الدليل الكامل لتشخيص وعلاج التهاب العضلة القلبية

التهاب العضلة القلبية مشكلة طبية غامضة وغالبا ما يخفي الكثير من المشكلات
التهاب العضلة القلبية مشكلة طبية غامضة وغالبا ما يخفي الكثير من المشكلات

القلب، الموجود عميقا في الصدر، يكون محميا من القوى التي تخدش الجلد أو تكسر العظام، إلا أنه ليس محصنا ضد العدوى والالتهابات.


ففي كل عام يصاب آلاف الناس بالتهاب العضلة القلبية (myocarditis) وهو الالتهاب الذي يحدث في الشريحة (الطبقة) الوسطى، العضلية، للقلب، وهو يحصل نتيجة العدوى، أو ردة الفعل التحسسية للأدوية أو للمواد الكيميائية.

والتهاب العضلة القلبية يمكن أن يكون خفيفا جدا بحيث يمر من دون ملاحظته، أو أن يكون خطيرا جدا بحيث يقود إلى عجز القلب أو الموت المفاجئ، وبما أنه لا توجد أي علامة أو عرض من الأعراض التي «تصرخ فينا» بأن الحالة هي «التهاب العضلة القلبية»، فإن التوصل إلى التشخيص المناسب لها يتطلب أنواعا من التقصي الطبي الدقيق مثل تلك التي يمارسها رجل البوليس السري!

أسباب الحالة
غالبية حالات التهاب عضلة القلب، تحدث بسبب الفيروسات، وأكثرها شيوعا فيروسات كوكساكي (coxsackie) التي تحيا في القناة الهضمية، أما الفيروسات الأخرى فتشمل الفيروسات المسببة للعدوى في القناة الهضمية (enteroviruses) وفيروسات نزلات البرد adenoviruses، وفيروس الإيدز، وعدد آخر غيرها، كما تؤدي البكتيريا التي تسبب مرض الدفتريا أو «مرض لايم»، وعدد من الطفيليات والمواد المتعفنة، إلى التهاب عضلة القلب.

وفي العادة، تظهر العدوى في بدايتها في موقع غير موقع القلب، وغالبا ما في الأنف أو الرئتين أو المعدة، وبعد أن تتطور العدوى ويتكاثر الميكروب المسبب لها ويدخل إلى مجرى الدم، فإن بمقدوره النفاذ إلى عضلة القلب.

ويقود نمو وتكاثر الفيروسات داخل خلايا عضلة القلب إلى هلاك هذه الخلايا التي تنقبض باستمرار، كما تقود إلى هلاكها أيضا المواد السامة التي تفرزها البكتيريا أو العوامل الأخرى المسببة للحالة.

وقد يؤدي الالتهاب، وهو رد فعل الجسم على العدوى، إلى إضعاف القلب بتدميره لخلاياه، إضافة إلى ما تقوم به الميكروبات التي هاجمته له من تدمير (كما يمكن للعدوى والالتهابات أيضا التأثير على الأجزاء الأخرى من القلب ـ انظر إطار «الالتهابات الأخرى للقلب»).

كما قد يحدث التهاب عضلة القلب أيضا كناتج ثانوي غير متوقع عند حدوث حساسية أو رد فعل تحسسي يقود إلى حدوث التهاب شديد.

وقد ظهر أنه توجد صلة بين حدوث التهاب عضلة القلب وبين ردود الفعل تجاه بعض المضادات الحيوية، ومضادات التشنج، ومدرّات البول وعدد آخر من الأدوية، إضافة إلى المواد الكيميائية والمواد المهيجة ابتداء بمادة الرصاص ونبات «إيفيدرا» وانتهاء بلسعات الحشرات.

رصد التهاب عضلة القلب
لا يظهر التهاب عضلة القلب بعدد كامل من الأعراض التي يمكن التعرف عليها، فالأعراض تكون متفاوتة وفقا لسبب المرض وشدته، ففي الحالات المتوسطة قد تظهر علامات عامة على عدوى فيروسية ـ حمى، التهاب البلعوم، تقيؤ أو إسهال، أوجاع في الجسم أو في المفاصل ـ ثم تزول تدريجيا لحالها، مسببة مشاكل بعيدة المدى في القلب.

أما الحالات الشديدة فإنها تقود إلى ظهور الأعراض والعلامات التالية:

- آلام في الصدر تشبه الذبحة الصدرية أو النوبة القلبية.

- ضيق تنفس غير اعتيادي أثناء بذل الجهد، أو عند الراحة.

- إجهاد.

- خفقان سريع أو غريب الإيقاع.

- تورم في القدمين أو الكاحلين أو الرجلين.

وقد يشك الطبيب في حدوث التهاب لعضلة القلب إن كنت قد تعرضت حديثا إلى عدوى فيروسية أو غيرها، أو إلى ردة فعل تحسسية لشيء ما، وكنت تعاني من ألم في الصدر غير مسبوق، أو من أعراض أخرى تمت بصلة إلى القلب.

إلا أن وضع التشخيص الدقيق يظل أمرا صعبا، إذ يشمل ذلك فحصا بدنيا، والتصوير بأشعة إكس، وتخطيط القلب الكهربائي، وتخطيط القلب بتقنيات الصدى، والتصوير بالرنين المغناطيسي، ويجرى فحص للدم لتقييم عدد الكريات البيضاء والحمراء، ومستويات البروتينات التي تعكس الأضرار التي تعرضت لها عضلة القلب، وكمية الأجسام المضادة الموجهة ضد بعض الفيروسات المعينة والميكروبات الأخرى.

