نسيج «الكادي» مفخرة الهند .. ينتج خارج المشاغل ويوفر مليون فرص عمل

نسيج «الكادي» .. من رمز لحركة الاستقلال إلى منصات عروض الأزياء
نسيج «الكادي» .. من رمز لحركة الاستقلال إلى منصات عروض الأزياء

في هذا الوقت الراهن الذي تتحول خلاله صناعة الموضة نحو الاعتماد على المنسوجات العضوية صديقة البيئة، تملك الهند ما يعرف بالـ«كادي»، وهو نسيج عضوي صديق للبيئة، يعتبر من الأقمشة الهندية التقليدية المنسوجة يدويا.


أما المواد الخام التي يمكن الاعتماد عليها في تصنيعه فتتنوع بين القطن والحرير والصوف، حيث يجري غزلها في شكل خيوط على عجلة غزل تدعى «تشاركها».

ويتميز هذا النسيج بتعدد استخداماته، لما يتمتع به من نعومة ملمس في الصيف ودفء في الشتاء. ويكمن العنصر الجوهري في الـ«كادي»، مثلما الحال مع جميع الأقمشة الأخرى المغزولة يدويا، في قدرته على الالتفاف حول الجسد كقطعة من قماش غير مخيط. أما الصورة الأمثل له فهي عندما يكون خشنا ومجعدا.

والمؤكد أن المنتج الناشئ عن مثل هذه العملية يحمل قدرا كبيرا من التميز والرقة. وعلى الرغم من أن إنتاجه لا يجري داخل مشغل، فإنه يوفر فرص عمل لمليون هندي.

أول مصمم أزياء هندي حقيقي كان الماهاتما غاندي عندما حث الشعب الهندي على ارتداء ملابس مصنوعة من الـ«كادي»، كي يوفروا لأنفسهم فرص عمل، ويعززوا اعتمادهم على الذات. كان ذلك خلال عشرينات القرن الماضي، الأمر الذي جعل هذا القماش جزءا من الواقع الهندي، ورمزا لحركة التحرر الهندية.

ودار النضال من أجل التحرر حول استخدام أقمشة «كادي» والتخلي عن منسوجات أجنبية الصنع. وبذلك تحول هذا النسيج إلى رمز لأفكار سياسية والاستقلال ذاته.

وحتى يومنا هذا، لا يزال معظم السياسيين الهنود يظهرون في الأماكن العامة مرتدين ملابس مصنوعة منه. وتعد تلك المرة الأولى في التاريخ التي يتحول فيها نوع من القماش بدولة ما إلى رمز لحركة من أجل الاستقلال.

وبلغت المشاعر المرتبطة بهذا القماش درجة من العمق دفعت جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء هندي، لأن يغزل هذا النسيج بنفسه من أجل ابنته أنديرا لصنع ساري الزفاف الخاص بها، وذلك أثناء احتجازه في السجن.ولا تزال النساء في عائلة نهرو - غاندي يحرصن على ارتداء مثل هذا الساري في حفلات زفافهن.

وبطبيعة الحال، تمثل سونيا غاندي نموذج الأناقة الأول لمنتجات «كادي»، بل ويمكن القول إنها أفضل شخصية سياسية في الهند من حيث استغلاله لإطلاق رسائل سياسية.

مثل أنديرا غاندي من قبلها، التي كانت ترتدي ملابس مصنوعة على النول اليدوي، تبدي سونيا حرصا كبيرا في اختيارها أنماط الساري التي ترتديها. في مدونة «ليتل ديزاين بوك» الرائعة المعنية بالتصميمات الهندية للملابس، طرح أفيناش راجغوبال، الكاتب المعني بتصميمات الملابس، وجهة نظر مثيرة تربط بين أنواع الساري التي ترتديها سونيا والأوضاع السياسية الداخلية.

والأمر الذي لا يقل إثارة الرحلة التي قطعها «كادي» من كونه النسيج المفضل لدى الثوريين إلى محلات كبار الأسماء العاملة بمجال تصميم الأزياء وملابس النخبة. الملاحظ أنه بمرور الوقت تراجعت شعبية هذا النسيج وطواه النسيان والإهمال لبعض الوقت.

إلا أن العقد الماضي شهد تحول الاهتمام العام تجاهه من جديد، ولم يقتصر الاهتمام على العملاء الهنود، وإنما تعداهم إلى الأجانب الذين تحولت أنظارهم نحو هذا النسيج صديق البيئة وعمدوا إلى تحويله لرمز للأناقة.

