كريس فان أش مصمم «ديور أوم»: الموضة من دون راحة .. لا تطاق

استقبال حار لتشكيلة كريس فان أش الأخيرة الموجهة لربيع وصيف 2010، وهي تتوفر أزياء «ديور أوم» في كل من «مول دبي» و«ساكس الرياض» بالسعودية
استقبال حار لتشكيلة كريس فان أش الأخيرة الموجهة لربيع وصيف 2010، وهي تتوفر أزياء «ديور أوم» في كل من «مول دبي» و«ساكس الرياض» بالسعودية

العمل في دار أزياء عريقة مثل «ديور» حلم يراود أي مصمم، شابا كان أم مخضرما، لكن أن يخلف أي منهم، مصمما مثل هادي سليمان، فهذا أمر مثير للرهبة والتخوف، وهذا ما شعر به المصمم الشاب كريس فان آش عندما سلمت له مقاليد الجانب الرجالي من هذه المؤسسة الفرنسية.


فهادي، المصمم الفني السابق لـ«ديور أوم» له أتباع في عالم الموضة وأوساط الإعلام وحقق للدار شعبية كبيرة بتصميماته الضيقة التي جعلت مصمم دار «شانيل» المخضرم كارل لاغرفيلد، يصرح انه انقص وزنه خصيصا حتى يتمكن من ارتداء تصميماته.

كما أن «ديور أوم» قبله كانت تطرح أزياء كلاسيكية تحتاج إلى حقنة كبيرة من الحيوية نجح في توفيرها لها على نغمات من الروك اند رول لا تزال أصداؤها تدوي في عالم الموضة.

لهذا كله، وعندما عرضت الوظيفة على فان آش، فإن الخوف لم يتسرب إليه وحده، بل إلى أوصال كل من يعمل في أوساط الموضة، رغم انه عمل مع هادي سليمان لعدة سنوات، في كل من داري «إيف سان لوران» و«ديور».

كانت الفرصة ذهبية، بلا شك، لكنها لم تكن مفروشة بالورود، بل العكس كانت درامية في عدوانيتها إلى حد ما، حيث استبق العديد من المعجبين بهادي سليمان الأمور وتنبأوا له بالفشل حتى قبل أن يعرض أول تشكيلة له للدار، الأمر الذي من شأنه أن يحبط أي أحد، فما البال بشاب يعشق العمل في هدوء ويتجنب الأضواء قدر الإمكان.

يقول كريس :
«أصبت بالرعب عندما عرض علي العمل كمصمم فني في (ديور أوم) لأني كنت اعرف أن التحدي كبير جدا. فالماركة عالمية بل هي من أهم الماركات الرجالية.

لو كنت سأعمل مع ماركة منسية، لكان الأمر سهلا، لان كل ما كان علي القيام به حينها هو إعادة بنائها بالتدريج. بمعنى آخر، ليس هناك ما يمكن أن يخسره كلانا، لكن في (ديور) كان من الممكن أن نخسر الكثير. لم تكن البداية سهلة، فقد شعرت أن هناك عراقيل كثيرة، كان الهدف منها جعل مهمتي صعبة ونجاحي مستحيلا.

فالناس كرهتني حتى قبل أن اعرض أول قطعة لي، لكن هذا هو عالم الموضة، على الواحد منا أن يتوقع بعض الدراما، ويحضر نفسه لها.

لحسن الحظ توفر لي فريق عمل قوي، وما كان علي هو الصبر والعمل لإثبات نفسي. ما زاد من حماسي أن الزبائن تفاعلوا معي بشكل مختلف تماما عن وسائل الإعلام، إلى حد القول أنهم تبنوني بطريقة خفية، وهذا ما أعطاني القوة ودفعة إلى الأمام. فمن الجميل أن تشعر أن هناك من يستمع إليك ويشجعك على الاستمرار».

أخيرا وبعد عدة مواسم الآن مع «ديور أوم»، بدأ كريس يشعر براحة نفسية تمنحه الثقة لوضع بصمته وشخصيته على إرث الدار، وهو ما عبر عنه بقوله: « تشكيلتي الأخيرة تحتفل بالحرية والراحة، كما تحتفل بكريس فان آش، كمصمم وكشخص عادي يلبس هذه الأزياء. ونحن الاثنان سعيدان».

