حرب الأناقة الصامتة في بريطانيا .. بين سارة براون وسامنثا كاميرون

في السياسة البريطانية .. وراء كل رئيس حكومة .. امرأة، وفي الصورة رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون و زوجته سارة
في السياسة البريطانية .. وراء كل رئيس حكومة .. امرأة، وفي الصورة رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون و زوجته سارة

أسابيع قليلة تفصلنا عن الانتخابات العامة في بريطانيا، تشير استطلاعات الرأي إلى ضعف حظوظ رئيس الوزراء البريطاني الحالي غوردن براون بالفوز بها، خصوصا أنه يواجه اليوم عاصفة جدل جديدة تطال سمعته الشخصية، فالكل يعرف أن براون قليل الحظ بشكل عام وأسهم في ذلك كونه تسلم الحكم في أوقات حالكة من النواحي الاقتصادية والسياسية، ولم تساعد شخصية الرئيس غير المدربة على الظهور العلني والكاريزما الناقصة لديه في دعم مسيرته وتقوية شعبيته وصورته.


وإلى جانب الحرب الكلامية الدائرة ما بين براون ووزير خزانته أليستر دارلينغ وتفجير القصص المثيرة التي تضر بصورة حزبهما، واستفادة زعيم المعارضة ديفيد كاميرون من الحرب الأهلية الدائرة في قلب حزب العمال، هناك حرب أخرى تجري وراء الكواليس وهي حرب نسائية صامتة بين زوجة رئيس الحكومة سارة براون وزوجة كاميرون سامنثا كاميرون التي تطمح إلى الوصول إلى 10 داونينغ ستريت من خلال فوز زوجها وحزبه في الانتخابات القادمة.

إنها حرب الأناقة المحسوبة، وحرب تحسين الصور، فكل حركة تقوم بها كل من سارة براون وسامنثا كاميرون لها دلالاتها.

ففي مقال شهير نشرته صحيفة الغارديان في سبتمبر الماضي، كان العنوان: «هل تستطيع سارة براون إنقاذ حزب العمال؟»، فسارة براون تلعب منذ سنتين دورا كبيرا في حياة غوردن السياسية، فهي تحاول جاهدة على تحسين صورته وشعبيته، وبنفس الوقت عملت السيدة براون هي نفسها على صورتها الشخصية أيضا، ففي بادئ الأمر كانت سارة براون امرأة صامتة، وفي أول ظهور لها خارج 10 داونينغ ستريت وقفت في الصف الخلفي وراء زوجها الذي ألقى كلمة أمام تجمهر الكاميرات والإعلام، وعلقت الصحف حينها على وقفتها الباهتة وعدم تخلّيها عن وضع يديها أمام بطنها، وهذه كلها دلالات تُعرف بلغة الجسد، التي فُسّرت بأن براون غير مرتاحة في موقعها الجديد، إلا أنه في نقطة تحول كبيرة في حياة سارة براون تحولت تلك الزوجة السياسية شبه الخرساء إلى امرأة بكل ما في الكلمة من معنى وأصبحت اليوم من أكثر الشخصيات النسائية البريطانية تأثيرا، فهي اليوم توصف بالمرأة القوية والعصرية والنشيطة.

ولم تتغير شخصيتها فحسب إنما صورتها الخارجية تغيرت هي الأخرى، فمنذ أن تولى براون رئاسة الحكومة ورافقت سارة الصورة التقليدية للمرأة البريطانية من حيث الهندام والشكل والبنية الممتلئة، إلا أنها اليوم أصبحت تعرف بمواكبتها للموضة وظهورها بملابس مثيرة تليق بكل مناسبة تحضرها.

فخلال الزيارة الرسمية الأولى للرئيس الأميركي باراك أوباما إلى بريطانيا العام الماضي، نسيت وسائل الإعلام الغاية الأساسية ومسودة المواضيع التي جاء الرئيس الأميركي إلى بريطانيا لمناقشتها، وتصدرت عناوين الصحف الكبرى المحلية والعالمية أخبار أزياء السيدة الأولى ميشال أوباما وزوجة رئيس الوزراء سارة براون، وكانت الزيارة أشبه بحرب ما بين الأناقة الموقعة من قِبل دور أزياء بريطانية وأخرى أميركية، خصوصا أنه من المعروف عن أوباما وبراون تشجيعهما للماركات المحلية التي تعرف بـ«هاي ستريت براند» لكل من بلدهما.

