الساعات النحيفة .. وزنها الخفيف لا يؤثر على تقنياتها وتعقيداتها ولاعلى فخامتها

النحافة لم تطل الأجسام والأزياء فحسب، بل انتقلت عدواها إلى مجال الساعات الفاخرة التي فقدت الكثير من وزنها، أو بالأحرى قطرها، وأصبحت نحيفة، لا سيما مع توجه العلامات التجارية للساعات الفاخرة للاحتفاء بتراثها بالتفاتها إلى تراثها المولود بين حقبتي الخمسينات والستينات على وجه الخصوص.


فقد عرضت دار «بياجيه» في الصالون الدولي العالمي للساعات الفاخرة في 2010، نسخة «كاليبر» أوتوماتيكية من ساعتها النحيفة الشهيرة «بي 12» (2.30 ملليمتر). وكانت الساعة الأوتوماتيكية «1200P» بسمكها الذي يبلغ 2.35 ملليمتر أنحف الساعات في العالم، وتأتي ضمن مجموعة «التيبلانو».

كما عادت دار «فاشرون كونستانتين» إلى أرشيفها لتطرح نسخة من ساعة «هيستوريك ألترا فين» (Historique Ultra - Fine) التي قدمتها عام 1955، وتصنف ضمن أنحف الساعات في العالم، بسمك يبلغ 1.64 ملليمتر.

كما أطلقت دار «بوم آند ميرسييه» ساعة بالغة النحافة تدخل ضمن مجموعتها «كلاسيما إكزكيوتيف»، بسمك يبلغ 4.4 ملليمتر، وتحتوي على حركة الكوارتز.

مجموعة الساعات الجديدة لـ«رالف لورين»، التي تعتبر حديثة الولادة بالمقارنة مع غيرها من دور الساعات المشاركة في المعرض، تقدم ساعة «سليم كلاسيك» النحيفة بسمك يبلغ 2.1 ملليمتر بحركة ميكانيكية صنعتها شقيقتها دار «بياجيه».

أما «بازل وورلد»، معرض الساعات السويسرية الضخم المقام سنويا في مدينة بازل السويسرية، فكان مركز انطلاق للكثير من الساعات النحيفة الجديدة من الماركات العالمية.

ربما تعد الساعة الجديدة «زينث إيليت 685 ألترا ثين»، على سبيل المثال، النموذج الأمثل للطرز الجديدة. ويحتوي أيضا على ساعة «إيليت 681» الأوتوماتيكية البالغة النحافة التي يبلغ قياسها 3.81 ملليمتر، وكذلك ساعة «أتلانتك وورلد ماستر 1888» بسمك يبلغ 4.6 ملليمتر كانت حاضرة لتشيد بمبتكرات الشركة العالمية في صناعة الساعات منذ ذلك التاريخ.

لا تعتبر الرقة الفائقة من الناحية التقليدية تعقيدا في حقل صناعة الساعات، باعتبارها لا تسهم في حد ذاتها في إضافة وظيفة جديدة إلى الساعة، مثل وظيفة تحديد التاريخ أو الكرونوغراف. ومع ذلك يجوز شرعا وصفها على هذا النحو، ويعزى ذلك إلى طبيعتها المعقدة جدا التي غالبا ما تدفع بحدود الميكانيكية المجهرية إلى الحد الأقصى.

وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة في هذا الحقل، فقليلون هم الصناع الذين ينجحون في ذلك. ومع أن أولى الحركات الفائقة الرقة التي ابتكرتها «فاشرون كونستانتين» قد بدأت في القرن التاسع عشر، فإن الصانع لم يصبح أكثر إنتاجا في هذا الاختصاص إلا في القرن العشرين، «العصر الذهبي» للرقة الفائقة. في الواقع، لم تبدأ ساعات اليد في اكتساب شعبيتها حتى أضحى الوزن والسماكة عاملين أساسيين في تأمين الراحة لمستخدم هذه الساعات.

وفور بزوغ القرن التاسع عشر، شمل أرشيف «فاشرون كونستانتين» مراجع تعود إلى ساعات رفيعة التصميم (وهناك رسالة أخرى يعود تاريخها إلى الثامن والعشرين من يناير (كانون الثاني) 1829، كتبها جاك - بارتيليمي فاشرون، إلى فرانسوا كونستانتين، يشير فيها إلى إنتاج «عدد قليل من الساعات الرفيعة»). وتشمل أرقام «فاشرون كونستانتين» القياسية التاريخية لسنة 1911 ثلاثة معايير، بقياس 8، و9، و10 خطوط، تبلغ سماكة كل واحد منها 2.82 ملليمتر.

