صالون الساعات الفاخرة يحتفل في ميلاده العشرين بالعلوم والفنون

جانب من صالون الساعات الفاخرة في جنيف، وفي الصورة «بياجيه» وبانيراي وأوديمار بيغيه و ساعة «كاليبر» من كارتييه
جانب من صالون الساعات الفاخرة في جنيف، وفي الصورة «بياجيه» وبانيراي وأوديمار بيغيه و ساعة «كاليبر» من كارتييه

«البقاء للأقوى» .. هذا هو الشعور الذي ينطبع لدى الزائر لصالون الساعات الفاخرة الذي أقيم الأسبوع الماضي في مدينة جنيف، شعور لا يترك أي مجال للشك في أن عالم الساعات السويسرية الفخمة، كغيره، غابة لا يستمر فيها الضعيف طويلا، وتحتاج إلى باع طويل وقدرات استثنائية للتطوير.


وهذا ما يفسر ذلك الزخم من الإبداعات المدهشة، والمثيرة في تقنياتها وتنوعها، التي تبارت الماركات الـ19 المشاركة هذا العام من خلالها في استعراض قوتها، إلى حد أنك تشعر بأنهم مثل الإخوة الأعداء: ينضوون تحت مجموعة واحدة، ولهم هدف واحد، بل يمكن القول إنهم يحب ويقدر بعضهم بعضا، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بتقديم الجديد والأحسن، فإن روح المنافسة هي الغالبة.

ولحسن الحظ أنها منافسة شريفة، تصب في صالح الزبون أولا، وصناعة الساعات السويسرية وسمعتها من جهة ثانية.

وأقل ما يمكن أن يقال عن صالون هذا العام أنه تلون بالفنون والتقنيات العالية والتكنولوجيا الحديثة، وأحيانا بحكايا الشرق، تزامنا مع احتفاله بعامه العشرين.

وهذا ما أكده فابيان ليبو، المدير العام للصالون، في افتتاحيته التي قال فيها «نحتفل اليوم بـ20 عاما من النجاحات.. 20 عاما من العشق الذي يوجه أنظاره واهتمامه اليوم نحو الثقافة والفن والحرفية والجمال.

نعم، فقد بلغ الصالون مرحلة النضج وسن الرشد، محافظا في كل مراحله على فورانه وحيويته وعشقه للجمال».

وما لا يختلف عليه أحد في المعرض أن 2010 ليس ككل الأعوام الأخيرة؛ أولا: لأنه يأتي بعد أزمة قاسية على كل صناعات المنتجات المترفة، بما فيها الساعات.

وثانيا: لأنه جاء زاخرا بالابتكار والاختراع الذي جمع العلم والفن في علب صغيرة تضم أحيانا أكثر من 600 قطعة صغيرة، والكثير من الوظائف والتعقيدات، التي تمكن من قراءة الوقت لأعوام كثيرة قادمة، وأحيانا من دون حاجة إلى تدويرها وتعبئتها لمدى الحياة، مثل مجموعة «كارتييه» الجديدة «كاليبر».

وثالثا: لأنه ضم إليه ماركتين جديدتين؛ وهما «ريتشارد ميل» و«جروبل فورسيه»، إلى جانب الماركات الـ17 المعتادة، التي تنضوي عموما تحت راية مجموعة «ريتشموند»؛ وهي: «جيجر لوكولتر»، و«مونبلان»، و«كارتييه»، و«جون ريتشارد»، و«فاشرون كوستونتان»، و«روجيه ديبويه»، و«بياجيه»، و«بانيراي»، و«أوديمار بيغيه»، و«بوم آند ميرسييه»، و«أ.لانغه آند سونه»، و«فان كليف آند أربلز»، و«رالف لوران»، و«دانهيل»، و«بارميجياني فلوريه»، و«آي دبليو سي»، وأخيرا وليس آخرا «جيرار بيريغو».

وقد تميز الجو العام بالتفاؤل، وهو أمر له ما يبرره، فبعد عام 2009، الذي كان قاسيا في تأثيره السلبي على معظم مناحي الحياة، بما فيها جانب الساعات المترفة الذي سجل انخفاضا في صادراته بنحو 30% في شهر أغسطس الماضي، كان الانطباع الذي خرج به الحضور الأسبوع الماضي أن الغمامة بدأت تنقشع، بدليل ارتفاع نسبة الحضور، بنسبة 15%، مقارنة بالعام الماضي، وأيضا بأرقام المبيعات.