وحظي بإشادة عالمية أوسع عندما عرضت مصممة الأزياء الشهيرة ريتو كومار مجموعتها للساري المصنوع منه، أطلقت عليها «شجرة الحياة»، وذلك في لندن عام 1997، حيث أثارت إعجابا بالغا في أوساط البريطانيين.

والملاحظ أن إمكانية تعديله حتى يتوافق مع مجموعة واسعة من التصميمات جعلته مناسبا للملابس الرسمية وغير الرسمية، وكذلك التصميمات الهندية والغربية.

وبالفعل، تضم الكثير من المتاجر أكداسا من الملابس المتنوعة المصنوعة من «كادي» - من سترات وتنورات وساري وبنطلونات، وما إلى ذلك. وعليه، ليس من المثير للدهشة أن نجد أن «كادي» يستحوذ على الإعجاب ليس فقط في أوساط الطامحين لأعلى مستويات الأناقة، وإنما أيضا بين أصحاب الأذواق المفضلة للأناقة البسيطة.

في أوساط مصممي الأزياء الذين يشكلون التيار الرئيسي، يتم النظر إلى الـ«كادي» باعتباره قماشا فخما «يباع لنخبة قليلة لديها استعداد لتحمل سعره».

من جانبه، أشار أبراهام إلى أن علامة «أبراهام آند ثاكور» التجارية باعت مئات القطع المصنوعة من «كادي» عبر متجر «ذي كونران شوب» بلندن، مقابل 100 جنيه إسترليني للقطعة الواحدة (ما يعادل 7320 روبية).

من جهته، يعتقد مانيش مالهوترا، أحد مصممي الأزياء في بوليوود، أن الـ«كادي» يسير نحو شهرة واسعة - ببطء لكن بخطى واثقة. وأضاف أن «الأجانب يعشقونه. وعلى الصعيد المحلي أيضا بدأ الناس يقبلون عليه بشكل إبداعي».

المعروف أن المصمم فيكرام فانديس يبتكر بالفعل ملابس أعراس بالغة الروعة بالاعتماد على «كادي»، لكن في صور عصرية تشكل قاعدة ممتازة لأعمال التطريز.

اللافت للانتباه أن سامويل إل. جاكسون ارتدى ملابس مصنوعة من كادي، ومصبوغة بمجموعة من الألوان المتداخلة على نحو عشوائي لدى أدائه شخصية ميس ويندو في الجزء الأول من فيلم «ستار وورز».

وقام مصمم الأزياء العالمي سابياساتشي مخرجي بتزيين ملكة جمال الهند السابقة ونجمة بوليوود أيشواريا راي باتشان بملابس مصنوعة من «كادي» في دورها في فيلم «با».

وخلال مقابلة أجريت معه، تحدث مخرجي عن «كادي» قائلا: «إنه نسيج راقٍ ومعقد ويحمل طابعا فرديا وصديقا للبيئة ومستدام ورقيق. وأعتقد أن السبيل الأمثل لإحياء المنسوجات الهندية هو تشجيع منتجي الأفلام على الاستعانة بها في أفلامهم. وأرغب في أن تقدم بوليوود على ذلك».

أما المصمم ديغفيجاي سينغ، الذي تميز بجرأة كبيرة في عرضه مجموعته «الصديقة للبيئة» خلال فعاليات «أسبوع لاكمي للموضة» هذا العام، وزين العارضات بملابس مصنوعة من «كادي»، فلا يكاد يتوقف عن الحديث عن هذا النسيج.

يذكر أنه في فترات سابقة، كان يجري صبغ هذا النسيج بألوان ترابية هادئة، لكن الآن يعمد مصممو الأزياء إلى صبغه بألوان لافتة مثل الأخضر الليموني والبنفسجي والقرنفلي والفيروزي والكثير غيرها.

وفي شهادة كبرى لصالح هذا التوجه الجديد في عالم الموضة، تقرر تسليط الضوء عليه وعلى أنماط أخرى من المنسوجات الطبيعية خلال فعاليات مهرجان الموضة الهندي في كالكتا بين 10 و12 سبتمبر (أيلول).

وأشارت أقاويل إلى احتمالات مشاركة نجلي سونيا غاندي، رئيسة حزب المؤتمر، وراجيف غاندي، رئيس الوزراء السابق، في العرض الختامي لأسبوع كولكواتا للموضة أحياء لذكرى ماهاتما غاندي عبر عرض قطع أزياء مصنوعة من «كادي».

