دراسة أمريكية: أكثر من نصف الأميركيين يمارسون نشاطهم الجنسي حتى السبعينات من أعمارهم

الجنس أمر لا يختص به الشباب فقط؛ إذ تظهر الأبحاث أن الأميركيين الأكبر سنا يمارسونه بنشاط. وفي حين يشغل النشاط الجنسي حيزا كبيرا من مراحل المراهقة والشباب، فإن هذا النشاط يظل متسما باندفاعة قوية أكثر مما يتصوره الشبان والشابات؛ فهو يواصل إضفاء سماته على حياة الأشخاص من الأعمار الكبيرة.


وقد افترضت نتائج استطلاع أجرته جامعة شيكاغو ونشر عام 2007 أن أكثر من نصف الأميركيين يواصلون ممارسة نشاطهم الجنسي حتى السبعينات من أعمارهم.

وتطرح الآن مجموعة جديدة من النتائج التي قدمها باحثون من جامعة إنديانا، افتراضات بأن ما بين 20 و30 في المائة من الأميركيين الكبار في السن، يظلون نشطين جنسيا حتى الثمانينات.

وقد عكست نتائج كلا هذين الاستطلاعين، الطابع الذي أجريا فيه لشرائح معينة من الناس - رصدت لقطات من السلوك لديهم خلال فترة محددة – ولذا، فإن من الصعب الاعتماد عليها لوضع ملامح الاتجاهات الحاصلة في هذا المجال.

ومع هذا، فإن هناك من الأسباب ما يدعو إلى الاعتقاد بأن النشاط الجنسي لا يزال يحتل موقعا كبيرا لدى الأميركيين الكبار في السن، إذ يتناول الملايين من الرجال حاليا عقاقير علاج ضعف الانتصاب مثل عقار «سلدينافيل» (فياجرا)، «تادالافيل» (سياليس).

كما تزداد أعداد الأميركيين الذين يتمتعون بصحة جيدة في سنوات الستينات والسبعينات من أعمارهم، ولذا فليس من المدهش أن تجد دراسة جامعة شيكاغو رابطة قريبة بين التمتع بالصحة الجيدة وبين استمرار النشاط الجنسي لكبار السن. كما أن علينا أن لا ننسى أن فئة الناس الذين وصلوا إلى مرحلة كبر السن، هم جيل الأشخاص الذين تمتعوا بشبابهم في ستينات وسبعينات القرن الماضي.

إلا أن النشاط الجنسي يأخذ في التضاؤل مع العمر؛ إذ تؤثر عليه العوامل البيولوجية وكذلك الأوضاع الاجتماعية، خاصة عند النساء اللاتي غالبا ما يفقدن أزواجهن قبل وفاتهن.

وقد وجد باحثو جامعة إنديانا أن مستوى النشاط الجنسي مع شريك الحياة في أعمار العشرينات والثلاثينات والأربعينات يتضاءل بشكل ملموس لدى الرجل والمرأة عند الوصول إلى أعمار الخمسينات والستينات ثم يتضاءل أكثر من ذلك عند الوصول إلى أعمار السبعينات.

لم يمر زمن طويل منذ أن كانت الدراسات حول السلوك الجنسي تستبعد كبار السن لأنهم كانوا يعتبرون من الفئات غير المهمة في هذا المجال. وكان عمر 59 سنة هو أكبر الأعمار التي شاركت في دراسة شهيرة حول النشاط الجنسي في أميركا بداية التسعينات من القرن الماضي.

وقد ذهب استطلاع شيكاغو (المسمى رسميا باسم «المشروع الوطني حول الحياة الاجتماعية، الصحة والشيخوخة» National Social Life, Health, and Aging Project)، إلى أبعد من ذلك، لتقويم هذا الخلل. فقد ركز الاستطلاع خاصة على البالغين من كبار السن، ومنهم 3 آلاف أميركي بين أعمار 57 و85 سنة.

وقد حظيت النتائج التي نشرت في مجلة «نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن» عام 2007 باهتمام مناسب، كما أنها وضعت بعض الأسس للدراسات اللاحقة حول النشاط الجنسي لكبار السن.

أما استطلاع جامعة إنديانا فقد أشرف عليه مركز تشجيع الصحة الجنسية في الجامعة الذي أسسه الدكتور ألفريد كينزي Alfred Kinsey في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، الذي توفي عام 1956 واشتهر بأنه واحد من رواد البحث في النشاط الجنسي البشري، رغم أن الكشف عن أبحاثه وطرقه، وحياته الخاصة، قد شوهت سمعته كثيرا.

