المصمم عثمان يوسف زاده :لـ الموضة عالم لا يرحم لأنك موجود فقط بحسب آخر تشكيلة تقدمها

عثمان يوسف مصمم أفغاني تجاوز عقدة بيئته الذكورية وأتحف المرأة بتحف هندسية
عثمان يوسف مصمم أفغاني تجاوز عقدة بيئته الذكورية وأتحف المرأة بتحف هندسية

أطلق المصمم عثمان يوسف زاده خطه في عام 2005 فقط، لكن البداية كانت قبل ذلك بكثير، عندما كان يساعد أمه وهو طفل في اختيار الأقمشة والألوان، في مدينة برمنغهام، مسقط رأسه.


كبر الطفل وكبرت معه موهبته وحبه لهذا المجال، ورغم محاولاته مقاومة هذا الحب، خوفا من نظرة المجتمع الذكوري الذي شب فيه، إلا أنه كلما كبر، كبرت معه رغبته وحاجته إلى التنفيس عن هذه الموهبة بشكل أو بآخر، وكلما هرب وجد أن كل الطرق الأخرى مسدودة وأن الطريق الوحيد أمامه هو تصميم الأزياء.

درس الأنثروبولوجيا في معهد الدراسات الأفريقية الشرقية (سواس)، وانتقل إلى جامعة كمبريدج لدراسة التنمية، لكنه أيضا لم يكمل وعاد أدراجه إلى لندن وهو مقتنع بأنه لا مهرب من قدره ومن حبه الأول؛ تصميم الأزياء.

بعد أن عمل في عدة بيوت أزياء، التحق بمعهد «سانترال سانت مارتينز» حيث درس التصميم والموضة، وبهر أساتذته متخرجا فيه بشرف.

بعد عامين فقط من إطلاق خطه، عثمان يوسف زاده، تم ترشيحه لجائزة «تصميمات العام» التي سبق أن رشح لها أمثال جون جاليانو والمعمارية زها حديد وغيرهما.

وعلى نفس المستوى تلقى دعوة من ديدييه لودو، الباريسي الشهير للعرض، إلى جانب كل من «ديور»، تيري موجلر، في محله الواقع بـ«باليه روايال»، عندما سئل هذا الأخير على سبب اختيار يوسف زاده بالذات مع أنه في بداية مشواره، قال إنه رأى في قصاته لمحات من أسلوب بالنسياجا، في دقتها وطريقة تفصيلها.

هذه الدقة والأسلوب أكسباه الكثير من النجمات المعجبات وسيدات المجتمع والسياسة وعلى رأسهن سامنثا كامرون، زوجة رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، التي ظهرت بفستان أسود طويل خلال توزيع جائزة الأناقة في لندن الشهر الماضي.

فستان نافست به فكتوريا بيكام وتفوقت عليها به بأشواط كثيرة، جعلت الكل يشهد أن فكتوريا يمكن أن تتعلم الكثير من أسلوب سامنثا الأنيق. لم يكن مفتوحا يكشف عن مفاتن الجسد، ومع ذلك كان مصمما بشكل جعل سامنثا التي رزقت بمولودها الرابع منذ بضعة أشهر فقط تبدو راقية ولافتة في الوقت ذاته.

عثمان سعيد بهذه الباقة من المعجبات، ويرجع إقبالهن إلى أسلوبه المتأثر بفن العمارة والهندسة، ويقول إنه إذا كان قد اكتسب خبرته في تنسيق الألوان والتمييز بين الأقمشة من والدته، فإنه ورث الدقة في التنفيذ وفهم الزوايا والتفاصيل من والده النجار.

ولأنه ابن لأبوين أفغانيين حملا معهما الكثير من إرثهما الثقافي، الذي كان لا بد أن يلمس حياة أطفالهما مهما انصهروا في الثقافة البريطانية. فضلا عن لمسات إثنية قد تكون غير واضحة للعيان لكنها تسكنه بحكم الإرث الذي شب عليه.

في معمله الصغير الواقع بالقرب من منطقة ماربل آرش، وسط لندن، كان اللقاء معه. كان لطيفا وبسيطا. أصر على عدم إلغاء الموعد رغم أنه كان يعاني من نزلة برد قوية، مبررا أنه عليه الوجود في المعمل في كل الأحوال لاستقبال طلبية أقمشة ضرورية، والتأكد من أنها تتطابق مع رؤيته وما يحتاجه لتشكيلته القادمة.

بعد لحظات من التمعن في قطعة قماش، التفت فجأة مشيرا بفخر إلى فستان سهرة طويل معلق في الجانب قائلا: «هذا الفستان خاص بالملكة رانيا العبد الله»، كان فستانا أنيقا بكل المقاييس ويعبر عن أناقة الملكة الأردنية الشابة، فهو منحوت على الجسم من دون شد، وكل ما فيه بسيط باستثناء ترصيعات أنيقة وخفيفة جدا على حواشي الأكمام والصدر.