بعد بضع سنوات، أكد فان آش انه خليفة لا يستهان به لهادي سليمان، لم يغازل الإعلام ولم يجر وراء الأضواء، بل عمل بهدوء لتسجيل بصمة خاصة به، ترضي مديريه في «ديور» من الناحية التسويقية وتعزز ثقته بنفسه كمصمم في الوقت ذاته.

ما يحسب له في كل هذا انه لم يحاول التسرع من اجل إحداث خضة تهز ما بناه سلفه من أسلوب فرض نفسه من خلال أزياء ضيقة تستوحي خطوطها من مغني الروك اند رول وشرائح الشباب الرشيق، بل عمل على تطوير هذا الأسلوب وإضفاء عنصر الراحة عليه، وهو عنصر كاد أن يكون مفقودا بالنسبة للبعض ممن لا يتمتعون بمقاييس عارضي الأزياء.

في تشكيلته الأخيرة، مثلا، لا بد وأن نلاحظ تغيرا ملموسا يشير إلى انه بدأ يتمرد بنعومة على هذه التصميمات الرشيقة التي تعانق الجسم بحميمية تكاد تكون محرجة في بعض الأحيان من خلال قطع واسعة.

يشرح كريس:
«لم يلمس التغيير البذلة الضيقة، فأنا اعتقد أن البذلة السوداء الضيقة لا تزال ماركة (ديور أوم) المسجلة.

فالدار تشتهر بها وبالتالي لا يمكن التخلي عنها، لكني رأيت أنها يمكن أن تكتسب المزيد من العصرية، وتسمح بإعادة صياغتها بشكل مريح.

صحيح أنها أنيقة و(على الموضة) لكنها صارمة نوعا ما، وعدم توفرها على عنصر الراحة بالنسبة لي جعلها في نظري تفتقر إلى العصرية، لهذا أحاول أن افككها من الداخل بكل طبقاتها لإعادة بنائها ومنحها المزيد من الحركة ومن ثم الراحة.

لا أنكر أني كافحت من اجل الحصول على هذا الحق. فقد كانت بالنسبة لي جد ضيقة إلى حد يصعب عمل أي شيء فيها باستثناء وضع زخرفات عليها، مما جعلني اطرح عدة تساؤلات عن مدى إمكانية تطويرها، بأحجام سخية وتفاصيل عصرية من دون أن أفقدها أناقتها التي لا يعلى عليها.

لم تكن المسألة بالنسبة لي مسألة حجم، بل مسألة أقمشة وطريقة تصميمها. عندما توجهت إلى المسؤولين في الدار وقلت لهم إني أريد أن أغير كل شيء، أصيبوا بالرهبة لأنهم تعودوا على أسلوب معين ووصفة ناجحة منذ ما يقرب العشر سنوات.

قلت لهم إني أريد أن اصنع سترات شفافة حتى يتمكن الزبون من رؤية ما تخفي بين ثنياتها من حرفية وحياكة، وأريد أن اصنع معاطف ممطرة أيضا بهذه الطريقة لرؤية مدى التفاصيل والطبقات التي تدخل في صنعها.

كان من الطبيعي أن تخيفهم هذه الأفكار للوهلة الأولى، لكنهم في الأخير بدأوا يستمتعون بالفكرة بمن فيهم فريق العمل. الخطوط الحمراء التي وضعتها لنفسي هي أن أحافظ على تميزها وأناقتها.

وقد تلاحظين أنني هذا الموسم اشتغلت أكثر على السترة من الداخل، وعلى إعادة هندسة خطوطها، بالتركيز على حرفية الصنع والتنفيذ أكثر من المظهر، في محاولة لأن أبرز مدى جماليتها من الداخل والخارج على حد سواء.

وهذا ما يتجلى في محاولتي إظهار الحياكة بشكل واضح للعيان، وهذا ناتج عن رغبتي في أن اصرخ بأعلى صوتي بأن بذلة (ديور اوم) مصنوعة بطريقة تقليدية وحرفية عالية تختلف عما تنتجه باقي بيوت الأزياء».

بالفعل فاجأ كريس فان آش في تشكيلته الأخيرة، الحضور بقطع شابة وحيوية، موسومة بالخفة وبإيحاءات عربية بعضها خفيف وبعضها قوي وواضح، من خلال بنطلونات واسعة تستوحي خطوطها من السروال العربي، وصديريات مرنة وسترات بتصميمات وأطوال مختلفة بعضها شفاف وبعضها الآخر قصد أن تظهر الحياكة منها.