وفي حين اعتمد كينزي وزملاؤه في إجراء بحثهم على مقابلات معمقة مع الأفراد، فإن الباحثين في جامعة إنديانا وظفوا التقنيات الإلكترونية والإنترنت في الاستطلاع، الذي شارك فيه 5865 من الأميركيين بين أعمار 14 و96 سنة؛ وإن كان عمر المشارك يقل عن 14 سنة، فإن الباحثين توجهوا بطلب للحصول على موافقة والديه. وتم تزويد المشاركين بالتقنيات والبرامج الإلكترونية اللازمة لإتمام الاستطلاع.

وتوظف في مثل هذه الأنماط من الاستطلاعات آليات متطورة لسبر عينات المشاركين بحيث يتأكد الباحثون من أن يكونوا ممثلين لمختلف شرائح المجتمع: في العمر، والدخل المالي، والتوزع الجغرافي والخصائص الأخرى.

إلا أن الباحثين في مجال الجنس لا يمكنهم التغلب على مشكلة الانتقاء الذاتي: وهم نمط من الناس الذين يوافقون على ملء استمارة الاستطلاع كاملة، إلا أنهم لا يعكسون المجتمع كلية، خاصة في ما يخص سلوكهم الجنسي.

كما أنه لا توجد هناك وسيلة للتأكد من أن المشاركين يدلون بوقائع حقيقية حول سلوكهم، على الرغم من أن باحثي جامعة إنديانا يشيرون إلى أن السرية التي تحيط بأسماء المشاركين تشجعهم على قول الحقيقة حول الأمور الممنوعة. أما استطلاع جامعة شيكاغو، فقد اعتمد على مقابلات أجريت داخل المنازل.

وقد مولت شركة «تشيرتش آند دوايت» التي تنتج الواقي الذكري من ماركة «تروجان» استطلاع جامعة إنديانا، ولذا يظهر استخدام الواقي الذكري عبر كل المقالات الأولى حول الاستطلاع الذي نشر في عدد أكتوبر (تشرين الأول) 2010 من مجلة «سيكسوال ميديسن» (الطب الجنسي).

جوانب النشاط الجنسي
وتسلط إحدى تلك المقالات الضوء على حالات 1973 مشاركا من أعمار 50 فأكثر، شكلوا نحو ثلث الذين استطلعت آراؤهم. وقد تشكلت ملامح صورة إحصائية حول النشاط الجنسي لكبار السن من تلك المقالة ومن استطلاع جامعة شيكاغو. وإليكم بعض الجوانب الرئيسية لهذا النشاط:

- النشاط الجنسي يتضاءل مع تقدم العمر:
أظهر كلا الاستطلاعين تدهور النشاط الجنسي مع العمر، إلا أن التدهور ليس حادا كما هو المتوقع، إضافة إلى وجود قلة ملموسة (خاصة من الرجال) تتحدى هذا التدهور.

وفي دراسة جامعة إنديانا قال 35 في المائة من الرجال من عمر 80 سنة فأكثر إنهم مارسوا الجنس عدة مرات مع شريكاتهم خلال السنة المنصرمة، بينما أعلن 38.5 في المائة من الرجال المشاركين من أعمار 75 إلى 85 سنة أنهم مارسوا الجنس مع شريكاتهم في السنة المنصرمة.

- النساء الأكبر سنا يقل لديهن النشاط الجنسي مقارنة بالرجال الأكبر سنا:
وأشارت كلتا الدراستين إلى أن النساء الكبيرات في السن - وحتى الكهلات منهن في أعمار الستينات - كن أقل نشاطا جنسيا مقارنة بالرجال من نفس الأعمار. وتزداد الفجوة بين الجنسين مع تقدم العمر.

وكان باحثو جامعة شيكاغو قد لاحظوا أن النساء المشاركات في الدراسة كن أقل ارتباطا بزوج أو شريك للحياة ربما لأنهن فقدن أزواجهن مبكرا، لأن الرجال يتوفون قبل النساء.

وقد حصلت الزيجات على أعلى النقاط! ففي دراسة جامعة إنديانا كان أكثر من ثلاثة أرباع (78%) الرجال من عمر 50 سنة فأكثر قد أعلنوا أنهم تمتعوا بتجربة الممارسة الجنسية «متعة هائلة» أو «جيدة»، مقابل 68.2% من النساء اللاتي قلن إنهن تمتعن بشكل عال بالممارسة الجنسية.

- الاستمناء شائع الانتشار: قال أكثرية الرجال (63%) ونصف النساء تقريبا (47%) من أعمار 50 سنة فأكثر أنهم مارسوا الاستمناء (العادة السرية) في السنة المنصرمة وفقا لدراسة جامعة إنديانا. إلا أن هذه النسب تضاءلت مع تقدم العمر رغم إشارة عدد ملموس من المشاركين من عمر 80 سنة وأكثر إلى ممارستهم لها، وقد وجدت دراسة شيكاغو حينها انتشار عادة الاستمناء لدى الزيجات ولدى الوحيدين أو الوحيدات.