لما رأى اهتمامي بالموضوع، استطرد قائلا: «الملكة نور أيضا من زبوناتي، أنا أحب المرأة العصرية والقوية. هذه هي المرأة التي أتوجه إليها دائما».

المثير أن هذا الشاب الذي قاوم دخول هذا المجال خوفا من نظرة أقرانه إليه ومن استخفافهم به، إلى حد أنه كان يصمم فساتين وهو طفل ويدعي أن أخته هي التي صممتها، أصبح مطمح نجمات أنيقات من مثيلات العارضة كايت موس، والمغنية داني مينوغ، وماري كايت أولسن، والممثلة ميشا بارتون وغيرهن، بل حتى المرأة الناضجة، بدليل ظهور كل من سارة براون، زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون، وسامنثا براون في تصميماته.

ولا ينكر عثمان أنه سعيد بهذا الإقبال على تصميماته، لكنه يعتبر أهم زبوناته سيدات أعمال متخصصات في مجال المعمار والهندسة بالذات. فهذه الشريحة، كما يقول، هي التي تشكل الدعم التجاري له.

ما بين تناوله الأدوية وسعلات بين الفينة والأخرى كان هذا اللقاء وهذه الحصيلة مع مصمم شاب قاوم في البداية قدره دخول هذا المجال لأسباب اجتماعية وثقافية، لكنه بعد صراع طويل، كسب احترام مجتمعه الذكوري وإعجابه، لأنه برهن له في وقت قصير، أن الأدوات تختلف لكنه مهندس محترف يمكن أن يمنح المرأة ارتفاعا وفخامة بطية على الكتف أو خلق استدارة عند الصدر والياقة.. وهكذا..

كيف كانت البداية؟
- كانت في مسقط رأسي برمنغهام، ومع والدتي التي بدأت كخياطة للصديقات والجارات المقربات قبل أن تنتشر سمعتها وتصبح لها زبونات يقصدنها عندما يحتجن إلى فساتين للمناسبات والأعراس. كنت أجلس مبهورا وهي تفصل وتقص، وأستمتع بمساعدتها في تنسيق الأقمشة والألوان مع بعض.

منها اكتسبت معرفتي بالأقمشة، فقد كانت تستطيع أن تميز كل أنواعها وتتعرف على جودتها بلمسها وفركها بين يديها. في سن التاسعة تعلمت كل شيء منها في ما يخص الأقمشة، الأمر الذي ساعدني كثيرا عندما احترفت التصميم.

لكن هناك فرقا كبيرا بين أن تكون خياطا وأن تكون مصمما؟
- عني أنا شخصيا، أعتبر نفسي حرفيا أكثر مني مصمما، لأن المسألة بالنسبة لي بمثابة بناء قطعة، بدءا من كيف تقص وتنحت حتى تحدد الأكتاف بشكل جيد أو تنسدل من الخصر إلى أسفل وهكذا.

وعلى مستوى آخر، فأن تكون مصمم أزياء في الوقت الحالي له علاقة كبيرة بالصورة التي تعكسها أو تريد أن تعكسها للآخر، إلى جانب تفاصيل كثيرة لا بد من الانتباه إليها تتعلق بالجانب التجاري والتسويقي.

أنت بريطاني، بحكم مولدك ودراستك في بريطانيا، لكن جذورك أفغانية، هل هناك أي صراع يتجاذبك بينهما؟
- الحقيقة هي أنني بريطاني بجذور أفغانية، وربما هذا ما يشعرني أحيانا بعدم الانتماء إلى أي منهما. فأنا هنا كمن ينظر إلى الأشياء من وراء نافذة زجاجية يرى عالما آخر هو جزء منه، لكنه في الوقت ذاته متجرد منه.

أنا سعيد بكوني بريطانيا كذلك بإرثي الإثني، لكني لم أزر أفغانستان في حياتي. فالحروب كانت دائما جزءا من تاريخها، وأنا مسالم لا أحب الحروب عموما. على مستوى عملي فإن جذوري الإثنية تثيرني وتلهمني.

فأنا آخذ الكثير منها، لكن أحرص على صياغتها في أشكال حديثة وبسيطة جدا تخاطب امرأة قوية وواثقة. خذ الجلباب مثلا، فهو بسيط في قصته وانسداله على الجسم، لكنني أجعله أكثر هندسية وأستعمل فيه أقمشة جديدة ليتغير تماما.

وأن تكون مصمما يعني أن تبني حلما، وأن تبيع حكاية لا مجرد قطعة أزياء، لهذا فإن التصميم بالنسبة لي هو حرفية أكثر منه ابتكارا، ومحاولة تقديم الجديد كل مرة.

نعم أحرص على التجديد بأن أعود دائما إلى ما قدمته سابقا والعمل على تطويره بشكل أفضل، كذلك تغيير الأشكال الإثنية بطريقة عصرية للغاية. وفي النهاية، لا أرى أزياء إثنية بل هندسية حديثة.

