فرانكا سوزاني رئيسة تحرير مجلة «فوج إيطاليا» تحتفي بالعارضات السمراوات والقمحيات والبدينات

فرانكا سوزاني أثارت موجة من الجدل حول مكونات العنصرية والتفرقة على أساس الحجم
فرانكا سوزاني أثارت موجة من الجدل حول مكونات العنصرية والتفرقة على أساس الحجم

احتلت فرانكا سوزاني، موقع الريادة فيما يتعلق بواحد من أكثر المواضيع المثيرة للمشكلات في صناعتها ألا وهو التنوع. وقد فعلت ذلك في رد فعل لمظهر منصات عروض الأزياء، التي أصبحت متشابهة إلى حد كبير خلال السنوات القليلة الماضية من حيث سيطرة مجموعة كبيرة من عارضات الأزياء النحيفات البيضاوات - واللائي يتحدر معظمهن من دول أوروبا الشرقية - على منصات عروض الأزياء في كل من نيويورك وأوروبا. وكانت نتيجة غلبة اللون الأبيض على منصات عروض الأزياء تعني تشكيل النساء البيضاوات والنحيفات في الغالب اللاتي يظهرن بكثرة في المجلات ودعايا منتجات التجميل، وفي وعينا العام كنماذج أصيلة للجمال النسائي المثالي.
وتحت الراية المرموقة لمجلة «فوج» إيطاليا، تحتفي سوزاني الآن بالنساء السمراوات والقمحيات، والفتيات السمينات والبدينات أيضا.


وتعمل سوزاني بجدها المعروف عنها من مكتبها المتواضع المليء بالكتب والمضاء بشكل زاهٍ، الذي يطل على ساحة «كادورنا» التي يسيطر عليها تمثال على ارتفاع طابقين لإبرة ذات طرف كليل بها عقدة من الخيط الملون بألوان الطيف. وتزعم مجلة سوزاني توزيعها لعدد متواضع من النسخ يتراوح ما بين 120 و170 ألف نسخة، مقارنة بالطبعة الأميركية من مجلة «فوج» التي توزع 1.2 مليون نسخة. ولكن لا تنخدعوا بطبعة القدم الصغيرة لسوزاني.

وتعتبر عروض أزياء المرأة الموسمية شيئا مهما في شتى أنحاء مدينة ميلانو، التي تنطلق عروض الأزياء الخاصة بها من ساحة ديل دومو، حيث تنتشر شاشات فيديو يصل ارتفاعها إلى عدة طوابق وصور عروض أزياء خاطفة لعامة السكان، بينما تخفق سماعات كبيرة يصل ارتفاعها إلى طول أحد الحوائط من الصباح وحتى الليل بإيقاعات حفل راقص، ويمكن الكشف عن منتجات لعروض الأزياء المباشرة في المركز الحضري للترفيه بالنسبة لأي شخص يمر بجوار شاشات العرض. وقد ارتبطت الموضة بشخصية عاصمة الصناعة الإيطالية، حيث تحولت مهنة الأمهات والآباء إلى علامات تجارية دولية وحفلات مسائية صاخبة في أسبوع الموضة - اجتذبت كل شخص من نجوم كرة القدم إلى رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني - التي تعتبر حاسمة لعملية عقد الصفقات مثلما هو الحال بالنسبة لجماعات الضغط في واشنطن. وكل هذا يعني أن سوزاني امرأة مهمة جدا.

وتقود مجلتها للجمهور إلى جانب المصممين، وتوسع من مقاييس الجمال، وغالبا ما تعرض صورا مثيرة للصدمة. فقد حمل غلاف عدد أغسطس (آب) الماضي صورة عارضة الأزياء كريستن ماكمينامي وهي ترتدي زيا يشبه طائرا خرج لتوه من بقعة نفطية. ووصفت سوزاني هذه الصورة بأنها تعليق على ضعف الطبيعة؛ بينما اشتكى آخرون من أنها أضفت نوعا من الروعة على كارثة تسرب النفط التي تسببت بها شركة «بريتش بتروليوم» البريطانية.

وتجدر الإشارة إلى أن «فوج إيطاليا» هي مجلة مطلعة ببواطن الأمور، تقتفي أثرها المجلات الأميركية، ولكن بقدر أقل كثيرا من التعري.

