الأسنان الأمامية «الواسعة» .. كانت عيبا ثم أصبحت موضة محببة، وسمة جمال للمرأة

تكف الموضة عن التغيير، لتفاجئنا بين فترة وأخرى بأشياء غريبة ومدهشة. فبالأمس القريب كانت الفجوة بين الأسنان الأمامية «فلج الأسنان» عيبا يستدعي الذهاب إلى الطبيب لمداراته وتقويمه، لكنه اليوم أصبح موضة محببة، وسمة جمال تبحث عنها المرأة في عيادات أطباءالأسنان وأهل التخصص.


في الشهر الماضي نشرت «نيويورك تايمز» موضوعا يسلط الضوء على هذه الظاهرة، ويشير إلى زيادة الرغبة في الحصول على هذا الفلج، على الرغم من أن تكلفته تقدر بـ2500 دولار أميركي، مقارنة بتقويم الأسنان بالشكل المعتاد، وهو ما لا يتعدى تكلفته الـ700 دولار أميركي.

السبب كما شرحه أحد أطباء الأسنان للجريدة أن الأسنان المرصوصة بعناية تامة لم تعد مثالية، بينما أصبح الفلج موضة منذ موسمين تقريبا.

البداية كانت مع العارضة الأسترالية جيسيكا هارت في عام 2009، ثم مع العارضة لارا ستون، الوجه الدعائي لدار «كالفين كلاين»، التي يعتبرها البعض صاحبة الفضل الأول في تنامي هذه الصيحة الجمالية الجديدة، والممثلتين آنا باكوين وديمي لافتوفا، فضلا عن العارضة الشابة جيورجيا جاجر.

فهذه الأخيرة من الوجوه المطلوبة حاليا في عروض الأزياء، نظرا لشبهها بالنجمة الفرنسية المخضرمة بريجيت باردو، كما أصبح وجهها يتصدر الكثير من مجلات الموضة والجمال، وليس هناك ما يشير إلى أنها تحاول إخفاء أسنانها كما كانت تفعل مثيلاتها منذ سنوات.

ويشير أطباء أسنان في الولايات المتحدة وأوروبا إلى أن أعدادا متزايدة من الأشخاص تقدم على ترك الفجوة الطبيعية بين أسنانها الأمامية من دون تدخل، وأن آخرين بدءوا يطالبون باستعادة الفجوات التي كانت قائمة في الأصل، ولجأوا للأطباء لإخفائها من قبل.

وبرر القائمون على صناعة الموضة هذا التحول بأنه في عالمنا الحاضر ازدادت الحاجة إلى عناصر جمالية توحي بالصدق، خصوصا مع انتشار عمليات التجميل ومظاهر الجمال المفرطة في مثاليتها، إلى حد أن الفوارق الفردية ذابت وازدادت التشابهات في المظهر إلى حد الاستنساخ أحيانا.

من هذا المنطلق، تأتي الأسنان غير المثالية كواحدة من العلامات المميزة لوجه معين، ويرى البعض أن صناعة الموضة في حقيقتها لا تسعى للجمال بقدر ما تسعى نحو الاختلاف، وهذا أحد الأسباب وراء الإقبال على صاحبات الأسنان المفلجة، تماما كما كان في الثمانينات على من يتمتعن بحبة خال في الوجه، مثل العارضة سيندي كروفورد.

وأكدت العارضة روث كريلي على هذه الفكرة باعترافها بأن الفلج القائم بين أسنانها ساعدها في النجاح في مهنتها، لأنه ميز وجهها وجعل من الصعب نسيانه.

الأمر نفسه ينطبق على غيرها، فمجلة «فوج» الفرنسية خصصت عددا كاملا للعارضة «لارا ستون»، بينما ظهرت جورجيا جاجر على غلاف مجلة «فوج» البريطانية، هذا فضلا عن أنها تعاقدت مع داري «فيرساتشي» و«هادسون» للترويج لهما.

ليس هذا فقط، بل تعاقدت كل من دار «شانيل» وشركة «ريميل» البريطانية العملاقة بمجال تصنيع أدوات التجميل مع فتيات يتميزن بفلج في حملاتهما الدعائية الجديدة.

