بيوت الأزياء العالمية تسحب السجاد من تحت شركات الجينز الكلاسيكي

إن قطعة الجينز حاليا ارتقت إلى مستوى رفيع من الموضة كونه أصبح مفصلا حسب مقاييس الزبونة ليصل إلى مرحلة يحاكي فيها الهوت كوتير
إن قطعة الجينز حاليا ارتقت إلى مستوى رفيع من الموضة كونه أصبح مفصلا حسب مقاييس الزبونة ليصل إلى مرحلة يحاكي فيها الهوت كوتير

إذا كانت هناك قطعة أزياء استطاعت أن تتحدى الزمن والفصول، بل وحتى فترات الركود الاقتصادي، فهي بلا شك الجينز.


والدليل .. تحديه الأزمة الحالية بالترصيعات والأشكال المقطعة والألوان الباهتة أو الداكنة، بل وأيضا بالأسعار النارية التي تعدت الـ1000 جنيه إسترليني كما هو الحال بالنسبة لبنطلونات جينز داري «بالمان» و«بالنسياغا» سواء المرصعة بالكريستال أو المقطعة بشكل عرضي.

فهذا القماش الذي ولد في ظروف متواضعة جدا، وتبناه رعاة البقر والمغامرون والعمالة الكادحة عند ولادته، تحول في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي إلى قطعة موضة مثيرة، بفضل إقبال نجوم هوليوود عليه، من أمثال جيمس دين ومارلين مونرو، مما جعل خزانة أي رجل أو امرأة، بغض النظر عن العمر أو المركز، لا تخلو منه.

وحسب منظمة «مينيتيل» للأبحاث، فإن مبيعاته في السوق البريطانية وحدها تقدر بـ1.5 مليار جنيه إسترليني في عام 2009.

ورغم أن مبلغ 1000 جنيه إسترليني أو أكثر ليس بالسعر الذي تقبل عليه كل النساء، نظرا لضيق اليد، فإن سعر 160 جنيها إسترلينيا أصبح مقبولا في جميع الأوساط، إذا كانت النية الحصول على تصميم مناسب جدا لمقاييس الجسم.

فمحل «تريلوجي» بفرعيه الواقعين بكل من «كينغز رود» أو «مارلبون ستريت» بلندن، والمتخصص في بنطلونات الجينز من ماركات عالمية متعددة، يشهد ازدحاما على خدماته في كل الأيام.

ومعظم زبوناته من الأنيقات اللواتي لا يشبعن من هذه القطعة، ولا يتعبن في بحثهن عن تصميم يلبسنه مثل القفاز، ويبدو وكأنه صمم لهن وحسب مقاييسهن ومقاساتهن، وليس لأنه يحمل توقيع مصمم معروف يتباهين به.

لكن مع ذلك هناك شريحة لا تتردد في شراء شيء لا تستطيع باقي النساء شراءه، بدليل أن بنطلون الجينز الذي طرحته «بالمان» ويبدو مقطعا من الأمام وباهتا، بيع بأكمله قبل أن يصل إلى محلات «براونز» اللندنية، نظرا للائحة الانتظار الطويلة التي تنامت بمجرد أن تم عرضه على خشبات عرض الأزياء الباريسي.

أما في الولايات المتحدة فقد نفدت المجموعة بأكملها في غضون أسبوع واحد. ولأنه من الظلم القول إن توقيع الدار وشعبية مصممها الشاب، وحدهما السبب في نفاده هذا البنطلون من السوق، فإن الجانب الآخر من القصة هو أن تصميمه المقطع يخضع لمعايير جديدة ومعقدة تدخل فيها تقنيات حديثة ومتطورة، عدا أن تصميمه مبتكر ومتقن بشكل رائع.