وفي السياق نفسه، شهدت بقية ذلك القرن عددا من المعايير الفائقة الرقة مثيرة للانطباع، تمثل انجازات مهمة أكثر رقة، بحيث بلغت سماكتها 2.25 ملليمتر سنة 1917، و1.88 ملليمتر سنة 1924.

وفي سنة 1931، سجلت «فاشرون كونستانتين» رقما قياسيا عالميا جديدا في ساعات الجيب مع الحركة الآلية بقياس 17 خطا وقطر يوازي 12/5، وثخانة تقل عن الملليمتر الواحد - 0.9 ملليمتر على وجه التحديد. واستمرت الحركات الفائقة الرقة في إلهام الدار السويسرية، مما أدى بها في نهاية المطاف إلى طرح مجموعة «Structura» سنة 1981، التي أعدت مسرحا غنيا بالابتكار والإبداع لإحدى هذه الحركات، من خلال عكسها وضبط العقارب على جهة الجسر، الأمر الذي يتيح للخبراء في هذا المضمار تأمل التعقيد الكامل لهيكلية هذه الحركة.

وفي سنة 1992، أثبتت الشركة أن خبرتها في حقل الرقة الفائقة تمتد أيضا إلى الحركات ذات التعقيد الكبير، من خلال تقديم حركة الساعة اليدوية المزودة بمعيد الدقائق الأرفع حتى تاريخه، حيث بلغ قياسه 3.28 ملليمتر، مما أكسب الدار رقما قياسيا جديدا.

وسط هذا الإرث المثير للانطباع، هناك حركة واحدة يدوية التعبئة تستمر في لفت انتباه الاختصاصيين وهواة المجموعات، بدأ العمل على تطويرها سنة 1952 في «ليل» (المبنى الواقع على «جزيرة» نهر الرون الذي احتضن ملكية دار «فاشرون كونستانتين» التاريخية منذ سنة 1875)، وجرى تقديمها سنة 1955 احتفالا بمرور مائتي عام على تأسيس الشركة تحت اسم «معيار 1003».

وقد جعلت منها الخطوط التسع أو قطرها البالغ 21.05 ملليمتر وسماكتها البالغة 1.64 ملليمتر الحركة الآلية اليدوية التعبئة الأصغر في العالم. وعلى سبيل المقارنة، تتألف هذه الميكانيكية المجهرية الممتازة من 120 جزءا، بما يوازي تقريبا حجم وحدة النقد السويسرية من فئة 20 سنتيم.

إلى ذلك، استخدم هذا المعيار لتجهيز ثلاث ساعات دائرية سجلت رقما قياسيا جديدا، حيث بلغت ثخانة الساعات الأرفع في العالم 4.54 ملليمتر فقط.

وعليه، اختارت «فاشرون كونستانتين» سنة 2010 لتكريم هذا المعيار الأسطوري، عبر دمجه في ترجمة جديدة لإحدى هذه الساعات الثلاث «Historique Ultra – fine 1955» التي تعتبر حاليا الساعة اليدوية التعبئة الأرفع في العالم، حيث تبلغ ثخانتها 4.10 ملليمتر.

من جهتها، واحتفالا بالعيد السنوي الخمسين لمعيارها الأسطوري «12P» الذي طرح سنة 1960، مشكلا الحركة الآلية الذاتية التعبئة الأرفع في العالم، تقدم «بياجيه» هذا العام معيار «1200P» من خلال ساعة أيقونية هي ساعة «التيبلانو» (Altiplano). وتأتي في علبة يبلغ قطرها 43 ملليمتر، لا تتعدى سماكتها الـ5.25 ملليمتر، الأمر الذي يدخلها عداد الساعات الرفيعة جدا.

هذا وزيادة في التعبير عن تقدير الدار للمعيار «12P»، تقرر إصدار نسختين احتفاليتين منه: نسخة من الذهب الوردي زنة 18 قيراطا، والأخرى من الذهب الأبيض زنة 18 قيراطا، بحيث تأتي كل نسخة منهما ضمن سلسلة من 235 ساعة - وهو رقم رمزي يحاكي الرقم القياسي لرفع الحركة: 2.35 ملليمتر.