متى شعرت أنك تريد أن تصبح مصمم أزياء، أو بالأحرى أن تحترف المهنة؟
- لم تكن نقطة معينة، بل كانت أحداثا متسلسلة. يجب أن تعرف أولا أنني أنتمي إلى أسرة محافظة جدا، وبيئة مغلقة، إن صح التعبير، لهذا عندما غادرت مسقط رأسي برمنغهام إلى لندن وأنا في الـ18 من العمر، لدراسة الأنثروبولوجيا، لم تكن الدراسة ضمن أولوياتي، فقد بهرت بأجواء لندن والسهر، لكن بعد فترة شعرت أن أسلوب الحياة هذا ليس من طبعي، خصوصا بعد أن عاينت أصدقاء لي لقوا حتفهم نتيجة تعاطيهم المخدرات.

كان علي أن أهرب من هذه الأجواء، فكانت الوجهة هي جامعة كمبريدج، لدراسة التنمية، لكنني أيضا لم أكمل دراستي لأن الصراع بداخلي كان لا يزال قويا بين رغبتي في أن أصبح مصمما، ومجتمعي الذكوري، الذي ينظر إلى التصميم على أنه مهنة خاصة بالنساء لا بالرجال.

بيد أن الشعور بالتمرد بدأ يقوى بداخلي أيضا، ويحثني على وضع نقطة النهاية لهذا الصراع. بالفعل توجهت إلى لندن حيث عملت مع «جوزيف» وغيره من بيوت الأزياء قبل أن أصمم تشكيلة خاصة عرضتها في محلات «براونز»، ثم حصلت على تمويل لتقديم أول عرض خاص بي، لتكون البداية الحقيقية.

رغم أن تاريخك يمتد لبضع سنوات فقط، فإنك حققت الكثير في فترة وجيزة، الأمر الذي لا بد أن يشعرك بالفخر؟
- بالفعل فقد عرضت في متحف «فكتوريا آند ألبرت» هذا العام، وهو الأمر الذي أعتبره إنجازا بالنظر إلى المصممين الذي عرضوا فيه من أمثال جون بول غوتييه، وألكسندر ماكوين، وفيفيان ويستوود، وكنزو وغيرهم، إلى جانب التعاونات التي قمت بها مؤخرا.

لكن أيضا نرى أن الكثير من النجمات والشخصيات تقبل على أزيائك، ما هي أهمية هذا الأمر بالنسبة لك كمصمم شاب بحكم أن الميزانية المخصصة للإعلانات تكون قليلة جدا في العادة، إن لم تكن منعدمة؟
- لا شك أنها مهمة، لأنها تلفت النظر إليك كمصمم، ولا أخفي أن إقبالهن يسعدني، خصوصا أن اللائحة طويلة وتضم أيضا الملكة رانيا العبد الله، وأميرات موناكو، والملكة نور، وغيرهن.

ما يسعدني أيضا أن تصميماتي تروق للمرأة القوية عموما، وهي المرأة التي أقدرها وأميل إليها عبر مختلف الثقافات والعصور، لأن الأزياء بالنسبة لها وسيلة لتسليط الضوء والكشف عن حضورها وطاقاتها.

وربما هذا ما يفسر أن الشريحة الأكبر من زبوناتي يعملن في مجال المعمار والهندسة المعمارية، لأنهن يعرفن أني لا أقدم صرعات، كما لا أتوجه إلى المرأة النحيفة بمقاييس العارضات.

لقد تعلمت منذ صغري أن أتعامل مع نساء حقيقيات، أي بمقاسات طبيعية، بحكم أن زبونات والدتي كن من هذه الفئة، لهذا تعلمت أن الأزياء يجب أن تبرز جمالهن وإخفاء ما يردن إخفاءه والتلاعب عليها باللعب على انحناءات الجسم وتضاريسه وخطوطه. مهمتي أن أجعلهن يبدون رشيقات.

من يتعرف إليك يكتشف شابا بسيطا ومتواضعا، كيف ترى عالم الموضة؟
- أراه عالما ساحرا، لكنه أيضا قاس جدا ولا يرحم، لأنك موجود ومعترف بك بحسب آخر تشكيلة تقدمها فقط.

هل تجد الموضة المتغيرة بشكل سريع متعبة في تطلبها الجديد كل مرة؟
- هنا يتحدد أسلوبك وطريقتك في العمل، فأنا لا أحاول أن أبتكر كل مرة، بل أنظر إلى أفضل ما قدمته في السابق، وأعمل على تطويره بشكل أجمل والبناء عليه. ففي كل تشكيلة جديدة، تبدو بصمتي واضحة لا تتغير، رغم أني أضيف عناصر جديدة في كل مرة.

فالمهم أن تبقى الخطوط بسيطة مع التركيز على جزئية معينة تكون هي المركز.