لأول مرة منذ 54 عاما: ملكتان للجمال في فرنسا

قررت الرئيسة التاريخية لحزب الجمال الفرنسي جنفييف دوفونتونيه أن تمضي في ثورتها حتى النهاية وأن تخوض حربا مع شركة للإنتاج التلفزيوني للحفاظ على شرف التاج، بأن تختار «صليب اللورين» لكي يزين أوشحة الملكا
قررت الرئيسة التاريخية لحزب الجمال الفرنسي جنفييف دوفونتونيه أن تمضي في ثورتها حتى النهاية وأن تخوض حربا مع شركة للإنتاج التلفزيوني للحفاظ على شرف التاج، بأن تختار «صليب اللورين» لكي يزين أوشحة الملكا

في معركة تستهوي الشارع الفرنسي وتشبه ما يجري في حلبات صراع الديكة، يشهد هذان اليومان انتخاب ملكتين للجمال الفرنسي، بدل واحدة. والسبب هو الانشقاق الذي أعلنته الرئيسة «التاريخية» للجنة مسابقات الجمال، جنفييف دوفونتونيه، على الشركة التي تمتلك حقوق تنظيم المسابقات ونقلها مباشرة إلى مشاهدي القناة التلفزيونية الأُولى.


الحفلة الأُولى، أي الرسمية، تجري الليلة، في صالة «زينيث» بمدينة كاين، شمال غربي البلاد، ويرأس لجنة التحكيم فيها الممثل ألان ديلون لانتخاب الملكة التي ستحمل لقب «مس فرانس». أما الثانية فتجري ليلة الغد، في مربع «الليدو» في باريس، مع لجنة تحكيم أقل بريقا ومن دون نقل تلفزيوني مباشر على قناة معروفة، بل على موقع «ديليموشن» الإلكتروني.

لكن الرئيسة «المنشقة» راهنت على شعبيتها في أوساط الفرنسيين العاديين وعزفت على الأوتار القومية حين اختارت للفائزة في مسابقتها لقب ملكة جمال الأُمة «مس ناسيونال». وفي حين كانت الرئيسة الجديدة سيلفي تيلييه تسخر من المسابقة الموازية التي تقودها مدام دوفونتونيه، المرأة العنيدة التي اشتهرت ببدلاتها الصارمة وقبعاتها المؤلفة من اللونين الأسود والأبيض، فإن هذه الأخيرة واصلت مسيرتها، بإمكانيات متواضعة، معتمدة على علاقاتها التي كونتها طوال 54 عاما، وعلى دعم مجلة أسبوعية شعبية تعنى ببرامج التلفزيون. واعتبرت دوفونتونيه أن الفتاة التي ستتوج مساء الغد هي الملكة الشرعية لعرش الجمال الفرنسي.

ومع اقتراب موعد الحفلين «اللدودين»، تصاعدت حمى التصريحات والتصريحات المضادة. وكان آخر ما أعلنته السيدة ذات القبعة التي لا تتزحزح عن الرأس هو أنها تشعر بأنها تحررت من سلطة شركة «أنديمول» للإنتاج التلفزيوني، مالكة حقوق تنظيم المسابقة، مثلما تحررت فرنسا من الاحتلال النازي عام 1945. إنها، إذا، حرب عالمية بين الطرفين، ولهذا قررت الرئيسة التاريخية لحزب الجمال الفرنسي أن تمضي في ثورتها حتى النهاية، وأن تختار «صليب اللورين» لكي يزين أوشحة الملكات، أي الشعار الذي رفعه الجنرال ديغول وقوات فرنسا الحرة في مواجهة جيوش ألمانيا ودول المحور. أما سيلفي تيلييه، الرئيسة الجديدة، فقد أعلنت بكل برود أن مسابقة مدام دوفونتونيه ليست سوى واحدة من الحفلات الهامشية التي تقام هنا وهناك، في المقاهي والمطاعم، مع أعياد رأس السنة.

لكن كيف اندلعت حرب الجمال الفرنسي؟ ولماذا وافقت جنفييف دوفونتونيه، السيدة السبعينية التي كانت ملكة للجمال ذات يوم بعيد، على بيع حقوق تنظيم المسابقة إلى شركة تجارية ثم انقلبت عليها؟ الحقيقة أنها تصرفت من منطلق «مكرهة أُختك لا بطلة». ففي عام 2002، لم تعد الرئيسة قادرة على تحمل التكاليف الباهظة والتنقل بين المدن لإقامة الحفلات التمهيدية لانتخاب ملكة جمال لكل واحد من أقاليم فرنسا التي يزيد عددها على الثلاثين، منها ما هو واقع في المستعمرات البعيدة وراء البحار. كما أن الحفل النهائي وما يتطلبه من تمارين وموسيقى وتقديم وملابس وحجوزات طائرات وفنادق، يحتاج لوحده لمبلغ مليوني يورو.

وفي مرحلة أُولى، ارتبطت الرئيسة مع مجلة معروفة لبيعها حقوق نشر صور الملكات، وكذلك حصلت على مبالغ من القناة التلفزيونية الأُولى، الخاصة، مقابل منحها حق نقل الحفل مباشرة. وجاءت القناة بالنجم التلفزيوني ذي الشعبية العالية جان بيير فوكو ليكون عريف الحفل وعرابه الذي ارتبط به لسنوات. ومع تزايد سطوة التلفزيون وانتعاش سوق الإعلام المنوع، وافقت جنفييف على بيع حقوق التنظيم إلى شركة «أنديمول» التي تعتبر من كبريات مؤسسات الإنتاج في أُوروبا وصاحبة الكثير من برامج المنوعات الناجحة عبر العالم، ومنها برنامج «المزرعة».

