دراسة طبية عالمية .. معدلات الوفيات عالميا في تراجع

معدلات الوفيات بين الأطفال، قبل بلوغ سن الخامسة، ووفيات الأمهات شكلت محور الاهتمام الرئيسي للدراسات العالمية المعنية بصحة الأمهات.


ويرجع السبب وراء ذلك إلى أن هاتين المجموعتين الديموغرافيتين شكلتا هدف الكثير من الاختراعات ويعتقد أن معدلات الوفيات الخاصة بهما تشكلان مؤشرا على مجمل الصحة العامة للسكان. إلا أن الدراسة الجديدة توحي بأن هذا الأمر لم يعد قائما.

في بريطانيا مثلا التي يشكل اقتصادها الأقوى ويأتي في المرتبة الرابعة عالميا جاء معدل الوفيات بين نسائها في المرتبة 20 بين الدول الأوروبية، الأمر الذي اعتبر تراجعا في عدد وفياتها. حتى النساء في سلوفينيا وألبانيا قد يعيشون أطول من النساء في بريطانيا.

وكشفت الدراسة أن النساء في الهند اتسمن بمعدل وفيات أعلى من الرجال عام 1970، لكن هذا الوضع تبدل الآن.

وتتميز نساء كوريا الجنوبية اليوم بثاني أقل معدل وفيات بين البالغين بعد نساء قبرص. جدير بالذكر أن كوريا الجنوبية كان ترتيبها الـ123 على هذا الصعيد عام 1970.

على ما يبدو، يشكل وباء الإيدز وانهيار الاتحاد السوفياتي والتدخين القوى الرئيسية المحركة وراء التغييرات العالمية في معدلات وفيات البالغين على امتداد هذه العقود.

واجتمع وباء الإيدز والاضطرابات الاجتماعية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي ليدفعا معدلات الوفيات للارتفاع على نحو استثنائي في مطلع عقد التسعينات بينما ظل التوجه العام متحركا نحو الانخفاض خلال باقي الفترة.

وترتب على ذلك مواجهة الرجال في أفريقيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق مخاطرة أعلى للموت بين الـ15 والـ60 من أعمارهم عما كان عليه الحال عام 1970. في الوقت ذاته، تراجعت معدلات الوفيات بين النساء الآسيويات.

نشرت الدراسة عبر شبكة الإنترنت الجمعة في دورية «لانست»، وتعد الدراسة الأكثر تفصيلا حتى اليوم عن التوجهات المتعلقة بمعدلات الوفيات في دول مختلفة.

وبشكل عام تراجعت معدلات الوفيات للبالغين بنسبة 1 في المائة تقريبا سنويا على مدار الـ40 عاما الماضية، مع حصد النساء مكاسب أكبر من الرجال وظهور فجوات ضخمة بين الدول والمناطق المختلفة خلال هذه الفترة، طبقا لما خلصت إليه دراسة جديدة.

من جهته، قال كريستوفر جيه. إل. موراي أستاذ علم الأوبئة في جامعة واشنطن الذي قاد الفريق القائم على الدراسة: «لم يعد الاعتقاد بأن ما يحدث للأطفال يحدث بالضرورة للبالغين قائما.

في الكثير من المناطق، تتحسن الأوضاع على صعيد معدلات الوفيات بين الأطفال، في الوقت الذي تسوء فيه معدلات الوفيات بين البالغين».

كما تكشف النتائج عن توجه معارض لما يبدو من مقاييس أخرى للتنمية، مثل نمو الدخل بالنسبة للفرد والإنجاز التعليمي.

بناء على هذه المقاييس، تضاءلت الفوارق بين الدول بمرور الوقت، بينما اتسعت الفجوة المرتبطة بمعدلات الوفيات بين البالغين. وأوضح موراي أن «الاختلافات تفاقمت منذ عام 1990، وهي ظاهرة غير اعتيادية».

يذكر أن موراي وزملاءه عكفوا على تفحص قرابة 4000 مقياس لمعدلات الوفيات بين البالغين في 187 دولة، بينها سجلات متعلقة بالإحصاء السكاني وبيانات إحصائية حيوية ودراسات مسحية للسكان.

