الحمض النووي .. اختبار قد يسرع من تشخيص سرطان القولون

نجاحه في عينات الخروج سيجعله أول فحص موثوق للأورام الخبيثة
نجاحه في عينات الخروج سيجعله أول فحص موثوق للأورام الخبيثة

من المحتمل أن يقود جيل جديد من اختبارات الحمض النووي لسرطان القولون إلى تحسين اكتشاف كل من السرطان والأورام الحميدة التي تسبق الإصابة بالسرطان.


ومن الممكن أن تقلل هذه الاختبارات، إذا تم التحقق منها، عبء المرض بدرجة كبيرة عن طريق اكتشاف الأورام في مرحلة مبكرة، بما في ذلك الأورام التي لا يتم اكتشافها عن طريق فحص القولون بالمنظار.

تميل سرطانات القولون والمستقيم إلى النمو ببطء ويمكن استئصالها بسهولة إذا تم اكتشافها مبكرا. بيد أن الكثير من الأفراد فوق سن 50 عاما لا يلتزمون بتوصية الخضوع إلى فحص القولون بالمنظار - وهو إجراء يستغرق وقتا طويلا ويتم فيه إدخال أنبوب داخل الأمعاء - بل وحتى فحص القولون بالمنظار لا يكتشف كل شيء.

وقد أصبح سرطان القولون والمستقيم هو ثاني أكثر أنواع السرطان شيوعا في الولايات المتحدة، حيث إنه يتسبب كل عام في أكثر من 50 ألف حالة وفاة وتبلغ تكلفة علاجه في العام نحو 14 مليار دولار.

طفرات الحمض النووي
وتقدم أورام القولون دلائل وفيرة على وجودها مثل نزول الدم، وخلايا دموية يمكن ملاحظتها في البراز. وقد قللت اختبارات الدم حالات الوفاة الناجمة عن سرطان القولون والمستقيم لكن بشكل صغير، لأن تلك الاختبارات ليست حساسة للغاية للأورام الحميدة التي تسبق الإصابة بالسرطان، وهي أفضل مرحلة يمكن فيها إيقاف السرطان.

ولجأ الباحثون إلى قياس الطفرات في تركيبة الحمض النووي بعدما اكتشف الدكتور بيرت فوجيلستاين من جامعة جونز هوبكينز سلسلة الطفرات، التي يتطور من خلالها الورم الحميد في القولون إلى سرطان.

لكن طفرة واحدة لا تتنبأ بالخطر الذي يحيق بالمريض، ولم تشكل اختبارات الطفرات، على الرغم من أنها أكثر دقة من اختبارات الدم، تحسنا مهما.

وفي عام 2004 كان من الواضح أن البحث عن طفرات فوجيلستاين كان «علم أحياء دقيق، لكن ليس حملة داخلية»، حسبما ذكر الدكتور ديفيد رانسوهوف، الخبير في الكشف عن سرطان القولون في جامعة نورث كارولينا.

اختبارات مطورة
ويعتمد جيل جديد من الاختبارات التي يجري تطويرها، على رصد عملية مختلفة تجري في الخلايا السرطانية. وتنبذ جميع الخلايا الجينات التي لا تحتاجها عن طريق إلحاق مواد كيميائية صغيرة تسمى «مجموعات الميثيل» (methyl groups) بمواقع معينة على طول سلسلة الحمض النووي الخاصة بها.

أما في الخلايا السرطانية، فيكون هناك عملية «ميثلة» أقل بصفة عامة من المعتاد، فيما عدا مناطق معينة في الحمض النووي تكون فيها عملية الميثلة زائدة، نظرا لأن الخلايا تحتاج إلى إيقاف الجينات التي تخمد الأورام.

وتخضع هذه الجينات وغيرها من الجينات إلى عمليات ميثلة بصورة كبيرة في أورام القولون والأنواع الأخرى من السرطان.

وتقوم شركة «إجزاكت ساينسز»، وهي شركة مقرها ماديسون في ولاية ويسكونسن، بتطوير اختبار لسرطان القولون قائم على حمض نووي خضع لعملية ميثلة عالية.

وذكر الباحثون بهذه الشركة الشهر الماضي أنه باختبار حمض نووي خضع لعملية ميثلة عند أربع علامات جينية، وهي قطع من سلسلة الحمض النووي مسحوبة من جينات معينة، تمكنوا من اكتشاف أورام القولون والأورام الحميدة، ما ميزها عن النسيج الطبيعي بحساسية 100 في المائة ومن دون نتائج إيجابية كاذبة.

وتم إجراء اختبارات الحمض النووي الذي خضع لعملية ميثلة مباشرة على الأورام ومن المتوقع أن تكون أقل دقة في العالم الحقيقي، الذي يتعين عليهم فيه العمل في عينات البراز.

ويأتي معظم الحمض النووي في البراز من البكتيريا، ويعد الحمض النووي الذي خضع لعملية ميثلة جزءا بسيطا يبلغ 0.01 في المائة من الحمض النووي البشري.