وهذه ميزات تجعله مناسبا للنهار والمساء في الوقت ذاته. وحسب ناطق رسمي باسم دار «بالمان» فإن قطعة الجينز حاليا ارتقت إلى مستوى رفيع من الموضة، كونه أصبح مفصلا حسب مقاييس الزبونة ليصل إلى مرحلة يحاكي فيها الهوت كوتير.

هذا هو الجينز، كما ترجم في الألفية، ليتحول إلى قماش كل المناسبات حسبما يطرحه لنا المصممون العالميون كل موسم. فالموضة تتغير، من حيث تصميماتها وتقنياتها وألوانها بل وحتى أقمشتها، لكن الجينز، أو بالأحرى قماش «الدينم» لا يغيب، خصوصا بعد أن دخل عالم «الهوت كوتير» الباريسي من أوسع الأبواب منذ عدة سنوات، وبالذات من باب دار «شانيل» الأنيقة.

في الجانب الآخر رأينا المخضرم رالف لوران يطرح مجموعة متنوعة منه للربيع والصيف المقبلين، بألوان وأنواع وتصميمات متنوعة، بعضها للنهار وبعضها الآخر للمساء والسهرة، منطلقا من قناعته بأن «السر في تنسيقه» مع باقي القطع.

فقد أدخله إلى مناسبات المساء مثلا بتنسيقه مع قطع من الموسلين أو الشيفون المطرز الشفاف.

وإذا كان هذا المخضرم قد توخى المظهر الكلاسيكي العصري، فإن المصممة أنا صوفي باك فضلته باهتا وضيقا، كذلك الأمر بالنسبة لماركة «ويليام راست» التي يقف وراءها المغني جاستن تيمبرلايك.

لكن إذا كان المصممون هم الذين أضفوا على هذا الجينز صبغة الأناقة العصرية، وأبعدوها عن الخطوط التقليدية والرتابة، فإن شركة «ليفي ستراوس» هي التي تضفي عليه ديمقراطيته وجماهيريته الشعبية، حيث أصبحت ماركة الجينز 501، وبالذات الجينز الأزرق، لصيقة باسم الدار منذ عدة عقود، إلى حد أن هذه الماركة كادت تصبح من كلاسيكيات الموضة في هذا المجال.

ويمكن القول إنها هي التي مهدت الطريق لكل هؤلاء المصممين لاستعماله والاستفادة منه.

بيد أنها لم تكن تتصور أن يسبقوها بأشواط ويخلفونها وراءهم متعثرة تبحث عن استراتيجية جديدة للحفاظ على قواعدها، خصوصا أن جاذبية منتجاتها تراجعت مقارنة بالسنوات الأخيرة، وسجلت خسارة قدرها أربعة ملايين دولار خلال الربع الثاني من العام الحالي، حسب ما نشرته وكالة «د.ب.أ» الألمانية.

وظلت الإيرادات تتراجع بشكل ملحوظ، إلى حد أنها في بداية العام انخفضت إلى النصف. شركتا «رانغلر» و«لي» اللتان تنتميان إلى شركة الملابس الجاهزة الأميركية «في إف» شهدتا أيضا انخفاضا في الإيرادات في الربع الثاني من العام الحالي.

وتقول المحللة التجارية كاترين ماجنوسين، من معهد مينيتيل الأميركي لأبحاث السوق، إن سوق الجينز المتخصصة تحتاج إلى «جرعة قوية من الإثارة».

وتشير إلى أنه في ظل الأزمة الاقتصادية بشكل خاص، يحتاج الزبون إلى حافز، وهو ما يقدمه مصممون من أمثال الثنائي الإيطالي دولتشي آند غابانا، والتوأم المصمم لماركة «ديسكارد2»، وداري «بالمان» و«بالنسياغا» وغيرهم ممن لم تقف أسعارهم النارية، والتي تقدر بآلاف الدولارات في وجه الإقبال على منتجاتهم من الجينز، بل وزيادة مبيعاتها.