ولم تنتهِ حرب أزياء زوجات السياسيين ما بين أوباما وبراون بل امتدت إلى زوجة زعيم حزب المعارضة في بريطانيا سامنثا كاميرون التي ظهرت في فستان بني اللون منقط بالأبيض من تشكيلة محلات «ماركس آند سبنسر» البريطانية، وساعد ظهورها بالفستان في الترويج لهذا التصميم مما اضطر إدارة المحلات إلى إجراء طلبيات إضافية لإرضاء نصيرات حزب أزياء كاميرون.

في الماضي كان يقال إنه في السياسة النساء يربحن الانتخابات بالإشارة إلى المنتخبات من الجنس اللطيف، إنما اليوم فيمكن القول إن زوجات الزعماء هن من يملكن القوة في الانتخابات وليس بالضرورة بسبب ما يتفوهن به إنما بما يلبسنه من أزياء.

فمع انطلاق أسبوع لندن للموضة الأسبوع الماضي، انطلقت معه شرارة حرب الأناقة ما بين سارة براون وسامنثا كاميرون، فمن المعروف في عالم الصحافة أن الصورة وحدها تعبّر أكثر من ألف كلمة، وفي حالة كاميرون وبراون هذا صحيح مائة في المائة، فاستمدت سارة براون صورة المرأة العصرية والعاملة من خلال تقربها من العارضة السمراء ناعومي كامبل وبدت في الحفل الخيري الذي استضافته لندن لتجميع التبرعات لهايتي وهي ترتدي فستانا من تصميم «عيسى» سعره 350 جنيها إسترلينيا.

وافتتحت براون عروض أزياء أسبوع لندن للموضة وهي ترتدي فستانا من تصميم «إردم» بسعر 1300 جنيه إسترليني وكانت المفاجأة عندما حضرت كاميرون عرض «إردم» بعد يومين وهي ترتدي فستانا من توقيعه بسعر 665 جنيها إسترلينيا.

فمن المعروف عن سامنثا كاميرون الملقبة بـ «سام» أنها أكثر أناقة من سارة براون، فهي من عائلة أرستقراطية وأصغر سنا من براون، فعندما حضرت عرض دار «بيربيريز» للأزياء الأسبوع الماضي كانت جالسة في الصف الأمامي وهي ترتدي جاكيتة عصرية من تصميم ستيلا ماكارتني وجينز من ماركة «ديزل» وحذاء من محلات «إل كاي بينيت» البريطانية، وهذا المظهر له دلالاته ومنه تحاول سام إيصال رسالة معينة إلى البريطانيين الذين سيُدلون بأصواتهم في الانتخابات الحاسمة قريبا، فاختيارها لستيلا ماكارتني قد يكون لأن ستيلا هي بريطانية شابة، عصرية وابنة مغنٍّ مشهور، كما أنها حاولت أن تكون بهندام بريطاني شاب وعصري، وهذه الرسالة واضحة جدا وليست بحاجة إلى تفسير.

وردا على هذا المظهر، كان لا بد أن تقوم براون بشيء، فلم تفارق الكاميرا، وعلى الرغم من شخصيتها الخجول، واظبت على حضور معظم الحفلات التي رافقت أسبوع الموضة، وحاولت جاهدة ذكر زوجها التي تقول عنه في الكثير من المناسبات: «زوجي، بطلي» وهذه رسالة هي الأخرى، لإظهار السياسي المقهور قليل الحظ على شكل البطل والزوج الناجح والمحبوب، ولو أنها لم تنجح في إقناع البريطانيين بشعلة حبهما عندما قبلته بطريقة حميمة أمام الجمهور.

حاليا لا يمكن التعليق على سام كاميرون، فهي تلعب لعبة ذكية ومدروسة، ستتغير الاستراتيجية في خضم المعركة الانتخابية عندما يزيل السياسيون وزوجاتهم الأقنعة خلال طلاتهم الإعلامية.

المنافسة قوية بين فريقَي براون وكاميرون اللطيفين، فسارة على الرغم من قطعها أشواطا في تحسين صورتها، لا يمكن أن ننسى أنها تكبر سام كاميرون بثماني سنوات ولا تتمتع بقوامها، فقد تكون براون برعت في تجسيد دور المرأة المتخصصة بمجال العلاقات العامة وهذه هي مهنتها بالأصل، ولكن كيف يمكن أن تضاهي مديرة التصميم والإبداع في شركة «سميثسون» المتخصصة في القرطاسية الراقية وهي مؤسسة شركة «أوكا» للسلع الفاخرة ومقرها في منطقة «نوتينغ هيل» في لندن.

