الشوكولاته وصحتك .. جوانب صحية وأخري مظلمة

غنية بعناصر صحية ومعالجتها صناعيا تضيف مركبات ضارة
غنية بعناصر صحية ومعالجتها صناعيا تضيف مركبات ضارة

إنها قصة قديمة، بل وعريقة في القدم جدا، في الواقع. إنها الثمرة المحرمة التي تمتاز بأفضل طعم. الشوكولاته، هل ينبغي أن نصفها بالسيئة؟ أم يجدر بنا أن نتحدث عنها بوصفها أحدث ما تم اكتشافه في الأطعمة الصحية؟ والإجابة عن هذين السؤالين، مثلها مثل الإجابة عن كل الأسئلة المعقدة، تكمن في الجواب بـ«نعم» عن كليهما، ما دامت عواقب تناول الشوكولاته تعتمد بشكل كبير على نوعها، وعلى الكمية التي نلتهمها.


مذاق تاريخي
البداية كانت شجرة الكاكاو، التي كانت تنمو في أميركا الوسطى منذ أكثر من 4 آلاف سنة مضت، التي أخذ الإنسان في زراعتها منذ أكثر من 1000 سنة، وكان سكان حضارتي الأزتيك والمايا مولعين بها، ويعتقدون أن بذورها هدية إلهية من السماء، كما استخدموها في طقوسهم الدينية وتجارتهم، وكعملة، فقد كانت 100 حبة منها تعادل قيمة شراء أحد العبيد.

وكانت الشوكولاته من أوائل المنتجات التي صدرها سكان أميركا، ثم جلب كورتيز حب الكاكاو إلى إسبانيا في بداية القرن السادس عشر، وكان الإسبان يضيفون السكر والقرفة إلى هذا المشروب «الهندي» مر الطعم، أما بقية الحديث أصبحت جزءا من التاريخ، واليوم تنمو شجرة الكاكاو في المناطق الاستوائية من أفريقيا وآسيا، وكذلك في أميركا، التي لا تزال تنتج جزءا من محصول حب الكاكاو العالمي.

من الكاكاو إلى الشوكولاته
ولكي تنتج الشوكولاته من حب الكاكاو، فإن الحب يتم تجفيفه بعد الحصاد لعدة أيام، ثم يجري شيه أي تحميصه، وبعد ذلك، يتم فتح الحب للتخلص من قشوره وطحن اللب، ثم يتم فصله إلى «زبدة الكاكاو» و«مسحوق الكاكاو».

والمسحوق يكون قفيرا في الدهون، ولذا فإنه يستعمل في صناعة العجائن والمخبوزات أو في صنع مشروب الشوكولاته الساخنة، فيما تكون زبدة الكاكاو في قلب عملية إنتاج الشوكولاته التي نتناولها، وزبدة الشوكولاته سوداء وغنية، إلا أنها تكون في العادة، مرة الطعم.

ولكي تصبح جذابة، يقوم منتجو الحلويات بمعالجتها، وإحدى الطرق الشائعة تسمى «المعالجة الهولندية» Dutch processing تتوجه إلى تخفيف اللون كما تقوم بإزالة الكثير من العناصر التي تبدو مفيدة، ولجعل الشوكولاته أحلى طعما يلجأ منتجوها إلى إضافة السكر، الأمر الذي يعني زيادة أعداد السعرات الحرارية.

ولإنتاج الشوكولاته بالحليب فإن المنتجين يقومون بإضافة الحليب الجاف، الذي يحتوي على الدهون المشبعة، ووفقا لمقاييس إدارة الغذاء والدواء FDA فإن الشوكولاته بالحليب يمكن أن تحتوي على نسبة قليلة تصل إلى 10 في المائة، كما أن الإدارة تبحث الآن في مقترح يسمح لمنتجي الحلويات بإحلال زيت الخضروات محل زبدة الكاكاو.

والخلاصة فإن وسائل المعالجة الصناعية بمقدورها أن تجعل لون الشوكولاته خفيفا، ومذاقها احلي طعما، إلا أنها تزيل العناصر الصحية وتضيف عناصر ضارة.

قضمة كيميائية
إن حب الكاكاو معقد بشكل لا يمكن تصوره، إذ إنه يحتوي على أكثر من 400 مادة كيميائية، يمكن لأغلبها أن يؤثر على تركيبة الإنسان البيولوجية وعلى صحته.

