المصممون يزايدون على مغازلة المرأة التي بلغت منتصف العمر

العارضة الأسترالية إيل ماكفرسون (47 عاما) في عرض «لوي فيتون» لموسمي الخريف والشتاء المقبلين
العارضة الأسترالية إيل ماكفرسون (47 عاما) في عرض «لوي فيتون» لموسمي الخريف والشتاء المقبلين

لكل عقد من الزمن موضته وصرعاته التي تجعل قراءة حالته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مثل كتاب مفتوح.


ففي الستينات مثلا ظهرت التنورة القصيرة كعنوان لتحرر المرأة، وفي السبعينات ظهرت الألوان الصارخة لتعكس ثقافة الديسكو إلى جانب ظاهرة «الهيبيز» المتمردة على الحرب الفيتنامية والمنادية بالحب والسلام، وفي الثمانينات ظهرت موضة «الهيروين شيك» لتفضح انتشار الهيروين والكوكايين في عدة أوساط.

وفي التسعينات قوي عود العارضات الصغيرات السن اللواتي لم تتشكل أجسامهن بعد وبالتالي يتمتعن بمقاسات صبيانية تفتقد إلى أي معلم من معالم الأنوثة، وكأن المصممين ثائرون على الأنوثة بمفهومها الواقعي والاستعاضة عنها بأشكال تتراوح بين الرجولة والأنوثة.

أما الموضة الحالية، فتتجه إلى معانقة النضج والأنوثة معا باحتفائها ومخاطبتها امرأة تعدت الأربعين.

امرأة واثقة بنفسها وبأنوثتها معا، مستقلة ماديا وقادرة على إملاء شروطها. ولا حاجة للقول إن اعتراف صناع الجمال والموضة بتأثير وجاذبية هذه السن وما فوقها يعتبر هدفا في مرماها، تستحقه ونالته بجدارة بفضل جهودها وإنجازاتها في شتى المجالات، التي جعلتها اليوم مؤثرا قويا في خريطة الشراء، ومحددا لما يقدمه السوق.

تأثيرها لا يقتصر على عودة الأزياء المفصلة ذات الإيحاءات القوية والأنوثة الغامضة والأكتاف العالية التي تجعلها تبدو من بعيد وكأنها متوجهة لحرب فحسب، بل أيضا على استعانة دور الأزياء بها للترويج لمنتجاتها على أمل استقطاب بنات جيلها.

آخرها تعاقد دار «دولتشي أند غابانا» مع النجمة مادونا التي تعدت الخمسين من العمر، للترويج لتشكيلتها القادمة، كما يتردد بأنها ستصمم مجموعة نظارات شمسية لنفس الدار خلال هذا العام.

مادونا ليست الوحيدة التي لا تزال صورتها تؤجج الاهتمام، فجوليا روبرتس، البالغة من العمر 42 عاما، تصدرت بدورها غلاف مجلة «بيبول» في عددها الذي حمل عنوان «أجمل غلاف»، واحتفت به المجلة بالجمال عبر السنين. وتصدرت روبرتس قائمة «أجمل امرأة في العالم» التي نشرتها المجلة (بيبول) إلى جانب كل من هالي بيري وانجلينا جولي وجنيفر لوبيز.

وبالنظر إلى جوليا، يصعب التفريق بينها اليوم وبينها منذ عشرين عاما عندما مثلت في فيلم «بريتي وومان»(امرأة جميلة) بل يمكن القول إنها أصبحت أجمل.

فقد زادت ثقتها بنفسها كما أن سعادتها بأمومتها لثلاثة أطفال واضحة ولم تؤثر على نجوميتها، الأمر الذي شجع شركة «لانكوم» للتجميل على اختيارها في شهر يناير (كانون الأول) الماضي سفيرة لمنتجاتها. كل هذا يشير إلى تغير واضح في خريطة الموضة والجمال، فالمرأة العصرية لم تعد تتخوف من رقم 40، بل تعتبره بداية حياة جديدة عنوانها الحرية والتخلص من القيود الاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي كبلتها في سنوات الصبا.

فقد تكون في السابق عاشت حياتها للآخرين، ترضي هذا وذاك، أما الآن فهي متصالحة مع نفسها ولا تحتاج سوى لإرضاء نفسها، بل وتنتظر من المصممين أن يرضوها ويقدمون لها ما تطلبه لا ما يملونه عليها، وهذا ما كان.

في عرضه للربيع والصيف أتحف جون بول غوتييه الحضور بمجموعة زاهية الألوان والإيحاءات، أنهاها بإرسال المغنية المخضرمة أرييل دومباسي في فستان أحمر وهي تغني بالأسبانية. وفي عرض «لوي فيتون» للخريف والشتاء القادمين، أدهش المصمم مارك جايكوبس الحضور باستعانته بالعارضة الاسترالية الأصل، إيل ماكفرسون، البالغة من العمر 47 عاما إلى جانب كل من بار ريفاييلي وأليساندرا أمبروزيو وغيرهما من ذوات المقاسات الأنثوية والتضاريس البارزة، وكأنه يتحدى التمييز في الأعمار، رقما وقالبا.