وكانت «بياجيه» قد أثارت ضجة هائلة في عالم صناعة الساعات في عام 1957، عندما طورت معيار «9P»، الحركة الآلية اليدوية التعبئة التي بلغت سماكتها 2 ملليمتر. وبعد انقضاء عامين على هذا الحدث، تقدم فالنتين بياجيه بطلب للحصول على براءة اختراع للمعيار «12P» الذي جرى تسويقه سنة 1960، وسجل رقما قياسيا جديدا هذه المرة في فئة الساعات ذاتية التعبئة.

وقد أتاحت الخبرة التي اكتسبتها دار «بياجيه» في تطوير الحركات الفائقة الرقة تطبيق الحلول التقنية بشكل متواصل لتوسيع حدود الميكانيكية المجهرية. على سبيل المثال، وحيث إنه عادة ما تبلغ سماكة تروس القافلة للحركة الكلاسيكية نحو 0.2 ملليمتر، فإن سماكة تروس القافلة الخاصة بحركة «1200P» لا تتعدى 0.12 ملليمتر، أي أن عرضها يفوق عرض الشعرة (البالغ 0.08 ملم) بصعوبة.

وبصورة عامة، تم تقليص سماكة أجزاء الحركة المتنوعة للكشف عن الأساسيات، في حين تستمر رغم ذلك في ضمان وثوقية لا يشوبها عيب. ومن بينها، نذكر آلية التدوير الأوتوماتيكية التي مثلت إحدى أكثر المشكلات التي تطلبت براعة في حلها.

وعلى مثال حركة «12P»، يقوم الحل على دمجها ضمن حركة «1200P»، عبر استخدام مبدأ الوزن التذبذبي البعيد عن المركز والمعروف أيضا بالدوار الصغير.

صنع هذا الوزن التذبذبي من البلاتين لتحديد الوزن ونسبة العطالة (أو قوة الاستمرار) لضمان قوة تدوير ممتازة. فتكون النتيجة حركة رفيعة (2.35 ملليمتر) مجهزة بميزان يتمتع بعطالة منخفضة (2.90 ملليغرام في السنتيمتر المكعب)، وتردد يبلغ 21.600 ذبذبة في الساعة، بالإضافة إلى نحو 40 ساعة من احتياطي الطاقة.

كما تم تصميم العلبة ضد التيار في عملية التطوير بهدف توفير المقبس المثالي للحركة، بينما صمم الزجاج بشكل مسطح بدلا من محدب لإبراز رقة العلبة، مع نتوءات مخروطية الطرف وميناء مضفر باليد مجهز بقعر شفاف يسمح بتأمل الحركة، بينما حفر على مقبض التدوير أو التاج حرف «P» رمزا لـ«بياجيه».

لم تتخلف دار «رالف لوران» عن الركب، رغم أنها حديثة العهد في عالم سويسرا للساعات. ففي عام 2009 أطلقت ساعتها «رالف لوران سليم كلاسيك» (Ralph Lauren Slim Classique)، وفي عام 2010 طورتها ورصعتها بـ60 ماسة، بسمكها الذي لا يتعدى الـ38 ملم، وأخرى 42 ملم.

تتميز هذه الأخيرة بحركة ميكانيكية ذات تعبئة يدوية واحتياط دوران يقدر بـ40 ساعة، بينما تتميز العلبة بقطر 42 ملم، وسماكة 5.35 ملم، تغطيها زجاجة من السفير محدبة ومطلية بمادة من دون لون مضادة للانعكاسات من الجهتين، فضلا عن أنها مقاومة للماء على عمق 30 مترا. وتأتي إما بالذهب الأبيض أو الوردي أو بالبلاتينيوم أو الفولاذ المقاوم للصدأ.

شركة «ريتشارد ميل» (Richard Mille) أعلنت مؤخرا أنها ستقدم أنحف ساعاتها في صالون جنيف للساعات الفاخرة القادم، وهي ساعة «توربيون RM 017»، بتعبئة يدوية وعلبة مربعة لا يتعدى سمكها 8.7 ملم.

وهي ساعة تجسد فلسفة الشركة في البحث دائما عن الجديد وتطوير تقنياتها مع مراعاة الراحة والأناقة في الوقت ذاته، لأنها تعرف أنها كي تحفر لها مكانة خاصة ومميزة وسط باقي الشركات السويسرية عليها أن تبقى متوثبة ومبتكرة. الساعة الجديدة ستكون بعدد محدود لا يتعدى الـ50 قطعة، وسيكشف عنها النقاب في يناير 2011.