مارك جايكوبس .. بيكاسو الموضة

«لوي فيتون» تكتب نهاية سعيدة وشقية لأسبوع باريس
«لوي فيتون» تكتب نهاية سعيدة وشقية لأسبوع باريس

يوم الخميس الماضي، كان لنا موعد مهم جدا مع الموضة. ففي ساحة اللوفر المربعة، نصبت خيمة مصنوعة من البلاستيك الشفاف، لتحتضن أحد أهم عروض الموسم في باريس.


وربما هذه الأهمية هي التي دفعت غرفة الموضة الفرنسية أن تبرمجه في اليوم الأخير، حتى تضمن بقاء وسائل الإعلام والمشترين في العاصمة، ذلك أن عرض لوي فيتون للمصمم النيويوركي الشاب، مارك جايكوبس، لا يمكن أن يُفوت بأي شكل من الأشكال.

قبل العرض بيوم، أرسل المكتب الصحافي بيانا أكد فيه على الكل أن يتواجدوا في عين المكان قبل الوقت، لأن العرض لن يتأخر ولا دقيقة واحدة.

طبعا لم يصدق أحد هذا القول، رغم انصياعهم للأوامر، لأن كل العروض تبدأ في العادة متأخرة بنصف ساعة على الأقل، لكن المفاجأة كانت أن العرض بدأ في وقته المقرر فعلا، أي في الثانية والنصف ظهرا بالدقيقة، ليكون أول عرض يحقق الرقم القياسي في احترام المواعيد.

ولا شك أن هذا الأمر يستحضر عرض مارك جايكوبس في أسبوع نيويورك منذ أكثر من سنة عندما بدأه متأخرا بحوالي ساعتين؛ مما أثار عليه حنق الحضور، بمن فيهم سوزي مانكس، من جريدة «الهيرالد تريبيون» التي هددت مجازا بأنها يمكن أن تخنقه بيديها، مما أثار موجة من النقاشات على مواقع الإنترنت، ومادة دسمة للنميمة حينها.

ربما كانت تلك التجربة درسا مفيدا للمصمم الشاب، علمته أن يتقيد بالمواعيد، أكثر من أي مصمم آخر حتى الآن.

 ولم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد، فقد تبين أن الفرقة الموسيقية الحية خارج الخيمة وكانت تعزف مقطوعات من «الكان كان» لم تكن اعتباطية، بل إشارة إلى ما يمكن أن نتوقعه من عرض اختالت فيه العارضات في قطع تستحضر راقصات هذا الفن، إن صح القول، وعلى رؤوسهن إكسسوارات تشبه تلك التي تلبسها «أرانب الاستعراضات» لمزيد من الشقاوة والمرح.

بعبارة أخرى، كان كل شيء هنا يفوح بعطر باريسي مدغدغ للحواس، حيث افتتح العرض بتنورة منفوخة من الحرير الأزرق الغامق، مع قطعة من الدانتيل الشفاف تغطي الصدر، لتتوالى القطع المستوحاة من باريس المناطق الراقية تارة، ومن ليل باريس وبريقه في «البيغال»،أو «المولان روج» تارة أخرى.

التايور كان قطعة تكررت عدة مرات، لكن كانت هناك أيضا فساتين في غاية الأنوثة والإثارة، مثل فستان باللون الوردي منساب على الجسم ومتميز بتقنية الدرابيه، بينما كانت هناك فساتين أخرى مغطاة بستار من الدانتيل أو من الحرير مع سحابات واضحة للعين، فيما زينت الإطلالة قلادات تحيط بالعنق، تبدو وكأنها سلاسل من ورق مقوى، يزينها قفل «لوي فيتون» من الخلف.

كل ما في التشكيلة يبدو مترفا وفخما، بدءا من الأزياء إلى الإكسسوارات، سواء كانت أحذية المساء والسهرة، التي زينت كعوبها بلؤلؤة ضخمة، أو الأحذية العالية الساق التي زينت من أعلى بـ «كشاكش» من الجلد أو المخمل، إما باللونين الأسود أو الفوشيا، أو حقائب اليد البراقة بأشكال وألوان مختلفة، أو مشابك الشعر التي زينت أيضا باللؤلؤ. لكن ترفها لم يكن مغرقا في الجدية أو الأنوثة المثيرة، بل جاء مفعما بخفة الروح، لأن المصمم لم يكن يريدنا أن نعطي الأمور حجما أكبر من حجمها الطبيعي.

والواضح أيضا أنه لم يكن يريد أن يركز على العملية والقتامة التي فرضتها الأزمة المالية العالمية، والتي خيمت على معظم العروض، التي تابعناها في كل عواصم الموضة، من نيويورك ولندن إلى ميلانو وباريس، بقدر ما كان يريد أن يركز على المتعة أو السعادة التي يمكن للموضة أن تدخلها على حياتنا.