الدهون
زبدة الكاكاو غنية بالدهون، التي تمنح الشوكولاته تكوينها اللذيذ و«الطعم الشهي» ـ إلا أنها أيضا تمنح الشوكولاته اسمها السيئ.

ورغم أن الدهون تحتوي في الحقيقة على الكثير من السعرات الحرارية، إلا أنها هنا، ليست المتهمة بذنب زيادة مستويات الكولسترول في الدم، ويشكل حامض الأوليك oleic acid نسبة الثلث تقريبا من دهون زبدة الكاكاو، وهذا الدهن هو الدهن الأحادي نفسه غير المشبع، الذي يمنح زيت الزيتون سمعته الممتازة.

أما الثلث الثاني فيحتله حامض السيتريك stearic acid وهو دهن مشبع، إلا أن حامض السيتريك، وبخلاف الدهون المشبعة الثلاثة، التي توجد في غذاء الإنسان، لا يزيد من مستويات الكولسترول لأن الجسم يقوم بتمثيله غذائيا، محولا إياه إلى حامض الأوليك، كما أنه ورغم أن الشوكولاته تحتوي أيضا على بعض من حامض النخليك palmitic acid، وهو دهن مشبع يزيد من مستويات الكولسترول، فإن الدراسات المتأنية قد أظهرت أن تناول الشوكولاته لا يزيد من مستويات الكولسترول في الدم.

الفلافونويدات.
أن حب الكاكاو المتواضع يحتوي على عدد من المواد الكيميائية من عائلة الفلافونويدات flavonoids، وتحمي مركبات البوليفينول polyphenols الشوكولاته من الفساد، حتى من دون وضعها في الثلاجة، ولكن الأهم من ذلك هو وجود الفلافونويدات، وهي مجموعة من المواد الكيميائية لها الفضل في الكثير من المزايا الوقائية للشيكولاته، وتوجد الفلافونويدات في الكثير من الأطعمة الصحية ـ إلا أن الشوكولاته الداكنة هي الأغنى بها.

الأحماض الأمينية
الشوكولاته غنية بمواد «ترايبتوفان»tryptophan، و«فينيلالانين» phenylalanine، و«تايروسين» tyrosine. وهذه المركبات الغنية بالنتروجين، مثلها مثل الأحماض الأمينية الأخرى، تعتبر الأحجار الأساسية لكل بروتينات الجسم.

إلا أن اثنين من هذه الأحماض الأمينية يتسمان بخصائص فريدة من نوعها: إذ إنهما مادتان سابقتان لتكون الأدرينالين، المسمى «هرمون التوتر»، والـ«دوبامين» وهو ناقل عصبي ينقل الإشارات بين الخلايا العصبية في الدماغ، وقد اعتبر العلماء أن الدوبامين يزيد من مشاعر السرور والمتعة، وإن كان هذا صحيحا فإن التوق الشديد لتناول الشوكولاته قد يكون له أسس كيميائية ـ عصبية.

الا أن هذه المواد الكيميائية تفسر أيضا التأثيرات السيئة للشوكولاته، ومنها قدرتها على تحفيز ظهور الصداع لدى بعض الأشخاص المعانين من الصداع النصفي (الشقيقة)، وقدرتها على رفع ضغط الدم إلى مستويات خطيرة لدى بعض الأشخاص الذين يتناولون مثبطات مؤكسد أحادي الأمين monoamine oxidase inhibitors لعلاج الكآبة، وكذلك قدرته على حدوث الإسهال، الصفير، والتوهجات لدى الأشخاص المعانين من الأورام السرطانية النادرة.

مواد «الميثيلزانثين» Methylxanthine
تحتوي الشوكولاته على اثنين من هذه المجموعة من المواد الكيميائية، أحدهما مخفي، ولكن الآخر شهير جدا ـ الأول يسمى «ثيوبرومين» theobromine والثاني الكافيين، لهما تأثير متماثل على الجسم.

ولعلهما يفسران عملية زيادة سرعة نبضات القلب ـ وكذلك ظهور حرقة المعدة عند بعض الأشخاص، بعد عملها على استرخاء العضلة في ما بين المعدة والمريء، الأمر الذي يسمح لأحماض المعدة بالارتجاع إلى داخل تلك الأنبوبة الغذائية الحساسة.

