أسبوع لندن للموضة .. رغم التزامن مع الأوسكار لا يزال في جعبته الكثير

لندن حمالة المتاعب .. رغم حشر أسبوعها بين باقي الأسابيع العالمية وتزامنها مع الأوسكار لا يزال في جعبتها الكثير
لندن حمالة المتاعب .. رغم حشر أسبوعها بين باقي الأسابيع العالمية وتزامنها مع الأوسكار لا يزال في جعبتها الكثير

مسكينة لندن، ما إن تفيق من مشكلة وتحاول تجاوزها حتى تظهر لها أخرى. لم يكفها أن عواصم الموضة العالمية حشرتها فيما بينها في أيام تعد على أصابع اليد الواحدة، ليأتي حفل توزيع جوائز الأوسكار متزامنا معها ليسرق منها الأضواء، وتغطي أخبار الأزياء التي ستلبسها النجمات على أخبار الأزياء التي تعرض على منصاتها.


المشكلة الأولى تجاوزتها باللجوء إلى تطويل ساعات اليوم إلى آخر المساء، أحيانا إلى الساعة الـ9 مساء كما هو الحال بالنسبة لعرض فيفيان ويستوود، حتى تعطي الفرصة لكل مصمميها بعرض إبداعاتهم لخريف وشتاء 2009، أما الثانية، فقد استسلمت لها كواقع لا مهرب منه ولا مجال للتغلب عليه سوى بالاستمرار والإبداع.

لندن، كما بينت السنوات، حمالة متاعب من الدرجة الأولى، الأمر الذي تعلمت منه الكثير وأكسبها قوة وعزيمة يحسبان لها. فطوال الـ25 سنة، عمرها هذا الموسم، تعرضت للكثير من المشكلات والأزمات، إلى حد أن هذه المشكلات أصبحت زادها ودافعها لإعطاء المزيد، وليس أدل على هذا من قول هيلاري ريفا، رئيسة الهيئة المنظمة لأسبوع الموضة التي قالت عن الأزمة المالية العالمية، إنها فرصة للمصممين للمزيد من الإبداع، خصوصا أنهم لم يتمتعوا يوما بميزانيات كبيرة مقارنة بالأميركيين والأوروبيين، وبالتالي فإن تأثيرها سيكون أقل عليهم.

وأكد هذا الرأي بول كوستيلو بقوله «إنه وقت يتطلب جرأة وقوة في التعبير عن النفس للفت الأنظار». بدورهما «انتوني أند أليسون» اللذان اختارا تقديم أزيائهما على شكل معرض مصغر، نجحا في تقديم أزياء مرحة لا تعكس حالة التشاؤم العامة.

والحقيقة أن هناك تناقضا بين ما تتداوله الألسنة، وما نراه على منصات العروض. ففي الوقت الذي تتخلل الأحاديث عنه حالة تشاؤم بسبب تبعات الأزمة المالية، تنقشع أعراضها بمجرد أن تخرج العارضات من وراء الكواليس، بأزيائهن الزاهية الألوان والرائعة القصات والتصميمات.

ولحد الآن، أكدت العروض أنه لا يزال في جعبة هذه العاصمة «المظلومة» إن صح التعبير، الكثير سواء تعلق الأمر بأزياء المساء والسهرة مثل تلك التي طرحتها جيني باكام أو«قاسمي» إلى تلك الخاصة بالنهار والتي طرحها معظم المصممين، إن لم نقل كلهم، بواقعيتها وجمعها بين الفني والتجاري، من خلال فساتين لكل المناسبات وقطع منفصلة يمكن تنسيقها بسهولة بغض النظر عن أسلوب أي واحدة منا.

الجنون غاب بشكل ملحوظ ليحل محله ابتكار لذيذ، قد لا يناسب ذوات الأسلوب المحافظ في بعض الأحيان، لكنه حتما قابل للترويض، كما هو الحال بالنسبة للتشكيلة التي قدمتها المخضرمة فيفيان ويستوود في قاعة «أوليمبيا» بمنطقة هامرسميث أول من أمس.

وكان من الواضح أن السنوات لم تخفف من جنوح وشطحات المصممة التي تبلغ من العمر 68 عاما، والتي تعتبر أم موضة البانكس في السبعينات، وهذا مكسب للندن، تعتز به كما تعرفه جيدا، بدليل توقيت عرضها المتأخر، الذي لم يكن اعتباطا. فالمسؤولون يعرفون أن المهتمين لن يتأخروا عنه مهما كان، ومهما حفيت أقدامهم من المشي طوال النهار من مكان إلى آخر.