وفي شهر يوليو (تموز) عام 2008، نشرت سوزاني طبعة كلها باللون الأبيض والأسود لمجلتها استحوذت على الاهتمام. وقد اتبعت ذلك مع الإشادة بأفريقيا في المطبوعة الشقيقة «فوج للرجال». وقدمت سوزاني قصيدة غنائية في طبعة خاصة غريبة للعروسة باربي السمراء. وخلال فصل الربيع الحالي، دشنت سوزاني موقع «فوج بلاك»، وهو موقع إلكتروني مخصص لعارضات الأزياء السمراوات ومصممي الأزياء والموضة والأشخاص المؤثرين الآخرين من السود الذين يعملون في هذا المجال الإبداعي. ومن أجل توفير المادة الإعلامية لقناة الإنترنت الجديدة، نشرت مصورين فوتوغرافيين وكتابا سودا من أجل تغطية أحدث التشكيلات في نيويورك وأوروبا.

وبدأت سوزاني أيضا في تشغيل موقع «فوج كيرفي»، وهو موقع يركز على أزياء الأحجام الكبيرة.

وكانت الطبعة المخصصة للسود التي دشنت خطواتها على هذا المسار طريقة للحديث ليس فقط عن التنوع في عالم الأزياء، ولكن أيضا عن التنوع والقبول بوجه عام. تقول سوزاني: «هذه الطبعة مثلت، بالنسبة لي، فكرة مهمة. فعندما تتحدث عن الأزياء والموضة، تتحدث إلى جانبها عن عدة أشياء... وقد أردت أن أقدم رسالة».

وبشكل عام فحتى الشباب المتمسكون بالتقاليد إلى حد كبير، والأشخاص الذين قد لا يشترون أشياء أخرى يشترون مجلة «فوج». ويكتشفون أن المجلة لا تحتوي على خطاب برجوازي «إنها الفن والحياة. وربما يمكن أن تتوسع آراؤهم عن الحياة وتتغير عبر الأزياء والموضة».

نشاط سوزاني جدير بالملاحظة، على الرغم من تواضعه في التاريخ الكبير للتغير الاجتماعي بسبب المناخ الاجتماعي الذي تشتغل فيه هذه الصناعة وبسبب الدور الكبير الذي تشغله الأزياء والموضة في الثقافة عموما. والمسائل المتعلقة بالهوية العامة والخاصة تقع في أصل مجموعة من العداوات الدولية. وتصارع إيطاليا مشاعر الخوف من الهجرة؛ بينما تبدو فرنسا منشغلة بحظر النقاب، وتحلل الولايات المتحدة شخصيتها البدينة «بعد العنصرية». وموضع الخلاف في كل قضية هو كيفية معرفة الأشخاص أنفسهم في المساحة العامة وكيف يرغبون في أن يراهم العالم.

وقد أثارت قضية العرق داخل صناعة الأزياء والموضة خلال الشهور الماضية، احتجاجات عامة ونقاشات تتعلق بإدراك الذات والتحليل الذاتي، كما أثارت موجة من الجدل حول مكونات العنصرية والتفرقة على أساس الحجم، وما يجب أن يصنف بأنه جهل.

وفي خضم هذه العاصفة من النفاق والتوبيخ، تقف سوزاني، المحررة البيضاء صغيرة الحجم البالغة من العمر 60 عاما التي نشأت في مدينة مانتوا الواقعة شمال إيطاليا موقفا متشددا تجاه التعامل بحسب اللون.

تقول بيثان هارديسون، وهي عارضة أزياء سابقة سمراء صديقة لسوزاني تمتلك وكالة لعروض الأزياء: «إنها مبدعة وهي امرأة متفتحة أيضا. وهناك الكثير من الأشخاص المبدعين، ولكنهم لا يفعلون هذا».

وتضيف هارديسون: «إنها صاحبة مبدأ. وربما لا تعتقد سوزاني بصحة هذا الأمر، ولكنها كذلك بالفعل».

وبصفتها رئيسة تحرير مجلة «فوج إيطاليا» - ورئيسة شقيقتها الإيطالية التي تقدم تقارير عن ملابس الرجال والمجوهرات - تشكل سوزاني ثلث ثالوث الأزياء المقدس لقياصرة «فوج».

