خطة نسائية لإدخال المرأة الشرق أوسطية العالم الرقمي

الرجال يخافون من كلمة «تغيير» ويفضلون «تحسين» وفي الصورة متحدثات على منصة اللقاء النسائي في بيروت
الرجال يخافون من كلمة «تغيير» ويفضلون «تحسين» وفي الصورة متحدثات على منصة اللقاء النسائي في بيروت

منذ الصباح تجمعت النساء، الآتيات من دول مختلفة، في إحدى صالات فندق «كراون بلازا» في بيروت، ولاقتهن لبنانيات عاملات في مجال الكومبيوتر، وأكاديميات وناشطات نسويات، لمناقشة موضوع يبدو أنه بات أولوية وهو: «إعداد المرأة لدخول العالم الرقمي»، وتحطيم الحواجز التي يمكن أن تحول دون ذلك.


النساء المجتمعات تحت مظلة المشروع الذي يقوده «المجلس الثقافي البريطاني» تحت عنوان «نساء في العمل» متحمسات، ومؤمنات أنهن قادرات على التغيير، ومن يستمع إليهن يعرف أنهن لا يردن تضييع الوقت، ويناقشن أمورا دقيقة وصغيرة، يعتبرن أنها ستأتي بنتائج إيجابية. الفلسطينية كارولين خلف، المسؤولة عن المشاريع الإقليمية في المجلس الثقافي، ومن بينها هذا المشروع، تخبرنا أن «اللقاء البيروتي هو حلقة في سلسلة لقاءات هدفها التركيز على مهنة بعينها في كل بلد، لا تستطيع المرأة اختراقها بسهولة.

العام الماضي كان لقاء في سورية حول (الابتكار العلمي في مجال الدواء) حيث الوجود النسوي لا يزال قليلا هناك في هذا المجال، وفي المغرب لفت نظرنا قلة الوجود النسائي في المجال الرياضي، فانصب عملنا واجتماعنا هناك، على موضوع (المرأة في الرياضة)، والاجتماع الثالث كان في الأردن بدلا من رام الله، حول مهنة (المهندسات المعماريات في فلسطين)، وفي الأردن لفت نظرنا كذلك ضعف المبادرة التجارية عند المرأة، فعنينا بالأمر، وكان اجتماع في عمان لمناقشة كيفية مساعدة النساء على تخطي العقبات، وفي تونس اخترنا مهنة الإخراج السينمائي، وفي مصر القضاء».

أما كيف يتم اختيار المهنة، فتشرح خلف أن ذلك يتم بناء على الدراسات التي يقدمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والمعلومات المحلية المتوافرة في البلد نفسه، وبناء على هذه المعطيات، بدأت خلف بفتح شبكة حوار واتصالات مع هيئات في المجتمع المدني، ومؤسسات أهلية، ويتم التنسيق مع الجهات الرسمية حين يكون ذلك ضروريا.

في لبنان تشير المعطيات إلى أن النساء ما زلن متأخرات عن الرجال في المعلوماتية، ولقاء بيروت الذي استمر يومين، كان الهدف منه كما كل لقاءات هذا المشروع، جمع سيدات بريطانيات لهن خبرة في المهنة، ووضعهن في تماس مع نساء عربيات يمارسن العمل نفسه. ومن خلال اللقاء وتبادل الخبرات، يبدأ التشبيك والتواصل، كما يتم استقبال النساء العربيات في بريطانيا لرؤية التجربة بأم العين.

يوم الجمعة الماضي بدأ اجتماع بيروت في صالة أنيقة حيث تصدرت طاولة للمحاضرات المكان، وتوزعت طاولات مستديرة في الصالة جلس حولها بقية الضيفات، ولم يضع أحد الوقت، فكلما بدأ محور، تأهبت المستمعات للمناقشة وإبداء الرأي، لتشعر أنك في ورشة عمل حقيقية تريد أن تخرج بنتائج عملية تختلف عن تلك التي تبقى صورية في المؤتمرات الرجالية.

طرحت المتحدثات خمس نقاط حول «علاقة المرأة بالإنترنت»، ثم طلب من الموجودات على كل طاولة، أن يناقشن نقطة واحدة من الخمس، ثم يختصرن نتيجة النقاش ويعرضنه على الأخريات. صادف وجودنا على طاولة تناقش «مدى اعتراف الحكومات بمشاركة المرأة وجهودها في المجال المعرفي».

ست سيدات، بينهن ثلاث لبنانيات بدأن بالحديث عن تجاربهن ومقترحاتهن. اللبنانيات اعترفن أنهن يعشن في ظل قانون متقدم على القوانين الأخرى في المنطقة في ما يخص المرأة، لكنهن شكين من أن النساء في غالبيتهن يجهلن القانون ولا يستفدن من الكثير من مواده، وأن المغتربات هن أكثر اللبنانيات وعيا بحقوقهن.

ومما أثار ضحك الجالسات إلى الطاولة، قول إحدى اللبنانيات، إن النساء حين يذهبن إلى مجلس الوزراء للمطالبة بحقوقهن، فغالبا ما يتشاجرن هناك، ويضيعن الفرصة.

الفلسطينية كارولين خلف، شرحت للحاضرات أن الحركة النسائية الفلسطينية كانت في تقدم قبل انفصال غزة وقيام الدولتين، وبعد هذا الحدث الأليم باتت أمور النساء ثانوية نسبة لما يتعرض له الفلسطينيون من حوادث جسام، ولتشتت السلطة بين مركزين.