وعلق المصمم جيمس فيريرا بقوله: «للمرة الأولى يجري تنظيم هذا الحدث المتعلق بالموضة من أجل الترويج لمنسوجات معينة.. إن «كادي» كنسيج يتميز بطابعه العصري والأنيق. وهذه المرة، تلقينا عروض شراء من الولايات المتحدة ودبي ومناطق أخرى».

وكان مصمم أزياء، الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرا له، قد افتتح دار أزياء تقتصر خدماتها على إنتاج ملابس مصنوعة من «كادي». وأعرب عن اعتقاده بأن الأجانب بدأوا يدركون الفوائد الصحية لارتدائه، خاصة أنه حسبما يقال، يقاوم أمراض الجلد وارتفاع ضغط الدم.

وفي الوقت الذي تتركز إشادات المصممين حول إمكانية استغلاله في استخدامات متنوعة، يبدي من يرتدونه انبهارهم بطابعه العملي وشعور الراحة الذي يمنحه لهم. أما الواضح فهو أنه يقدم الحل المثالي للتكيف مع صيف الهند الحار المفعم بالرطوبة، بجانب توفيره الحماية من صقيع الشتاء.

الملاحظ أن جميع أنواع الملابس الرسمية تقريبا يمكن صنعها منه، حسبما أوضح بهافانا ثاريجا، مصمم أزياء. وأضاف: «على الصعيد الدولي، يبدي الناس عشقهم للكتان، والـ«كادي» ما هو إلا الصورة الأكثر نقاء من الكتان. وتشهد الفترة الراهنة إطلاق مزيد من الملابس المصنوعة منه في الأسواق الخارجية».

بالنسبة للمصممة أنجو مودي، المعروفة باعتمادها على الـ«كادي» في تصميماتها، فإنها تؤكد على اعتقادها بأن هذا النسيج «يتمتع بمظهر فريد»، ويعد مثاليا لأعمال النقش والطباعة عليه، مستطردة بأن الطباعة أفضل بكثير من التطريز، ذلك أنه من الأيسر الحفاظ عليها، علاوة على توافقها أكثر مع الموضة السائدة بالأسواق العالمية».

وقال المصمم فيجاي لاكشمي دوغرا: «يمكن للكادي أن يحل محل الكتان في الأسواق العالمية، نظرا لما يتميز به من تنوع شديد وإمكانيات متعددة لاستخداماته، وألوان رائعة يمكن الحصول عليها منه. كما أنه في حد ذاته مادة رائعة للعمل عليها في إنتاج مجموعات للشتاء والصيف».

من ناحية أخرى، يشعر مصممو الأزياء بأن دور «كادي» في مساعدة الفقراء المعدمين ينبغي أن يسلط الضوء عليه بدرجة أكبر. يقول دوغرا: «من المهم التأكيد على كيف يساعد في إعالة قرى كاملة وحياة مزارعين فقراء يعملون في صناعة القطن.

وأعتقد أن المشترين، خاصة بالأسواق الأجنبية، سيهتمون بهذه التفاصيل. ونذكر جميعا كيف جاء رد فعل الصناعة قويا تجاه مسألة استغلال عمالة الأطفال في صناعة السجاد، وما حمله ذلك من تداعيات سلبية على النشاط التجاري. في حالة (كادي)، ربما تعزز حقيقة اعتماد حياة المزارعين عليه جاذبيته».

وبعيدا عن كونه ملك دولاب الملابس، يدخل «كادي» في صناعة منتجات أخرى، مثل الفرش ومواد التنجيد والوسائد والحقائب وأغطية سرائر النوم والستائر. وتضمن متانته الشديدة عدم تآكله بسهولة.

جدير بالذكر أنه لا يسمح بصنع العلم الوطني للهند سوى من هذا النسيج، على الرغم من أن مصنعي العلم الوطني، خاصة خارج الهند، غالبا ما يتجاهلون هذه القاعدة.

يعود تاريخ ارتباط الهند بهذا النسيج إلى العصور القديمة، تحديدا الآريين، خلال العصر الفيدي (Vedic)، حيث كانوا يصنعون ملابسهم بأنفسهم. في الواقع، اضطلع «كادي» بدور ديني في مراسم الزواج، عندما كان يجري تصوير العروس على الأدوات التي تحملها معها إلى عش الزوجية وهي تعمل على عجلة الغزل.

وتعتبر بوندورو الواقعة في ولاية أندرا براديش في جنوب الهند واحدة من مجموعة من القرى التي لا تزال تحافظ على هذه الصناعة اليدوية التقليدية حية بها.