والثلثان الآخران هما رؤساء تحرير الطبعة الفرنسية من مجلة «فوج» كارين رويتفيلد وآنا وينتور، الشيطانة التي ترتدي منتجات «برادا» الفاخرة. وتتمتع رويتفيلد برائحة دخان السجائر، الذي يستتر خلف ستارة مسحوبة إلى الجانب من الشعر الأسمر وتفضل التنورات الضيقة وأحذية الكعب العالي والسترات الضيقة - وهي خزانة ملابس أفضل ما توصف به أنها مؤلمة.

والأسطورة التي تحيط بـ«وينتور» الغامضة أمام الرأي العام تتمثل في أنها تثير الدهشة عندما تصل إلى عروض الأزياء محاطة بطاقم متغير من الحراس البدناء الذين يرتدون ملابس غريبة. أحد الحراس يفضل ارتداء سترة جلدية سوداء كتلك التي ارتداها أبطال فيلم «ذا ماتريكس»، فيما يملك آخر سنا ذهبية، وفي آخر العروض التي حضرتها كان الحارسان المرافقان لها يرتديان ملابس ذات قصة غريبة شبيهة بملابس الممثل جان رينو.

وتسافر سوزاني من عرض لعرض من دون مصدر قوتها وصلاحيتها الخاصة. وهي امرأة صغيرة الحجم ورفيعة جدا مع موجات من الشعر الذهبي الذي يصل إلى ما تحت أكتافها. وتبدو سماتها الشخصية قوية مع عينيها الزرقاء الشاحبة. وتمتلك سوزاني طريقة غير متعجلة تستدعي لذهن المرء فكرة أن سوزاني تبدو «واثقة من نفسها».

وعندما قيل لها إنها تبدو جذابة في الصور، قالت: «أحيانا ألتقط صورة جميلة أحبها. وأحيانا أخرى، أرى صورة لشخص ما يشبهني» - وهزت سوزاني رأسها فزعا إزاء كيف يمكن أن تسير على نحو خاطئ تماما - أجد نفسي أطرح السؤال التالي: «من هذا؟».

نمط ملابس سوزاني غير متقيد بالتفاصيل، ولكنه يلتزم بالحد الأدنى منها بأي حال من الأحوال. وفي مناسبة خاصة بعد الظهر في منتصف أسبوع الأزياء، كانت سوزاني ترتدي قميصا زيتونيا مصنوعا من الحرير على النمط العسكري وتنورة طويلة تصل طولها إلى الركبة، وكلها من إنتاج شركة «لانفين». وتفضل سوزاني ارتداء مجوهرات بارزة وأحذية الكعب المنخفض - والمنتجات المصنوعة من جلود الزواحف في الوقت الحالي من إنتاج شركة «مانولو بلاهنيك» - مثل حقائب اليد ذات المقابض الصغيرة، كما أنها تفضل استخدام هاتف «iPhone».

ومن بين زميلاتها في مطبوعات دار كوندي ناست، تعتبر وينتور الشخصية الأقرب إلى سوزاني. وقد أصبح الاثنتان أصدقاء بمرور السنين، وأشارت وينتور ببساطة تامة إلى أن «فرانكا شخصية رائعة». وقد عمل كل من سوزاني ووينتور معا أثناء فعالية تسوق عالمية صاخبة في عرض «فاشون نايت آوت» بالإضافة إلى العثور على طرق لدعم المصممين الشبان. وفي لقاءاتهما المشتركة وجها لوجه، تتم إثارة موضوع التنوع على منصة عرض الأزياء بشكل منتظم.

تقول وينتور: «في الوقت الحالي، يبدو وكأننا نعاين موجة من عارضات الأزياء الآسيويات، وبينما يبدو هناك بالتأكيد وجود أميركي أفريقي قوي متمثل في شخص غوان سمولز وغوردان دون وتشانيل إيمان، فما يثير الحزن هو أننا لا نرى عددا كبيرا من عارضات الأزياء الأميركيات الأفريقيات قدر الإمكان».

وقد حمل عدد سبتمبر (أيلول) من النسخة الأميركية لمجلة «فوج» صورة للممثلة هالي بيري على الغلاف، وتضمن قصة إخبارية متعلقة بالأزياء تحمل عنوان «نحن العالم» مزيج متعدد الثقافات. ورغم ذلك، ما زالت جهود النسخة الأميركية من مجلة «فوج» فيما يتعلق بموضوع التعدد شاحبة مقارنة بالنسخة الإيطالية من المجلة.

