المطبخ الياباني .. تحول من أطباق الساموراي إلى المأكولات السريعة

رغم أن اليابانيين حولوا الكثير من الأطباق الأجنبية إلى أطباق محلية ناجحة، فإن المطبخ الياباني بشكل عام من المطابخ الدولية المهمة والرئيسية، التي تشهد شعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم هذه الأيام
رغم أن اليابانيين حولوا الكثير من الأطباق الأجنبية إلى أطباق محلية ناجحة، فإن المطبخ الياباني بشكل عام من المطابخ الدولية المهمة والرئيسية، التي تشهد شعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم هذه الأيام

يؤكد معظم نقاد المطبخ والطعام في العالم، أن المطبخ الياباني تطور عبر القرون الطويلة نتيجة التغيرات الاجتماعية والسياسية، وأن المطبخ تعرض لعدة تغيرات خلال تاريخه الطويل والحافل.


الأول حصل في نهاية القرون الوسطى وظهور الساموراي على الساحة والنخب السياسية والاجتماعية أيام حكم «شوغن»، ولأن تلك الفترة كانت فترة عسكرية بالمعنى السياسي والواقعي، ركزت على الإتقان والدقة في كل شيء حتى في الطعام.

أما التغير الثاني فقد حصل بداية القرن الماضي، خصوصا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث اختلط اليابانيون أكثر من أي وقت مضى في تاريخهم، بالكثير من الشعوب الآسيوية والأوروبية وانتهى الوضع كما نعلم بانتصار الحلفاء وأميركا، وبالتالي سيطر المطبخ الغربي على الكثير من المأكولات، هذا عوضا عن انتشار المأكولات الأميركية الاستهلاكية السريعة مثل البرغر والبيتزا الإيطالية وغيرهما من المأكولات السريعة والحديثة.

فتعبير «المطبخ الياباني» أو ما يعرف بـ«واشوكو» (washoku )، يعني جوهريا «الطعام الياباني التقليدي»، ومع هذا فإن الكثير من الأطباق، إما مهجنة وأما متأثرة بالمطبخ الغربي وغيره من مطابخ العالم، أكان ذلك من ناحية المكونات أو من ناحية التطبيق.

ورغم أن اليابانيين حولوا الكثير من الأطباق الأجنبية إلى أطباق محلية ناجحة، فإن المطبخ الياباني بشكل عام من المطابخ الدولية المهمة والرئيسية، التي تشهد شعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم هذه الأيام، لأنه يقوم على ثلاثة مبادئ، الأول التحضير أو التزيين والشكل الفاتح للشهية والثاني النوعية الجيدة للمكونات والثالث والأهم طزاجة المواد والخضار واللحوم.

هناك الكثير من المأكولات الإقليمية والمحلية في اليابان، منها ما يعرف بـ«كيودو ريوري» (Ky?do Ry?ri)، التي تضم الكثير من الأطباق البلدية المحضرة من بضائع محلية طازجة وأساليب تحضير قديمة.

ومع هذا فإن الأنواع المحلية وأنواع المناطق البعيدة عن العاصمة طوكيو، انتشرت في كل البلاد مثل الـ«سوشي» (sushi) (أرز مخلل مع شرائح السمك الطازج) و«اوكونومياكي» (Okonomiyaki) أشبه بالبان كيك وحساء «زوني» (Z?ni) (شوربة مع كعك الأرز والخضار والنباتات المجففة، ارتبط الحساء بظاهرة الساموراي، لأنه كان من الأطعمة التي تقدم خلال المعارك).

ورغم أن بعض الأطباق حافظ على محليته، فإن الأطباق الجديدة لا تزال تطل برأسها هنا وهناك ومن فترة لأخرى.

 ومن المعروف أن المناطق الشرقية تستخدم صلصة الصويا القوية، أما المناطق الغربية فعلى العكس تستخدم الصويا الخفيف.