كانت هناك العديد من الطبقات، كلها بأقمشة طيعة تنسدل على الجسم بخفة وأناقة شبابية، والجميل فيه أنها رغم اتساعها كانت تبرز جماليات الجسم فلا تغطيه أو تغمره، والأهم أنها تخفي الكثير من العيوب.

على الأقل فهي أرحم بكثير من التصميمات الضيقة جدا التي لا تناسب سوى رجل ذي مقاييس صبيانية أو مغني روك اند رول، التي تعودنا عليها منذ سنوات.

لم تخف هذه اللفتة على الجمهور الذي استقبلها بحرارة انعكست على نفسية المصمم، الذي عانى طويلا من المقارنة بسلفه، ولا يزال يحاول الخروج من قيود هذه المنافسة: «أشعر بالرضا والسعادة لأن رسالتي وصلت أخيرا. اشعر بأن الناس بدأت تفهم ما أحاول تحقيقه ولهذا يمكنني أنا وفريقي أن نتنفس الصعداء، خصوصا أني وضعت كل واحد منهم تحت ضغط كبير في محاولتي لتحقيق التغيير الذي كنت انشده.

منذ 5 أشهر وأنا أقول لهم إني أريد تقديم شيء جديد، بدءا من طريقة بناء القطعة إلى كل التفاصيل الأخرى. قمنا بجهد جبار لكنه كان مجديا.

أما عن الإيحاءات العربية، فلا شك أن الشرق الأوسط كان في البال، على الأقل طقسه الحار. فأنا اليوم مثلا البس «تي_شيرت خفيفا لكني اشعر كما لو أني ألبس جاكيت مبطنا.

لهذا بالطبع أنا أفكر في كل عنصر مريح إلى جانب الأناقة، لأني انطلق من نفسي وتجاربي، فعندما أقود دراجتي مثلا، أريد أن تكون حركتي سهلة ودون قيود، وهذا ينعكس على ما أنتجه. يمكنك القول أني متأثر بثقافة الشارع كثيرا، ولا أفكر في منصة العرض بقدر ما أفكر في رجل الشارع.

عندما نقوم بتجربة القطع، مثلا، فأنا ألبس السترة فوق ما ألبسه، سواء كان «تي ـ شيرت» أو بنطلون جينز، حتى أرى ما إذا كنت سأبدو نشازا أم لا. بالنسبة لي يجب أن تكون دائما بعض الواقعية في تصميماتي، ولا أفكر بالضرورة كيف ستظهر على صفحات المجلات وأغلفتها.

هذا لا يعني أني لا أحب أن أتصدر هذه المجلات، لكني أفضل على ذلك أن يلبس الناس هذه التصميمات في حياتهم العادية. أعتقد أن الناس، الآن وحتى قبل الأزمة المالية العالمية، لا يريدون أن يتعذبوا باسم الموضة في تصميمات ضيقة لا تمنحهم حرية الحركة. وهذا من حقهم، فالموضة من دون راحة غير محتملة، ثم أنا انطلق من قناعة بأن المصمم لا يختار الزبون، بل العكس».

تجدر الإشارة إلى أن كريس درس تصميم الأزياء النسائية وله خط خاص به، إلا انه يفضل عليه الجانب الرجالي، لأنه بالنسبة له أكثر صدقا ولا يتيح المجال للغش لإخفاء بعض العيوب. فكل سنتيمتر ومليمتر يحسبان، بينما في الأزياء النسائية يمكن استعمال تقنية الدرابيه، مثلا، لإخفاء أو تجاوز بعض الأمور.

يشرح:
«أجد أن قوانين الأزياء الرجالية ملهمة، فالبذلة ستبقى دائما هي البذلة ما دام الإنسان يتميز بيدين ورجلين. هناك ملايين البذلات التي تطرح كل عام، لهذا يحتاج التميز فيها إلى الكثير من التفكير والعمل، وهذا ما يجعل التحدي كبيرا وممتعا. الفكرة التي تثيرني هي انه رغم أن معظم الرجال يمتلكون بذلة أنيقة، فإنهم لا يستطيعون مقاومة اقتناء أخرى عندما تكون رائعة وفريدة».