تقول وينتور: «قرار فرانكا باتخاذ موقف إزاء قضية التنوع العنصري هو قرار اعتيادي لها - فهي لا تتناول المواضيع بطريقة تقليدية. وقد أرادت أن يلاحظ قراؤها ذلك».

بدأت الطبعة السمراء تتشكل خلال خريف عام 2007 عندما أصيبت سوزاني بذهول إزاء المقاييس الجمالية المتجانسة على منصات عروض الأزياء. وتذكرت سوزاني هذا التاريخ بقولها: «بدت كل الفتيات متشابهات. والعارضة الوحيدة التي بدت مختلفة هي ليا كيبيدي، التي كانت سمراء. وقد أحببت كل شيء كانت ترتديه، وبدأت في مساءلة نفسي».

تقول سوزاني: «لا يمكننا أن نستخدم هذه الفتيات المتشابهات فقط. يجب أن نذهب إلى شرق آسيا وروسيا. ونحن نبحث عن العارضات الطويلات والنحيفات ذوات العيون الزرقاء. ولكننا يجب أن نبحث عن عارضات الأزياء في أفريقيا، وفي كل مكان».

وصرحت سوزاني: «لقد قررت أن أصدر عددا للفتيات السمراوات فقط. ويقول الناس: إنه قرار عنصري. ولكننا أصدرنا آلاف الأعداد التي تحمل صور الفتيات الروسيات، ولم يحتج البعض بأن هذا الأمر يمثل قرارا عنصريا». وقد سادت حالة من الاستياء والتشكك بين المراقبين من أن هذه الطبعة باتت وسيلة للتحايل، أو أن سوزاني كانت تستغل الاهتمام الدولي بالانتخابات الرئاسية الأميركية. وقالت سوزاني: «اتهمني الناس بأنني أفعل ذلك بسبب أوباما، وقالوا إنني كنت ذكية جدا. ولكنني كنت قد بدأت هذا الأمر في شهر أكتوبر (تشرين الأول) قبل أن يبدأ أوباما وهيلاري كلينتون صراعهما الانتخابي».

بيد أن التوقيت الذي طرحت فيه سوزاني هذه الطبعة أثبت بصيرتها الثاقبة. وعندما طرحت الطبعة في أكشاك بيع الصحف والمجلات يوم 1 يوليو 2008، كان أوباما قد فاز بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة.

وتم توزيع الطبعة السمراء بأربعة أغلفة مختلفة في أكشاك بيع الصحف والمجلات، وكان كل غلاف يظهر عارضة أزياء سمراء مشهورة. وفي الداخل، تم إلقاء الضوء على مجموعة من عارضات الأزياء غير المشهورات بشكل نسبي برفقة عدة عارضات متمرسات مثل غيل أونيل وألفا تشين. وتحولت الطبعة الخاصة إلى طبعة تستحق الاقتناء. وبعد نفاد الطبعات الأولية التي وصل عددها إلى 120 ألفا، كان يتعين إعادة طباعة هذه النسخة لكل من بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، الذين يمثلون ما يصل إلى 40 في المائة من قراء المجلة.

وقالت مايكلا أنجيلا ديفيز، وهي ناقدة ثقافية تتخذ من مدينة نيويورك مقرا لها: «كان الأمر يشبه قدوم مايكل جاكسون إلى المدينة التي تشتهر بصناعة الأزياء. وكان الناس يتدافعون لشراء كل الطبعات بأغلفتها المختلفة».

تقول ديفيز: «إذا وضعت مجلة (فوج) أمام أي شيء، فإن هذه العلامة تعني شيئا مهما في قلوب النساء».

وبالنسبة لسوزاني، كانت الطبعة السمراء مجرد البداية فقط.

