هل جراحات القلب التقليدية أقوى من العمليات الجديدة المبتكرة؟

النوعان يتشابهان في تأثيراتهما على صحة المرضى
النوعان يتشابهان في تأثيراتهما على صحة المرضى

تظل عملية القلب المفتوح التي توظف فيها آلات إنعاش القلب والرئتين، حتى الآن، المعيار الذهبي لجراحات القلب.


ولا توفر التطويرات في العمليات الجراحية المبتكرة الأخرى على القلب، تحسينا لتلك الجراحة «الذهبية».

هذا هو الدرس الذي نتعلمه من «جراحة القلب من دون آلات لضخ الدم» off - pump bypass surgery الموجهة لفتح مجازات وعائية جديدة لمرور الدم.

وكانت هذه الجراحة التي تسمى «جراحة القلب النابض» قد طورت في التسعينات من القرن الماضي بوصفها نوعا جديدا من الجراحة لإعادة توجيه مجرى الدم من الشرايين التاجية المسدودة.

إلا أنها لم تنجح في الحلول محل الجراحة الأصلية، وهي الجراحة التي يكون فيها القلب متوقفا تماما عن العمل، فيما تقوم الآلات بضخ الدم إلى أنحاء الجسم.

وفي الواقع، فإن دراسة حديثة تفترض أن جراحة القلب النابض لا ترقى إلى مصاف الجراحة التقليدية على القلب.

تقوم شبكة واسعة من الشرايين بتجهيز الأوكسجين والعناصر المغذية إلى مليارات الخلايا التي يتكون منها القلب.

وتبدأ هذه الشبكة في الشريان الأورطي، وهو الوعاء الرئيسي للدم المشبع بالأوكسجين، الذي ينبعث بقوة من البطين الأيسر.

ويتفرع الشريان التاجي الأيمن والشريان التاجي الأيسر، من الأورطي، ثم يتشعبّان إلى أوعية دموية أصغر واصغر. ويمر بعض من هذه الأوعية الأصغر على سطح القلب فيما ينفذ بعضها الآخر إلى أعماقه.

ويؤدي تراكم المركبات الدهنية إلى حدوث ترسبات على الجدران الداخلية للشرايين التاجية، مما يعيق تدفق الدم. ويمكن للشريان المتضيّق بسبب هذه الترسبات، تأدية عمله بشكل جيد عند راحة الجسم، إلا أن بذل الجسم لجهد ما أو تعرضه للإجهاد يؤدي إلى ازدياد وتيرة عمل القلب.

وبهذا فإن الشريان المتضيق لا يتمكن من تجهيزه بالأوكسجين والطاقة المطلوبين لعمل القلب. وهذا ما يؤدي إلى ظهور ألم أو ضغط في الصدر يطلق عليه اسم الذبحة الصدرية angina، أو إلى أعراض أخرى مثل تقطع التنفس، غثيان مفاجئ، آلام في الذراع أو الفك، أو القلق.

عملية القلب المفتوح قبل الخمسينات من القرن الماضين كانت راحة المريض وأدوية علاج الأعراض مثل النتروغليسرين، هي الوسائل العلاجية الوحيدة للذبحة الصدرية.

إلا أن اختراع آلة القلب والرئتين heart - lung machine أتاحت للأطباء فرصة إجراء عمليات جراحية.

وأصبح بإمكان الجراحين استخدام مقطع صغير يؤخذ من شريان أو وريد في أي موقع في الجسم، بهدف تحويل مجرى الدم من الشريان المسدود، إلى مجاز جديد لتدفقه.

وسمحت آلة القلب والرئتين ميكانيكيا بضخ الدم في الدورة الدموية إلى أنحاء الجسم، الأمر الذي سمح للجراحين إيقاف القلب.

وسهل هذا كثيرا في عملية خياطة الأوعية الدموية الصغيرة جدا التي لا يزيد حجمها عن حجم خيط صغير جدا من خيوط السباغيتي، المعكرونة الطويلة الرفيعة، بخيط رقيق جدا لا يزيد قطره عن قطر شعرة رأس الإنسان.