كبقية مطابخ العالم يعتمد على بعض الأساسيات والمكونات منها عالمية ومنها محلية، فمثلا في عالم الخضار يركز المطبخ الياباني على السبانخ والبطاطا الحلوة والخضار المخللة مع الأرز المعروفة بـ«تسوكيمونو» (Tsukemono) والبصل الصيني الأخضر النحيف والبصل الويلزي «نيغي» (negi ) والملفوف الصيني والخيار والباذنجان والفجل الأبيض الطويل المعروف بـ«دايكون» (Daikon) ونيتة الـ«فوكي» (Fuki ) والـ«كونياكو» (konnyaku) (يصنع منها الجيلاتين وجذور نبتة اللوتس الشهيرة المعروفة بـ«نيلومبو» (Nelumbo) ونبتة الـ«سانساي» (Sansai) الجبلية البرية التي عادت ما تعتبر من أطعمة الرهبان البوذيين.

أما من اللحوم، فيركز المطبخ الياباني على الدجاج ولحم البقر واللحم المفروم عادة المعروف بـ«مينشي» (minchi) ولحم الخيل الذي يعتبر مازة غالية الثمن ومن الأسماك سمك الـ«هيرينغ» والـ«ماكاريل» والـ«بولوك» والتونا والسلمون والسردين والحنكليس، أضف إلى ذلك الدلافين ولحم الحيتان والقريدس والمحار والسراطين أو «كرابس» والتوتيا والإخطبوط، ومع هذا كله أيضا الأعشاب البحرية الطازجة مثل عشبة «كومبو» (Kombu) و«نوري» (Nori) وعشبة «واكامي» (Wakame)، التي تستخدم كثيرا في حساء الـ«ميسو».

وبالإضافة إلى الكثير من أنواع الصويا ومشتقاتها، يستخدم اليابانيون المعكرونة كثيرا بالأرز ومن دونه، لكنها دائما مع بعض الصلصة.

ومن أهم الأنواع «سوبا» (Soba) الرفيعة و«سومين» (S?men) الرفيعة جدا والبيضاء أيضا و «رامين» (Ramen)، التي جاءت من الصين و«ادون» (Udon) المعروفة جدا بثخنها وفي جميع أنحاء البلاد.

ومعظم أنواع المعكرونة التي تخلط بالحساء من دقيق القمح والطحين الأبيض الناعم. ومن أنواع الحنطة المعروفة جدا وأحيانا يستخدمون دقيق نبتتي الـ«كاتاكوري» (Katakuri) و«كودزو» (Kudzu).

ومن البيض يستخدم اليابانيون بيض الدجاج وبيض حجل الـ«كويل» الصغير بكثرة. وقبل كل شيء في المطبخ الياباني هو الأرز، الأرز الأبيض الصغير الحبة وما يعرف بـ«موشي» (Mochi)، وهي عبارة عن مكعب أو قالب من الأرز المجلتن أو المكثف، ويطلق أهل اليابان على الأرز الذي يقدمونه في «الطاسات» (القدر الصغيرة) عادة «غوهان» (gohan) (الأرز المسلوق) و«ميشي» (meshi)، أما الأرز إلى يقدم في الصحون العادية على الطريقة الغربية يطلقون عليه اسم «رايزو» (raisu) المستوحى من الاسم الإنجليزي «رايس» (rice).

منذ الفترة المعروفة باسم «جومون» في تاريخ اليابان، أي بين عامي 400 و1400 قبل الميلاد، تغير حال اليابانيين مع المطبخ، إذ تحولوا من الصيد إلى الزراعة والاستقرار وساعد ذلك وصول الأرز الأبيض الصغير (النوع الوحيد الذي يزرع في اليابان على عكس الدول الآسيوية الأخرى) من الصين وكوريا وتقنيات زراعته وإنتاجه.

وقد أخذت اليابان الكثير من التقنيات الصينية قديما عن طريق كوريا، خصوصا خلال الفترة «الكوفونية» (Kofun period) من عام 250 إلى عام 538، ويمكن القول إنها استلهمت معظم التراث الصيني آنذاك، ولذلك كانت اليابان أيام حكم عائلة «تانغ» بعد القرن السادس، نسخة فقيرة أو مسخا عن التراث الصيني.