تدشين «فوج» السمراء لم تكن هناك أية ضغوط ثقافية على سوزاني من أجل توسيع تبنيها لمجلتها أو موقعها الإلكتروني. وفي الحقيقة، لم تحقق الطبعة السمراء مبيعات جيدة بشكل خاص في إيطاليا. واشتكى بعض الأميركيين من أن سوزاني أوجدت أماكن مختلفة لعرض الأزياء بالنسبة للنساء الملونات - وبالنسبة للنساء البدينات - بدلا من الترحيب بهن بشكل أكثر حماسا على صفحات مجلة «فوج» إيطاليا. ولكن ما هو مدى مسؤولية الطبعة الإيطالية من المجلة عن عرض هذه النساء على صفحاتها؟ وهل ينعكس وجودهن على مدى انتشار وتوزيع المجلة في إيطاليا؟ وما هو مدى ظهور هؤلاء العارضات السمراوات على أنهن مستهلكات للأزياء والموضة الراقية؟ أم أن هناك بعض القوالب الأخرى؟

على الرغم من ارتفاع معدلات السمنة في إيطاليا، فإن النسبة في إيطاليا لا تتجاوز 13 في المائة فقط مقارنة بـ 48 في المائة في الولايات المتحدة. ومنذ وقت ليس ببعيد كانت الوجوه ذات البشرة الداكنة في إيطاليا لمهاجرات إثيوبيات قدمن إلى البلاد في السبعينات والثمانينات. ويمثل المهاجرون حاليا نحو 7 في المائة من السكان الإيطاليين ويعامل الكثير منهم، مثل المهاجرين من شمال أفريقيا وأوروبا الشرقية، بعدوانية وتوجس. أوضحت بعض الروايات التي نقلتها وسائل الإعلام حدوث ردود الأفعال المعادية ضد الحكومة الإيطالية حيث تواجه بها مخيمات الغجر الكبيرة في شمال ميلانو تهديدات السلطة المحلية.

من ناحية أخرى يزدهر حزب رابطة الشمال، الذي يتخذ موقفا مناهضا للهجرة، في ميلانو حيث المكان الوحيد الذي يجد فيه السائح أقلية هو بطول الشوارع الحجرية في فيا بريرا وحيث يبيع الأفارقة حقائب اليد المقلدة للماركات التجارية «برادا» و«جوتشي». تقول فرانكا إن حزب رابطة الشمال يعاني من مشكلة مع أي شيء في جنوب فلورنسا.

وتوضح فرانكا سوزاني أن تقبل الغرباء يحدث «تدريجيا، فدولتنا ليست كبيرة ولسنا أثرياء كما يظنون (في إشارة إلى المهاجرين). هم يعتقدون على الأرجح أنهم سيحصلون على أكثر مما يحصلون عليه الآن.. لكننا جميعا نعمل مع الأجانب في المنزل وفي المكتب». كان نجاح العدد الأسود مفاجئا بالنسبة لفرانكا، فقد كانت فرصة العمل واضحة: لقد كان يتم تجاهل السوق. لكن فرانكا لم يرغب أن يبدو مثل مشارك غير جاد أو سائح مهتم بالجانب الثقافي للبلد.

تقول فرانكا: «لقد أصبح الأمر التزاما بالنسبة إلي، فقد تحدثت مع هؤلاء الفتيات ووعدتهن بأن أعتني بهن».

قبل إطلاق مشروع «فوج بلاك» تشاورت فرانكا مع بيثاني هارديسون، طويلة ذات بشرة داكنة وشعر قصير وشخصية ثورية. وقد تعرفت فرانكا على هارديسون في بداية الثمانينات بفضل عز الدين علايا المصمم المقيم في باريس، الذي تصادف ولعه بعارضات الأزياء السود. وقد ساعدت هارديسون عارض الأزياء الأسود تايسون بيكفورد عام 1994 على توقيع عقد إعلان كبير مع بولو رالف لاورين. وحشدت خلال الأعوام الثلاثة الماضية العاملين بقوة في مجال الموضة للتشكيك في المعايير المتبعة في المجال. «لا أحد يريد أن يكون عنصريا. العاملون في هذا المجال ليسوا عنصريين، لكن نتائج أفعالهم عنصرية».

نشرت مجلة «فوج بلاك» في فبراير (شباط) وعملت بيثاني محررة بها. ونظرا لأن مقر المجلة في ميلانو، فمن البديهي أن تكون موجهة للجمهور الأميركي. افتتح الموقع باللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة وأغلب مواضيعه مختارة من الثقافة الشعبية الأميركية، حيث تمزج صور عارضي الأزياء باللوحات الإعلانية الخاصة بالموضة والمعلقة بالشوارع بقصص قصيرة عن أنماط من البشر المبدعين مثل الفنان كيند ويلي. وما زال رد الفعل الذي تثيره المجلة مزيجا من التفاؤل والفتور والفضول.