عواقب الجراحة
وبالطبع فإن عملية جراحية لوضع مجاز وعائي مواز للشريان التاجي ليست عملية سحرية للشفاء التام، إذ تتعرض نسبة قليلة من المرضى إلى الوفاة بعد إجرائها، فيما يتعرض البعض الآخر إلى السكتة الدماغية أو العدوى. ويتعرض البعض الثالث منهم إلى حالة من التشوش الذهني تستمر عدة أسابيع أو أكثر.

ويوجه بعض الخبراء اللوم إلى عملية جراحة القلب الذي توظف فيها آلة إنعاش القلب والرئتين، في حدوث تغيرات المهارات الفكرية.

أما الخبراء الآخرون فيعتقدون أن تلك التغيرات ربما تكون عائدة إلى الضغط على الشريان الأورطي وسدّه نهائيا عند توصيل الآلة بالدورة الدموية، وهو الأمر الذي يتيح تحرير قطع صغيرة من الترسبات وانتقالها إلى الدورة الدموية.

وإن حدث وحطت هذه الترسبات رحالها في الدماغ، فإنها ستعيق تدفق الدم إلى أجزائه وتبطئ عمل التوصيلات العصبية المرتبطة بالتفكير.

جراحات جديدة
وقد تمعن الجراحون والمهندسون والمبتكرون في كل جوانب هذه العملية الجراحية بهدف جعلها أكثر أمنا وسلامة. وكانت إحدى محاولات إزاحة هذه العملية الجراحية تتمثل في عدم توظيف آلات القلب والرئتين.

وقد بدأ تنفيذ هذه الجراحة الجديدة من دون آلات بشكل مشابه لجراحة القلب باستخدام الآلات، وذلك بشق منطقة عظم القضّ وكشف القلب تماما.

ولكن، وبدلا من قيام الجراحين بوقف القلب النابض في العملية الجديدة، قاموا بتوظيف أداة تعزل مقطعا صغيرا جدا من القلب تكون حول الشريان الخاضع للمعالجة، مؤمنة له الاستقرار.

وعندما يضع الجراح المجاز الجديد لتدفق الدم يكون القلب نابضا في أجزائه الأخرى ضاخا الدم كما هو المعتاد. ثم يقوم الجراح بتحريك الأداة إلى أي موقع جديد يريد إخضاعه للعلاج.

لا فرق بين العمليتين
وقد كانت أولى التقارير عن عمليات جراحة القلب من دون توظيف آلات ضخ الدم إيجابية. وكان معدل حوادث النجاة من الموت على المدى القريب، وحوادث التعرض إلى السكتة القلبية مماثلا لعملية جراحة القلب بتوظيف آلات ضخ الدم، إلا أن هذه العمليات الجديدة بدت وكأنها تقي الدماغ بشكل أفضل.

ومع الزمن، توجه عدد أكبر من الجراحين لإجراء العملية الجديدة. واعتقد بعضهم أن العملية كانت أجود، رغم أن نتائج العمليات الأولى كانت غير متينة، ورغم عدم توافر إحصاءات على المدى البعيد، فيما تبناها جراحون آخرون كجزء من التحدي.

وقفزت بعض المستشفيات في قطار التجديد ووصفت العملية الجراحية الجديدة بأنها «عملية راقية» للأشخاص الذين لا يرغبون في التخلي عن مهماتهم بعد إجراء العملية.

إلا أن الدراسات الأوسع، والأطول زمنيا، عكرت صفو هذه النتائج. إذ ظهرت حالات فقدان الذاكرة ومشكلات في التفكير لدى بعض الذين خضعوا للعملية الجديدة.

كما أبدت بعض الدراسات مخاوفها بسبب وضع الجراحين لعدد أقل من المجازات عند الامتناع عن استخدام آلات ضخ الدم، وهو الأمر الذي يؤدي إلى عدم معالجة كل الشرايين المسدودة.