العلم «الحلو»
تتمتع الفلافونويدات بالكثير من الخصائص التي يمكنها تحسين الصحة، ولكي يدقق العلماء في تأديتها لوظائفها، فقد توجهوا إلى دراسة أنواع الغذاء، من التفاح إلى البصل، ومن الشاي إلى المشروبات الأخرى، وليس من المدهش إذن أن تجتذب الشوكولاته اهتمام العلماء من كل أرجاء العالم، الأمر الذي أضفى على بحوثها نكهة عالمية، وقد ركزت غالبية الدراسات على جوانب صحة القلب والأوعية الدموية.

وفي ما يلي عينات من أهم النتائج:

النشاط المضاد للأكسدة
تقي المواد المضادة للأكسدة الكثير من أنسجة الجسم من الأضرار الناجمة عن الجذور الحرة للأكسجين، وبين الأعمال المفيدة الأخرى التي تقوم بها الفلافونويدات، هي حماية الكولسترول منخفض الكثافة أو الخفيف LDL من التأكسد أو الأكسدة، وهي العملية التي تحول هذا الكولسترول إلى كولسترول «ضار».

وها هنا مثالان: فقد قام علماء من إيطاليا واسكتلندا بتغذية متطوعين أصحاء بالشوكولاته الداكنة، الشوكولاته بالحليب، أو الشوكولاته الداكنة، وكمية من الحليب كامل الدسم، وظهر أن الشوكولاته الداكنة عززت النشاط المضاد للأكسدة في دم المتطوعين، إلا أن الحليب، سواء كان موجودا داخل الشوكولاته أو منفصلا عنها، منع هذا التأثير.

وعلى المنوال نفسه فقد وجد باحثون في فنلندا واليابان أن الشوكولاته الداكنة تقلل من تأكسد الكولسترول الخفيف، بينما تقوم في الوقت نفسه بزيادة مستويات الكولسترول عالي الكثافة أو الثقيل HDL (الكولسترول الحميد)، إلا أن الشوكولاته البيضاء تفتقد إلى تلك الفوائد.

وظيفة بطانة الأوعية الدموية
إن بطانة الأوعية الدموية endothelium هي طبقة داخلية خفيفة في الشرايين، وهي مسؤولة عن إنتاج أوكسيد النتريك nitric oxide، وهو مادة كيميائية صغيرة تقوم بتوسيع الأوعية الدموية وتحافظ على نعومة بطانتها.

هل بمقدور الشوكولاته المساعدة هنا؟
يجيب الأطباء اليونانيون: نعم. فقد قاموا بتغذية 17 متطوعا من الأصحاء بـ100 غرام من الشوكولاته الداكنة، ورصدوا تحسنا سريعا في وظيفة بطانة الأوعية الدموية. كما وجد باحثون سويسريون أيضا تأثيرا مماثلا للشيكولاته الداكنة، فيما لم يجدوا أي فائدة للشيكولاته بالحليب.

أما العلماء الألمان فقد أفادوا أن الكاكاو الغني بمادة الفلافونول بمقدوره قلب اختلال وظيفة بطانة الأوعية الدموية، الذي يحصل بفعل التدخين، وأفاد الأطباء الأوروبيون بأن الشوكولاته الداكنة تبدو وأنها تحسن وظيفة الشرايين التاجية لدى الأشخاص، الذين زرعت في أجسامهم قلوب صناعية.

كما أن هناك أنباء طيبة للأشخاص غير المدخنين وسليمي القلوب، بعد أن أفاد باحثو جامعة هارفارد أن الكاكاو يقلل من اختلال وظيفة بطانة الأوعية الدموية، الناجم عن التقدم في العمر.

ضغط الدم
لأن وظيفة بطانة الأوعية الدموية تتمثل في توسيع تلك الأوعية، فإن من المنطقي أن تساعد الشوكولاته في خفض ضغط الدم المرتفع، وقد وجدت دراسات من إيطاليا والأرجنتين وألمانيا والولايات المتحدة، أن الشوكولاته الداكنة بمقدورها خفض ضغط الدم لدى الأشخاص الأصحاء ولدى المصابين بارتفاع ضغط الدم.

وأظهرت تحليلات أولية عام 2007 لخمس اختبارات شملت 173 شخصا، أن تأثير الشوكولاته معتدل، فقد انخفضت قراءتا ضغط الدم الانقباضي (أعلى قراءة للضغط عندما يضخ القلب الدم)، والانبساطي (وهي ادني قراءة عندما يستريح القلب بين نبضتين)، بنحو 5 مليمترات زئبق.

