نساء في ألمانيا يعشن حياة مزدوجة .. ظاهرها منزل وكلب وباطنها «إيدز»

يانيك نواه، المغني وبطل التنس العالمي سابقا، يغني في حفل موسيقي خيري لصالح مرضى «الإيدز» في موناكو
يانيك نواه، المغني وبطل التنس العالمي سابقا، يغني في حفل موسيقي خيري لصالح مرضى «الإيدز» في موناكو

تعيش الألمانية تيريزا البالغة من العمر 43 عاما الواقع في حياتها الثانية حيث بنت مع زوجها الثاني في ولاية هيسن وسط ألمانيا منزلا ولها ابن وكلب.


عندما يكون «مزاجها معتدلا» أي عندما تعمل الأقراص العشرون التي تناولتها في يومها عملها بشكل جيد فإن حياتها الأولى تبعد عنها كثيرا، الحياة مع «الإيدز».
 
نقل إليها زوجها الأول عدوى نقص المناعة المكتسب المعروف بـ«الإيدز» في الثمانينات. كانت الإصابة بهذا الفيروس آنذاك كأنها حكم بالإعدام.

وتسترجع تيريزا ذكرياتها عندما علمت بإصابتها بالفيروس قائلة: «سحبت آنذاك جميع نقودي من دفتر التوفير وأردت أن أرتمي في أحضان المخدرات».

أصبحت تيريزا التي ترفض ذكر اسمها الصحيح مصابة بالمرض بشكل كامل عام 1993 وأصبحت تصارع الموت وتلقت نوعا من العلاج الكيماوي وفقدت شعرها الأشقر وأخذتها أمها معها إلى المنزل لتموت.

ولم يدر الجيران الجدد بمرض تيريزا الذي لم تعد أعراضه تظهر عليها بفضل الأدوية. وما كان لهم أن يعرفوا شيئا عن مرضها.

تيريزا تقول، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية: «لا أعرف كيف كان الجيران سيتعاملون مع ابني بعد موتي».

أفهمت تيريزا التي خرجت إلى المعاش المبكر بعد أن كانت تعمل موظفة في البنك جيرانها أنها تعمل لدى طبيب، ولكن الحقيقة هي أنها تذهب كل ثلاثة أشهر لمركز «الإيدز» في مستشفى فرنكفورت الجامعي لفحص الدم.

تعيش الكثير من النساء اللاتي ثبتت إصابتهن بفيروس «إتش آي في» في ألمانيا حياة مزدوجة وذلك حياء من الناس مما يجعل هؤلاء النساء غير ظاهرات من الناحية العملية في المجتمع.

وعن ذلك تقول أنيته هابرل (48 عاما)، الطبيبة في مركز «الإيدز» المذكور، إن الإصابة بـ«الإيدز» تجعل المصابين يهمشون في المجتمع. وتخصصت الدكتورة هابرل في رعاية النساء الحوامل المصابات بالفيروس، وهي أيضا طبيبة السيدة تيريزا.

عندما يذكر مركز «الإيدز» يتبادر إلى الذهن رجال مثليون أو شباب يتناول حقن المخدرات أو نساء يبعن الهوى «وربما كانت المصابة جارتنا أو مدرسة أطفالنا»، حسب هابرل.

وعلى الرغم من أن 18 في المائة فقط من المصابين بـ«الإيدز» في ألمانيا من النساء، فإن الظاهر لعيان المجتمع من هذه النسبة ضئيل للغاية.

وغالبا ما تنتقل عدوى الفيروس إلى النساء من خلال المعاشرة الجنسية من دون الواقي الذكري اعتمادا على حبوب منع الحمل. الكثير من النساء يعلمن بأمر إصابتهن أثناء الحمل.

تقوم الطبيبة هابرل بمساعدة 14 من مريضاتها وأحد المصورين بإعداد معرض يهدف إلى لفت أنظار المجتمع إلى نسائه المصابات بالفيروس. سيكون عنوان المعرض «أن تكوني جميلة .. صور لنساء مصابات بفيروس (إتش آي في)»، ويتضمن صورا لنساء مصابات بـ«الإيدز» من بينهن تيريزا ويظهرن بشكل جذاب مثل بقية النساء، كثيرا ما تؤدي الإصابة بـ«الإيدز» إلى فقدان المرأة المصابة إحساسها بقيمتها، بل إن الفيروس يكاد يتخلل جميع تفاصيل حياتها اليومية.

وعلقت صور النساء المصابات بـ«الإيدز» في ممرات مركز «الإيدز» بمستشفى فرنكفورت الجامعي ويراها جميع زوار المركز.

بعض النساء في الصور يبدين أعينهن بشجاعة حتى وإن كان أقرب المقربين لهن هم الذين يدرون بأمر هذا المعرض وظهور صورهن به. وهناك نساء حرصن على تغطية أعينهن في الصورة حتى لا يتم التعرف على هوياتهن.

عندما يتم تشخيص الإصابة بالفيروس في وقت مبكر فإن متوسط حياة صاحب التشخيص الموجب لا يقل تقريبا عن متوسطه لدى الذين لم يصابوا بالعدوى. وإذا تم تشخيص الإصابة بالمرض قبل الحمل فإن خطر انتقال العدوى إلى الطفل يقل مع العلاج الأمثل إلى أقل من 2%.

هناك نحو 300 ولادة سنويا لنساء مصابات بالفيروس منها 30 إلى 40 حالة في مركز فرنكفورت الذي يعتبر أحد أهم المراكز المتخصصة في ألمانيا.

عندما توفي الزوج الأول لتيريزا قبل 11 عاما بـ«الإيدز» وتعرفت إلى زوجها الثاني أصبحت الحياة أخيرا لا تنحصر في المرض. بدأت الحياة تبدو أسهل وأصبحت تيريزا تستمتع باللحظة، وليس هناك من يضمن لها استمرار هذه الحالة الطيبة لديها.

قررت تيريزا وزوجها إنجاب طفل حتى وإن كان الحمل خطيرا، وذلك لأن تيريزا ستضطر إلى التوقف عن تناول الدواء.

ولا يعلم ابنهما، الذي أصبح في الثامنة، سوى أن أمه تتناول الكثير من العقاقير. وتحمل تيريزا عشرات الصور لابنها، الذي لم يرث منها المرض، في حافظتها.

ومن جانب آخر تبدو الأوساط الطبية والمنظمات المشاركة في مكافحة «الإيدز» قلقة من جمود التمويل الناجم عن الأزمة الاقتصادية التي تضغط على ميزانيات الدول المانحة وقد تسيء إلى التقدم المنجز.

وقال بيل غيتس، الملياردير المؤسس لـ«مايكروسوفت»، الذي يترأس مع زوجته «مؤسسة بيل ومليندا غيتس» هذا الأسبوع في مؤتمر صحافي إن الموارد الضرورية لمكافحة انتشار الوباء «تواجه تحديا كبيرا بسبب الانكماش العالمي الذي يضطر الحكومات إلى ضبط ميزانياتها، وبعضها لتقليص المساعدات».

وأكد أن هذا الموضوع سيدرس في المؤتمر الدولي الثامن عشر حول «الإيدز» الذي سيعقد في فيينا هذا الشهر وسيشارك فيه.