ومن الأمور التي ورثها اليابانيون عن الصين أيام الإمبراطور تيمو تحريم أكل اللحوم، خصوصا لحوم الخيل والقردة والماشية والدجاج والكلاب، وتواصل هذا التحريم الذي استبعد الغزلان والايل لأهمية لحمهما، لقرون عدة بعد القرن السابع، وأحيانا تم تحريم صيد السمك وقتل الحيوانات بشكل عام.

وفي القرن الثامن والتاسع ورث اليابانيون سبل استخدام العيدان الصينية لتناول الطعام بدلا عن اليدين كما كان شائعا، وتم أيضا إدخال الملاعق المعدنية في تلك الفترة، لكنها ظلت حكرا على النخبة والنبلاء كما هو الحال مع العيدان لفترة طويلة.

كما ورث أهل اليابان عن أهل الصين الطاولة أو طاولة الطعام، إذ كان اليابانيون قبل القرن التاسع يستخدمون ألواحا خشبية عبارة عن طاولة من دون أرجل يطلق عليها اسم «أوشيكي» (oshiki)، وكان لكل فرد من النبلاء طاولته الخاصة به، اعتمادا على عدد الصحون المقدمة.

وبعد القرن التاسع تحول اليابانيون إلى المطبخ الفردي أو تحرير المطبخ، فاختفت الملاعق المعدنية وبدأ العامة يستخدمون العيدان، وعرف اليابانيون بعد القرن التاسع أطباقا كثيرة، خصوصا السمك واللحم المشوي (yakimono ) والمأكولات المسلوقة (nimono) والمطبوخة على البخار (mushimono) وشتى أنواع الحساء المصنوع من الخضار المقطعة، بالإضافة إلى شرائح السمك الطازج مع الخل (namasu) والأعشاب البحرية والخضار المخللة، ولم يستخدم من الزيت ولسنوات طويلة إلا زيت السمسم.

وتقول وثائق عائلة نبلاء هييان، إن الطاولة التقليدية آنذاك، كانت تضم السمك والخضار، وطاسة من الحساء وطاسة من الأرز والملعقة والعيدان، والملح وثلاثة أنواع من البهارات والخل وخلاصة صلصة الصويا وبعض الحلوى التي يطلق عليها اسم «كاشي» (kashi)، وعادة ما كانت الحلويات من أصول صينية، خصوصا الكعك والفاكهة والمكسرات مثل البندق والصنوبر والكستناء والذرة، والرمان والدراقن والمشمش والحمضيات بشكل عام.

في الفترة الـ«كاماكورية» (Kamakura period)، أي بين عامي 1185 و1333، تغير حال المطبخ الياباني، إذ تحول من مطبخ الساموراي العسكري (الذين سيطروا على الريف)، الذي كان يركز على المذاق والمنفعة إلى مطبخ البلاط الاحتفالي والاستعراضي، خصوصا خلال المناسبات الرسمية.

ومن المعروف أن جذور مطبخ الساموراي جذور ريفية، تركز على البساطة والفائدة كما ذكرنا، ولذا تم تحاشي الدقة والفخامة والاستعراضية وكل ما إلى ذلك، وبالتالي الابتعاد كثيرا عن التقاليد الصينية المستوردة.

وخلال هذه الفترة أيضا، انتشرت المفاهيم البوذية عن الطعام في الريف الياباني، خصوصا الفلسفة الغذائية النباتية أو ما يعرف بالـ«فاجيتيريان» (vegetarian)، التي تستبعد اللحوم في الطعام.

ولذا تم اضطهاد الكثير من الناس الذين يعملون في سلخ الحيوانات وبيع لحمها، وفي العصر الحديث، تم الجمع بين مطبخ الساموراي ومطبخ البلاط وغيره، وتم الحفاظ على الأطباق التقليدية والمواد الأساسية، وظل استخدم الملح مبالغا فيه وبقي استخدام الدهن قليلا، لكن بدأ التركيز على تقنيات إنتاج شتى الأطباق، ولذا تتوزع فصول معظم كتب الطبخ اليابانية حسب التقنية لا المكونات.