في حين يظهر كل من غوردن براون وديفيد كاميرون في العلن متناحرين، هناك فريق كبير يقف وراء الطرفين يخطط للمعركة القادمة التي ستقودها الزوجتان، فلم يكن ظهور سارة براون مع العارضتين ناعومي كامبل وكايت موس عن طريق المصادفة إنما كانت خطوة مدروسة لمخاطبة المقترعين الشباب الذين يتأثرون للأسف بشخصيات أمثال موس وكامبل. فكما ذكرنا من قبل، من اليوم فصاعدا كل خطوة محسوبة، فيجب أن يتم انتقاء المقابلة والأزياء والرفقة والهندام بحذر شديد، فالحمى الانتخابية بدأت، ولا بد من استفادة براون وكاميرون من خبرة ميشال أوباما في هذا المجال، فهي خير دليل ناجح على دعم زوجة السياسي لصورة زوجها من خلال فساتينها وطلاتها وإطلالاتها.

فعندما تختار إحدى السيدتين أن ترتدي فستانا من تصميم بريطاني فهذا يدل على وطنيتها، وعندما تختار ارتداء تنورة أو قميص من محلات «ماركس أند سبنسر» بسعر لا يتعدى أربعين جنيها إسترلينيا، لا تقلق عزيزي القارئ فوضع السياسيين الاقتصادي بألف خير، إنما الرسالة تذهب إلى أبعد من ذلك، فهي تخاطب الطبقة العاملة في المجتمع لتشعرها بأن زوجة الزعيم واحدة منها.

فسارة براون وصلت بها الخطوات المدروسة إلى درجة أنها قامت باستئجار جميع ألبستها خلال قمة مجموعة العشرين كأنها تقول للشعب: «أنا مثلكم، أستدين لأتزين»، ومن المعروف عن براون أنها لا تدفع أكثر من 30 جنيها إسترلينيا على قصات شعرها، على عكس كاميرون التي تستعين بأنامل مصففة الشعر المتخصصة بتلوين الشعر لويز غالفن التي تبدأ أسعارها من 200 جنيه إسترليني.

ويرى المحللون أن هناك تخوفا من أن ينقلب السحر على الساحر، فظهور سارة براون كثيرا في المجتمع وفي المقابلات وعلى التلفزيون قد يسيء إلى صورة زوجها بدلا من تقويتها، كما حصل مع شيري بلير زوجة رئيس الحكومة السابق توني بلير، فعندما أصبحت في وسط الحلبة وتحت الأضواء أثرت على بلير سلبا في آخر أيامه في داونينغ ستريت، ونبّه المحللون بأن العقلية البريطانية تختلف عن العقلية والبروباغندا الأميركية الفاضحة، فالبريطانيون لا يزالون يتقوقعون في جلابيب أجدادهم السياسية، وقد تكون سام كاميرون أمسكت الخيط من طرفه الصحيح، فهي في الصورة ولكنها ليست في وسطها، قوية ولكنها ليست حادة.

في نهاية المطاف حرب الأناقة بين زوجات السياسيين قائمة، فلننتظر ونرَ النتيجة، لمعرفة ما إذا كان الذكاء والأناقة سيفا قاطعا يسهم في نجاح السياسيين على ظهر الجنس اللطيف.

سارة براون في سطور
- من مواليد 31 أكتوبر (تشرين الأول)، عام 1963.

- مؤسسة وكالة «هوبساون ماكولاي» للعلاقات العامة.

- وُلدت في مقاطعة باكينغهامشير في عائلة متوسطة، أمها معلمة مدرسة ووالدها اسكوتلندي عمل في دار لونغمان للنشر.

- لديها ولدان هما جون وجايمس فرايزر، وكان لها طفلة كان اسمها جنيفر جاين توفيت بعد 10 أيام من ولادتها.

سامنثا كاميرون في سطور - من مواليد 18 أبريل (نيسان)، عام 1971.

- مؤسسة شركة «أوكا» للسلع الفاخرة في لندن ومديرة التصميم والابتكار في شركة «سميثسون» للقرطاسية الراقية في بوند ستريت في لندن.

- وُلدت في لندن في عائلة أرستقراطية، والدها هو السير أدريان شيفيلد سليل عائلة الملك تشارلز الثاني، ووالدتها أنابيل لوسي جونز.

- لديها ابنة وولد هما نانسي غوين وآرثر إيلون، وكان لها طفل اسمه إيفان توُفّي في فبراير (شباط) العام الماضي.

- من إنجازات كاميرون، تصميم حقيبة تحمل اسم ابنتها «نانسي» وضمها لتشكيلة «سميثسون» التقليدية، وكانت أول من أدخل اللون الزهري على تصاميم هذه المحلات الراقية.وفي مقابلة مع زوجها ديفيد كاميرون صرح بأنه إذا أصبح رئيسا للوزراء، لن تتخلى سام عن عملها في سميثسون.