وقالت جمعية القلب الأميركية في بيان لها عام 2005، واصفة الجدل الدائر حول أفضلية أي من العمليتين الجراحيتين على الأخرى، إن هذا الجدل هو «واحد من أكثر المواضيع الساخنة الخاضعة للنقاش التي تؤدي إلى استقطاب الآراء في ميدان جراحة القلب».

واستنتجت الجمعية أن العمليتين الجراحيتين متكافئتان على العموم! وقد سلطت نتائج تجربة كبيرة أجريت في 18 مركزا طبيا لعلاج المحاربين القدماء في أنحاء الولايات المتحدة، الضوء على هذه المناقشات الدائرة.

وفي هذه التجربة قسم 2203 من المحاربين القدماء الذين كانوا بحاجة إلى إجراء عمليات جراحية لوضع مجاز وعائي في القلب، عشوائيا، إلى مجموعتين خضعت الأولى للجراحة مع توظيف آلات ضخ الدم، بينما خضعت الأخرى إلى جراحة من دون تلك الآلات.

وبعد 30 يوما من العملية جاءت النتائج متماثلة تقريبا لدى المجموعتين - أعداد متماثلة من الوفيات، حوادث السكتة القلبية، حالات الفشل الكلوي، وإعادة إجراء العملية مجددا.

إلا أن الفرق المهم بينهما كان أن نسبة 18 في المائة من الذين خضعوا للجراحة من دون آلات ضخ الدم وضع لديهم عدد من مجازات الأوعية الدموية، أقل مما كان يعتقد في البداية، مقارنة بنسبة 11 في المائة من مجموعة الجراحة بتوظيف الآلات (مجلة «نيو إنغلاند جورنال اوف ميديسن، 5 نوفمبر - تشرين الثاني - 2009).

وبعد عام على تلك التجارب ظهرت فروق مهمة أخرى وهي أن نسبة 9.9 في المائة من مجموعة الجراحة من دون آلات إما توفوا أو تعرضوا لنوبة قلبية، أو احتاجوا إلى إجراء عملية جديدة لفتح شريان تاجي مسدود أو وضع مجاز وعائي جديد مقارنة بنسبة 7.4 في المائة في مجموعة الخاضعين لجراحة القلب مع توظيف آلات ضخ الدم.

كما أظهر التصوير الشعاعي للأوعية الدموية أن المجازات الوعائية لدى الخاضعين لجراحة القلب مع توظيف آلات ضخ الدم كانت أكثر ثباتا وأكثر إحكاما من مثيلاتها التي وضعت في عمليات الجراحة من دون الآلات. ولم يظهر فرق بين العمليتين في نطاق من الاختبارات التي أجريت لتقييم الذاكرة والمهارات الفكرية.

تساؤلات مشروعة
لم تتسم تلك التجربة على المحاربين القدماء بالكمال. إذ يقول منتقدوها إن الجراحين الذي أجروا العمليات من دون آلات ضخ الدم، لم يكونوا من الجراحين الحاذقين، وأن النتائج كانت ستكون أفضل لو أن كلا منهم قد كان قد نفذ فعلا بين 50 و100 عملية جراحية (بدلا من 20 عملية على الأقل).

كما أن الأفراد الخاضعين للتجربة هم موضع خلاف، إذ إن الدراسات السابقة أشارت إلى فائدة عملية جراحة القلب من دون الآلات للنساء أكثر من الرجال، وكذلك للأشخاص الذين لديهم أمراض أخرى إضافة إلى أمراض الشرايين التاجية، بينما كانت التجربة مخصصة للمحاربين القدماء وأكثريتهم من الرجال الذين كانوا من الأعمار الشابة والسليمين صحيا نسبيا، مقارنة بالمرشحين الآخرين لعمليات القلب المفتوح الجراحية.

ومع هذا، فإن النتائج تمنحنا فسحة للتأمل بنتائج جراحة وضع مجاز وعائي للقلب. وهي أن هذه العملية يمكنها أن:

- تمنع الجراح من وضع مجازات وعائية موازية لكل الأوعية المسدودة. وهذا ما قد يقود إلى انقطاع التغذية بالدم المشبع بالأوكسجين، بعض المرات، عن أجزاء من القلب.