وبالفعل كان هناك نوع من الفانتازيا، لكنها فانتازيا تدعو إلى الحلم اللذيذ، فليس هناك قطعة لا يمكن أن تناسب حياتنا الخاصة بقليل من التنسيق، حتى المعاطف المنفوخة جدا، والدانتيل الشفاف الذي استعمل بسخاء على قطع مستلهمة من ملابس ماري أنطوانيت، بـ «كشاكشها» المبالغ فيها وتنوراتها المبالغ في استدارتها، تجعل الواحدة تحلم بها، وترى لها مكانا في خزانتها الخاصة، بغض النظر عن أسلوبها.

ومع ذلك تبقى حقائب اليد هي البطلة في هذا العرض الممتع، لأن مارك جايكوبس لعب فيها على كل نقاط الضعف بداخل المرأة، وطرحها بأشكال وأحجام متنوعة، بحيث يمكن أن نجد فيها الكلاسيكي والشقي على حد سواء.

بيد أنها في كل الحالات مترفة ومتوهجة بالذهب الذي زين نقوشها أو حواشيها، واستحقت وحدها أن تُبقِي وسائل الإعلام والمشترين في انتظار رؤيتها، ولو بعد سبعة أيام طويلة في الفنادق، والركض من مكان إلى آخر لمتابعة العروض التي كانت مترامية في مناطق عدة من باريس هذا الموسم، عوضا عن أن تكون في «اللوفر»، كما كان عليه الأمر في الأيام الخوالي.

الخلاصة التي خرج بها الجميع من الخيمة التي وصلت فيها درجة الحرارة إلى نسبة عالية من السخونة مع نهاية العرض، بسبب الحماس من جهة، وبسبب تفاعل البلاستيك مع أشعة الشمس من جهة ثانية، هي أن هذه التشكيلة نجحت في أن تنهي أسبوع باريس الطويل، الذي تخللته الكثير من الأحاديث والتكهنات المتشائمة عن الأزمة وتبعاتها وتأثيرها، على نوتة سعيدة، قدم فيها المصمم تحية إلى كل ما هو باريسي.

فباريس أولا وأخيرا تبقى عاصمة الأناقة والجمال، وحتى عندما تبالغ في الألوان والأساليب، والإكسسوارات التي تميزت هنا بإكسسوارات تشبه آذان الأرانب، فإنها دائما تحرص على المحافظة على درجة من الذوق، وهذا ما تقيد به مارك جايكوبس في هذه التشكيلة، التي أكد فيها مرة أخرى أنه من أشد المناهضين للطويل، لأنه لم تكن هناك ولا قطعة واحدة تلامس الأرض، بل إنه هو عندما أطل ليحيِّي الحضور في آخر العرض، كان يلبس ما يشبه تنورة أو «شورتاً» واسعا، يبدو وكأنه تنورة فوق الركبة مع «بوت» عسكري.

وهو بالقصير، الذي يلامس الركبة، لم يخرج عن تقاليد الدار، فهذه التقاليد تخاطب امرأة عصرية، وقد تكون عملية، إلا أنها حتما مواكبة للموضة، ولا تريد التأخر عنها، وهذا ما يناسب فلسفة «لوي فيتون» تماما، وتحرص الدار على تغذيته دائما، لأنه هو ما يجعلها من بيوت الأزياء القليلة جدا، التي لم تؤثر عليها الأزمة حتى الآن.

فزيارة واحدة لمحلها الواقع بجادة «الشانزليزيه» تؤكد أن الطوابير لا تزال طويلة، رغم أنها أيضا الدار الوحيدة التي لا تؤمن بسياسة بالتخفيضات، ولا تنزل أسعارها في أي موسم.. فهي تعرف مسبقا أن حجم الإقبال لن يخف على منتجاتها.

ولا شك أن هذا الأمر سينطبق على هذه التشكيلة الرائعة، خصوصا الحقائب التي يسيل لها اللعاب، والتي قال عنها أنطوان أرنو، ابن برنارد أرنو، الملياردير المالك لمجموعة «إل.في.أم.آش» التي تنضوي تحتها «لوي فيتون» إنها «تسلب اللب»، مشبهًا العمل مع المصمم مارك جايكوبس بالعمل مع فنان كبير، مثل بيكاسو.

وهذا يؤكد لنا ما يدور خلف الكواليس بأن ماركة «لوي فيتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهبا للمجموعة المالكة، رغم أنها تمتلك قرابة 50 ماركة متخصصة في مجالات عدة، من ضمنها بيوت أزياء أخرى، لا تقل أهمية أو شهرة.