وتشير ماجنوسين إلى أنه أصبح يتعين على شركات الجينز مثل «ليفي ستراوس» و«رانغلر» و«لي» و«ديزل» أن تعيد النظر فيما تقدمه بالتركيز على تجديد تصميماتها، وطرحها بأسعار اقل، لكن في المحلات الكبيرة، والأقسام المخصصة للمنتجات المترفة، حتى تنافس غيرها وليست في محلات مستقلة وبعيدة جغرافيا عن مراكز جذب زبائن المنتجات المترفة، وإن كان الأمر لا يخلو من بعض المخاطرة.

فقد بنت سمعتها أساسا على مخاطبة الزبون العادي بمنتجات رخيصة، وفي حال اتجهت نحو رفع أسعارها ببيع منتجات راقية، فهذا يعني أنها قد تخسر معظم زبائنها، وهم من الطبقات المتوسطة والعاملة الذين ارتبطوا بها منذ البداية.

ويوافقها الرأي أدريانو غولدشميد، المؤسس لـ«ديزل» و«ريبلاي» و«غولدي» بقوله «إذا صممت بنطلونات جينز بـ1000 جنيه إسترليني، فأنت كمن تقول للناس، بأنها الأحسن، وليس هناك أفضل منها في السوق.

ليس لدي أدنى شك أنها صنعت بحرفية عالية واستغرقت جهدا ووقتا طويلين، كما استعملت فيها أحسن الخامات، لكن مع ذلك أجد صعوبة في أن أفهم كيف يمكن أن تكلف قطعة جينز كل هذا المبلغ. في المعدل أي قطعة جيدة يجب أن يتباين سعرها ما بين 250 و300 جنيه إسترليني».

ويرى باتريك كوهنرت من شركة «فورتين أونس»، وهي فرع من شركة لتنظيم المعارض التجارية للأزياء ومقرها برلين، أن الشركات التجارية الكبرى أصيبت بالوهن، بما فيها شركات «ليفي ستراوس» و«ريبلاي» و«ديزل» وما شابهها من التي تتعرض حاليا لمشكلات تتعلق بأوضاعها في السوق.

وأشار إلى أن الشباب الذين يتابعون الاتجاهات الجديدة في الأزياء لا يميلون كثيرا إلى الموديل 501 من الجينز، ويفضلون عليه نوعا آخر يطلق عليه «بي آر بي إس»، وهو اختصار لعبارة تعني منتجا له هدف، ومثال على ذلك البنطلونات المصنوعة من القطن الأفريقي ويتراوح سعر المنتج منها بين 300 و500 يورو.

ورغم كل هذه التذبذبات الاقتصادية وتأثيراتها على الأسعار وثقافة التسوق ككل، يبقى الجينز قطعة يومية وعملية لن يخفت بريقها، بل ستظل دائما القطعة التي سيقبل عليها الجميع، لكن أملهم أيضا هو أن تكون متميزة ومواكبة للموضة ومعايير الجودة حتى تكون مستوفية لكل شروط الأناقة والجمال.

العلامة التجارية السويدية «نودي» نشرت في إعلان خاص نصيحة طريفة مفادها ارتداء قطعة الجينز لمدة ستة أشهر قبل غسلها، حتى تكون النتيجة عبارة عن رقع مختلفة باهتة اللون.

- الطريف أن بنطلونات الجينز المقطعة التي قد يراها الجيل القديم من الآباء علامة على القدم وقلة اليد، هي عنوان الأناقة الراقية بالنسبة للأبناء والأحفاد.

فهؤلاء مستعدون لصرف مبالغ عالية مقابل الحصول عليها، بدليل أن بنطلون جينز عاديا من «آكني جينز» يكلف 190 جنيها إسترلينيا، لكن النسخة المقطعة منه تقدر بـ220 جنيها إسترلينيا، والسبب أن تقنية التقطيع تخضع للكثير من الحسابات المدروسة والمعقدة حتى تظهر بالشكل الذي تظهر عليه، من دون أن تتعرض للتلف بشكل تلقائي.