وفي بعض الأحيان فإنه من الضروري التدقيق في قطعة صغيرة من عضلة القلب، ويجرى هذا النوع من عمليات استخلاص خزعة من القلب، بواسطة أنبوب مرن يسمى القسطرة، يدخل في وعاء دموي من منطقة أعلى الرجل ليدفع نحو القلب، وما إن تصبح القسطرة هناك حتى يقوم جهاز صغير له فكوك صغيرة موضوع على رأسها، باستخلاص الخزعة من عضلة القلب، وقد تكشف الاختبارات على هذه الخزعة عدوى عضلة القلب ومنشأها.

علاج التهاب عضلة القلب
يتفاوت علاج التهاب عضلة القلب من شخص لآخر، فهو يعتمد على مسبب الالتهاب، وكيفية تأثيره على القلب.

ويعتبر العثور على السبب الرئيسي لالتهاب عضلة القلب مسألة صعبة، ولذلك يتركز العلاج عادة على تخفيف الأعراض ومساعدة القلب على تأدية وظائفه، أثناء فترة وقوعه تحت الهجوم، بكل الإمكانات المتاحة.

وينبغي على كل الأشخاص المصابين بالتهاب عضلة القلب تقريبا، الحد من نشاطهم البدني وتجنب أي شكل من أشكال الرياضة لحين انجلاء الأمور، وهذا ما يخفف الإجهاد على القلب، كما أن النظام الغذائي القليل الملح قد يكون مساعدا، ومن المهم التوقف عن التدخين والامتناع عن تناول الكحول وغيرها من العوامل المؤذية للقلب.

أما جوانب العلاج الضرورية هي الأخرى، فقد تشمل:
- أدوية لتوسيع الأوعية الدموية ولإبعاد السوائل الزائدة من الجسم.

- أدوية غر استرويدية مضادة للالتهاب.

- أدوية، أو منظم للقلب، لعلاج مشاكل تغير إيقاع القلب، أو الوقاية منها.

- مضادات التخثر لمنع تشكل الخثرات الدموية.

- وضع مضخة مؤقتة لمساعدة القلب على النبض.

- مضادات حيوية أو مواد مضادة للأكسدة لمكافحة العدوى.

- أما حالة التهاب عضلة القلب الفيروسية فغالبا ما يمكن علاجها في المنزل، إلا أنه يجب إدخال المريض إلى المستشفى عندما تسبب عجزا في القلب أو تؤدي إلى اضطراب إيقاعه.

تأثيرات بعيدة المدى
إن فترة التهاب عضلة القلب تعتمد على سببه وعلى صحة المريض (وربما على جيناته)، ولدى البالغين الأصحاء عموما فإن التهاب عضلة القلب الفيروسية التي لا تشوبها مضاعفات، تزول خلال أسبوعين إلى ثلاثة. إلا أن الحالة يمكنها أيضا أن تستمر لشهور قبل أن تزول ببطء، وقد تستمر إلى الأبد.

والحالات الخفيفة تسبب عادة ضررا دائما للقلب، أما الحالات الشديدة لالتهاب عضلة القلب فقد تؤدي إلى عجز القلب وذلك لتسببها في توسيع عضلة القلب، وفقدان العضلة لبعض من قوتها، أو في زيادة سمكها وتصلبها. وفي بعض الأحيان يكون عجز القلب حادا بحيث يحتاج الأمر إلى زرع قلب بديل.

وبتداخلها مع نسق النشاط الكهربائي للقلب، وهو نسق محكم بشكل مضبوط، فإن التهاب عضلة القلب قد يسبب أيضا الموت المفاجئ، أو يتطلب وضع جهاز دائم منظم للقلب.

إن التهاب عضلة القلب هي حالة صعبة تطرح التحديات، وقد لاحظ الدكتوران «كينيث ل. باومان» الباحث في كلية الطب بجامعة هارفارد، وجوشوا واين الباحث في جامعة واين للدولة عند كتابتهما لفصل مخصص لالتهاب عضلة القلب في كتاب جامعي مشهور يسمى «براونوالدز هارت ديزيز»، أنه «يندر التعرف عليها، كما أن فسلجة الأسباب المؤدية إلى الإصابة بها لا تزال غير مفهومة، إلا بشكل طفيف، ولا يوجد معيار ذهبي محدد ومقبول بشكل عام للتشخيص، كما أن كل العلاج الحالي مثير للجدل».

إن حالة اللاتعيين التي تحيط بالتهاب عضلة القلب، تظهر أنه على الرغم من كل ما حصل في ميدان الطب من تقدم، فإن علينا تعلم الكثير.

خلال جيل من يومنا هذا، قد تعتبر حالة التهاب عضلة القلب نطاقا من الأمراض له نطاق عريض من العلاجات.

ولكن، الآن، فإن أفضل دواء هو أن نفكر في احتمال التعرف على التهاب عضلة القلب مبكرا، وأن نحاول منع وقوع أي مضاعفات لها.

نقاط رئيسية حول .. التهاب عضلة القلب
- يسمى الالتهاب الحاصل في الشريحة (الطبقة) الوسطى للقلب، التهاب العضلة القلبية myocarditis، الذي يمكن أن يحدث نتيجة عدوى أو حساسية قوية جدا.

- علامات وأعراض التهاب عضلة القلب ليست محددة، لذا يصعب تشخيصه.

- يعتمد علاج التهاب العضلة القلبية على الأمر المسبب له وعلى كيفية تأثير الالتهاب على القلب، والراحة وتناول الأدوية يعتبران مرحلة الانطلاق الأولى للعلاج، إلا أن الأمر قد يتطلب علاجات أقوى.