونه يتميز بشخصية خاصة وصعبة المراس، إن صح القول، كونه يتحرك وحده. ومع ذلك فإنه بعد ترويضه يمنح الكثير من المتعة.

ما هي الأناقة بالنسبة لك؟
- الذوق يختلف من شخص إلى آخر، لكن الأناقة هي أن يبقى المرء صادقا مع نفسه ولأسلوبه، وأن لا يتكلف. فالأناقة تعكس شخصية صاحبها وعقله وثقافته ومدى ثقته بنفسه، لهذا يجب أن لا نخاف من التعبير عن كل هذه الأمور من خلال أزيائنا، وأنا ألاحظ أن الأشخاص الذين يتمتعون بالثقة أكثر إثارة من غيرهم.

أنت طبعا موجودة في أسواق الشرق الأوسط، كيف تجدين المرأة العربية؟
- أعرف أنها تعشق الموضة وتعتني بنفسها بشكل رائع. وقد لاحظت أن ذوقها تغير كثيرا، فهي لم تعد تقبل على الصرعات أو على فستان، مثلا، فقط لأنه وردي ومطرز بالأحجار، بل أصبحت تطلب أزياء بها لمسة رقي وفنية، لأنها أصبحت أكثر إلماما بالموضة. هذا التغير يعني لي الكثير لأني أشعر، من خلال زبوناتي هناك، بأن العلاقة بيننا وطيدة، وبأني أفهمها وتفهمني.

عمرك في مجال الموضة قصير ومع ذلك أسست ما يشبه إمبراطورية صغيرة تضم أربعة خطوط مختلفة، ما الذي يجعل ماركة معينة ناجحة تجاريا في رأيك؟
- العمل والمثابرة، لكن بطريقة تحترم الآخر. فأنا دائما أضع نصب عيني المثل الصيني القائل «الناس الطيبون محظوظون».

هل يمكنك أن تصفي لي يوما مثاليا في حياة آن فاليري هاش؟
- أن أستيقظ من نوم عميق في الصباح من دون منبه، وأتناول فطوري مع عائلتي دون عجلة. بعدها آخذ أنا وزوجي بناتي للعب في الحديقة وتناول وجبة غداء في الهواء الطلق. بعدها نتوجه إلى متحف أو معرض مع العائلة وبعض الأصدقاء. وفي المســـــاء أتنــــــاول أنا وزوجي وجبة العشاء في مطعم أحبه.

ما هو الإنجاز الذي تفتخرين به إلى الآن؟
- هذا العام سأحتفل بمرور 10 سنوات على انطلاق ماركتي، وأكبر إنجاز أني ما زلت هنا، قوية رغم السنوات العجاف التي مرت بها الموضة ورغم أنف الأزمة الاقتصادية.

ما هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجعلك تهجرين عالم الموضة؟
- إيقاعها السريع حين يجعلني لا أتمالك أنفاسي أو يؤثر على إبداعي.