- تعيق صنع توصيلة متدرجة ومتساوية الحافات بين المجاز وبين الشريان التاجي. وأن وجود توصيلة غير «ناعمة» مثل هذه، أثناء خياطة المجاز قد يقود إلى الإخلال بتدفق الدم المنتظم، الأمر الذي سيقود إلى حدوث ترسبات جديدة.

- لا تقي من حدوث مشكلات في التفكير تنجم عن إجراء العملية بشكل أفضل من العملية الجراحية التقليدية لصنع مجاز وعائي للقلب بتوظيف آلات ضخ الدم.

أي الجراحتين أفضل؟
إن جراحة القلب من دون توظيف آلات ضخ الدم، لا تعتبر أفضل من الجراحة التقليدية على القلب المفتوح. وعند إجرائهما من قبل جراحين حاذقين فإن كلتا العمليتيين، سواء بتوظيف الآلات أو من دونها، تقدمان نفس النتائج.

وهذا يعني أن البحث عن جراح حاذق وعن فريق جراحي حاذق هو مسألة حيوية للتحضير للعملية.

ويقول الدكتور كمال خباز رئيس جراحة القلب بمركز بيت إسرائيل - ديكونيس الطبي التابع لجامعة هارفارد إن «عملية وضع مجاز وعائي للقلب هي عملية جماعية.. وعليها أن تؤمن عمل الجراح مع أعضاء فريق متكامل مستقر ظلوا، كلهم، ينفذون هذه العملية مرات ومرات».

ويقول الدكتور ديباك بهات الأستاذ المساعد في كلية هارفارد للطب ورئيس قسم القلب في منظومة رعاية بوسطن الصحية للمحاربين القدماء، إن على الأشخاص المعانين من الذبحة الصدرية أو أي علامات على وجود شرايين تاجية مسدودة، استشارة الطبيب.

وهو يقترح التفكير بثلاث إجابات لهذه الأسئلة:

- هل أنت بحاجة فعلا إلى جراحة لوضع مجاز وعائي في القلب؟
فإن كنت لا تعاني من أي أعراض لأمراض الشرايين التاجية أو من الشرايين المتضيقة، فإن أي من عمليات جراحة القلب أو عمليات إزالة تضيق الشرايين angioplasty لن تقدم لك الفائدة، بل إن تناول الأدوية وتغيير نمط الحياة وإجراء التمارين الرياضية وتناول الغذاء الصحي ستكون أفضل في الوقاية من النوبة القلبية أو السكتة الدماغية.

- ما هو التشريح التاجي؟
إن التصوير الشعاعي للأوعية الدموية سوف يظهر تدفق الدم عبر الشرايين التاجية، وبمقدوره تحديد نوع العملية اللازمة: إما عملية إزالة تضيق الشريان، أو عملية جراحة القلب.

- ما هو الخطر الكليّ؟
إن كنت معرضا لخطر أكبر من عملية جراحة القلب، ربما بسبب الفشل الكلوي أو الإصابة حديثا بسكتة دماغية، فإن عملية إزالة تضيق الشرايين قد تكون أفضل لك من عملية جراحة القلب من دون توظيف آلات ضخ الدم.

ويقول بهات: «لا أعتقد أن عمليات جراحة القلب من دون آلات ضخ الدم، عمليات موجهة للمصابين من ذوي الخطر العالي».

- إن كان الجراح يعتقد أن عملية جراحة القلب من دون آلات ضخ الدم، هي الأفضل، وكان من الذين يجرونها باستمرار سوية مع فريق متمرس فيها، فذلك حل ممتاز. وإلا فلا توجد دواع أخرى لإجراء هذه العملية.

ولكن، وحتى الآن، فإن العملية القديمة المجربة - التي كانت في وقت ما عملية ثورية جديدة - تظل هي العملية «الذهبية» لجراحة القلب.