فمن المقرر أن تحل جورجيا جاجر محل كايت موس في دار «شانيل»، بينما حظيت المغنية الفرنسية فانيسا بارادي بمهمة الوجه الدعائي لأحمر الشفاه الجديد «روج كوكو دي شانيل».

الملاحظ أن سطوع نجم صاحبات الأسنان المفلجة ليس بالأمر الجديد تماما، فمن قبل ظهرت العارضة البارزة لورين هاتون، التي نالت شهرة واسعة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وعاود وجهها الظهور على أغلفة المجلات الشهيرة في الآونة الأخيرة، مع عودة سطوة العارضات المخضرمات.

كذلك الحال مع المغنية، مادونا، التي لم تتخلص من فلج أسنانها تماما، مع أنه كان بإمكانها القيام بذلك في السابق.

وتماشيا مع الصيحة الجديدة في عالم الجمال وخلال حلقة من برنامج «أميركاز نكست توب موديل» (عارضة أميركا الأولى القادمة) في سبتمبر، نصحت العارضة والمذيعة، تيرا بانكس، إحدى المتسابقات بإجراء جراحة في أسنانها الأمامية لتوسيع المسافة بينها كي تصبح أكثر شبها بالعارضة الشهيرة السابقة لورين هاتون، وذلك على الرغم مما اشتهرت به بانكس من الدفاع عن الجمال الطبيعي، ونصيحتها لمتسابقة بنفس البرنامج في حلقة سابقة بأن تقلل المسافة بين سنتيها الأماميتين.

أما من الناحية الطبية، فمن الطبيعي عند إجراء عمليات تقويم أو تجميل للأسنان جعل الأسنان متلاصقة، إلا إذا كانت الأسنان الأصلية للمريض «مفلجة» على نحو واضح بحيث سيكون مظهرها غير متناسب مع الأسنان الأخرى حال جعلها متلاصقة، مشيرا إلى أن معظم المرضى يطلبون جعل أسنانهم المفلجة ملتصقة، وهو أمر يسير إذا كان الفلج صغيرا، لكنه صعب إذا كان كبيرا، لأنه لن يكون متناسبا مع الأسنان الأخرى».

ويستطرد: «لم ترد علي قط حالات لمرضى يريدون فلج أسنانهم، وعلى الرغم من ذلك أحذر من الإقدام على هذه الخطوة، لأن الأمر خطير صحيا لتدميره الطبقة الخارجية للأسنان (المينا) وجعله الأسنان أكثر هشاشة وعرضة للنحت والألم».

علاقة الأسنان، والابتسام

علاقة الأسنان، والابتسام على وجه الخصوص، بالجمال ليست جديدة، ففي تراثنا العربي وصف الشاعر جمال ثغر محبوبته وأسنانها بقوله «ترى الدر منثورا إذا ما تكلمتْ/وكالدر منظوما إذا لم تكلمِ»، ليوجز بذلك رأي العرب بأن جمال الأسنان يكمن في بياضها الناصع.

وعلى الرغم من اتفاق معظم الحضارات على هذا الرأي الذي قد يبدو بدهيا، فإن اليابانيين قديما خالفوه، حيث كانت المرأة تتزين بتغطية أسنانها باللون الأسود حتى يتماشى مع لون شعرها الفاحم.

الطريف أن البعض بدأ يضفي على فلج الأسنان بعدا رمزيا، مثل مصمم الأزياء الإسباني المعروف، ديفيد ديلفين، الذي عمد إلى إجراء جراحة لخلق فلج بين سنتيه الأماميتين في أعقاب وفاة والده عام 2008 مما أثار بداخله شعورا بالغا بالوحدة، وشرح أن تعمده خلق مسافة بين سنتيه الأماميتين بمثابة رمز لقسوة الانفصال الذي يعانيه، وقد أطلق على مجموعته لربيع 2009 اسم «دياستيما» (وهو الاسم العلمي لوجود قصور وحالة مرضية بالأسنان المفلجة تجعل هناك حاجة لتدخل طبي).