ماس وبريق .. فن وتسويق .. تحف بصياغة أربعة من الكبار

الألوان الهادئة التي «تفتح النفس» ستبقى هي العنوان العريض لهذه التشكيلة، كما ستكون هي نقطة الجذب فيها، لما تعكسه من ضوء على البشرة، خصوصا عندما تترافق مع تصميمات مبتكرة لبعض الياقات التي جاءت مطوية عل
الألوان الهادئة التي «تفتح النفس» ستبقى هي العنوان العريض لهذه التشكيلة، كما ستكون هي نقطة الجذب فيها، لما تعكسه من ضوء على البشرة، خصوصا عندما تترافق مع تصميمات مبتكرة لبعض الياقات التي جاءت مطوية عل

لإضافة إلى برج إيفل ومطبخها، فإن فرنسا تعتبر نفسها أم الموضة، وتتعامل معها كمؤسسة من مؤسساتها المقدسة .. لهذا لم يكن إغلاق دار «كريستيان لاكروا» بالأمر الهين بالنسبة لها، بقدر ما كان صدمة كبيرة لا تزال آثارها بادية عليها خلال أسبوع الأزياء الراقية «هوت كوتير» الذي شهدته عاصمتها في الأسبوع الماضي.


فعلى الرغم من أن الحكومة كثفت كل جهودها لإنقاذ هذه الدار، فإن تيار الأزمة المالية كان أقوى من كل جهود، وإن تعلمت الحكومة من الصدمة درسا مفيدا يتمثل في توثبها لاستباق الأمور وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تستفحل أي مشكلة تتعلق بقطاع الموضة.

والدليل أنها تعمل حاليا على إنشاء صندوق لمساعدة المصممين والحرفيين الذين يعانون من أي مشاكل، حسبما أعلن وزير الصناعة، كريستيان إيستروسي، في بداية الأسبوع، بحيث يمنح الصندوق قروضا تضمنها الحكومة، حتى تضمن أن «تبقى باريس عاصمة الموضة العالمية» حسب ما صرح به الوزير.

ولا يختلف اثنان على أن اعتزاز فرنسا بذلك له مبررات أخرى، إلى جانب ما يضفيه هذا القطاع على باريس من جمال وأناقة، تتمثل في أنه يوظف ما لا يقل عن 125 ألف شخص، لهذا عندما أشارت نتائج بداية العام إلى قرب خروجه من الأزمة، إذ سجلت ارتفاعا بنسبة 1% مقارنة بانخفاض بنسبة 8% في عام 2009، فإن المشرفين على القطاع تنفسوا الصعداء، كما سرى التفاؤل في أوصال كل فرنسا.

وترجم هذا التفاؤل على خشبات العروض في الأسبوع الماضي - أسبوع الأزياء الراقية للربيع والصيف - بالكثير من الألوان التي تستدعي الماس والأحجار الكريمة التي لم يضاه ترفها وجمالها سوى التصميمات التي تباينت بين الفخامة والرومانسية، مع فنية عالية تذكرنا بأننا في موسم قد يفوق فيه سعر الفستان الواحد سعر قطعة مجوهرات أو لوحة لرسام مبدع.

ديور
في دار «ديور» كانت الفساتين تحفا فنية أعادتنا إلى عام 1947، نقطة بدايتها بعد الحرب العالمية الثانية على يد السيد كريستيان ديور، الذي أعاد للمرأة خصرها المفقود. فقبل هذه الفترة، عاشت المرأة حالة من التقشف انعكست على أزيائها، التي طبعتها البنطلونات والتنورات القصيرة والأقمشة الخشنة والألوان الداكنة، ثم جاء السيد كريستيان، ليعيد لها أنوثتها من خلال قطع حددت الخصر، وتنورات تتسع بشكل واضح وسخي، أثار عليه سخط الرجال، ونال عليه إعجاب وحب النساء.

وهكذا ولد أسلوب «ذي نيولوك» الذي لا تزال الدار تتفاءل به وتعود إليه في كل موسم، وعلى ما يبدو ركز عليه جون غاليانو في هذا الموسم أكثر، ربما للتشابه بين نهاية حرب عالمية ونهاية أزمة مالية عالمية، مازجا كعادته وبنجاح، الدراما بالواقعية. في البداية احتفل بامرأة قوية وواثقة من خلال أزياء مستوحاة من عالم الفروسية، لعب فيها على ألوان بسيطة وواضحة قال إنه استوحاها من تشارلي جايمس، وهو فنان غير معروف عالميا لكنه أسهم في إلهام السيد كريستيان ديور في عام 1947.