ومع ذلك، قال كيفين تي كونروي، الرئيس التنفيذي لشركة «إغزاكت ساينسز»، إنه يتوقع أن يكتشف اختبار العلامات الأربع، عندما يتم تطبيقه على عينات البراز، على الأقل نصف الأورام الحميدة التي تسبق الإصابة بالسرطان و85 في المائة من السرطانات الفعلية. وسيتم الإعلان عن نتائج محاولة جارية على 1600 مريض في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

فحص واعد
وسيتكلف الاختبار أقل من 300 دولار، ومن الممكن أخذ العينات من المنازل. ويُنصح أن يقوم المرضى بهذا الاختبار كل ثلاث سنوات، وسيخضع الأفراد الذين تظهر اختباراتهم نتائج إيجابية لفحص القولون بالمنظار للتأكد من وجود أي أورام حميدة واستئصالها، وتكون النتيجة هي أنه من الممكن تركيز فحص القولون بالمنظار على المرضى الذي يواجهون مخاطر إصابة عالية بدلا من جميع السكان بصفة عامة.

ويستند اختبار شركة «إغزاكت ساينسز» على أعمال الدكتور فوجيلستاين والدكتور سانفورد ماركويتز بجامعة كيس ويسترن ريزيرف والدكتور ديفيد إيه أهلكويست من «ماي كلينيك»، وحدد الدكتور أهلكويست، وهو المستشار العلمي للشركة، بعض الجينات التي خضعت لعمليات ميثلة بدرجة كبيرة التي تختبرها الشركة كعلامات لسرطان القولون.

وقال الدكتور أهلكويست إذا نجح هذا الاختبار على عينات البراز، «فسيكون ذلك أول اختبار خارج الجسم يكتشف الأورام الخبيثة بصورة موثوقة»، وقال إن سرطان عنق الرحم تمت إزالته فعليا بـ«اختبار باب» (Pap test)، «ونعتقد أن سرطان القولون من الممكن استئصاله بنفس الدرجة».

ويستطيع اختبار العلامات الأربع اكتشاف نوع من الأنسجة التي تسبق الإصابة بالسرطان يسمى الورم المسنن، الذي لا تتم ملاحظته في الغالب في فحص القولون بالمنظار، حسبما ذكر الدكتور أهلكويست. إنه أيضا يتجاهل معظم الأورام الحميدة الصغيرة.

سرطانات الجهاز الهضمي
وباستخدام مجموعات مختلفة من العلامات الأربع، من الممكن اكتشاف أنواع أخرى من السرطان. وقال الدكتور أهلكويست: «نستطيع اكتشاف جميع أنواع السرطان التي تحدث فوق القولون، مثل البنكرياس والمريء والمعدة والقناة الصفراوية».

لذا، من حيث المبدأ، يجب أن تكون جميع أنواع السرطان في الجهاز الهضمي، التي تشكل تقريبا ربع جميع الوفيات الناجمة عن السرطان في الولايات المتحدة، قابلة للرصد من عينات البراز.

وقال الدكتور فوجيلستاين إن اختبارات طفرات الحمض النووي ستكون أفضل نظريا من اختبارات عملية الميثلة في الحمض النووي لأن «الطفرات محددة تماما وهي العنصر الذي يقود الورم»، بينما تعد عملية الميثلة أقل من حيث الإشارة إلى السبب وتزداد بصورة طبيعية مع التقدم في السن.

لكنه قال إن اختبارات الميثلة في الحمض النووي واعدة من حيث المبدأ، وتبدو ذات جدوى بالنسبة إلى شركة «إغزاكت ساينسز» للحصول على حساسية أفضل من 90 في المائة ومعدل نتائج إيجابية كاذبة يتراوح بين 5 إلى 10 في المائة فقط. وقال: «يمكننا أن نتسامح مع 5 إلى 10 في المائة نتائج إيجابية كاذبة، لأن هؤلاء الأفراد سيخضعون لفحص القولون بالمنظار».

وبالنسبة إلى أنواع السرطان فوق القولون، فهناك الكثير من الإنزيمات التي تهضم الحمض النووي، لذا فإن التجارب وحدها هي التي تستطيع الإجابة عن التساؤل ما إذا كانت مثل هذه الأنواع من السرطان يمكن اكتشافها بفاعلية أم لا.

وقال الدكتور فوجيلستاين إن أي نتائج إيجابية كاذبة ستمثل مشكلة، حيث إنه في هذه الأنواع من السرطان لا توجد طريقة سهلة للتحقق منها مثل فحص القولون بالمنظار.

وقال الدكتور رانسوهوف إن اختبار شركة «إغزاكت ساينسز» لا يزال عند نقطة أولية، وقال: «إنه دقيق وواعد. لكننا كنا على هذا الطريق من قبل، ونحتاج إلى أن نكون مفعمين بالأمل من دون أن نتعرض للإثارة».