ويستوود قدمت تشكيلة مستوحاة من فيلم «سانت ترينيان» الذي تدور أحداثه داخل مدرسة بنات، مما يفسر التنورات القصيرة والقمصان ورابطات العنق والقطع المقلمة والكنزات الصوفية والمربعات الاسكتلندية وما شابهها. فيفيان تقول إن حفيدتها، التي لا يتعدى عمرها الحادية عشرة، وطريقتها في ارتداء الأزياء هي من أوحت لها بالفكرة، لكن من الخطأ القول إنها تشكيلة موجهة للصغيرات، بل العكس فهي مفعمة بالأنوثة والحيوية مما يجعلها تناسب كل الأعمار، مع بعض التنسيق، علاوة على أن التايورات المفصلة بأكتافها القوية هي لامرأة واثقة من نفسها إلى حد الجرأة.

كل ما في الجو يعطي الإحساس بالتحدي والطاقة والشباب، ربما بسبب طريقة العرض التي قامت بها العارضات بالقفز وكأنهن يمشين على الهواء، أو بسبب الريش والفرو الذي استعمل بسخاء، رغم أن الألوان كانت هادئة والتفصيل صارما.

للحظات تنسى أن هناك أزمة، لكنك بعد أن ترى أن عارضات شهيرات مثل ليلي كول تجلس في الصفوف الأمامية مثل الضيوف، وترى عارضات صغيرات وغير معروفات على المنصة تتأكد أن هناك حالة تقشف مسكوت عنها. وتنطبق هنا مقولة «مصائب قوم عند قوم فوائد» حيث إن العارضات المبتدئات، أصبحن مطلوبات أكثر وأتاحت لهن الأزمة فرص عمر وعمل لم يتوقعن أن تكون سهلة بهذا الشكل، كونهن لا يتقاضين الشيء الكثير مقارنة بالمتمرسات.

العرض الوحيد الذي رأينا فيه باقة من كل الأعمار من العارضات السوبر، كان عرض «قاسمي».

المخضرمة بيتي جاكسون هي الأخرى برهنت أن الإبداع يولد من رحم الأزمات، بتقديمها تشكيلة من أفضل ما قدمته منذ سنوات، ولم يؤخذ على المصممة سوى أن عرضها كان في الصباح الباكر جدا من يوم الأحد، الذي يعتبر يوم إجازة من العمل في العادة. التذمر ذاب بمجرد أن انطلقت الموسيقى، وتوالت الأزياء ما بين قطع صوفية وأخرى من الساتان والتافتا والحرير وبين نقوشات وألوان تراقص فيها الأزرق الهادئ مع الأصفر والأخضر والأسود والأبيض. لكن المفاجأة كانت في تنسيق ألوان متناقضة مثل كنزة بنصف أكمام بلون الليمون مع تنورة مستقيمة بالأزرق وما شابه في صور رائعة.

نيكول فارحي، مصممة أخرى تترقب أوساط الموضة عرضها بشوق، لأنها تنجح دائما في منحنا قطعا منفصلة في غاية العملية والأناقة. لم تخيب الظن، وقدمت تشكيلة استهلتها بمعطف من التويد بألوان قوس قزح، وتايور من نفس القماش والألوان، تلتهما توليفة من الفساتين الرائعة التي تخاطب المرأة التي تريد تصميمات مختلفة لكل المناسبات. فأقمشتها تتباين بين الكشمير أو الصوف المطرز بالخرز وبين البروكار للمساء والسهرة أو حفلات الكوكتيل. كانت هناك أيضا بنطلونات بأطوال مختلفة تميل إلى الاتساع، وتنورات مستقيمة بخصر عال ومعاطف من الصوف أو البروكار بتصميمات مفصلة أو مستديرة، لكن القاسم المشترك بينها كان دائما الأناقة. وعلى ذكر الخصر فقد جاء محددا بأحزمة، حتى في الفساتين التي لا تحتاج إلى ما يحددها.

تفسير نيكول فارحي أنها أرادت من هذه التشكيلة أن تكون قوية ومترفة وألا تأخذ الموضة محمل الجد. كل ما جاء فيها كان مضمونا من الناحية التجارية والفنية على حد سواء، فيما عدا قطعا قليلة جدا بألوان «النيون» تستحضر أجواء «الديسكو» في الثمانينات. من العروض الأخرى التي تثير الكثير من الفضول، عرض ماركة «توانتي8 تويلف» للنجمة سيينا ميللر وأختها سافانا. وكانت الماركة، التي يمثل اسمها يوم ميلاد النجمة في الثامن والعشرين من شهر 12، قد أطلقت في عام 2007، وتعتبر هذه أول مشاركة لها في أسبوع موضة بهذا الحجم مما يعطيها دعما ودفعة تسويقية، كما يعطي أسبوع لندن أهمية هي في أمس الحاجة إليها.