بعدها أدخلنا إلى عالم القصور والبلاطات، حيث أطلت علينا العارضات بفساتين ضخمة وفخمة في الوقت ذاته لعب فيها أيضا على ألوان اعتمدت التناغم المتناقض، بحيث يأتي الكورسيه أو منطقة الصدر بلون والتنورة الضخمة بلون مختلف تماما، ليتمازج الجزء الأسفل بالجزء الأعلى من الجسم بشكل رائع وخفيف على العين.

عودته إلى إرث الدار واحترامه له، يعني أن التصميمات ليست جديدة بمعنى الكلمة، فقد أصبحت مألوفة لدينا نوعا ما، لكن نوعية الأقمشة ومستوى الحرفية كانا أكثر من رائعين، بحيث تستطيع أي امرأة تلبسها أن تسرق الأضواء وتلفت الأنظار أيا كان الزمان أو المكان، لا سيما أن مزجه البارع للألوان جعل التنورات الضخمة تبدو مقبولة، وإن كانت صاحبتها ستحتاج إلى مساعدة للدخول بها من الأبواب العادية.

شانيل
عند شانيل كانت القصة جديدة، فليست كل التصميمات جاءت محددة على الجسم، وكانت هناك مجموعة من الجاكيتات التي حرصت على أن تبتعد عن الخصر بعدة سنتيمترات لتظهر من تحتها «شورتات» قصيرة وواسعة.

الفساتين هي الأخرى أخذت أشكالا جديدة لا تقترب من الجسم في الكثير من الحالات، سواء القصيرة الموجهة للكوكتيل أو الطويلة الخاصة بالمساء أو السهرة.

لكن التصميمات ليست هي اللافتة في هذا العرض، بل الألوان والتطريزات.

فلأول مرة، تخاصم الدار اللون الأسود الذي ارتبط بها منذ تأسيسها، وما علينا إلا أن نتذكر أن الفستان الأسود الناعم كما نعرفه الآن ولد من رحمها، وتستعيض عنه بألوان تضج بالترف والغنى، لأن كل ما فيها يتكلم لغة المجوهرات والأحجار الكريمة، مثل السيترين والسفير الوردي أو الزبرجد وطبعا الماس واللؤلؤ.

الأسود ليس وحده المغيب هنا، فلون الذهب أيضا اختفى بحيث لم يظهر منه ولا زر واحد.

من البداية إلى النهاية، كانت التشكيلة تضج بالرومانسية مع لمسات مستقبلية رغم أن كارل لاغرفيلد يرفض هذا القول على أساس أن المستقبل في علم الغيب، وقد لا يأتي، وأن «الموضة هي دائما في الحاضر».

المهم أن الألوان الهادئة التي «تفتح النفس» ستبقى هي العنوان العريض لهذه التشكيلة، كما ستكون هي نقطة الجذب فيها، لما تعكسه من ضوء على البشرة، خصوصا عندما تترافق مع تصميمات مبتكرة لبعض الياقات التي جاءت مطوية على شكل أظرفة مفتوحة أو مثلثات.

كارل لاجرفيلد، كعادته، استطاع أن ينفث في كل قطعة روح العصر بشكل رائع يجعل كل نساء العالم، بغض النظر عن أعمارهن، يحلمن بها ويتقن لها، بما فيها تلك التي أسهب فيها بالتطريزات.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست أول تشكيلة يختفي فيها الأسود، بل أيضا أول تشكيلة تكثر فيها الدار من البريق واللمعان، إلى حد يغني عن استعمال أي مجوهرات إضافية.

وهذا هو سر نجاح «شانيل» الدار الدائم، فحتى عندما تسهب في جعل التشكيلة تتكلم لغة المال والماس، شكلا ومضمونا، فإنها تبقى دائما ضمن الكلاسيكي والمشهي.

إيلي صعب
محبوب المجتمع العربي المخملي ونجمات هوليوود إيلي صعب، قدم أيضا تشكيلة لم تخيب آمالهن في آخر يوم من موسم الـ«هوت كوتير» للربيع والصيف.