وتوصلوا إلى أن الوفيات بين البالغين، باعتبار أنها تشكل احتمالية الوفاة بعد سن الـ15 وقبل سن الـ60، تراجعت بنسبة 19 في المائة بين الرجال و34 في المائة بين النساء على مدار الأعوام الـ40 الماضية.

أما أقل الدول من حيث معدلات وفيات الذكور البالغين فكانت آيسلندا، بمعدل بلغ 65 حالة وفاة مبكرة بين كل 1000 رجل.

في المقابل، جاء المعدل الأعلى في سوازيلندا، حيث بلغ 765 وفاة مبكرة بين كل 1000 رجل. بالنسبة للنساء، كان المعدل الأدنى من نصيب قبرص (38 وفاة لكل 1000)، أما الأعلى فكان في زامبيا (606 وفيات لكل 1000).

بلغ معدل وفيات الرجال في الولايات المتحدة 130، مما وضعها في المرتبة الـ45 عالميا. بالنسبة للنساء الأميركيات، وصل المعدل إلى 77، ليضع ذلك البلاد في المرتبة 49 عالميا. وجاء معدل التراجع على مدار العقود الأربعة الماضية أقل من 1 في المائة سنويا.

بين عامي 1970 و2010، ارتفعت معدلات الوفيات المبكرة بين الذكور البالغين في روسيا إلى 412 بدلا من 308 لكل 1000 رجل.

أما النساء، فارتفعت معدلات الوفيات بينهن من 121 إلى 157 في المكسيك، وفيما يتعلق بمعدلات الوفيات المبكرة للرجال خلال الفترة ذاتها، فقد تراجعت إلى 158 من 272، بينما تراجعت في النساء إلى 88 من 190.

عام 1970، كانت معدلات وفيات الإناث البالغين في كل من الهند وباكستان وبنغلاديش وبهوتان وأفغانستان أعلى منها في الرجال، مما اعتبر غريبا جدا.

ويعتقد الخبراء المعنيون بالقضايا الديموغرافية أن جزءا من السبب على الأقل وراء ظاهرة «النساء المفقودات» التي تشتهر بها المنطقة يكمن في الوفيات المبكرة للنساء البالغات، علاوة على قتل الأطفال والإهمال النسبي للفتيات والإجهاض الانتقائي.

بحلول عام 2010، كانت أفغانستان الوحيدة التي يوجد بها معدلات وفيات أعلى بين الإناث عنها بين الذكور.

في الهند، انخفض معدل الوفيات المبكرة بين النساء إلى 145 من 358، الأمر الذي ربما يشكل نتاجا لتوفير تعليم أفضل وتمكين المرأة. وعبر جنوب آسيا، تراجعت مخاطر تعرض النساء لموت مبكر بنسبة 56 في المائة على مدار الأعوام الأربعين التي تغطيها الدراسة.

من جهتها، حققت أستراليا مكاسب كبرى، مع انتقالها من المرتبة الـ44 إلى الـ6 على مستوى العالم من حيث أقل معدلات وفيات الرجال البالغين، وإلى المرتبة الـ8 من الـ36 فيما يخص وفيات النساء.

على الجانب الآخر، تراجعت اليونان إلى الترتيب الـ22 هذا العام من الأول عام 1970 بالنسبة لوفيات الرجال، بينما تراجعت البلاد فيما يخص وفيات النساء درجة واحدة لتصل إلى المرتبة الرابعة عالميا، وذلك خلال الفترة ذاتها.

جدير بالذكر أن اليونان تتسم بأعلى معدل استهلاك للسجائر بالنسبة للفرد عالميا، الأمر الذي يرى موراي أنه ربما يفسر جزءا من السبب وراء تردي معدلات الوفيات بين الرجال اليونانيين البالغين.

من ناحيتها، تتميز السويد بسجلات إحصائية حيوية تعود إلى فترة أقدم عن أي دولة أخرى تقريبا في العالم. وقدرت الدراسة أن معدلات الوفيات في الدول الواقعة جنوب أفريقيا بين البالغين من كلا النوعين تفوق نظيرتها في السويد عام 1751.