كان الاتفاق يقضي بأن تبقى مدام دوفونتونيه رئيسة للمسابقة، يساعدها ابنها في المهمة التنظيمية، أي أنها تحولت إلى موظفة لدى الشركة. ولم يكن يخطر في بالها أن المعايير التي جاهدت لترسيخها، على مر السنوات، لكي تحفظ للجمال الفرنسي كرامته، ستتعرض للاهتزاز تبعا لاشتراطات السوق واتجاه القنوات التلفزيونية إلى الإثارة لكسب ملايين المشاهدين.

لقد كانت المدام العجوز، ابنة الثامنة والسبعين، تعتبر نفسها جدة مسؤولة عن الفتيات المشاركات في المسابقة، ولهذا فإنها لا تدع إحداهن تغيب عن نظرها، وتحظر عليهن التقاط صور غير محتشمة أو القيام بتصرفات لا تليق بسفيرات الجمال الفرنسي في العالم. وفي السنوات الأخيرة، ومع انتشار التصوير بالهواتف النقالة والكاميرات الصغيرة بدأت الرئيسة تأخذ من كل مرشحة للمسابقة تعهدا خطيا بأنها لم يسبق تصويرها عارية أو في أوضاع مخلة. وفي حال مخالفة الشرط، يحق للجنة طرد الجميلة ونزع التاج عنها. ولم تكن المدام تعرف أن رياح العصر قد تخطتها وأن شروط الحشمة قد أصبحت مطاطة إلى حد تضيع فيه «الطاسة».

بدأت الخلافات بفضائح صغيرة، أشهرها حادثة ملكة جمال فرنسا لعام 2008، السمراء ذات العينين الخضراوين فاليري بيغ. لقد نشرت إحدى المجلات صورا لها وهي عائمة على سطح بركة للسباحة، وبثوب يكشف أكثر مما يستر، وفوق ذلك فإنها كانت تفتح ذراعيها وتضم ساقيها على هيئة المسيح عند الصلب. ورغم أن الملكة اعتذرت وأوضحت أن الصور قديمة وقد أخذها لها صديق وغد، عندما كانت مراهقة، ولم يتورع عن بيعها للمجلة بعد أن ذاع صيتها كملكة جمال، فإن جنفييف ضربت بقبضتها على الطاولة وقالت للمسؤولين عن الشركة: «إما أنا وإما هي». وبما أن التضحية بأي منهما كانت ستعتبر فضيحة مكلفة، فقد تم التوصل إلى حل وسط يقضي بإبقاء اللقب للملكة مع منعها من تمثيل فرنسا في المحافل ومسابقات الجمال الدولية.

ثم ارتفعت حدة التوتر بين الطرفين عندما شعر المسؤولون في الشركة أن المدام الصارمة تعرقل الخطط التي يرسمونها لاستثمار المتسابقات الحسناوات في البرامج التلفزيونية المثيرة. ولم تحتمل جنفييف إغراء إحدى الملكات بالمشاركة في النسخة الفرنسية من برنامج «المزرعة» ونشر صور دعائية لها وهي في ثياب مكشوفة. وفي حين أصدرت أوامرها بطرد الملكة «العاصية» صوفي بوشينكو ونزع اللقب منها، فإن الشركة تمسكت بها ودعتها للمشاركة في البرنامج. ولم يكن أمام الرئيسة سوى أن تسارع إلى تقديم استقالتها وهي تتصور أن الشركة لن تضحي بها. لكنهم وافقوا على الاستقالة ووضعوا مساعدتها الشابة، سيلفي تيلييه في مكانها. ورغم عمق العلاقة بين المرأتين، فقد لعب الإغراء المالي دوره في إقناع تيلييه بأخذ المركز الأول الذي تنازلت عنه الرئيسة التاريخية، ولو من باب التهديد.

ولما وجدت جنفييف نفسها خارج الحلبة، لجأت إلى القضاء فلم ينصفها لأن تنازلاتها عن حقوقها كانت قد تمت بموافقتها ومقابل مبلغ متفق عليه. وهكذا أعلنت أنها بصدد تنظيم مسابقة خاصة بها لاختيار ملكة جمال فرنسا، مستفيدة من شهرتها كحارسة لهيكل الحسن على مدى نصف قرن من الزمان. إن العصر لم يعد عصرها، وهي تغمض عينيها عن التحولات الجديدة وعن صعوبة الاحتفاظ بالحميمية بعد ظهور المواقع الاجتماعية لتبادل الصور، كما أنها تصر على التمييز بين لباس البحر الذي ترتديه المتسابقات، منذ ظهور هذه المنافسة، وبين الثياب المكشوفة، وترفض اعتبار «المايوه» زيا مثيرا. ولدى نشر صور المتسابقات الحاليات اللاتي سيتنافسن، مساء الأحد، على لقب «مس ناسيونال»، كان واضحا أن ملابس بعضهن ليست فوق مستوى الشبهات.

كما أن مصداقية المسابقات تعرضت للاهتزاز، مؤخرا، بعد تراجع ملكة جمال فرنسا عن المشاركة في مسابقة ملكة جمال العالم، ثم سحب الوصيفة الأُولى التي حلت محلها، من المسابقة، لظهور فيلم مصور يظهرها في مشاهد إباحية. لقد ذاقت شركة «أنديمول» من الكأس المسمومة نفسها التي غصت بها جنفييف دوفونتونيه عندما أرادت للمسابقة أن تبقى محترمة ولائقة باسم فرنسا.

ما يهمنا في الحرب الفرنسية الداخلية للجمال الفرنسي أنها تخلو، في الحفلتين، من متنافسات عربيات الأصل، سوى واحدة هي منية مورتريه، ملكة جمال مقاطعة نهر اللوار، وسط البلاد.