وتزول هذه الفائدة في غضون أيام معدودات بعد الانقطاع عن «العلاج» بـ«جرعة» يومية من الشوكولاته الداكنة، كما جاءت حقائق أخرى أيضا من دراسة أجريت عام 2008 على مدى ستة أسابيع على 101 من البالغين الأصحاء، لم تعثر على أي فوائد لخفض ضغط الدم.

الحساسية للأنسولين
الشوكولاته هي الغذاء الذي يحب المصابون بمرض السكري، أن يكرهوه، بسبب السكر الموجود فيها وسعراتها الحرارية، إلا أن دراسة إيطالية لأشخاص غير مصابين بالسكري، افترضت أن الشوكولاته الداكنة، وليست البيضاء، بمقدورها تحسين الحساسية تجاه الأنسولين.

ومع هذا، فإن دراسة صغيرة لتأثير الكاكاو الغني بالفلافونول على المصابين بالسكري عام 2008 لم ترصد أي تحسن في التحكم في مستوى سكر الدم أو ارتفاع ضغط الدم.

تخثر الدم
غالبية النوبات القلبية والسكتات الدماغية تنجم عن الخثرات الدموية، التي تتكون في الشرايين الرئيسية، التي توجد فيها ترسبات الكولسترول، وتقوم الصفائح الدموية بتحفيز تكوين الخثرات، وهذا ما يفسر دور التأثير المضاد للصفائح الدموية للأسبرين، في حماية مرضى الشرايين التاجية، وقد وجد باحثون في سويسرا والولايات المتحدة أن الشوكولاته الداكنة تقلل من نشاط الصفائح الدموية.

الجانب المظلم للشوكولاته
وربما، ولأنها تقد المتعة للإنسان، فإن الكثير من الاتهامات توجه إلى الشوكولاته، وفي الواقع فإنها قد تؤدي إلى حفز الصداع النصفي أو ارتجاع حامض المعدة نحو المريء لدى بعض الناس الحساسين، وبزيادتها لإفراز الكالسيوم والأوكساليت في البول، فإن بمقدورها أيضا زيادة خطر حدوث حصى الكلى لبعض الناس، وقد ربطت دراسة عام 2005 شملت 1460 من النساء الكبيرات في السن، بين تناولهن يوميا للشيكولاته وبين انخفاض كثافة العظام وقوتها لديهن.

ومن جهة أخرى، فإن هناك القليل من السند العلمي للاعتقاد الشائع على نطاق واسع القائل بأن الشوكولاته تسبب ظهور حب الشباب.

ولكن، ماذا عن تسوس الأسنان؟

هنا يمكن القول إن الشوكولاته مذنبة فعلا إذ تدعم دراسة على عمال مصنع لإنتاج الشوكولاته في الدنمارك هذه النتيجة بشكل غير مباشر.

ورغم أن العمال كانوا ينظفون أسنانهم بالفرشاة ويراجعون طبيب الأسنان بانتظام، فإن صحة الأسنان كانت جيدة لدى 25 في المائة منهم.

الشوكولاته «المزهرة»
الورود والشيكولاته ـ هبتان من هبات الحب المعهودة، فالرومانسيون يتوقعون أن تزهر ورودهم، وقد يندهشون فعلا إن علموا أن الشيكولاته يمكن أن «تزهر» أيضا.

هذه المشكلة الأكثر شيوعا تكمن في الشيكولاته بالحليب، فالنوع القياسي من الشيكولاته بالحليب يتكون من 30 في المائة من الكاكاو وزبدة الكاكاو، و20 في المائة من الحليب الجاف، و50 في المائة من السكر. وهذا الخليط الذي يدير الرؤوس، قابل للتغير مع الزمن.

وإن حدث وانتقلت زبدة الكاكاو إلى سطح الشيكولاته، فإنها ستظهر على شكل غطاء يميل لونه إلى البياض، الذي يطلق عليها منتجو الحلويات اسم «الشيكولاته المزهرة»، وهذا الشكل الغريب لا يؤثر على الطعم ولا على الصحة ـ إلا أنه يؤكد اعتقادات خبراء التغذية بأن الشيكولاته بالحليب ليست سوى «عار مزهر».