- الصحة الجيدة .. مهمة:
وجد باحثو جامعة شيكاغو رابطة قوية بين الصحة الجيدة وبين النشاط الجنسي، خاصة لدى الرجال. فمرض السكري مثلا يبدو أن له تأثيرا سلبيا أكبر مقارنة بالتهاب المفاصل أو ارتفاع ضغط الدم لدى كلا الجنسين، ولكن خاصة عند النساء. ولكن وفي دراسة إنديانا لم يتغير تقييم المرأة لنشاطها الجنسي مع تغير وضعها الصحي، وفقا لما قالته المشاركات.

المشكلات الجنسية
- المشكلات الجنسية شائعة الانتشار. قال نصف المشاركين في دراسة شيكاغو إنهم يعانون من مشكلة جنسية تؤثر عليهم. وشملت المشكلات بين الرجال: صعوبة الانتصاب وصعوبة الحفاظ عليه (37%)، انعدام الاهتمام بالجنس (28%)، القلق من الأداء (27%)، وعدم التمكن من الوصول إلى الذروة الجنسية (20%). أما بين النساء، فإن المشكلة الشائعة كانت انعدام الاهتمام بالجنس (43%)، صعوبة التزليق (39%)، عدم التمكن من الوصول إلى الذروة الجنسية (34%) انعدام المتعة من الجنس (23%)، الألم من ممارسة الجنس (17%). أما في دراسة إنديانا فإن 30% من النساء من عمر 50 سنة فأكثر فقلن إنهن عانين من بعض مستويات الألم أثناء ممارستهن الجنس مع شريكهن.

كما طرح باحثو جامعة شيكاغو على المشاركين سؤالا عما إذا كانت المشكلات الجنسية تزعجهم. وظهر أن الرجال منزعجون منها أكثر من النساء، ولكن النسبة تساوت عندما تعلق الأمر بـ«عدم الاهتمام بالجنس»، فقد قال 65% من الرجال المشاركين الذين يعانون من هذه المشكلة إنهم منزعجون منها، مقابل 61% من النساء المعانيات منها.

- العلاقات العابرة خارج العلاقة الزوجية شائعة الانتشار. 43% من الرجال، و36% من النساء في دراسة إنديانا.

تحسين الوظيفة الجنسية
كثير من الرجال يتناولون شيئا ما لتحسين الوظيفة الجنسية. في دراسة إنديانا تناول 17% من الرجال من عمر 50 سنة فأكثر عقارا لعلاج ضعف الانتصاب أثناء ممارستهم الجنسية الأخيرة. أما في دراسة شيكاغو فقد بلغت النسبة 14% من الرجال و1 في المائة من النساء اللاتي تناولن شيئا ما لتحسين وظيفتهن الجنسية خلال السنة المنصرمة.

وجهان لتقدم العمر
وبهذا، فإن لتقدم العمر وجهان: الأول أنه لا يدمر النشاط الجنسي، والثاني أنه لا يحسنه. فالرجال يعانون من تدهور التستوستيرون الذي يقود إلى التأثير على الانتصاب والرغبة الجنسية. كما أن هناك تغيرات في الأوعية الدموية تحدث بسبب تقدم العمر وفي أنسجة العضلات الملساء تصعب من الوصول إلى حالة الانتصاب.

أما الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم الشائعة لدى كبار السن، فإنها تؤثر على الانتصاب أكثر من أي عوامل أخرى لتقدم العمر. كما تتأثر النساء أيضا بالأمراض المزمنة، إضافة إلى التغيرات الحاصلة بعد تجاوز سن اليأس من المحيض ومنها انخفاض درجة تزليق المهبل المرتبط بتدني مستويات الاستروجين.

إلا أن تقدم العمر والتجارب المكتسبة يمكنها أيضا تحقيق بعض المزايا؛ إذ تفترض الأبحاث مثلا أن النساء يبدون أكثر ارتياحا بممارسة الجنس مع الكبر. ويملك بعض الرجال زمام الأمور أكثر في التحكم بالانتصاب، كما يسهل التغلب على بعض المعوقات النفسية. ويستطيع الرجال استخدام العقاقير المساعدة على الانتصاب، في حين يمكن للنساء استخدام عدد من الدهانات المهبلية.

وأخيرا فإن هناك مشكلة طبية تضاف إلى مشكلات تقدم العمر، وهي أن كبار السن يلجأون إلى ممارسة الجنس من دون استخدام الاحتياطات اللازمة، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى إصابتهم بالأمراض الجنسية.