تصميماته أيضا كانت تخاصم الصبايا والفتيات الصغيرات، بترف أقمشتها وسخاء أشكالها في لفتة واضحة للخمسينات من القرن الماضي. الحقبة التي شهدت عصر الـ«هوت كوتير» الذهبي على يد كريستيان ديور وغيره. كان عرضه مثلجا للصدر، وحركة ذكية ضرب بها عصفورين بحجر.

فالمرأة الناضجة والأمهات سيجدن ما يروق لهن في جانب الأزياء، بينما ستجد البنات الكثير مما سيغرفن منه في جانب الإكسسوارات التي يبدع فيها جايكوبس دائما.

ميوشا برادا، أيضا استعانت بالمرأة المفعمة بالأنوثة من خلال استعانتها بباقة من عارضات «فكتوريا سيكريت» تعدين منتصف العشرينات، وكن قد يئسن من تعاون بيوت الأزياء معهن من مثيلات دوتزن كروز البالغة من العمر 25 فقط وكوكو روشا، 21 سنة، وإن كانت مقاييس أجسادهن الأنثوية هي العائق الأول قبل أعمارهن، كما اشتكين سابقا.

العارضة أمبروزيو، مثلا، اشتكت بأنها لم تشارك في عروض الأزياء منذ ثماني سنوات، باستثناء عروض «فكتوريا سيكريت» لهذا فوجئت وشعرت بسعادة كبيرة عندما عرض عليها العمل على منصات باريس وميلانو بعد هذه المدة الطويلة التي كانت فيها سوق العمل تطلب فتيات صغيرات وصبيانيات الملامح».

تعاون يمكن قراءته بأنه توجه صريح للمرأة الناضجة وليس لمراهقات لم تكتمل أنوثتهن بعد، ولم تكتنز أرصدتهن البنكية.

مصمم دار «كالفن كلاين» فرانسيسكو كوستا، ذهب إلى أبعد من هذا واستعان بالعارضة كريستين ماكمينامي بشعرها الفضي، مع العلم أنها ظهرت أيضا في عرض الثنائي فكتور أند رولف في باريس.

كوستا صرح لوكالة «رويترز» بعد العرض أنه أراد شيئا مختلفا، «أردت عارضات يمثلن المرأة التي أصمم لها، وهي حتما ليست في الـ16 من عمرها».

 وأضاف: «المرأة التي أتوجه لها يجب أن تتمتع بدرجة عالية من الرقي..امرأة لها شخصيتها وتعيش حياتها بالكامل وهي أيضا أما».

ورغم الترحيب العام لهذا التوجه، وتهليل المصممين للنضج، فإنه من الخطأ التفكير في أنه توجه أفلاطوني وليست له خلفيات مكيافيلية تستهدف إمكاناتها المادية. كما يصعب التفريق بين هذا التوجه أو بالأحرى تسارع إيقاع غزلهم بهذه الفئة بعد الأزمة المالية، التي غيرت ثقافة التسوق لدى المرأة عموما والناضجة خصوصا التي تتحكم في سوق المنتجات المترفة.

فهذا ما دفعهم إلى تبني لغة صريحة معها مبنية على احترام ما تريده وما يناسبها في الوقت ذاته. ترجمة هذا في الواقع أن التقدم في العمر لا تصاحبه الحكمة وحدها بل زيادة في إمكاناتها المادية مع زيادة في وزنها ومعالم جسدها، ومن هنا كان ابتعادهم عن الأشكال الانوركسية.

وهو ما يعتبر خطوة شجاعة بالنسبة لكل من «لوي فيتون»، «كالفن كلاين» وغيرهما، لأن الأمر قد يكون سهلا بالنسبة للحملات الترويجية مثلما ما قامت به مادونا، أو الترويج لمنتجات التجميل، لكن عندما يتعلق الأمر بالمشي على منصات العروض فإن الفكرة مختلفة تماما وتقوم أولا وأخيرا على بيع الحلم وليس الواقع.

في حالة هذه البيوت، فقد نجحت في تحقيق المعادلة الصعبة. فعرض «لوي فيتون» كان من أجمل العروض التي أخذت الحضور إلى زمن «لادولتشي فيتا» في الخمسينات من القرن الماضي، كما أن عرض «كالفن كلاين» استقبل بحفاوة كبيرة لم يخفف منها الشعر الفضي الذي ظهرت بها ماكمينامي، بل العكس، فإن العيون اتجهت للأزياء أكثر، بتفاصيلها وتقنياتها، كما عكست إطلالة لامرأة عصرية وواثقة وتعرف ما تريد.

فجأة بدا الأمر مبهرا ومثل الحلم، وفجأة أيضا لم يعد مظهر العارضات النحيفات والصغيرات السن يثير الحلم.