فهي تقطر رومانسية، وركز فيها على درجات الألوان الهادئة والتطريزات الغنية لكن من دون استعراض.

الملاحظ أيضا أنه ابتعد فيها عن الهندسية في الأكتاف، مثلا، ورجع فيها إلى ماركته المسجلة: الدرابيه والطيات التي تبرز جمال الجسم وتخفي عيوبه.

أي الأسلوب الذي جعله محبوبا منذ البداية، لأنه أسلوب يخاطب امرأة نخبوية لكن عصرية.

امرأة حالمة تعشق الورود وتستطيع اقتناء البريق بكل أشكاله، سواء كان فستانا مطرزا بسعر يفوق الـ40.000 دولار أو عقدا مرصعا بالسعر نفسه، لكن في الوقت ذاته تعرف ماذا تريد.

وظف إيلي في هذه التشكيلة المكونة من 44 قطعة، كل أسلحته لغزو خزانة هذه المرأة، بدءا من الأقمشة المترفة إلى التطريزات الغنية لكن بدرجات ألوان الفستان، مما يجعلها راقية وغير استعراضية، فهو هنا ينظر إلى الحاضر والمستقبل وليس لفترة الثمانينات، وهذا ما يحسب له، ويجعل هذه التشكيلة التي لم تقدم جديدا من ناحية الابتكار في التصميمات حلما سيتحقق للبعض وسيبقى مجرد حلم للأغلبية.

ورغم أن كل قطعة كانت مدهشة تلهب الخيال، فإن فستان الزفاف (أو بالأحرى طرحته) كان ضربة معلم، من الناحيتين الفنية والتسويقية.

فالطرحة مصممة ومطرزة ومعقودة بشكل أخاذ، لكن الأهم أنها تخاطب سوقها الأولى: السوق الخليجية والعربية. فهي تناسب امرأة محجبة وأنيقة في الوقت ذاته، وتغني عن أجمل التيجان والتسريحات.

وطبعا لأنه فستان فريد وسيكون من نصيب امرأة واحدة فإن إيلي يمكنه أن يغير قليلا من الياقة المفتوحة حسب الحاجة والرغبة.

ستيفان رولان
رغم أنه معروف في الشرق الأوسط وفي فرنسا، فإنه وإلى عهد قريب بقي مجهولا في بريطانيا وأميركا، إلى أن ارتدت له المغنية شيريل كول مجموعة من الفساتين، فتحول بين ليلة وضحاها إلى حديث أوساط الموضة العالمية.

لهذا لم يكن غريبا أن تكتظ الصفوف الأمامية بالفضوليين منهم، بمن فيهم مسؤولة قسم الموضة في جريدة «ديلي تلغراف» هيلاري ألكسندر، التي اعترفت بأنها حضرت العرض بعد أن سمعت أنه المصمم المفضل لشيريل كول، وبعد العرض صاحت: «رائع».

والحقيقة أنه لم يكن بإمكانها أن تقول أكثر من هذا، لأن الواحد منا كان يحتاج إلى بضع دقائق ليستجمع أنفاسه بعد طبق دسم من الفنية والإبداع.

طبق أكد لنا أن الـ«هوت كوتير» يمكن أن تجمع الفني بالعملي والبساطة بالاستعراض، كما أكد فيه ستيفان أن قوته تكمن في التصميمات المنحوتة على الجسم التي لا شك ستجد إقبالا من قبل حسناوات أنيقات يتوخين التميز.

قوته كانت أيضا واضحة في قدرته على الاستقاء من الفن المعاصر وترجمته بسلاسة في بعض الفساتين التي يبدو الورنيش وكأنه رش عليها بعشوائية، بينما الحقيقة أنه تقنية عالية وخطيرة تحتاج إلى كمامات واختبارات كثيرة لتتحول إلى جزء من الفستان، فضلا عن قطع البلاستيك التي رصع بها فساتينه وكانت على شكل فقرات لديناصور.

وقد بدت رائعة عندما استعملت بجرعات خفيفة، ثقيلة وغير معقولة عندما استعملت بسخاء، خصوصا في فستان الزفاف الذي كان يزن نحو 60 كيلوغراما، وكانت العارضة المسكينة تجره جرا، إلى حد أنها كانت تحتاج إلى مساعدة كلما أرادت أن تدور يمينا أو يسارا.