فقد أعلنت دار «بارميجياني فلوريه» وجود ارتفاع في مبيعاتها بنسبة 20% في شهر ديسمبر 2009، مقارنة بالتاريخ نفسه من عام 2008، بينما سجلت دار «كارتييه» بدورها ارتفاعا في مبيعاتها بنسبة 7% في الشطر الأخير من العام، حسب ما تداولته الهمسات في المعرض، والفضل في هذا يعود إلى سياستها التسويقية الجيدة من جهة، والإبداعات التي طرحتها في السوق، والتي ترقى إلى مصاف التحف بفضل ترصيعاتها من جهة ثانية، من دون أن ننسى التطرق إلى إبداعها الأخير الموجه للرجل، ألا وهو ساعات كاليبر، مفاجأة العام.

ولا شك أن هذه السمات كانت القاسم المشترك بين معظم دور الساعات السويسرية، بتوجهها إلى سوق هواة اقتناء الساعات المميزة، ومحبي التحف الفنية التي لا تفقد قيمتها وتتحول إلى استثمار، وأيضا بتوجهها إلى رجل يحب اقتناء قطع مميزة بغض النظر عن الثمن، سواء كان رجلا كلاسيكيا أو عصريا.

وما يحسب أيضا لكل الشركات المشاركة هذا العام أنها أوفت بالوعود التي أعلنتها في 2009، بأنها ستستغل الأزمة لصالحها بالتركيز على ما هو أهم: العودة إلى جذورها، واعتمادها على التقاليد والأخلاقيات التي بنيت عليها هذه الصناعة، بمعنى أنها حولت الركود التجاري إلى فرصة لترتيب أوراقها، وإشعال فتيل روح الابتكار في معاملها، فالأزمة كانت فرصة بالنسبة لهم لكي يلتقطوا بعض أنفاسهم، ويركزوا على الأهم والجوهر، ومعناه هنا التعقيدات والوظائف الجديدة.

لهذا، فمعظم هذه الشركات، إن لم تكن كلها، عادت إلى تقاليدها القديمة وتاريخها، خصوصا أن جذور بعضها يمتد لعدة قرون، لكنها في كل الأوقات لم تنس العنصر الأهم؛ وهو أنه عليها ألا تنسى المستقبل، لأنها باتت تعرف جيدا أن الاعتماد كليا على القديم وحده لم يعد يكفي، وأنه بات لزاما عليها تقديم اختراعات جديدة، وهذا المزيج بين الماضي والمستقبل هو ما جعل صالون هذا العام يضج بالعلم والتكنولوجيا والفنون.

وهو أيضا ما أشار إليه فابيان ليبو بقوله إن «الساعات الفاخرة، كما أحببناها دائما، مبنية على الابتكار الفني والاختراعات التقنية، من دون أن تتجاهل الجانب الجمالي.

صحيح أننا نحترم التقاليد، إلا أننا أيضا لا نتجاهل المستقبل، وذلك بتوجيه الاهتمام والأنظار نحوه».

وعلى ما يبدو فإن مستقبل الساعات الفاخرة سيكون خلاصة مركزة من العلوم والفنون في الأعوام القادمة، بدليل هذا الزخم من الرسم بالمينا والورنيش المبهر في دار «فاشرون كوستونتان»، و«كارتييه»، و«فان كليف آند أربلز»، وغيرها، إلى جانب الاستعمال السخي لفن «الغيوشيه» الذي أصبح شبه منقرض في صناعة الساعات، وتحاول سويسرا إنعاشه حاليا.

لكن صناعة الساعات، كما نعلم جميعا، هي طفل ولد من رحم العلم والرياضيات والفلك والبحار وغيرها، لهذا كانت كل هذه العناصر حاضرة كلوحات رائعة في أدق التفاصيل والوظائف.

والنتيجة التي تخرج منها في نهاية المعرض أن الماركات الـ19 المشاركة كلها نجحت في هذا، إلى حد أنك تشعر بأن صانعيها مثل الإخوة الأعداء، فهم من أسرة واحدة بحكم أنهم كلهم ينضوون تحت مجموعة واحدة، ولهم هدف واحد، بل يمكن القول إنهم يحبون بعضهم، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بتقديم الجديد والأحسن، فإن كل واحد منهم يكشف عن مخالبه، لتطغى روح المنافسة على كل شيء آخر.

ولحسن الحظ أنها منافسة شريفة تصب في صالح الزبون، وصناعة الساعات السويسرية وسمعتها.

جديد الساعات:
- دار «جون ريتشارد» طرحت ساعة عملية «سبور»، تتوخى الراحة بتصميمها الجديد الذي يتناغم مع المعصم بعلبة مصنوعة من مادة «الزيكوريوم»، وهي ساعة تخاطب الرجل الكثير التنقل والترحال.

- دار «روجيه ديبويه» اختارت أن تعانق عنصر الابتكار، من دون أن تنسى جذورها بتجديدها أيقونتها الـ«إكسكاليبر» من خلال مجموعة جد محدودة، لا تتعدى الـ28 ساعة.