تقول الكاتبة كلير سلامرز، مؤسسة مجلة «فاشون بومب ديلي»: «إن هذا يفاجئني كغريبة عن البلد. إيطاليا دولة صغيرة ولا تتسم بالتنوع، ولم أكن واثقة من المواضيع التي تلقى اهتماما عاما». وتضيف كلير التي قامت بتغطية مجموعة أزياء ربيع 2011 في باريس للمجلة الإلكترونية: «أعتقد أنها تحاول أن تكون منشقة. أعتقد أن الحراك الكبير الذي أحدثه (العدد الأسود) هو طريقة تحقيق التميز».

قد تكون فكرة امتلاك فرانكا، المرأة الإيطالية بيضاء البشرة، حصة في الجمال الأسود شائكة نظرا للمشاعر السلبية التي أثيرت عندما قامت مجلة «إيسينس» بتعيين مدير ذي بشرة بيضاء للموضة الصيف الحالي. كان هذا الموضوع محزنا بحيث خرج مراقبون في مجال الموضة في وقفات احتجاجية خلال أسبوع الموضة في نيويورك في سبتمبر الماضي. استضافت أنجيلا ديفيس، امرأة طويلة داكنة البشرة بشعر مصبوغ باللون الذهبي، التي عبرت عن انتقادات لاذعة لمجلة «إيسينس»، في حلقة نقاشية وحوار مجتمعي امتدا لساعات في جامعة نيويورك.

واستعرض معتدلون خلال تلك الجلسة عدد أكتوبر من مجلة «إلي» باعتباره مثالا لفشل محررين بيض في تمثيل السيدات ذوات البشرة الداكنة والبدينات. كانت صورة الممثلة غابوري سيديب تتصدر غلاف العدد وتعبر عن السخرية منها دون مجاملة. هل كانت هدفا لمتحمسين قاموا بتعديلات على الصورة بتفتيح لون بشرتها؟ أم أن مصففي الشعر غير المهرة هم من ظلموها بعمل تلك الغرة الرخيصة؟ أم هم مناهضو السمنة الذين اقتطعوا جزءا من جسدها الضخم من الصورة؟ (أجابت «إلي» قائلة لا وألف لا).

من جانبها تهربت فرانكا من الانتقاد بانعدام الشعور الموجه لها. وتقول أنجيلا: «إن خبرتها ومعرفتها واسعة. إن فرانكا تفهم ذلك».

لا يمكن أن ترضي الجميع، فقلب قارب صغير أسهل من قلب حاملة طائرات. مكتب فرانكا الموجود في الطابق الثالث بمجلة «فوج إيطاليا» صغير مقارنة بالمكاتب الكبيرة التي يدير منها رؤساء التحرير الأميركيون العمل، ولا يوجد مكان استقبال كبير حيث لا يوجد سوى مقعدين عاديين أمام حائط في ممر عليه بساط رمادي اللون ومزدحم بصناديق وخزانات الملفات.

تعد كمية أعداد المجلة التي تمتلئ بها الأرفف في مكتبها شاهدا على 22 عاما هو عمر عهدها في مجال الموضة الإيطالية. بينما تتحدث وهي جالسة عند طرف طاولة اجتماعات كبيرة من الزجاج، لا يسع المرء إلا ملاحظة باقتي الزهور المهجورتين اللتين ما زالتا مغلفتين بورق بني اللون على الطرف الآخر من الطاولة.

لا تعاني «فوج إيطاليا» من ضغوط إعلانية مثل نظيرتها الأميركية الأكبر، حيث تكمن قوتها في ذكائها ووجهة نظرها.

تقول فرانكا: «فوج إيطاليا» مجلة تجريبية، أي الانطباع الذي تكونه لدى الناس. لكن لا أعتقد أنها تجريبية، فهي لديها رؤية. لا يمكنك إرضاء الجميع ولا أبغي إرضاء الجميع». لكن قررت فرانكا أن تتبنى أي شخص يرى العالم كما تراه سواء كان ذا بشرة داكنة أو سمراء؛ سمينا كان أو نحيفا.