وبسبب فترات تحريم اللحوم التاريخية، بقي التركيز على السمك الطازج، خصوصا أن اليابان عبارة عن عدة جزر محاطة بالبحر من جميع الجهات، كما بقيت المعكرونة أو الـ«نودلز» جزءا أساسيا من الطعام اليومي البديل عن الأرز بأنواعه النحيفة والثخينة.

وأضاف اليابانيون إلى مطبخهم حديثا الخبز، الذي ورثوه عن البرتغاليين صناعة واسما (في البرتغالية – p?o- واليابانية - pan)، إذ لم يعرفوا استخدام الخبز بكثرة وانتظام قبل القرن التاسع عشر.

كما ترك المطبخان الأميركي والإيطالي حديثا أثرا كبيرا على المطبخ والأطباق المحلية، خصوصا المطبخ الإيطالي وشتى أنواع أطباقه من الباستا حتى البيتزا والسباغيتي وغيره، ويتقن اليابانيون الكثير من الأطباق الإيطالية التقليدية، خصوصا الباستا مع الأنواع البحرية.

اليابانيون كما هو معروف من الشعوب التي تحب وتلتزم التقاليد وتركز عليها في الحياة اليومية، كما هو الحال مع الطعام، إذ هناك الكثير من آداب وقواعد المائدة التي يمكن تجاهلها، فمثلا قبل بدء الأكل يقال لصاحب البيت «ايتاداكيماسو» (itadakimasu)، التي تعني حرفيا «إني أتسلم أو أتلقى»، لكن المقصود بها «شهية طيبة»، أو كما يقال بالفرنسية (bon appétit) وعند الانتهاء من الطعام يقال «غوتشيسوزاما ديشيتا» (deshita gochis?sama)، التي تعني «كانت وليمة عظيمة»، كل هذه التعابير كما هو الحال مع الكثير من الشعوب واللغات، خصوصا العربية لها أصول دينية، وفي حالة اليابان أصول بوذية للتصرف.

يتم أيضا تناول طاسة الحساء باليد اليسرى والعيدان باليد اليمنى، مما يسمح بالحركة الطبيعية للجالسين على طاولة الطعام، ولأهمية مرق الصويا أو صلصة الصويا لا تتم إضافته إلى معظم الأطباق، بل يحوز على قدر أو طاسة خاصة به إلى جانب بقية الأطباق، يتم استخدمها لـ«الغمس».

كما يعتبر اليابانيون قضم العيدان أو عضها من عيوب المائدة، ويركزون على أهمية كبرى على عدم ترك العيدان في أقدار أو طاسات الأرز، لأنها تذكر بعيدان البخور التي تشعل للأموات، كما يحذر الناس عادة من تسليط العيدان باتجاه أو بآخر مغبة اهانة الجليس، ولا ينقل اليابانيون أو يتبادلون الطعام على الطاولة عبر استخدام العيدان، بل رأسا من القدر إلى القدر ومن الصحن إلى الآخر.

وفضلا عن ضرورة احترام الضيف خيار صاحب البيت في الطعام، لا يحب اليابانيون التأنف على الطعام أو التطلب، فهو من العادات السيئة، خصوصا من قبل الضيف، ويفضل عادة أن يؤكل الأرز إلى آخر حبة، كما أن ترك بعض المواد وأكل غيرها على المائدة غير مستحب، ولا بد من المضغ والفم مغلق بالطبع.

ورغم أن تقاليد اليابانيين لا تشمل الأكل في الأماكن العامة (خلال السير أو السفر وفي القطارات)، فإن انتشار المأكولات السريعة غير من هذا الحال وبدده قليلا خلال العقود الخمسة الماضية، كما يعتبر استخدام المحارم أو الفوط الساخنة المعروفة بـ«اوشيبوري» (oshibori)، التي تقدم في المطاعم اليابانية لمسح الوجه أو الرقبة من العيوب أيضا، إذ إنها فقط للفم.

ويعطي أهل اليابان أهمية كبرى لوجبات الأطفال والموظفين التي توضع في الصناديق، ويطلق عليها اسم «اوبينتو» (Obento)، وتعنى ربات المنزل بهذه الـ«زوادة» عناية فائقة أو عنايتهن بأكل المنزل، وعندما تحضر الأطعمة تحضر ليتم استهلاكها كاملة.