- من جهتها، اختارت دار «مونبلان» أن تتكلم لغة العصر والحفاظ على الطاقة، باستعمال «توربيون» صغير جدا يمنح مساحة لاستعمال كرونوغراف أكبر حجما من المعتاد، فضلا عن تقديمها ساعة بوجهين: الأول «سبور»، والثاني كلاسيكي.

- أما «أوفيشيني بانيراي» الإيطالية، فقد اختارت كالعادة أن تركز على التقنية، من خلال كاليبر جديد؛ هو «P.999»، في عدد محدود من الساعات لا يتعدى الـ500 ساعة.

- دار «رالف لوران» تماشيا مع روحها المبنية على الموضة والجمال، أتحفتنا بساعة رشيقة «سليم كلاسيك»، تجمع - كما يدل اسمها - القديم والكلاسيكي بالحديث، ويتميز عقربها بنقش الـ«غيوشيه»، بينما يزين أزميلها صفان من الماس، وتعتبر من أكثر الساعات رشاقة في العالم (2.1 مليمتر).

- دار «غروبل فورسيه» التي التحقت بالصالون هذا العام، أتحفتنا بساعة بـ«توربيون» مزدوج في غاية الدقة والتقنية.

- ولدى دار «فاشرون كوستونتان»، كان السيناريو مختلفا، لأنه كان فنا بكل المقاييس، حيث توجهت الدار هذه المرة إلى اليابان، وبالتحديد عاصمة الفن، كيوتو، لتستقي منها الكثير من فن الورنيش، لتصنع منها لوحات فنية تزين المعصم، إلى جانب مجموعة من الساعات الرشيقة. وهي رشاقة ليست غريبة على دار كانت أول من طرح ساعات من هذا النوع منذ الخمسينات من القرن الماضي.

- وبدورها، وجهت دار «أ.لانغه آند سونه» تحية خاصة لمؤسسها فيليب لانغه، بساعة «زايتوورك لومينوس» تتوفر على كل عناصر الجمال والدقة كعادتها، كما اكتسبت في بعض الحالات وجهين: واحد للنهار، وآخر لليل، في الساعة الواحدة.

- الرياضة كانت من المواضيع التي لعبت عليها كل من دار «جيجر لوكولتر»، ودار «آي دبليو سي»، الأولى من خلال ساعة «ريفيرسو سكوادرا كرونوجراف جي إم تي»، وهي ساعة رياضية قوية بتصميم حديث وخامات أكثر حداثة، والثانية من خلال ساعة «أكواتايمر كرونوجراف» الموجهة لمحبي الغطس في أعماق البحار، مع لفتة نبيلة للحفاظ على البيئة، كما هي عادة الدار في كل عام.

- أما «بوم آند ميرسييه»، فاختارت الكلاسيكي الفخم الذي تجلى في ساعة «كلاسيما إكسيوكيتيف إكس إيل كرونوغراف»، بقطر عريض ومميز.

- و«جيرار بيريغو 1966 كرونوغراف» هي آخر إبداعات الدار، وإن كانت تستمدها من الماضي، كما يدل اسمها ومواصفاتها، لكن كل وظائفها تحترم متطلبات العصر.

- على العكس تماما من «جيرار بيريغو»، تميزت ساعات «ريتشارد ميل» بكونها في غاية الحداثة، بما فيها ساعة غطس أوتوماتيكية من التيتانيوم، هي «RM28»، وهي تخاطب رجلا يحب الجديد والمميز وأيضا المستقبلي.

- أما «فان كليف آند أربلز» ودار «بياجيه»، فركزتا على الأناقة والجمال في أجمل صوره، الأولى من خلال الرسم على عقرب الساعة وتلوينها بشتى الألوان التي تحكي قصصا رومانسية، مثل ساعة «لايدي أربلز كوليبريس»، و«بياجيه» من خلال ساعة «لايملايت» التي ترقص على نغمات الجاز، مع العلم بأن الجاز بألوانه، الأبيض والأزرق والأسود، كان تيمتها لهذا العام، سواء في الساعات أو المجوهرات.

- و«كارتييه» كالعادة، كانت رحلة مثيرة وساحرة، وما يحسب لها أنها تتفوق كل عام، حتى على نفسها، بابتكاراتها التي تغذي العين والروح على حد سواء، ولا شك أن دخولها القوي في مجال الساعات المترفة عالية التقنية قد ساعده باعها الطويل في مجال المجوهرات والترصيع، ومن هنا قدمت مجموعة رائعة تشمل مفاجأتها: ساعة «كاليبر» الرجالية، إلى جانب مجموعات ساحرة للمرأة.