اللبنانيات، ذكرن أن الكثير من الحقوق اكتسبنها بفضل الحرب وغياب الأزواج عن البلد، ومنها إلغاء الحاجة لتوقيع الزوج كي تحصل المرأة على جواز سفر أو تجديده، وبدت اللبنانيات أيضا متفائلات ببعض الحيوية التي اكتسبتها الانتخابات النيابية الأخيرة، التي ترشح لها فنانون وأصحاب مهن مختلفة، مما يبشر بتغيرات إيجابية ستصب في صالح المرأة.

المغربية نجاة رشدي، وهي نائبة المدير في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، روت مشاركتها في تجربة الكفاح من أجل إقرار قانون الأحوال الشخصية الجديد، أو ما عرف في المغرب بمدونة الأسرة، وهذا لم يكن ليتحقق لولا أن النساء والرجال المدافعين عن المشروع استطاعوا أن يعملوا مع نخبة من النواب آمنت بقضيتهم. وهكذا نصحت نجاة اللبنانيات، بأن لا يكتفين بتشكيل «لوبي» من النواب والوزراء المتعاطفين مع قضاياهن، وإنما التوجه إلى الهيئات المحلية مثل البلديات التي يمكن أن تشكل حليفا قويا لهن.

وأضافت: «هذا ما فعلنا في المغرب، وعلينا جميعا أن نفعل ذلك»، ومما نصحت به نجاة رشدي، الخبيرة في هذا الموضوع أخواتها اللبنانيات: «الإعلام مهم، لقد كان عونا لنا في المغرب، ونحن من موقعنا لا نعرف كيف نخاطب الناس، ونستخدم كلمات نخبوية لا تصل للجميع، فالإعلاميون لهم لغة بسيطة تدخل كل بيت، ويستمع إليهم كل أفراد الأسرة، وهذا يجب أن يكون من توصيات الورشة».

وبعد أن انتهى النقاش حول الطاولات الخمس اختيرت متحدثة من كل طاولة، شرحت على اللوح للحاضرات ما تمت مناقشته، ومنها مواضيع: «الأسطورة والواقع حول ما توفره شبكة الإنترنت»، و«هل شبكات المرأة ناجحة»، و«ما مدى قدرة المرأة على استغلال الشبكة في التجارة».

بدت النقاشات حماسية وجدية للغاية، واتفقت السيدات على ضرورة إقامة شبكة تواصل إنترنتية بينهن، لتبادل الخبرات والمعلومات باستمرار، وأن هناك اتفاقات وقوانين كثيرة، لا بد من تفعليها.

وذكرت مشاركة بريطانية: «نحن أكثر قدرة على بناء علاقات حميمة من الرجال. حين نتعارف نتحدث عن أولادنا، وأسرنا، وهذا ما لا يفعله الرجال، لذلك فإن عملنا أقوى وأنجع».

وفكرت الحاضرات في من يجب أن يكون هدفا لاستمالتهن، فوجدن أنه إضافة إلى السياسيين والإعلاميين، هناك الشباب، وهؤلاء شريحة في غاية الأهمية، وكذلك التجمعات المهنية والنقابية، ومن الأمور المهمة، اتفاق الناشطات على أجندة مشتركة، والتنسيق الدائم كي لا تتشتت الجهود.

لم يفت المجتمعات تنبيه إحداهن الأخرى إلى حساسية استخدام المفردات، فكلمة «تغيير» تثير خوف الرجال، لذلك يجب استبدال كلمة «تطوير» بها، أو «تحسين»، ولا بد أيضا أن يكون هدف الحوار مع الرجال، هو بالدرجة الأولى إقناعهم بأن لهم مصلحة كبرى، في تحسين وضع المرأة، وأنهم سيكونون أول المستفيدين، مع تدعيم الكلام بالأمثلة الحية.

بعد الظهر، تحدثت عاملات في مجال الكومبيوتر، خريجة في الجامعة الأميركية، تحدثت عن معاناة الفتيات في مجال هندسة المعلومات، وكان التركيز على محنة تسرب الخريجات من سوق العمل، لأنهن أنجبن أولادا أو يعتنين بالأزواج، فيما هن، في الحقيقة، يحرمن مجتمعهن من كفاءات يحتاجها.

وكان اتفاق على أن ظاهرة تقهقر عدد الراغبات في العمل، والمعتمدات على مدخول الزوج، من شأنها أن تؤخر المجتمع وتدفع به إلى الوراء.

في اليوم الثاني والأخير لهذا اللقاء المغلق على المدعوات إليه، طرح سؤال على المشاركات: كيف تتخيلن امرأة الغد؟ استعانت الحاضرات بالكلمات، وبقص الصور من المجلات والصحف واستخدمن تقنية الكولاج لترسم كل منهن صورة للمرأة المستقبلية كما هي في مخيلتها. فبدا أن ثمة إحساسا لديهن بأن امرأة الغد هي «سوبر وومن» تهتم ببيتها وأولادها، ناجحة في مهنتها، مخترقة الكثير من الحواجز التي تعترضها اليوم، كما أنها جميلة وأنيقة ولم تتخل عن «الشوبينغ (التسوق)».

جدير بالذكر أن كارولين خلف، التي تدير هذا المشروع، فلسطينية مقيمة في رام الله، وتقوم بكامل التنسيق والتخطيط، والتنفيذ من هناك وهي خلف جهازها الإلكتروني، مستعينة بجميع وسائل الاتصال المتاحة لها، وتقدم بذلك نموذجا للمرأة التي تستطيع أن تكون فاعلة حتى وهي سجينة تحت الاحتلال.